حول كتاب: الإنسان والخطية
رسالة سلام للنفس المتعبة
هل وصايا العهد الجديد هي صعبة التنفيذ؟!
وهل هي وصايا ليست للجسد، بل للإنسان الجديد؟!
هل نحن أبرياء وأبرار، ونحن في الخطية؟!
هل الاعتراف وحده يكفي لتبرير الإنسان؟!
هل الجسد يزول وتزول معه الخطية؟!
ما هو الإنسان الجديد؟ هل هو الروح فقط؟
هل الشيطان أوجد فينا ضمير الخطية؟
هل الحزن على الخطايا هو ضد تعليم الفداء؟!
إنه كتاب صغير، أو كتيب، في حوالي 18 صفحة، قصد به المؤلف إن يعزي الخطاة الواقعين في خطايا الجسد. وقد كان من قبل مقالة افتتاحية نشرت في مجلة مرقس في نوفمبر 1994، ثم تحولت إلى كتاب... وقد شمل معلومات كثيرة لا تتفق مع المنهج الروحي الكتابي.
نحن يهمنا أن نريح النفوس المتعبة، ولكن المهم هو إراحتها بطريقة سليمة. فلا نقول لها: لا تهتمي وتحزني بسبب سقطات الجسد.." فكل خطاياكِ قد ماتت، حينما حملها المسيح على الصليب.
إن إراحة النفس المتعبة بخطاياها، تأتى بإرشادها إلى التوبة. وبأن نقول لها إن باب التوبة مفتوح للجميع. وإن عجز عنه الخاطئ، عليه أن يصلي ويقول للرب "توِّبني فأتوب" (إر 31: 18) فتساعده النعمة على التوبة. وبالتوبة تغفر له خطاياه، ويمحوها الله
أما التقليل من خطورة خطايا الجسد، فليس تعليمًا كتابيًا. وكذلك القول بأن وصايا الله هي (للإنسان الجديد) فقط. وكذلك حينما نريح الخاطئ بأن الحزن على خطاياه هو من عمل الشيطان الذي يلوثه (بضمير الخطية!!)
يبدأ المؤلف رسالته لإراحة النفس المتعبة، بأن "وصايا المسيح صعبة. وَمَنْ يستطيع أن ينفذها؟"
وضرب أمثلة بمحبة الأعداء، والإحسان إلى المسيئين، ومَنْ سَخَّرَكَ ميلًا فامش معه ميلين... وأمثلة هذه الوصايا. وأنه لا يستطيع الإنسان أن ينفذ هذه الوصايا. وحتى رسل الرب أنفسهم لم يكونوا على مستوى تنفيذ هذه الوصايا. وأنها إن كانت موجهة إلى الجسد، فلابد أن يصير الإنسان مهزومًا.
وقال: "تقرأ هذه الوصايا، فتجد نفسك دودة لا إنسان. وتنبطح على الأرض وتعترف بضعفك. وتقول للرب:"هوذا قد قِست نفسي على مستوى تعليمك ووصاياك، فوجدت نفسي دودة لا إنسان. تراب أنا ورماد، وليس لي أن أتطلع أو أن أتقرب إلى كمالك الذي لك في وصاياك. وهل للتراب أن يصنع لنفسه سلمًا يصعد به إلى سمائك". فيكون لسان حال المسيح والآب ارتياح ما بعده ارتياح على هذا الكلام وعلى هذا السلوك وهذا الانهزام.
ونحن نرد على هذا الكلام بأنه ليس من المعقول أن يعطينا الله وصايا لا يمكننا تنفيذها. هوذا يوحنا الرسول يقول "ووصاياه ليست ثقيلة" (1 يو 5: 3) كما إننا لا نستطيع أن نفصل سمو الوصايا عن عمل النعمة فينا وعمل الروح القدس معنا. وإلى جوار وصايا الرب نتذكر قول القديس بولس "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13) كما أننا لو قرأنا التاريخ وسير الآباء، لوجدنا أمثلة عديدة وسامية جدًا عن تنفيذ هذه الوصايا.
كذلك هناك فرق بين الوصايا الخاصة بالكمال، وبين السلبيات في سقطات الجسد وخطاياه. فماذا يقول المؤلف عن خطايا الجسد؟
إنه يقول: هذه الوصايا لم تُعْط للجسد.
يقول: "إن الإنسان فهم خطأً إن هذه الوصايا والتعاليم تخص الجسد، وأنه أراد أن يتممها على مستوى هذا الجسد والنفس العتيقة، مع أنها مرسلة فقط للإنسان الجديد في المسيح، المتجدد بالروح القدس".
