بأي جسد قام السيد المسيح هل بجسد عادي مثل جسدنا أم بجسد ممجد؟ وإن كان بجسد ممجد... فما هو معني أنه "أكل مع تلاميذه" (لو 24: 43)؟ وما معني أنهم جسوا لحمه وعظامه (لو 24: 39).
وهل الجسد الممجد الذي قام به هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء؟ ولماذا لا نقول أيضًا إنه قد ولد بجسد ممجد؟
1- لا شك أن جسد القيامة بصفة عامة هو جسد ممجد.
وقد شرح القديس بولس هذا المجد بقوله "هكذا أيضًا قيامة الأموات... يزرع في هوان، ويقام في مجد، يزرع في ضعف، ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 49، 50).
2- فإن كنا نحن سنقوم بجسد ممجد... بجسد روحاني فكم بالأولى كانت قيامة السيد المسيح.
هذه القيامة التي كانت "باكورة" (1 كو 15: 20، 23) ونحن كلنا على مثالها سنقوم في القيامة العامة. وأكبر دليل على أننا سنقوم بمثال مجد تلك القيامة هي قول القديس بولس الرسول في رسالته في فيلبي:
"يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21).
إذن السيد المسيح قد قام بجسد مُمَجَّد، ونحن سنقوم أيضًا "على صورة جسد مجده"، هذا أمر واضح لا يحتاج إلى إثبات، ولا يقبل نقاشًا.
والمعروف أن الجسد الممجد هو جسد روحاني على حسب قول الرسول في (1 كو 15: 44، 49) والجسد الروحاني قد ارتفع عن الوضع المادي من أكل وشرب. وارتفع عن مستوى اللحم والعظام... وهنا يقف أمامنا سؤال هام:
3- كيف قيل عن المسيح بعد قيامته أنه أكل... وأنه كان له لحم وعظام؟!
وهذا الأمر واضح في الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير، إذ ورد في ظهور السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة أنهم "جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا. فقال لهم انظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني، وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه" (لو 24: 37-40) وفي نفس الأصحاح وفي نفس المناسبة، أخذ طعامًا منهم وأكل قدامهم (لو 24: 41-43) فكيف نفسر ذلك؟
4- نفسر ذلك... بأنه أراد أن يثبت لهم قيامة جسده... وهم لا يفهمون معني الجسد الروحاني...
في ذلك الحين ما كانوا يفهمون كنه(1) الجسد الروحاني، وما كانت هذه العبارة قد طرقت أسماعهم أو افهماهم. ويقينًا بدون هذه الإثباتات التي قدمها لهم من أكل ومن جس للحمه وعظامه، كانوا سيظنون أنهم رأوا روحًا (لو 24: 37) مجرد روح بلا جسد!! أي أن الجسد لا يكون قد قام في فهمهم.
5- والمهم في القيامة... قيامة الجسد.
لأن الروح بطبيعتها حية لا تموت... والذي هو الجسد بانفصاله عن الروح.
ويتحول إلى تراب، وتبقى الروح حية في مكان الانتظار. إذن القيامة هي قيامة الجسد واتحاده بالروح مرة ثانية... ونحن في طقس "جحد الشيطان "في المعمودية نقول: "نؤمن بقيامة الجسد "فكون التلاميذ ظنوا أنهم نظروا روحًا، معني هذا أن فكرة قيامة الجسد كانت بعيدة عن إقناعهم وقتذاك. وكان لابد من إقناعهم بها، ليقنعوا بها غيرهم.
وهنا نذكر قول القديس بطرس السدمنتي: إن السيد المسيح قبل صلبه كان يثبت للناس لاهوته... أما بعد قيامته فأراد أن يثبت لهم ناسوته.
