3
جسد المسيح والجسد السري
هل الكنيسة اتحدت باللاهوت في بطن العذراء؟
متى اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية؟
ما معنى: صرنا من لحمه ومن عظامه؟
وهل صار على الصليب كنيسة الفداء ثم كنيسة القيامة؟
وما معنى أنه يملأ السماء والأرض؟
هل هو الكنيسة أم جسد المسيح في السماء؟
وهل نحن نولد من هذا الجسد السري؟
هل كمُل في العلية ما بُدىء في بيت لحم؟
هل اكتسبت الكنيسة كل ما للمسيح؟
هل الروح القدس يشكلنا بطبيعة ابن الله؟
هل الجسد الإلهي هو كل ملء اللاهوت جسديًا؟
إن جسد المسيح-في كتابات المؤلف-وكذلك عبارة "جسد المسيح السري".. إنما يمثلان تعقيدات كثيرة ومتناقضات أيضًا، كما يظهر لك من الصفحات المقبلة.
وبخاصة ما ورد من أفكار في كتابه (العريس) وكتابه (العنصرة) وكتابه (بولس الرسول) وكتابه (الكنيسة الخالدة) وكتابه (التجسد الإلهي).
ويهمنا المعاني اللاهوتية التي اشتملت عليها هذه الكتب وأمثالها... مما حدا بنا إلى مناقشة كل تلك النقاط، وعرضها على القراء، لتوضيح الفهم اللاهوتي...
نضع كل هذا أمام القارئ العزيز، دفاعًا عن الإيمان السليم...
ومن له أذنان للسمع فليسمع (مت 13: 43).
عبارة (جسد المسيح) لها ثلاثة استخدامات:
1-تعني أولًا جسد المسيح الذي وُلد من القديسة العذراء مريم، والذي صُلب عنا، والذي دُفن وقام، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب.
2-وتعنى جسد المسيح بمعنى الكنيسة. كما ورد في (أف 5). فهي جسده، وهو الرأس (كو 1: 18، 24).
3-والمعنى الثالث يستخدم في سر الإفخارستيا. كما قال الرب "خذوا كلوا، هذا هو جسدي" (مت 26: 26).
وكما ذكر القديس بولس الرسول في (1 كو 11: 27، 29).
غير أن البعض يجمع بين هذه الاستخدامات الثلاثة في معنى واحد!
وقد شرحت خطأ هذا الجمع أو الخلط، وأجبت عليه في سلسلة "سنوات مع أسئلة الناس" وأنا مضطر أن أرجع إلى نفس الموضوع، وقد أخذ صورة أخرى.
الكنيسة هي جماعة المؤمنين، وقد لُقِّبَت بجسد المسيح كما ذكرنا. كما دُعيت عروسًا له، كما قال يوحنا المعمدان عن المسيح والكنيسة "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 19). وكما قال القديس بولس الرسول "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. هذا السر عظيم. ولكن أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف 5: 31، 32).
ومن هنا جاء التعبير أن المسيح هو العريس، والكنيسة هي العروس...
وهكذا نجد أن مؤلف كتاب (العريس) يتكلم عن زيجة مقدسة بين المسيح والكنيسة. ولكن متى حدث الاتحاد بينه وبينها؟
يقول المؤلف في كتابه العريس (ص 5).
"وبهذا ينكشف لنا أصل الزيجة التي تمت بإتحاده أولًا بجسدنا في العذراء التي أخذ منها عروسه الذي هو الجسد. فُولد متحدًا بها بلاهوته، أي وُلدت الكنيسة متحدة بالمسيح يوم ولد المسيح. وبالتالي ولد كل فرد منا في بيت لحم، فصارت مسقط رأس البشرية المفتداة"!!
وهنا نسأل عن جسد المسيح ما هو؟ وكيف تكون؟
المعروف أن السيد المسيح أخذ جسده من العذراء مريم، بعمل الروح القدس. لذلك نقول في قانون الإيمان عن أقنوم الابن أنه "نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس".