ويقول أيضًا "أما بإمكانيات الجسد، فهو حتمًا منهزم. لأن المسيح قال: أما الجسد فلا يفيد شيئًا" (يو 6: 63) هذه العبارة قالها السيد المسيح في مجال الحديث عن التناول وليس من جهة تنفيذ الوصايا
ويتابع المؤلف كلامه فيقول "واضح أن الوصايا والتعاليم هي مرسلة للإنسان الجديد. فهي تعاليم روحية للحياة الأبدية. والإنسان الجديد حى بالروح القدس."
ونحن نتعجب لفصله الجسد عن الروح من جهة الوصايا.
فالله قد خلق الإنسان من روح وجسد متحدين. وسوف يحاسب الإنسان أمامه عن خطايا الجسد والروح معًا. ولذلك فالدينونة العامة لا تكون إلا يوم القيامة، حين تأتى الروح وتتحد بالجسد ويبقى الإنسان واحدًا، ويحاكم بالروح الجسد، كما قال الرسول (في 2؛ كو 5: 10) "لأنه لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسى المسيح، لننال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا".
مادام الأمر هكذا، فإننا نسأل: ماذا يقصد المؤلف بالإنسان الجديد؟
يقول المؤلف في (ص 10 وص 11) "ومعنى هذا واضح أشد الوضوح أن الإنسان الذي قبلَ الروح القدس في المعمودية، واستقى الدم الإلهي، واغتذَى بالجسد المقدس، وأصبح بذلك إنسانًا جديدًا، حائزًا على روح الحياة بالمسيح، واقتبل الإنجيل، وأصبحت وصايا المسيح هي ناموس ذهنه... وانشغل بها، وتسلحت بها إرادته بحب المسيح وصلاحه. فلن تقوى أخطاء الجسد وخطاياه، بل وناموس الخطية بكامله العامل في الأعضاء، أن يخرج الإنسان من تحت قبول عدل الله ورحمته. بمعنى أنه ليس عليه دينونة بعد، ولن يكون. لماذا؟ لأنه كما سبق وأثبتنا أن وصايا المسيح وتعاليمه هي للإنسان الجديد ليحيا." ثم . يقول: "فلن تحسب عليه ضعفات الجسد، وذلك بحسب عدل الله ورحمتهلأن الإنسان لا يرث الحياة الأبدية بأعمال الجسد، ولا بالجسد جملة" (!!) بل بالإنسان الجديد الذي تهذب بالإنجيل، وفرحت إرادته بأعمال الروح، وتقدست نيته من الداخل بقداسة المسيح".
وهنا يبدو التناقض واضحًا: كيف توجد أخطاء الجسد وخطاياه وضعفاته مع إنسان "فرحت إرادته بأعمال الروح، وتقدست نيته من الداخل بقداسة المسيح، وتسلحت إرادته بحب المسيح وصلاحه؟"
وهنا يهاجم المؤلف الجسد ويقول عنه مجرد غلاف للروح.
يقول المؤلف (ص 7) الجسد هو مجرد الغلاف الخارجي أو الوعاء المؤقت الذي يعمل فيه الإنسان الجديد. وبعد أن يتمم الإنسان الجديد أعماله... ويتهيأ لملكوت الله، يطرح الجسد وينطلق بلا عائق ليستوطن السماء. ويقول "الجسد لا يفيد شيئًا. لأنه لا يقدم شيئًا على الإطلاق للإنسان الجديد. بل على النقيض يعوق حركة نمو الإنسان الجديد بالروح، ويشده دائمًا إلى الأرض برغباته وشهواته. لذلك أصبح ثقلا رذيلًا على الإنسان الجديد!!
إلى أن يقول (ص 8): "وضع الجسد بالنسبة إلى الإنسان الجديد هو موضع الشريك المخالف. فحربه المستمر نحو الرغبات والشهوات يكشف ضمنًا عن مدى نمو الإنسان الروحي، ومدى صلابة إرادته... "حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل 5: 17) هنا يلزم القارئ أن يتنبه جدًا أن الإنسان يفعل بالجسد ما لا يريده الروح، وكأنه رغمًا عن الروح".
"هذه صورة فخرية فيها يستظهر الجسد بشهواته، فيغلب الإنسان الجديد وروحه.."
ويقول في (ص 9):
"فهل يمكن بسبب عصيان الجسد الترابي وتمرده أن يخسر الإنسان الجديد أمله ورجاءه والحياة الأبدية التي إليها دعي؟ حاشا لله.."
