سنختار بعض الرحلات لنكشف عن:
1 - بعد المسافة التي قطعها الآباء القديسون في الوصول إلى السواح، مما يدل على سكناهم في البرية الجوانية
2 - التدبير الإلهي في اللقاء مع القديس السائح.
3 - الكشف الإلهي الذي تمتع به السائح في معرفة القديس الذي أرسله الله لزيارته.
* وسنبدأ بلقاء القديس الأنبا ببنوده بأبا نفر السائح.
* ثم لقاء القديس الأنبا بموا بالأنبا كاراس السائح.
![]() |
في رحلته للقاء القديس أبا نفر السائح:
إنني فكرت في نفسي أن أدخل إلى البرية الجوانية، لأنظر الأخوة الرهبان السواح عبيد المسيح إلهنا له المجد.
فمشيت فيها أربعة أيام بلياليها، لم آكل ولم أشرب ماء، فلم أر فيها أحدًا.
وكنت قد أخذت معي يسيرًا من الخبز والماء مقدار ما يكفيني أيامًا، فمشيت أربعة أيام اُخر، فلم أر أحدًا. وفرغ الخبز والماء الذي كان معي، فتضيقت نفسي وأيقنت الموت. ثم شجعت نفسي وقويتها، ومشيت أيامًا أخرى لم آكل خلالها ولم أشرب. فاشتد بی تعب المشي والجوع والعطش الشديد. وسقطت قوتي، وكادت روحي تخرج من جسدي. وبقيت ملقَى على الأرض مثل الهالك، لا أستطيع الحركة.
ثم أنني بعد ذلك رأيت شخصًا، دنا مني ولمس شفتی، فعادت إليَّ قوتي، وعاشت روحي، وزال عني التعب والجوع والعطش. فلما رأيت هذه الأعجوبة العظيمة التي أنعم الله على بها، نهضت للوقت، وقصدت داخل البرية. فمشيت أربعة أيام أخرى، فتعبت أيضًا وضعفت قوتي، فرفعت يدي وصليت إلى الرب. فرأيت ذلك الشخص الذي كنت قد رأيته أولًا. فدنا مني ولمس شفتي وجسمي كله، وقواني أكثر من المرة الأولى. فقويت ونهضت قائمًا، ومشيت سبعة عشر يومًا أخرى في تلك البرية.
فرأيت من بعيد إنسانًا مخوفًا بشع المنظر جدًا، وهو عريان، ولا لباس عليه، وشعره قد كسا جسمه كالثوب، وهو مؤتزر بعشب البرية. فلما دنا منی خفت منه. وطلعت إلى قرنة جبل عال، لأنني ظننت أنه من سباع الجبل. فألقَى بنفسه تحت الجبل الذي لجأت أنا إليه، ثم رفع وجهه وقال لي "انزل يا أخي القديس ببنوده، ولا تخف فأنا إنسان مثلك متوحد في هذه البرية من أجل الله".
فتعجبت من معرفته لاسمي، وعلمت أنه ممتلئ من الروح القدس الذي أطلعه على اسمي. فنزلت إليه، وسقطت بوجهي بين يديه، وخررت له ساجدًا على الأرض. فقال لي "قم يا ولدي، لأني عبد الله مثلك"... فقمت وجلست بين يديه.
وسألته عن اسمه وحاله. فقال لي: "اسمي نفر. ولي اليوم في هذه البرية ستون سنة منفردًا في هذا الجبل لأجل الله ليلًا ونهارًا كالوحش ومع الوحوش، وآكل من عشب البرية ومن التمر. ولم أنظر منذ صرت إلى ههنا وجه إنسان إلا وجهك اليوم".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
عن رحلته للقاء الأنبا كاراس السائح:
"خرجت من کنیستی ومشيت داخل البرية فرحًا ومبتهجًا وكنت أرتل وحدي ولا أدري أين أمضي. ومشيت اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث وصلت إلى مغارة، وبابها مسدود بحجر. وإنني قرعت الباب وقلت "بارك على يا أبي القديس" وللوقت جاوبنی إنسان قائلًا لي "حسنًا قدومك إلى اليوم يا محب الله أنبا بموا، الذي استحق أن يكفن جسد القديسة إيلارية ابنة الملك زينون... ادخل، سلام الرب يكون معك"... وإنني دخلت. فقام، وقبل كل منا الآخر، وجلسنا نتحدث بعظائم الله".
