St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   ten-commandments-5-honor-your-father-and-mother
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الوصايا العشر (الكتاب الثاني): أكرم أباك وأمك - البابا شنوده الثالث

16- الطاعة والخضوع للوالدين

 

الطاعة والخضوع

الطاعة عنصر جوهري هام في إكرام الوالدين. قيل عند السيد المسيح أنه أطاع الآب حتى الموت موت الصليب (في8:2). وفي تجسده على الأرض قيل كان خاضعًا لمريم ويوسف (لو51:2) خضع لمريم لأنها كانت أمه، وخضع ليوسف مع أنه لم يكن أباه بالجسد، وإنما كان بمنزله الأب، من جهة الرعاية، لأنه زوج الأم وقد أعتبر أبًا له من جهة العرف، حتى أمه مريم قالت لربنا يسوع عن يوسف "أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين" (لو48:2).

إن خضوع الرب لمريم ويوسف هو درس عظيم نافع لنا، لقد خضع لهما هذا الذي تخضع له الملائكة ورؤساء الملائكة! الذي تجثو له كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض (في10:2). إن الرب يرينا بنفسه إلي أي حد يجب أن تنفذ الوصية الخامسة.

ومن الأمثلة الرائعة في الكتاب المقدس لطاعة الوالدين، مثال إسحق مع أبيه إبراهيم، حيث أسلم نفسه لأبيه ليقدمه محرقة للرب. ومن أمثلة هذا الخضوع العجيب أيضًا ما فعلته ابنه يفتاح الجلعادي، التي أسلمت نفسها لأبيها ليتمم فيها نذره "مع أنه نذر خاطئ". فقدمها أبوها محرقة للرب (قض30:11-40).

ومن أمثاله الطاعة التي رواها الكتاب في إعجاب، وبكت بها الرب عدم طاعة بني إسرائيل له، مثال طاعة بني ركاب لأبيهم الذي كان قد أوصاهم قائلًا: "لا تشربوا خمرًا أنتم ولا بنوكم إلي الأبد. ولا تبنوا بيتًا، ولا تزرعوا زرعًا، ولا تغرسوا كرمًا، ولا تكن لكم. بل إسكنوا في الخيال كل أيامكم" (أر6:35-10). وقد سر الرب كثيرًا بطاعة بني ركاب لأبيهم، وقال لهم: "من أجل أنكم سمعتم لوصية يوناداب أبيكم، وحفظتم كل وصاياه... لذلك... لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسان يقف أمامي كل الأيام" (أر18:35، 19).

St-Takla.org Image: Saint Saga Zab and St. Egzy Haraya the parents of Saint Takla Haymanout the Ethiopian - Itissa Taklahimanot Monastery - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس سجا زاب والقديسة إجزي هارايا والدا القديس تكلاهيمانوت - من ألبوم صور دير إتيسا تكلاهيمانوت (محل ميلاد القديس تكلا هايمانوت) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008 م.

St-Takla.org Image: Saint Saga Zab and St. Egzy Haraya the parents of Saint Takla Haymanout the Ethiopian - Itissa Taklahimanot Monastery - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس سجا زاب والقديسة إجزي هارايا والدا القديس تكلاهيمانوت - من ألبوم صور دير إتيسا تكلاهيمانوت (محل ميلاد القديس تكلا هايمانوت) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008 م.

نعم، ما أجمل الطاعة للوالدين. لذلك يوصينا الكتاب بها قائلًا: "اسمع يا بني تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك" (أم1:8؛ 6:20؛ 23: 22).

نعم، ما أجمل الطاعة، وما أجمل الخضوع. إنهما ثمرتان من ثمار الإتضاع، ومن ثمار التأدب. وهما دليلان على الوداعة والمحبة...

وفي الطاعة أيضًا نكران للذات، وجحود للمشيئة الخاصة. ولا شك أن الطاعة تكبر وتعظم كلما أطاع الإنسان فيما هو ضد مشيئته، وأخضع مشيئته لغيره.

ومن الكلمات الجملية في الطاعة، قول السيد المسيح له المجد: "لأني نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يو38:6).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عناصر الطاعة

 

من المفروض إذن في الابن أن يطيع والديه: طاعة قلبية عن حب ورغبة في الإرضاء، وطاعة حقيقية ليست ظاهرية، وطاعة عن رضي بغير تذمر، وطاعة سريعة بغير تلكؤ، طاعة في غيبتهم وفي حضورهم. وأخيرًا طاعة في الرب.

أ- طاعة حقيقية:

يجب على الابن أن يطيع والديه، ليس مجرد الطاعة لكلامهما فقط، وإنما لمشاعرهما الداخلية، طاعة تهدف لإرضاء قلبهما. حتى إن قالا كلامًا باللسان غير ما يحبونه.