والروح وحدها لا تمثل ناسوتًا كاملًا، فلابد من إثبات أن الجسد قد قام، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لهذا قال لتوما "هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدي. وهات يدك وضعها في جنبي. ولا نكن غير مؤمن بل مؤمنًا" (يو 20: 27). وقال للتلاميذ "جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39). كما سمح لمريم المجدلية ومريم الأخرى حينما سجدتا له بعد القيامة. أن تمسكا بقدميه (متى 28: 9). كل ذلك لإثبات قيامة الجسد.
6- هذا الجسد الممجد الروحاني هو الذي صعد إلى السماء.
وعملية الصعود قد لا تتفق مع جسد مادي، يخضع لقانون الجاذبية الأرضية لأنه أثقل من الهواء. ولكنه صعد بجسد روحاني، يرتفع إلى فوق في مجد، وبنفس المجد يجلس عن يمين الآب.
ونفس الجسد الممجد هو الذي سيأتي به في مجيئه الثاني "في مجده" (متى 25 31) بمجده ومجد الآب (لو 9: 26) وليس مجد الصعود أو المجيء الثاني مجرد معجزة بل هو وضع ثابت في طبيعته يستمر إلى الأبد.
7- وهذا الجسد الممجد هو الذي ظهر به لشاول الطرسوسي في طريق دمشق.
إذ "بغتة أبرق حوله نور من السماء. فسقط على الأرض وسمع صوتًا قال له شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده" (أع 9: 3-5).
هذا الجسد الممجد هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء.
ولكن جسده في ميلاده لم يكن في مجد قيامته... ذلك لأنه في مولده كان قد "أخلى ذاته، آخذًا صورة عبد في شبه الناس" (في 2: 7).
وعملية الإخلاء هذه انتهت بمجد القيامة والصعود.
8- جسد القيامة هو نفس جسد الميلاد... ولكن في حالة من التجلي:
أعطانا عربونًا لها على جبل التجلي (مر 9: 2، 3) وكمثال للتشبيه، والقياس مع الفارق، حالة الثلاثة فتية وهم في أتون النار: جسدهم هو نفس الجسد، ولكنه وهب إلى حين لونًا من التجلي حفظه من أذية النار. فالقيامة للسيد المسيح، ولنا نحن أيضًا، بنفس وجسد الميلاد، ولكن بمجد أو في حالة من التجلي، يسبغ على نفس الجسد طبيعة ممجدة فإذا به جسد روحاني.
9- ولكن البعض يسأل هل جسد المسيح أخذ طبيعته الممجدة بعد القيامة مباشرة أم بعد الصعود؟
أقول بل في القيامة ذاتها. وما الحالات التي أثبت بها ناسوته سوى حالة استثنائية لكي يؤمن التلاميذ أن جسده قد قام، وينشرون هذا الإيمان عن ثقة بقولهم "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) "نحن الذين أكلنا، وشربنا معه بعد قيامته" (أع 1: 41).
وفي غير تلك الحالات، فإن جسد القيامة الممجد لا يأكل، ولا يشرب طعامًا ماديًا، ولا يحتاج إلى ذلك، ولا بجوع ولا بعطش. كما أنه في الممجد لا يتعب، ولا يتألم، ولا يكون قابلًا للموت.
10- ومن الأدلة على مجد جسد القيامة: دخوله وخروجه من المغلقات.
فقد دخل العلية على التلاميذ أكثر من مرة والأبواب مغلقة (يو 20: 19، 26). وفي قيامته خرج من القبر وهو مغلق. ولما أتى الملاك ودحرج الحجر عن فم القبر، كان ذلك بعد القيامة، لكي يرى الكل القبر فارغًا (النسوة والتلاميذ وكل الناس فيما بعد)، وليس لكي يقوم المسيح، إذ كان قد قام والقبر مغلق.
ومن أمثلة خروجه من المغلقات: خروجه من الأكفان والحنوط، مع بقائها على حالها.
وكان قد خرج من قبل من بطن العذراء. وهنا لعل البعض يسألون: هل السيد المسيح قد ولد بجسد ممجد كجسد القيامة؟ فنجيب:
11- إن السيد المسيح ولد بجسد بمثل طبيعتنا. شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية.