فما معنى قول المؤلف عن المسيح "بإتحاده أولًا بجسدنا في العذراء التي أخذ منها عروسه الذي هو الجسد"؟!
إنه يذكرنا بنفس فكره: صلب بجسدنا، تألم بجسدنا، قام بجسدنا، دفن بجسدنا!! كما ورد في كتابه (بولس الرسول) (ص 451) وهنا ولد من العذراء باتحاده بجسدنا!
فهل أخذ المسيح عروسه (أي الكنيسة) من العذراء مريم؟!
أليس في هذا خلط بين جسد المسيح المولود من العذراء، وبين جسده بمعنى الكنيسة أي جماعة المؤمنين؟!
وهل اتحد جسده بلاهوته؟ أم اتحدت الكنيسة بلاهوته؟!
إنه يقول عن الكنيسة في نفس كتابه (العريس) (ص 5:
"باعتبارها جسده الذي أخذه منا وقدسه وفداه ومنحه لنا بكامل مخصصاته الإلهية... "!! ليضم مخصصاته الإلهية لحسابهاويضيف في (ص 11): "لذلك لا نندهش حينما نسمع أن الآب اختزن في الكنيسة كل مخصصات الابن وميراثه"!!
فما هي كامل مخصصات الابن الإلهية الأزلية التي منحت للكنيسة؟! هل هذا تدرج إلى تأليه الكنيسة؟!
وهل كانت الكنيسة في بطن العذراء قبل البشارة بالإنجيل؟ وقبل أن يبدأ المسيح رسالته التعليمية والخلاصية؟ وقبل حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين؟!
السيد المسيح اتحد لاهوته بناسوته.
فإن كان ناسوته هو الكنيسة أي جماعة المؤمنين، يكون لاهوته في اتحاده بالكنيسة قد اتحد بكل جماعة المؤمنين. وصار كل فرد من المؤمنين هو ناسوت متحد بلاهوت!! مثل المسيح تمامًا!
ونحن الذين لم نكن موجودين أثناء ميلاد السيد المسيح، هل اتحد بنا اللاهوت -كأعضاء في الكنيسة-؟! وكيف؟! ومتى؟!
وإن كان هناك أشخاص سينضمون إلى جسد الكنيسة فيما بعد، ولم يولدوا حتى الآن... فهل هؤلاء اتحد بهم اللاهوت في بطن العذراء قبل أن يولدوا؟! أم عندما يولدون في المستقبل سيتحد بهم اللاهوت كأعضاء في الكنيسة.
إن اتحاد اللاهوت بالكنيسة كلها هو ضد انفراد السيد المسيح بهذه الطبيعة، طبيعة الإله المتجسد. وبهذا الفكر، يكون اعتباره كواحد من هؤلاء المؤمنين...
وهذا يذكرنا أيضًا بما ورد في كتاب (العنصرة) لنفس المؤلف، مما سنتعرض له فيما بعد إن شاء الله، في هذه النقطة بالذات.
ننتقل إلى نقطة أخرى في هذا المجال، وهي:
يوم ميلاد المسيح لم تكن هناك كنيسة. لم تكن هناك جماعة مؤمنين. بل ظل الأمر هكذا طوال الثلاثين سنة التي عاشها السيد المسيح في تجسده، قبل أن يبدأ رسالته . وبشارته
فكيف ولدت الكنيسة إذن يوم ميلاده؟! هل وُلدت بغير إيمان، وبغير فداء، وبغير أسرار، وبغير إنجيل؟!
وإن كانت العذراء هي المؤتمنة وقت ميلاد المسيح (لو 45:1) وتمثل الكنيسة، فهل ولدت العذراء من بطن العذراء؟!