وهنا نرد: كيف يكون الإنسان جديدًا، مع عصيان الجسد وتمرده؟! وكيف مع عصيان الجسد وتمرده لا يخسر الإنسان الحياة الأبدية؟! بينما يقول الكتاب إن شهوة الجسد وشهوة العين ضد محبة الله. (1 يو 4: 15، 16) بل إنها عداوة لله. (يع 4: 4) وأنه "لا زناة ولا فاسقون يرثون ملكوت الله" (1 كو 6: 9، 10).
إنه هنا يتحدث عن الإنسان كما لو كان شخصين: الروح تسير في برها، والجسد يسير في عصيانه، ولا دينونة على الإنسان.
والعكس صحيح. لأن الإنسان إن كان يولد جديدًا من الماء والروح، فهذا لا ينطبق على روحه فقط، إنما يرشم جسده بزيت المسحة المقدسة بالميرون (36) رشمًا في كل فتحات الجسد ومفاصله. وهكذا يتقدس جسدًا وروحًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولا يكون (الإنسان الجديد) هو الروح فقط، وإنما الروح والجسد معًا. وعندما يخطئ، إنما يخطئ جسدًا وروحًا.
تقول: وما ذنب الروح في خطيئة الجسد؟ نقول لأنها خضعت للجسد فانتصر عليها، ولم تقاوم المقاومة الكاملة التي ترد الجسد عن عصيانه...
إن كانت الخطية في طبيعتها هي عدم محبة لله، فهذا ليس شأن الجسد وحده، إنما هو انحراف من الروح جعلها تستسلم للجسد في أخطائه.
للأسف يقول المؤلف في (ص 11) أن هذا الإنسان الجديد "ليست عليه دينونة بعد ولن تكون"، "ولن تحسب عليه ضعفات الجسد". بل يقول أكثر من هذا: "الخطية خرجت من حساب الدينونة إلى الأبد عند المؤمنين باسمه (!) وأساس هذا كله أن الخطية بحد ذاتها قد انفك رباطها عن الإنسان نهائيًا وإلى الأبد على الصليب. إذ قد دفع ثمنها بالكامل.." بل يقول أكثر من هذا:
نحن فينا خطية، نعم. ولكن ليست علينا خطية (!!)
لنتقدم إلى الدينونة خطاة، ولكن مبررون.
محكوم علينا بالموت، ولكن تمزق الحكم، وفقد صلاحية نفاذه، وألقى الموت وحصلنا على براءة في المسيح أبدية.
(وإنما لا أوافق المؤلف إطلاقًا على تعبيره "حصلنا على البراءة!" البراءة معناها أننا أبرياء ليست لنا خطية. لكننا خطاة ولكن حصلنا على العفو أو المغفرة. وليست على البراءة.)
والمؤلم أن يكرر نفس التعبير تقريرًا في (ص 13) فيقول عن الشيطان "يوقفنا أمام الله كمدانين ونحن أبرياء، كمحكوم علينا بالموت ونحن أبرار في المسيح وأحياء فيه".
فكيف نكون أبرارًا في المسيح، ونحن نحيا في الخطية؟!
إن عبارة "نحن أبرار، نحن أبرياء" تذكرنا بقصة الفريسي والعشار حيث أن الفريسي المفتخر ببره "لم يخرج مبررًا" مثل العشار المعترف بخطيئته (لو 18: 14) ثم كيف تتفق عبارة نحن خطاة مع نحن أبرياء؟!
باستمرار يقول المؤلف إنه "على الصليب ماتت الخطية وألغى الموت، وبطلت الدينونة." وأحيانًا يضيف "بالنسبة إلى المؤمنين."
إن مجرد الإيمان لا يكفى بدون توبة. وللأسف لم يذكر عبارة التوبة في كل ما سبق أن قاله عن تبرير الإنسان..!
إنه يقول في (ص 12):
"إن عمل المؤمن خطية تُغْفَر له بمجرد أن يعترف بها".
والواقع أن الاعتراف بلا توبة، لا تكون معه مغفرة للخطية.
وسر الاعتراف في الكنيسة المقدسة يسمى سر التوبة.
