أول محبة يمارسها هي محبته لامه، ثم محبته لأبيه. وهي محبة طبيعية لا يبذل مجهودًا في اقتنائها، ولا يحتاج إلي مجهود في المحافظة عليها. وهي أيضًا محبة متبادلة. وأي انحراف عن هذه المحبة، هو شذوذ غير طبيعي...
هذه المحبة لها عنصر إيجابي وعنصر سلبي.
أما العنصر الإيجابي: فهو عاطفة الحب التي يظهرها الابن نحو أبيه وأمه، وبذل كل ما يستطيع من جهد في أراحتهما وإرضائهما وكسب بركاتهما ورضاهما. ويستمر هذا الحب وهذا الإرضاء طول الحياة. وحتى بعد انتقالهما إلي العالم الآخر، يقيم الصلوات والقداسات عنهما، وينفذ وصيتها على قدر ما يستطيع.
وأما العنصر السلبي: فهو أن الابن لا يصح أن يغضب أحدًا من والديه أو يثيره، أو يعامله ببغضه أو بقسوة، أو يتجاهل رأيه. ولا يصح للابن أن يرهق والديه بكثرة الطلبات وخاصة بما هو فوق طاقتهما. ولا يصح أن يبدد مالهما، أو أن يضيع سمعة الأسرة بسلوكه في الفساد. وأكثر عقوق يصل إليه الابن هو أن يتمني الشر أو الموت لأحد من والديه...
لقد أمر الكتاب بقتل من ضرب أو شتم أبًا أو أمًا. كما لعن من يستخف بأبيه أو أمه.
والاستخفاف فيه عدم احترام للوالدين.
ومن أمثلته أن يعامل الابن والديه على نفس المستوى... كأنه وهما في درجة واحدة. وأي أن الكلمة ترد بكلمة، والمناقشة تقابلها مناقشة، والغضب يقابل بغضب والصوت العالي يرد عليه بصوت عالي. كأن لا فارق... هذا الأمر يحدث بين إثنين متساويين، وعلى مستوى غير روحي. وقطعًا هذا لا يليق.
ينبغي على الابن أن يجعل نفسه في الدرجة الأقل، لأن من حق أبيه أن ينتهزه. وهو لا يرد على هذا الانتهار، بل يسمع ويسكت. إن رفع أبوه صوته، أو رفعت أمه صوتها، لا يرفع هو صوته في مستوى صوت أبيه أو أمه، إن رفع صوته يكون مخطئًا. ليس هذا هو أدب الحديث مع الأب أو الأم، ليسمن الاحترام أن تعامل أيًا منهما على نفس مستواك...
ومن علامات احترام الوالدين خدمتهما في كل ما يحتاجون إليه. ولا أقصد بالخدمة مجرد أن تطيع عندما يطلب منك أبوك مثلًا أي طلب. طبعًا هذا واجب، ولكنني أقصد أكثر من هذا... أم الابن الحكيم ينظر من تلقاء نفسه ما هو احتياج أبيه وما هو إحتياج أمه، ويخدمهما دون أن يطلبًا منه، في كل ناحية.
مثال ذلك: وجدت والدك واقفًا ومتعبًا، لا تنتظر أن يطلب منك إحضار كرسي ليجلس، بل اذهب من تلقاء نفسك وأحضره، وقل له: تفضل يا أبي وأسترح. كنت جالسًا مثلًا إلي المائدة، ووجدت صنفًا ينقص أباك، أحضره له وضعه أمامه. وجدت كوب الماء الذي أمامه فارغًا، أملاه له. وجدت أمك مثلًا متعبة في العمل، تقدم وساعدها. لا تنتظر إلي أن تطلب منك. لا تجلس مثلًا إلي المائدة منتظرًا حتى تضع والدتك الطعام أمامك، وإنما اذهب وأحضره معها. وفي نهاية الأكل أرفع معها بقايا الطعام وساعدها.
اخدم أباك وأمك واحترمها. ولا تظن أنك بهذا تنقص درجة. بالعكس، إنك تزيد وترتفع في نظرهما وفي نظر الكل وأمام الله نفسه.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
انظروا سليمان الحكيم مثلًا وهو ملك جالس على عرشه. جاءت إليه والدته. فماذا فعل سليمان؟ يقول الكتاب: "فقام الملك للقائها، وسجد لها وجلس على كرسيه، ووضع كرسيًا لأم الملك فجلست عن يمينه" (1مل19:2).
إن سليمان الملك عندما قام عن عرشه وسجد لأمه، لم ينقص درجة بل زاد. أكثر إذن أن يقبل الشخص يد أبيه أو أمه؟ أو أن يقبل يد الكاهن الذي هو الأب الروحي؟
مثال آخر هو يوسف الصديق، وكان هو نائب فرعون في حكم مصر كلها، خاتم فرعون في يده كل السلطة والنفوذ، والناس يركعون أمامه (تك40:41-43). بل قد صار "أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته" (تك8:45). ومع كل هذه العظمة التي أحاطت بيوسف، لم يستنكف من أبيه راعي الغنم، بل استقدمه إلي مصر بمركبات أرسلها إليه. وشد يوسف مركبته وصعد لاستقبال أبيه. وقدمه لفرعون، ولم يستنكف أن يقول عن أبيه وأخوته أنهم رعاة مواش (تك31:46).
إنه درس يقدمه يوسف الصديق لمن يتنكر لأبيه أو يستحي بسببه، إن كان فقيرًا، أو جاهلًا، أو في وضيفة بسيطة أو فيه عيب ما...
يجب على الابن إذن أن يحترم أباه ويوقر، ولا يستخف به. ولا يستهين برأيه، ولا يظن أنه "دقة قديمة"، وأنه من جيل قد مضت أيامه ليفسح الطريق للجيل الجديد"الصاعد"! ولا يصح أن يسخر من أحد والديه سواء بالكلام أو بالنظر أو بأية حركة، ولو عن طريق المزاح. فهذا كله لا يليق قال الكتاب: "تهابون كل إنسان أمه وأباه" (لا3:19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5cq4xgk