وإن كانت الكنيسة وقتذاك هي جماعة المؤمنين القلائل الذين ورد ذكرهم في قصة الميلاد مثل: أليصابات والمجوس والرعاة ويوسف النجار، وأنهم كانوا يمثلون الكنيسة الصغيرة، فكيف ولدت هذه الكنيسة الصغيرة من بطن العذراء مريم؟!
وهل كل أعضاء الكنيسة قد وُلِدوا بغير أب مثل المسيح بعمل الروح القدس؟! وهل صار للمسيح أخوة أشقاء بالملايين؟!
أمر يعجز العقل البشري عن فهمه. ولا يقبله علم اللاهوت... ولم يقل به أحد الآباء القديسين من معلمي البيعة المقدسة!!
متى؟ وكيف؟
عِلمًا بأن مبدأ الإيمان بالمسيحية كان في أورشليم (أع 2). وليس في بيت لحم... كما لم تكن هناك بشرية مفتداة يوم ميلاد المسيح، لأن الفداء لم يكن قد تم وقتذاك.
يقول المؤلف بعد ذلك (عن الجسد أي الكنيسة):
"وقد دَشَّنَهُ رسميًّا
للكنيسة على
الصليب، لما مسحه بمسحة الفداء، بدم
الله الذي انسكب عليه، فتقدست
الكنيسة إلى الأبد لحساب الله، باعتبارها جسده الذي
أخذه منا وقدَّسهُ وفداه ومنحه لنا بكامل مخصصاته الإلهية كجسد ابن الله".
أم تقدست يوم وُلدت في المعمودية بالميلاد الثاني (تى 5:3)؟ أم تقدست بالميرون المقدس في سر المسحة المقدسة؟
أم أنها كانت مقدسة من البطن باتحادها باللاهوت حسب رأى المؤلف؟! وهل الكنيسة التي وُلدت متحدة باللاهوت (حسب رأيه) كانت تحتاج إلى تدشين وإلى تقديس؟
أما قوله أن الكنيسة تقدست إلى الأبد باعتبارها جسده الذي أخذه منا، وقدسه وفداه، ومنحه لنا بكل مخصصاته الإلهية كجسد ابن الله.
فهل هي جسده الذي أخذه منا، أم أخذه من السيدة العذراء، إن كان هو جسد كل البشرية المفتداة؟!
وما معنى "منحه لنا بكل مخصصاته الإلهية كجسد ابن الله، إذ وهبه لها بعد أن أكمل به ارتفاعه إلى أعلى السموات ليضم مخصصاته الأزلية لحسابها".
ما هي هذه المخصصات الإلهية والمخصصات الأزلية كلها التي وهبها المسيح للكنيسة؟ أهذا يعنى تأليه الكنيسة؟!
وكيف يهب لها جسده-هنا-وهي جسده؟
يقول المؤلف "هكذا المسيح أطعمنا جسده ودمه الخارج من جنبه، فصرنا من لحمه وعظامه"
وعبارة "من لحمه وعظامه" كررها في كتاب العنصرة، وفي كتاب القديس بولس الرسول... والقارئ يقف في حيرة: هل صرنا من لحمه وعظامه لما صرنا كنيسة أحبها المسيح كما أحب آدم امرأته لأنها لحمه وعظامه؟ أم صرنا من لحمه وعظامه لما فدانا؟ أم صرنا من لحمه وعظامه لما وُلدنا في بيت لحم كما يقول؟
أم صرنا من لحمه وعظامه، لما اشترك معنا في الطبيعة البشرية في تجسده؟ (عب 2: 12).
إنها بلبلة تحَول الفكر اللاهوتي إلى تعقيد!
اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في بطن العذراء أي اتحدت بناسوت المسيح، وليس بالكنيسة التي هي العروس.
ولكن المؤلف يقول "صورة العريس والعروس والجسد الواحد، هذه كلها مردها إلى مصدرها الأول السري للغاية، حينما صار الكلمة جسدًا. فقد اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في زيجة أبدية غير منفصلة".
