ارحمني يا الله كعظيم رحمتك
عبارة "ارحمني يا الله" عبارة يقولها كل إنسان:
نعم، كل إنسان أيًا كان قدره، لأن كل إنسان محتاج إلى الرحمة. نحن نبدأ بها الصلوات إذ نقول "أبشويس ناي نان" ومعناها بالقبطية "يا رب ارحمنا". ونقولها حينما نردد كلمة كيريا ليصون 41 مرة في كل صلاة، وتعني في اليونانية أيضًا "يا رب ارحمنا". ونقولها في لحن "أفنوتي ناي نان" أي يا الله أرحمنا. ونقول في الثلاث تقديسات "أيها الثالوث المقدس ارحمنا" ثلاث مرات. وننتهي بقولنا: يا رب أرحم، يا رب ارحم، يا رب بارك أمين... نبدأ في الصلوات، ونكررها مرات ومرات...
وهنا يقول المرتل: ارحمني يا الله... لأن هذا هو المدخل الوحيد الذي أدخل به إليك...
أنا خاطئ تحت الحكم، ومعترف بخطيئتي، ومستوجب لكل دينونة. وليس أمامي سوى باب واحد أدخل منه إليك، وهو رحمتك... رحمتك أنت، المعروف بالرحمة، وأيضًا بالمغفرة.
ولقد ردد هذا المعنى في (المزمور 103) فقال "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح كثير الرحمة... لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه... كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا" (مز8:103-12).
وفي هذا المزمور يذكر الرحمة أولًا قبل ذكر خطاياه:
يذكرها الله، فتغطى على الخطايا وتخفيها، لأن هذه الرحمة هي سبب المغفرة. وماذا تكون خطايا أي إنسان، إذا وضعت أمام مراحم الله؟! إنها لا شيء: كقطعة من الطين ألقيت في المحيط، يفرشها في أعماقه ولا تظهر. وهكذا نحن نصلي ونقول "كرحمتك يا رب وليس كخطايانا". وفي هذا قال داود أيضًا "أذكر مراحمك يا رب وأحساناتك، لأنها منذ الأزل هي. لا تذكر خطايا صباي ومعاصي" (مز6:25، 7). وفي صلاة العشار، ذكر الرحمة أولًا قبل الخطية، فقال "ارحمني أنا الخاطئ" (لو13:18).
ولأن الخطية بشعة، فإن المرتل يذكر الله بعظيم رحمته:
برحمته غير المحدودة، التي تتسع لجميع الخطايا، لجميع الناس، في جميع العصور... منذ آدم خلال جميع الأجيال... وكأنه يقول: في أنا الخاطئ تظهر جميع مراحمك، اجعلني موضوعًا لرحمتك. أضف اسمي إلى القائمة غير المحصاة لخطاة غفرت لهم... لأولئك الذين قدمت عنهم المحرقات وذبائح الخطية وذبائح الإثم.
وبالنسبة إلينا -حينما نصلي هذا المزمور- نضيف إلى مراحم الله العظيمة كل ما شملته بعد عصر داود النبي: المرأة المضبوطة في ذات الفعل، والمرأة التي بللت قدميه بدموعها، والمرأة السامرية، وأوغسطينوس، وموسى الأسود، وكبريانوس الساحر، ولونجينوس الجندي، وأريانوس الوالي، وبيلاجيه ومريم القبطية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكثيرين آخرين كمجرد أمثلة لمن تراءف عليهم الرب، وشملهم بعظيم رحمته.
هنا نسمع ألفاظ الرحمة والرأفة وليس مشاعر الدالة.
فالإنسان في حالة الخطية، لا تملكه مشاعر الدالة، وإنما الإحساس بالذلة، هنا لا يقول داود "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز119) "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي حما من شحم ودسم" (مز62)، "كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي" (مز119).. نعم لا يستطيع أن يقول "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله... عطشت نفسي إلى الله" (مز42)، "عطشت نفسي إليك" (مز62).. هذه الدالة اختفت، بكسره لوصايا الله... إنما الحديث هنا عن الرحمة والرأفة... فيتابع كلامه ويقول: ومثل كثرة رأفتك تمحو إثمي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/thanksgiving-psalm-50/have-mercy-upon-me.html
تقصير الرابط:
tak.la/4zfwmhc