هناك أشخاص يعيشون لذواتهم فقط، وبطريقة خاطئة:
كل ما يريده في الحياة، هو أن يبني ذاته وليته يفعل ذلك بطريقة روحية وإنما بأسلوب مادي أو عالمي أو جسدي! وفي سبيل ذلك قد يضيع الآخرين، إذ يزيحهم من طريقة ليبقى هو... والأعجب من ذلك، أنه فيما يحاول أن يبني نفسه، يضيعها ويهلكها. كما قال السيد له المجد:
"مَنْ وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (متى 10: 39).
وهكذا تحدث السيد الرب عن إنكار الذات (تي 16: 24)، وعن بذل الذات (يو10: 11) (يو 15: 13). إن مشكلة الغنى الغبي هو أنه أراد أن يمتع ذاته على الأرض "بخيرات كثيرة" (لو 12: 19). ومشكلة غني لعازر أنه كان "يتنعم كل يوم مترفها" (لو 16: 19). وسليمان الحكيم جرب كل متع العالم، فإذا الكل باطل وقبض الريح (جا 2: 11)... إن الذي يعيش لنفسه فقط، هو شخص أناني. وقد صدق المثل القائل:
ما عاش قط، من عاش لنفسه فقط.
ينبغي أن توضع الذات في آخر القائمة، حينما نرتب الأولويات. فنقول الله أولًا. ثم الآخرين. ثم الذات. على أن هذا الترتيب لا يكون سليمًا، إن كانت فيه انفصالية. فالعمل لأجل الآخرين، والعمل لأجل الذات، ينبغي أن يكون كلاهما داخل الحياة لأجل الله، وليسا منفصلين عنه. وهكذا يكون الله هو الكل في الكل (1كو 15: 28).
وقد يقول إنسان: أنا أعيش لأجل أولادي.
من أجلهم يعمل ويتعب ويشقَى. ومن أجلهم يكنز مالًا، ليترك لهم ميراثًا. والعناية بالأولاد واجب مقدس. ولكن الخطأ هو أن يركز الإنسان على أولاده، ويهمل واجباته تجاه لله فيهمل نصيب الله في ماله، ونصيب الفقراء أيضًا، ويجعل الكل لأولاده، يقول سليمان الحكيم "فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس. حيث اتركه للإنسان الذي يكون بعدى. ومن يعلك هل يكون حكيمًا أو جاهلًا ويستولي على كل تعبي الذي تعبت فيه وأظهرت فيه حكمتي... هذا أيضًا باطل (جا 2: 18، 19).
إن الخير الذي يحسب لك عند الله، هو الخير الذي تفعله أنت، وليس الذي يفعله أولادك...
إذن اهتم بأولادك، واهتم بباقي الناس أيضًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. عِش لأولادك... وَعِش للمجتمع كله... بحيث تحب أولادك، وتعطيهم من تعبك وكدك. وتحب المجتمع كله، وتخدمه، وتبذل لأجله، وتحب الكنيسة وتخدمها وتكون محبتك للكل هي داخل محبتك لله.
ولا تكن لك محبة خاطئة، خارج محبة الله، ولا محبة طاهرة أزيد من محبتك لله.
فهوذا الرب يقول "من أحب أبًا وأمًا أكثر مني، فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقني" (مت 10: 37) وهكذا يكون الحب كله لله، والقلب كله الله، ومحبة الأولاد والناس داخل محبة الله. وتكون محبتك الأولى لأولادك، هي أن تجعلهم يعرفون الله ويحبونه، حتى تستطيع أن تقول له كما قال السيد "عرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به "الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم" (يو 17: 26،8).
لا تجعل لله منافسًا في قلبك، سواء كان المنافس شخصًا أو شيئًا.
لهذا نرى الرب قد شبه القديسين بخمس عذارى حكيمات (متى 25). ذلك لأن العذراء ليس لها تعلق بإنسان آخر. وعذراوية القلب تعني أنه ليس له تعلق بشهوة أخرى غير الالتصاق بالرب. وهكذا قال القديس بولس الرسول "خطبتك لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). أنظروا إلى داود النبي والملك -على الرغم مما يحيط به من كل عظمة الملك ورفاهيته - نراه يقول:
"أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب" (مز 73: 28).
ويقول للرب "معك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز 73: 25). إنه بهذا يصل إلى فضيلة "الاكتفاء بالله" فيقول "ولا يعوزني شيء" (مز 23: 1). وحينما عبر عن الرغبة التي تشبع قلبه، لم يلتفت إلى رفاهية الملك، وإنما قال "واحدة طلبت من الرب وأتفرس في هيكله" (مز 27: 4). ولذلك قال "طلبت وجهك، ولوجهك يا رب ألتمس. لا تحجب وجهك عني" (مز 27: 8، 9). كانت هذه هي الطلبة الوحيدة التي للملك العظيم داود...
الذي يعيش للرب، لا تهمه الأوضاع الخارجية، بل يعيش للرب في أي وضع، وفي كل موضع.
ولعل من الأمثلة الواضحة في هذا الأمر: يوسف الصديق كان يعيش للرب وهو ابن في اسر. فتغير وضعه إلى عبد في بيت رجل ثرى، فظل يعيش للرب في وضعه الجديد تغير وضعه أيضًا إلى سجين، ثم إلى وزير. ولكن الأوضاع الخارجية لم تؤثر على علاقته بالرب إطلاقًا. إنه يعيش للرب كابن، أو كعبد، أو كسجين، أو كوزير. إنه هو هو. يتغير الوضع والموضع. أما هدفه الوحيد أن يعيش للرب، فهو هدف لا يتغير.
نقول هذا لأن أناسًا يرفضون أن يعيشوا للرب، إلا إذا كان لهم وضع معين...
إما أن يكون لهم في الكنيسة مركز خاص، وإلا فإنهم يغضبون وينعزلون ويرفضوا أن يعملوا... إما أن يعاملهم الله معاملة خاصة، ويدللهم بأسلوب معين، وإلا يتخذون من الله موقفًا مضادًا... وهكذا يشترطون شروطًا للمعيشة مع الله! وإلا يتركونه... ما هذا يا أخي؟! ما هذا يا أخي؟! لنفرض حتى أنهم طردوك من الكنيسة، أترفض لهذا السبب أن تعيش مع الله؟!
ينبغي أن تكون للحياة مع الله أهمية كبرى في قلبك، لا تتخلى عنها مهما كانت الأسباب والدوافع والظروف المحيطة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spiritual/wrong.html
تقصير الرابط:
tak.la/b6bagz6