هل هذه الزيجة الأبدية كانت مع الكنيسة أم مع ناسوته؟! أم يرى المؤلف أن ناسوت المسيح والكنيسة كيان واحد؟!
يوم صار الكلمة جسدًا لم تكن هناك كنيسة. فما معنى الزيجة هنا إذن؟ وما دخل صورة العريس والكنيسة كعروس في التجسد الإلهي؟
إنه من غير الممكن أو المنطقى أن نقول إن عروس المسيح هي ناسوته الذي وُلد من العذراء مريم! أو أن المسيح اتحد لاهوته بناسوته في زيجة أبدية! وليس هذا هو قصد المؤلف في حديثه عن الكنيسة كعروس...
يستمر المؤلف في خَلْطه بين الكنيسة، وجسد المسيح المولود من العذراء. فيقول "كان المسيح طفل المذود هو هو كنيسة المهد. وعلى الصليب صار كنيسة الفداء المخضبة بالدماء، وفي اليوم الثالث هو كنيسة القيامة". وكأنه لا يقول إن المسيح وُلد وصلب وقام، بل هي الكنيسة وُلدت في المهد، وهي على الصليب مخضبة بالدماء. وهي في القيامة!!
ملاحظات ضد هذا الخَلْط:
أ- جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد حقيقي، بالمعنى الحرفي للكلمة. ولكن الكنيسة تعتبر جسد المسيح بمعنى روحي وليس حرفيًا. وبين هذين الاستعمالين لعبارة (جسد المسيح) خلافات كثيرة سوف نذكرها. فلا يجوز الخلط بينهما.
ب- جسد المسيح قد وُلد من القديسة العذراء مريم - بينما جسد المسيح بمعنى الكنيسة يعنى جماعة المؤمنين. فهل يُعقل أن يُقال عن ملايين المؤمنين الذين عاشوا في أجيال عديدة متوالية، أنهم قد وُلدوا هم أيضًا من العذراء مريم.
ج- جسد المسيح الذي هو من العذراء، هو الذي نتناوله من على المذبح حسب قول الرب هذا هو جسدي (مت 26: 26). وهذا لا ينطبق على جسد المسيح بمعنى الكنيسة، لأننا لا نتناول الكنيسة!
د- جسد المسيح المولود من العذراء نسجد له في سر الإفخارستيا قائلين "نسجد لجسدك المقدس يا رب". ولكننا لا نسجد للكنيسة، فنحن الكنيسة...
ه - جسد المسيح على الصليب هو الذي فدانا. فإن كانت الكنيسة هي أيضًا جسد المسيح بنفس المعنى، فهل ننسب إليها فداء البشر؟!.
و- جسد المسيح متحد باللاهوت اتحادًا دائمًا لم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين.
فهل الكنيسة متحدة هكذا باللاهوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، لا تنفصل عنه لحظة واحدة؟!
ز-جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد كامل. بينما جسده بمعنى الكنيسة لم يتكامل حتى الآن، بل سينضم إليه أعضاء آخرون لم يولدوا بعد، وآخرون من غير المؤمنين سوف ينضمون إلى الإيمان، وبالتالي إلى جسد الكنيسة.
ح- جسد المسيح بمعنى الكنيسة يعنى مؤمنين على درجات وأنواع. بعضهم يحيا حياة البر، وبعضهم مازال يجاهد ليصل، ويسقط ويقوم، ولم يتكلل بعد. بينما جسد المسيح المولود من العذراء هو جسد قدوس وممجد، ويساعدنا في جهادنا.
ط- ولو كانت الكنيسة هي جسد المسيح الذي على المذبح، والذي عن يمين الآب في السماء، لقادنا هذا الفكر إلى بدعة (وحدة الوجود) التي وقع فيها كثيرون من الفلاسفة المبتدعين...