وهناك أمثلة كثيرة في الكتاب عن أشخاص اعترفوا بالخطية، ولم ينالوا مغفرة، مثل عخان بن كرمي في أيام يشوع بن نون: لقد اعترف بخطيئته بالتفصيل (يش 7: 20، 21) وهلك عخان بن كرمي ورجموه، ولم يغفر له... كذلك فرعون أيام موسى وهرون اعترف بخطيئته وقال "أخطأت هذه المرة. الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار" (خر 9: 27) ولكنه لم يتب، فلم يغفر الرب له. وحتى يهوذا الإسخريوطي، اعترف وقال "أخطأت إذ سّلمت دمًا بريئًا"، وأعاد الفضة التي أخذها (مت 28: 3، 4) ولم تغفر خطية يهوذا ومات هالكًا. ومن أهمية التوبة يقول الرب:
"إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3، 5).
إذن لا يكفى مجرد الاعتراف مع بقاء الجسد معاندًا وخاطئًا وشريكًا مخالفًا للروح.
يقول المؤلف عن ذلك في (ص 13)
"نعلن بكل الأسف والحزن أن الشيطان قد نجح في تلويث ضمير المؤمنين مرة أخرى. فكثير من المعلمين لا يزالون يؤمنون ويعّلمون بأن خطايا المؤمن لا تزال لها قدرة أن تدينه وتميته، وأنه بسبب خطاياه لا يمكن أن يقبل لدى الله أو يرى نور الحياة الأبدية. وأن انهزامه أمام خطايا الجسد، حتى والعاملة فيه بحسب ناموس الخطية قادرة أن تحرمه من ملكوت الله"..
"وهكذا نجح الشيطان في أن يعيد للخطية سلطانها المميت مرة أخرى، وأن يعيد حكم الموت على الإنسان، وكأن المسيح لم يصلب ولم يسفك دمه ولم يمت، ولم يقم من الموت، ولم يعّلم ولم يهبنا حياته الأبدية."
وهكذا نجح الشيطان بحسب التعليم غير المنتسب للفداء، أن يؤسس فينا ضمير الخطية مرة أخرى."
إن الخطية هي الخطية، ولا يرضاها الله، وينبغي أن تكون سبب ندم داخلي للإنسان، وتوبيخ من ضميره، لأنها تبعد الإنسان عن الله وتجعله محتاجًا أن يصطلح معه، كما قال الرسول "اصطلحوا مع الله" (2كو 5: 27). فهل في رأى المؤلف أننا نخطئ ونهرب من توبيخ الضمير، شاعرين أن ذلك من الشيطان الذي يلوث الإنسان بضمير الخطية؟! إننا في صلوات كل يوم نصلى المزمور الخمسين الذي فيه يبكت داود نفسه أمام الله، ويقول له "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" "أنضح على بزوفاك فأطهر، واغسلني فأبيض أكثر من الثلج".
فهل الشيطان لوث نفسية داود بضمير الخطية؟! وهل نحن نتلوث أيضًا بضمير الخطية حينما نصلى بالمزمور الخمسين وأمثاله؟
وإذا كانت لا تبكتنا ضمائرنا، ماذا نقول عن عمل الروح القدس فينا، الذي "يبكتنا على خطية (يو 16: 8) هل هذا أيضًا من عمل الشيطان؟! وهل هو من "التعليم غير المنتسب إلى الفداء"؟!
التعليم بالفداء هو أن المسيح مات عن خطايانا على الصليب. وليس معناه أنه مات عن كل خطية لم يتب الإنسان عنها.
فهوذا القديس يوحنا الحبيب يقول "توجد خطية للموت، ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" (1 يو 5: 16) والخطية التي للموت هي التي بلا توبة، هي خطية الذين يموتون في خطاياهم، فلا نصلي عنهم.
أما أن يبقى الإنسان في الخطية دون أن يتوب، ثم نقول عنه "كأن المسيح لم يمت ولم يهبنا الحياة الأبدية! فهذا تعليم غير كتابي.
يقول المؤلف عن ذلك في (ص 14):
" أنتم تحزنون قلب الذي تحمل الصليب بآلامه لكي تفرحوا أنتم. فلسان حالنا هو "أنا خاطئ. ولكن من أجل خاطر المصلوب أنا فرحان، فخطيتي ستزول مع الجسد."
كلا، الجسد سوف لا يزول، بل سيقوم في يوم القيامة.
كذلك فالخطية لا تزول من الجسد، بل تزول بالتوبة. أما الحزن بسبب الخطية فهو واجب، وكذلك الدموع. وهكذا قال بولس الرسول لأهل كورنثوس أنه أحزنهم للتوبة، وفرح بذلك (2 كو 7: 8 - 10).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/peace.html
تقصير الرابط:
tak.la/p3245g5