 

قصة:

ومثال ذلك قصة قرأتها عن طفل صغير، إنه كان يريد أن يذهب إلي حفلة معينة مع زملائه. فطلب من والدته أن تأذن له بالذهاب، فرفضت وقالت له: "لا تذهب". فتضايق الطفل لأنه كان يريد أن يحضر الحفل. ولما رأت أمه أنه حزن وتضايق، سمحت له أن يذهب على مضض منها. ولكن هذا الطفل فكر في الأمر. وقال في نفسه: "إن والدتي غير مستريحة في قلبها من الداخل. ومعنى هذا إنني لو ذهبت فسأحزن قلبها، فالأفضل أني لا أذهب". وأخيرًا فإن هذا الطفل المطيع منه نفسه من تحقيق رغبته، محبة في والدته ورغبة في إرضاء قلبها. ولم يقتنع ضميره بتلك الموافقة الظاهرية التي حصل عليها...

إنه درس لنا. لأنه قد يوجد ابن يريد أن يطيع والديه شكليًا. فإن رفضا له طلبًا، يظل يضغط ويلح، ويضغط ويلح، وقد يتضايق وقد يحزن حتى يسمع كلمة: "وافقنا". فيلتقطها بسرعة قبل ما يرجعوا في كلامهم. ويسمح لنفسه أن يفتخر بعد ذلك ويقول: "أنا عمري ما خالفت!! أنا أخذت الموافقة"!

صحيح إنها موافقة، ولكنها أتت عن طريق الضغط. إنها مجرد موافقة لسان، ولكن القلب غير موافق من الداخل والمفروض في طاعة الوالدين، أنها تكون طاعة حقيقية غير شكلية. يكسب فيها الابن رضي والديه وموافقتهما القلبية.

 

ب- طاعة سريعة...

نجيب أن تكون الطاعة أيضًا بسرعة، بغير تباطؤ، ولا تلكؤ، ولا تأخير. من غير كلمة:"بعدين، طيب كمان شويه، بكره إن شاء الله".. هذا الكلام لا ينفع.

الابن البار هو الذي يطيع بسرعة. ما أن تخرج الكلمة من فم أحد والديه، حتى توضع مباشرة موضع التنفيذ. إن فعل الابن هكذا، لا بد أن يحصل على محبة والديه وينال البركة والدعاء...

 

قصة من البستان:

توجد قصة لطيفة في بستان الرهبان عن الطاعة: قيل مرة لأحد الشيوخ: "لماذا تحب أبنك الروحي فلان أكثر من الباقين وتفضله عليهم؟". فأجاب سائليه: "انتظروا، انتظروا". ثم نادى على تلاميذه طالبًا شيئًا. فتباطأ الكل في التنفيذ أما هذا الابن، فإنه كان جالسًا يكتب. فلما سمع نداء أبيه الروحي، قام بسرعة، لدرجة أنه لم يكمل كتابة الحرف الذي وصل إليه عند سماعه صوت معلمه. ولما رأى الناس ذلك اندهشوا...

هذه الطاعة السريعة نجدها واضحة أيضًا في العسكرية. لا بد للجندي أن يطيع بسرعة، بغير تأخير ولا تباطؤ. ولعل هذه هي إحدى الفضائل التي يحصل عليها من تدرب فترة في الجيش.

 

ج- طاعة في غيابهما...

والطاعة التي تنال رضي الوالدين تكون في غيابهما كما في حضورهما.

 

قصة:

يُحْكَى عن أحد الشبان أن أتي إليه أصحابه يدعونه للذهاب معهم إلي مكان ما. فاعتذر قائلًا: "لا أستطع لأن والدي أمرني بعدم الذهاب إلي هناك". فقالوا له: "لا تخف. تعال معنا، وأبوك سوف لا يعلم". فأجابهم: "نعم، يمكن أن أذهب دون أن يعلم أبي، ولكنني إن فعلت هذا، فإنني عندما أرجع لا أستطع أن أرفع عيني في وجه أبي. سيملكني شعور بالخجل منه لأنني خالفت كلامه"..

 

د- طاعة برضى...

ينبغي للطاعة الحقيقية أن تكون برضي القلب، بدون تذمر، هناك أولاد ينفذون الأمر، ولكن بتذمر القلب، وأحيانًا بتذمر اللسان. يمشون في الطريق وهم يكملون أنفسهم، ويتلفظون بعبارات احتجاج وسخط على الأمر الذي ينفذونه. هؤلاء يطيعون طاعة آلية. عن غير حب. وقد ينفذون الأمر الذي صدر إليهم، دون أن يكسبوا قلب الذي أمرهم ورضاه. وقد يكون تنفيذهم أحيانًا عن خوف، وليس عن حب وإكرام...

وهناك مَنْ لا يطيعون إلا بعد جدل شديد ونقاش عنيف. وكل أمر يصدر إليهم يقتلونه فحصًا وتحليلًا، ويرهقون أعصاب من يأمرهم بكثرة النقاش، لدرجة أن الأب قد يتنازل عن أمره من تعب النقاش، أو يفضل عدم طلب شيء من مثل هذا الابن الكثير الجدال...