ى- لم يقل أحد من الآباء أن المسيح هو الكنيسة. بل قال الكتاب إنه هو رأس الكنيسة (أف 5: 23). أما الكنيسة فهي الجسد شاملة لأعضاء كثيرين هم جماعة المؤمنين.
ك-إن الخلط بين جسد المسيح المولود من العذراء، وجسد المسيح الذي هو الكنيسة، يقود إلى اعتبار أن الكنيسة هي امتداد للتجسد الإلهي، كما ورد في كتاب المؤلف عن (التجسد الإلهي) لذلك لا يجوز الخلط بين هذين الاستخدامين لعبارة (جسد المسيح) تحاشيًا لما ذكرناه من أسباب...
المعروف أن الله وحده هو الذي يملأ السماء والأرض. لأن الله غير محدود، فهو موجود في كل مكان. ولا يوجد غير محدود سواه. فكلنا محدودون.
فإن كانت الكنيسة هي المقصودة بجسد المسيح السري، حسب رأى الكاتب في كل مؤلفاته، فهي لا يمكن أن تملأ السماء والأرض. هي حقًا موجودة في الأرض، ولكنها لا تملأ كل الأرض...
وبعض من أبنائها موجودون في السماء، ولكنهم لا يملأون السماء. وإن كان المقصود بجسد المسيح السري، جسد المسيح الذي وُلد من العذراء، فكيف يُقال إنه جسد سرى؟
وما معنى قول المؤلف في كتابه العنصرة تحت عنوان (الروح القدس صانع هياكلنا الجديدة وموجدها).
"في المعمودية ممن نولد، وعلى أي شكل يكون إنساننا الجديد؟ الروح القدس هو الذي يصنع هيكل إنساننا الجديد. يصنعه من جسد المسيح السري الذي يملأ السماء والأرض".
ثم يتحدث عن جسد المسيح الذي دخل به العلية والأبواب مغلقة. ويقول "نحن نُولَد من هذا اللحم ومن هذه العظام عينها". "ونحن من لحمه وعظامه".
فهل يُعقل إننا في المعمودية نولد من لحم المسيح وعظامه، التي دخل بها العلية والأبواب مغلقة؟! أي من جسده المولود من العذراء مريم؟! أم كما ورد في كتابه العريس: نحن نولد مع المسيح من بطن العذراء مريم!
ثم يقول "الروح القدس يخلق هذا الهيكل الجديد من الجسد غير المنظور. وبعد أن يخلقه يملأه "أنتم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم"..
فهل المعمودية عملية ميلاد جديد أم عملية خلق؟! وما معنى أن الروح القدس يخلقه من الجسد غير المنظور؟! هل هذا الجسد غير المنظور هو جسد المسيح؟ وكيف هو غير منظور؟! أم هذا الجسد غير المنظور هو جسد الكنيسة؟! وإن كان كذلك، فكيف تنطبق عليه عبارة "من هذا اللحم وهذه العظام عينها"؟!
إنه يقول أيضًا في كتابه (الافخارستيا) (ص 142):
"المسيح من لحمه وعظامه، يخلق كل يوم الإنسان الجديد الروحاني الذي يعضده ببركة العهد الجديد".
كل ما تعلمناه من الكنيسة، إننا في المعمودية نُولَد من الماء والروح، دون ذكر لحم وعظام..! ودون ذكر جسد سرى ولا جسد غير منظور نولد منه!!
ومادمنا نولد في المعمودية، فمعنى ذلك إننا لم نولد في بيت لحم، كما يقول المؤلف في كتاب (العريس) وبالتالي لم نولد من بطن العذراء ضمن أعضاء الكنيسة أو البشرية المفتداة!!