أخذ نفس طبيعتنا التي بها دُعِيَ (ابن الإنسان)، والتي بها أمكن أن يفدينا. وأجتاز مراحل النمو الجسدي مثلنا (لو 1: 80). وكان يجوع (متى 4: 2) ويعطش (يو 19: 80) ويتعب (يو 4: 7) وينام (متى 8: 24). وفي بستان جثسيماني كان عرقه في جهاده يتساقط كقطرات دم نازلة على الأرض (لو 22: 44).
12- ولولا أنه في طبيعتنا،ما كان ممكنًا أن يتألم.
إذ هو كان في طبيعة قابلة للتألم. وقد تألم بالجسد. ذاق آلام الضرب والجلد والصلب. ووقع تحت الصليب وهو يحمله أكثر من مرة، فحمله عنه سمعان القيرواني. وكانت طبيعته البشرية قابلة للموت، فمات عنا وفدانا. بينما الجسد الممجد لا يتألم ولا يتوجع ولا يموت. إذن هو قد ولد بطبيعة مثلنا قابلة للألم والموت، وللتوجع وللحزن، وبهذا أمكنها أن تتم عملية الفداء... ثم تمجدت في القيامة.
أما المجد الذي كان لطبيعته قبل الفداء، فهو مجد العصمة من الخطية.
13-منذ ميلاده، بل منذ الحبل به، وطول فترة تجسده بيننا على الأرض. هذا مجد روحي، وبإرادته الصالحة. أما جسده، فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية، وقد أخلى ذاته.
14- وكان من مجده أيضًا اتحاده باللاهوت.
على أن اتحاده باللاهوت لم ينقص إطلاقًا من طبيعة ناسوته، ولم يلغ ضعفات الجسد من الجوع والعطش والتعب والموت، وإلا فقد الفداء طبيعته وقيمته. كانت آلامه حقيقية، لذلك كان فداؤه لنا حقيقيًا. أخلى ذاته من المجد، لكي يهبنا المجد في قيامته. ولأنه أخلى ذاته من المجد البشري، لذلك قال للآب قبل صلبه "مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضًا... والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 1، 5).
15- وعن القيامة قيل "ولما تمجد يسوع.." (يو 12: 16).
16- غير أن التلاميذ ما كانوا يحتملون رؤية مجده.
ولذلك لما رأى القديس يوحنا الحبيب شيئًا من مجد الرب في سفر الرؤيا (وقع عند رجليه كميت) لماذا؟ لأن "وجهه كان كالشمس وهي تضيء في قوتها، وعيناه كلهيب نار" (رؤ 1: 17، 16، 14).
17- لهذا كله، تدرج السيد مع تلاميذه في إظهار مجد قيامته لهم.
فعل هذا مع المجدلية التي ظنته أولًا البستاني وكشف ذاته لها أخيرًا (يو 20: 14، 16). وفعل ذلك أيضًا مع تلميذيّ عمواس اللذين "كان يمشي معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو 24: 16). وهكذا مع باقي التلاميذ، نفس أسلوب التدرج، لكي يحتملوا، لأن رؤيته بجسده الممجد بعد القيامة ليست أمرًا سهلًا. إنها قصة طويلة لا يحتملها هذا المقال.
18- هل معنَى هذا أننا سوف لا نراه في مجده؟! وإن كنا سنراه: فكيف؟ ومتى؟
طبيعتنا هذه ستتغير حينما نقوم من الأموات، ونأخذ "صورة جسد مجده" (في 3: 21). وحينئذ سنراه. وكما يقول الرسول "إننا ننظر الآن في مرآة في لغز، لكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12). وما معني عبارة "وجهًا لوجه "؟ وكيف تتم؟ يا أخوتي... خير لي الآن أن أصمت، فهذا أفضل جدًا. وأسهل جدًا...
_____
(1) توضيح من الموقع: "كنه" = جوهر أو طبيعة
essence/substance.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/resurrection/nativity.html
تقصير الرابط:
tak.la/jq43xp5