ما أجمل قصة شجرة الطاعة: التي فيها أمر ذلك الشيخ القديس تلميذه يوحنا بان يغرس عصا ناقشة ويرويها كل يوم، وظل ذلك الابن المطيع يروي الخشبة ثلاث سنوات دون جدال أو نقاش، على الرغم من غرابة الأمر الصادر إليه. ومن أجل إيمانه وطاعته، أثمرت تلك العصا كما أفرخت عصا هارون، وصارت شجرة دُعِيَت: "شجرة الطاعة".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

أخيرًا هناك صفة أساسية في الطاعة، وهي أن تكون:

هـ- طاعة في الرب

هكذا قال الرسول: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب، لأن هذا حق" (أف1:6). وعبارة "في الرب" معناها "في حدود وصايا الله". حقًا إذن ما أجمل الطاعة والخضوع، ولكن في الرب.

فإن أطلعت أبًا أو مرشدًا فيما يخالف وصايا الله، فإنكما كلاكما تسقطان في حفرة، هذا إذا كانت المخالفة واضحة. نقول هذا لأنه يوجد أحيانًا بعض آباء منحرفين...

كن مطيعًا يا أخي، وأخضع في كل شيء، بكل إتضاع، حتى الموت، إنكر ذاتك، وإنكر مشيئتك، وإنكر كرامتك. ولكن لا تنكر ضميرك.

وفي الطاعة، أسلك بحكمة، وبإفراز، وتذكر قول القديس انطونيوس الكبير: {إن أمرت بشيء يوافق مشيئة الله فإحفظه. وإن أمرت بما يخالف الوصايا، فقل إن الطاعة لله أولى من الطاعة للناس. وأذكر قول الرب: "إن غنمي تعرف صوتي وتتبعني وما تتبع الغريب" (يو10). [بستان الرهبان جـ1ص9].

 

مِثال بني ركاب:

لعل من أروع الأمثلة للطاعة، ما فعله بنو ركاب، مما ورد شرح في الإصحاح 35 من سفر أرمياء النبي (إر 35)، هؤلاء الذين أراد الرب أن يقدمهم مثالًا للطاعة يبكت به عصيان إسرائيل "2".. فأرسل إليهم إرمياء النبي ليقول لهم: "اشربوا خمرًا".

وكان الرب يعلم أنهم سوف لا يطيعون حتى هذا النبي العظيم. وكان يعلم أن في عدم طاعتهم للنبي يكمن عمق الطاعة، في معناها الحقيقي، في حكمة وإفراز...

أخذهم النبي إلي بيت الرب، إلي أحد المخادع، حسب قول الرب له. ووضع أمامهم طاسات ملآنة خمرًا، وقال لهم: "اشربوا خمرًا". فقالوا: "لا نشرب".

قالوا كلمة "لا" للنبي، وقالوها بضمير مستريح، ولم يخافوا. وسر الله جدًا بعدم طاعتهم للنبي، وكفأهم على ذلك.

لقد كان هذا من الرب اختيارا لهم لتقديمهم كمثال. وأعتبر الرب موقفهم هذا نموذجًا عاليًا للطاعة، مدحهم بسببه وكافأهم عليه، وَبَكَّت بهم شعبه العاصي!!

كانوا مقدرين أنهم لو أطاعوا إرميا النبي العظيم في هذا الأمر، لكانت طاعتهم له كسرًا للمبدأ الروحي السليم الذي ساروا عليه زمنًا طويلًا، مطيعين فيه الوصية الخامسة التي أمر بها الله من قبل.  ووصايا الله ينقض بعضها بعضًا...

هنا -إذ ننظر في إعجاب كبير إلى موقف الركابيين - نتأمل في إعجاب أكبر قول بولس الرسول في الطاعة:

".. إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيمًا "أي محرومًا"" (غل8:1).

لاحظوا أن الرسول لم يقل: "إن بشرناكم نحن أو ملاك بغير ما بشرناكم به، فلا تطيعوا" وإنما قال أكثر من هذا: "فليكن محرومًا"..

وقد استفاض القديس باسيليوس الكبير في شرح هذه الآية، مبينًا أهمية هذا المبدأ العظيم الذي قدمه لنا الرسول عن الطاعة، وقال معلقًا في بيان خطورة هذا المبدأ: "إن بولس الرسول جسر في ذلك أن يحرم ملائكة".

ولما كان موضوع الطاعة والخضوع حساسًا ومهمًا بالنسبة إلي غالبية أنواع الأبوة، لذلك قد خصصنا له الفصل المقبل من هذا الكتاب...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-5-honor-your-father-and-mother/obedience-submission.html

تقصير الرابط:
tak.la/634ry6r