غير أن المؤلف يعطى معنى آخر لجسد المسيح السري، فيقول في كتاب العنصرة عما حدث في يوم الخمسين:
"إذن حلول الروح القدس يوم الخمسين لا يشير إلى منح قوة روحية مجردة، أو منح عطايا ومواهب جزافًا. بل الأمر جد خطير، فهنا إشارة سرية إلى أنه حدث اتحاد غير منظور بين طبيعة إلهية وطبيعة بشرية. وماذا تكون الطبيعة الإلهية إلا جسد المسيح السري بالذات الذي سبق المسيح وأشار إلى أخذه وأكله والاتحاد به والثبوت فيه!!".
إن كانت الطبيعة الإلهية هي جسد المسيح؟ فأين إذن اللاهوت وأين الناسوت؟! وكأنه يقول إن اللاهوت هو نفسه الناسوت؟!
وهل جسد المسيح السري هو الذي نتناوله في سر الافخارستيا؟! هذا معنى آخر لجسد المسيح السري يقدمه المؤلف.
وبجمع هذه الفكرة والفكرة السابقة، فكيف نولد نحن من هذا الجسد في المعمودية حسب قوله "الروح القدس هو الذي يصنع هيكل إنساننا الجديد. يصنعه من جسد المسيح السري الذي يملأ السماء والأرض"؟!
إنه أمر مُرْبِك بلا شَك! هذا الجسد السري حسب شرح المؤلف! هل هو جسد المسيح المولود من العذراء بلحمه وعظامه؟! أم هو الكنيسة جسد المسيح؟! أم هو جسده في سر الإفخارستيا؟!
على أنه في كتاب (الكنيسة الخالدة) يطرح هذا السؤال (ص 120)، ويجيب عليه : " فيقولولكن ما صلة جسد المسيح السري في الكنيسة، وجسده الذي في السماء الجالس عن يمين الله؟ هو جسد واحد بلا تفريق في السماء وعلى الأرض..".
ويبقى تعريف (جسد المسيح السري) لا يتفق مع بعضه البعض لأن الجسد الجالس عن يمين الله هو الجسد المولود من العذراء المتحد باللاهوت، وليس هو الكنيسة بحال من الأحوال. فالكنيسة هي جسد المسيح ليس بالمعنى الحرفي، وليست هي الجسد المولود من العذراء...
أما قوله إنه في يوم العنصرة حدث اتحاد بين طبيعة إلهية وطبيعة بشرية، (فيها التلاميذ يمثلون الكنيسة كلها) فأمر لا يمكن أبدًا قبوله لاهوتيًا.
الوحيد الذي اتحدت فيه الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية، هو السيد المسيح الإله المتجسد. وليس الرسل أيضًا. محال...
وهنا أحب أن أقول إن هناك طريقتين لمهاجمة لاهوت المسيح:
أ- إما التعليم الأريوسي الذي ينزل بالمسيح إلى مستوى البشر.
ب- وإما تأليه البشر، إذ يرفع البشر إلى مستوى المسيح. وهذا ما نرى له مثالًا الآن، إذ يقال إنه في يوم الخمسين، حدث للتلاميذ اتحاد طبيعة إلهية بطبيعة بشرية!!
ماذا يكون إذن الفرق بينهم وبين السيد المسيح؟!
لا فرق، وهذا ما يذكره مؤلف كتاب العنصرة...
فهو يقول عن حلول الروح القدس يوم الخمسين:
"لم يحل الروح القدس بهيئة حمامة في وسط مياه الأردن ليعطى قوة العماد بالماء والروح، بل حلّ بألسنة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم. إذن فنحن أمام "عليقة مشتعلة بالنار" حسب الرمز، أو طبيعة إلهية متحدة بطبيعة بشرية حسب شرح الرمز، أو صورة النبوة بميلاد المسيح كما تسلمنا من التقليد الشريف!"
ويرى أن ما حدث للرسل يمثل الكنيسة كلها فيقول:
إن غاية التجسد الإلهي بلغت ذروتها في يوم الخمسين".