وإنني قلت له "يا أبي أترى في هذا الجبل قديس آخر يشبهك". فتنهد ثم أجابني في البرية الداخلية قديس، الحق أقول لك إن العالم كله لا يستحق وطأة أقدامه" فقلت له وما هو اسمه؟ فقال "أنبا كاراس".
فقلت له "يا أبي القديس ما اسمك وكم لك من السنين منذ أن أتيت إلى هذا المكان وسكنت هذه المغارة، وبماذا تعيش؟ فقال "اسمي سمعان القلاع. ولي اليوم في هذه البرية ستون سنة، وأقتات في كل سبت بخبزة واحدة أجدها ملقاة على الحجر الذي هو خارج هذه المغارة، فتكفيني من السبت إلى السبت" وإننی تباركت منه.
ومشيت في البرية ثلاثة أيام أخرى، فوصلت إلى مغارة، قرعت بابها وقلت بارك على يا أبي القديس. فجاءني صوت مملوء بهجة قائلًا "حسنًا قدومك إلى اليوم يا قديس الله أنبا بموا. ادخل سلام الله يكون معك". وإنني عبرت إليه، وقبلنا بعضنا بعضًا. وتباركت منا وجلسنا نتحدث بعظائم الله. ثم إنني قلت له يا أبي القديس أترى في هذه البرية قديس آخر نظيرك" فتنهد وقرع صدره، وقال "الويل لي يا أبي... داخل مني قديس، العالم بأسره لا يستحق منه وطأة قدم وبصلواته يبطل الغضب الذي يأتي على العالم من إله السماء".
وإنني قلت له لعلك أبا كاراس. فقال لي ومن هو أنا الترابي حتى أكون أبا كاراس الذي هو صديق لملائكة الله؟ فقلت له، وما هو اسمك، وكم لك من السنين منذ سكنت هذه البرية. وكيف تعيش في هذا الموضع؟ فقال "اسمي بامون، ولي في هذا الموضع تسعة وستون سنة، وحياتي وقوت جسدی من نخلة تطرح وآكل منها".
وإنني تباركت منه وقلت صل عليَّ یا أبي القديس. فقال لي "إله المجد يسهل خطواتك ويرسل ملاکه ليحفظك في جميع طرقك". فخرجت من المغارة وسمعت صوتًا عظيمًا، فأغلقت عيني ولم أعلم ماذا يكون. وبعد ساعة فتحت عيني، فوجدت ذاتی علی باب مغارة، قرعته وقلت، بارك على يا أبي القديس، وللوقت تكلم معي قائلًا "حسنًا قدومك إلى اليوم يا رجل الله أنبا بموا، يا من استحق أن يكفن جسد القديسة إيلارية ابنة الملك زينون البار. ادخل سلام الله يكون معك".
وإنني دخلت وسلمت عليه وأخذت منه البركة ونظرت إليه فإذ هو إنسان حلو العينين، وشعر رأسه ولحيته أبيض كمثل الثلج، ونعمة الله حالة على وجهه. فلما جلست معه وتحدثنا عن عظائم الله رأيته وقد رفع عينه نحو السماء وشهق متنهدأ، وقال "لقد هوى نجم الآن، كوكب عظيم ترك عالمنا، هو الأنبا شنوده الأرشيمندريت رئيس المتوحدين بصعيد مصر"... وكان ذلك في اليوم السابع من شهر أبيب... فجعلت الإسم والتاريخ والوقت في ذهني... وصرت متعجبا...
ثم سألته عن اسمه فقال اسمي أنا الحقير كاراس. فقلت له كم لك في هذه البرية؟ فقال لي: سبعة وخمسون سنة، وقطعت هذه الأيام كلها وأنا منتظر هذا اليوم، فقد حضرت لي وأحضرت موتي معك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/pamphlet-3-anchorites/journey.html
تقصير الرابط:
tak.la/5hdzjcb