"التجسد الإلهي هو طبيعة إلهية اتحدت بطبيعة بشرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فهل بلغ هذا ذروته في يوم الخمسين، حينما حدث نفس الشيء بالنسبة إلى الرسل حسب قوله؟! أو للكنيسة كلها؟ نعم، إنه يقول: "لقد صار وكمل في العلية، ما بدئ به في بيت لحم".
الذي بدئ به في بيت لحم هو التجسد الإلهي الذي فيه اتحدت الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في شخص المسيح. فهل هذا هو الذي صار وكمل في العلية في يوم الخمسين؟! مع الرسل ممثلين للكنيسة؟! الكل صاروا كالمسيح تمامًا!!
إنه يقول: قبل ذلك مباشرة في (الهيئة التي حل بها الروح القدس يوم الخمسين):
"لقد اتحد المسيح بالكنيسة، فاكتسبت الكنيسة كل ما للمسيح". ويقول بعد ذلك تحت عنوان (الروح القدس هو صانع هياكلنا الجديدة): "إن فعل الروح القدس الأساسي في إنساننا الجديد هو إعطاؤنا كل ما للمسيح لنصير مناسبين للاتحاد الدائم به".
ما أخطر كلمة (كل) حينما تقال في التعبير اللاهوتي...
الكنيسة لم تكتسب كل ما للمسيح، لأن للمسيح لاهوتًا لم تكتسبه الكنيسة.
وللمسيح صفات لاهوتية كالأزلية، وعدم المحدودية، والقدرة على الخلق، والسلطان المطلق. والكنيسة لم تكتسب شيئًا من كل هذا. والمسيح له علاقة بالآب يقول فيها "أنا والآب واحد (يو 10: 30) ويقول "من رآني فقد رأى الآب (يو 14: 9). وهذا أيضًا لم تكتسبه الكنيسة. وكذلك كل مجد اللاهوت الذي للمسيح...
يمكن أن نقول إن المسيح أعطانا مما له، من صفاته الناسوتية مما يمكننا الوصول إليه. أما عبارة "كل ما للمسيح" فهي ما لا يمكن أن نصل إليه إطلاقًا. إنها عبارة غير مقبولة لاهوتيًا. كذلك في المعمودية، لم يعطنا الروح القدس كل ما للمسيح!
ويؤسفنا أن المؤلف يكرر نفس عباراته التي ذكرها في كتاب العنصرة. وذلك في صفحة واحدة من كتابه (التجسد الإلهي ص 45):
فيقول إن الذي حدث في يوم الخمسين هو اتحاد طبيعة إلهية بطبيعة بشرية". ويقول "وماذا تكون الطبيعة الإلهية إلا جسد المسيح السري بالذات الذي سبق المسيح فأشار إلى ". أخذه وأكله والاتحاد بهكما تحدث عن تقبل الروح القدس كأقنوم...
وقال أيضًا "إن غاية التجسد الإلهي قد بلغت ذروتها في يوم الخمسين". وقال "لقد اتحد المسيح بالكنيسة: فاكتسبت الكنيسة كل ما للمسيح... لقد صار وكمل في العلية ما بدئ به في بيت لحم". وقال أيضًا الجسد الإلهي المعبر عنه بملء اللاهوت جسديًا.."
نعم، ما كتبه سنة 1960 قد كرره بالحرف سنة 1988... إنه إصرار على فكر يلزم مواجهته.
ولكن المؤلف يكمل مفهومه بعبارة أخرى مشابهة وهي:
"لذلك بعد أن يلدنا الروح القدس في المعمودية، ويشكلنا بطبيعة ابن الله، لا يسعه إلا أن يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله".
وهنا نقف أمام عبارة "يشكلنا بطبيعة ابن الله".
طبيعة ابن الله، هي لاهوت كامل متحد بناسوت كامل. هذه هي طبيعة "الكلمة المتجسد". فكيف يشكلنا الروح القدس بهذه الطبيعة؟! كل ما يمكن أن يقال إنه يقربنا من صورة ناسوته، يجعلنا مشابهين لكمال الناسوت في ما تستطيع طبيعتنا البشرية أن تصل إليه بمعونة النعمة... يجعلنا "مشابهين صورة ابنه" (رومية 8: 29).
أما أن يشكلنا بطبيعة ابن الله، فهذا غير ممكن لاهوتيًا. ستظل طبيعتنا البشرية هي هي، لكن مع نقاوة وتجديد. وتظل طبيعة ابن الله هي هي: لاهوت كامل متحد بناسوت كامل مقدس...
حقًا إننا نصير أبناء الله، ولكن ليس بطبيعة ابن الله. فهو ابن الله بمعنى، ونحن أبناء الله بمعنى. لذلك فقد كتب عنه إنه "ابن الله الوحيد" (يو 3: 16، 18) (1 يو 4: 9) (يو 1: 18).
أما بنوتنا فهي لون من التبني (غل 4: 5) (رو 8: 23).
وقد قال يوحنا الرسول عن السيد المسيح "أما الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" " (يو 1: 12) وقالأنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يو 3: 1).
إذن بنوتنا لله هي نوع من المحبة أو التبني أو الإيمان، وليست مطلقًا لأننا تشكلنا بطبيعة ابن الله!
يستخدم المؤلف اقتباسًا في غير موضعه للقديس أوغسطينوس إذ يقول: "إننا لم نصر فقط مسيحيين، بل صرنا مسيحًا".
القديس أوغسطينوس كان يتكلم عن أن السيد المسيح اعتبرنا كشخصه. فيما قال لشاول الطرسوسي "لماذا تضطهدني؟" (أع 9) ولم يقل "لماذا تضطهد أعضاء الكنيسة". فكأننا كشخصه. وكذلك في العناية بالفقراء إذ قال "كنت جوعانًا فأطعمتموني. كنت عطشانًا فسقيتموني (مت 25) وقال بعدها "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبى قد فعلتم (مت 25: 40).
هذا ما قصده القديس أوغسطينوس، ولم يكن يتكلم عن معنى لاهوتي، أو عن أنه قد صار لنا طبيعة المسيح، حاشا.
وبهذه المناسبة نعود فنكرر أن استخدام أقوال الآباء بغير مفهومها وفي غير مناسبتها، أمر معثر وله خطورته...
فلا يجوز إذن استخدام ما قاله الآباء في غير القصد الذي قصدوه، وتحويله إلى معنى آخر..!
يتابع المؤلف المعنى الذي يقصده من يوم الخمسين فيقول:
فالجسد الإلهي المعبر عنه "بملء اللاهوت جسديًا" (كو 2: 9) صرنا منذ يوم الخمسين "مملوئين فيه".
ومن المحال أن الجسد الإلهي يعبر عنه بأنه ملء اللاهوت!! فإن كان الجسد هو ملء اللاهوت إذن أين الناسوت؟! وأين اللاهوت؟!! أما الآية (كو 2: 8)، فتقول ".. وليس حسب المسيح فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا".
وفرق كبير جدًا بين تعبير "يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًا" وبين أن الجسد الإلهي هو كل ملء اللاهوت جسديًا!!
هذا الخلط بين اللاهوت والناسوت، كما لو أن طبيعة كل منهما قد فقدت أو ذابت في الطبيعة الأخرى، يذكرنا أيضًا بقوله في نفس المجال "وماذا تكون الطبيعة الإلهية إلا جسد المسيح السري بالذات..".
فهو يقول: الطبيعة الإلهية هي جسد المسيح السري!
كما يقول: الجسد الإلهي هو ملء اللاهوت جسديًا!
فهل الطبيعة الإلهية هي الطبيعة الناسوتية في تعبيره؟!
إننا نرى عجبًا في كل هذه الشروحات، التي هي ضد تعليم الكنيسة اللاهوتي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/body-of-christ.html
تقصير الرابط:
tak.la/vr7mf5p