4
محاربة الناموس والأعمال
هل ألغى الله الناموس والموت وقانون العقوبات؟!
هل ألغى الشعار القديم بتتميم الوصايا وكل من يخطئ يموت؟!
هل أنهى الله على الناموس وعلى الوصايا نهائيا؟!
هل لا يمكن للمسيحي أن يقول أنا خاطئ؟!
هل غلب الإنسان الموت وكل علاقة بين الخطية وبين الموت؟!
هل نحن نقف أمام الناموس بلا خطية؟!
ماذا عن الخلاص المجاني، والبر المجاني، والمغفرة المجانية؟!
هل لا أعمال لغفران الخطايا فالغفران بالنعمة؟!
هل النعمة تلغي الأعمال، والله لا يطلب من الإنسان إلا إيمانه؟!
هل كان إيمان أبينا إبراهيم بدون أعمال أيا كانت؟!
هل إن رفعنا وجهنا نحوه، فنحن واصلون واصلون؟!
هل الأعمال هي تجديف على الصليب أو تكميل لعمل المسيح؟!
هل سلك القديس بولس بدون أعمال؟! وهل علم بذلك؟!
هل متنا مع المسيح على الصليب، وقمنا معه؟!
هل حقًا إننا متنا معه الموت الأبدي؟!
وهل نزلنا إلى الهاوية؟ ووفينا العقوبة؟!
هل نحن أعظم من منتصرين، لا سلطان للخطية علينا؟!
وهل صعدنا إلى السموات، عن يمين العظمة؟!
ما معنى عبارة "جلس عن يمين الآب"؟
لقد هاجم المؤلف الناموس والأعمال هجومًا شديدًا في كتابه عن بولس الرسول، وشرحه للرسالة إلى روميه. ولكني لم أجد في أي كتبه هجومًا على الناموس، مثلما في شرحه الرسالة إلى غلاطية:
حيث ذكر كيف أنه قد ألغى الناموس، وألغيت الخطية، وألغيت العقوبات، وألغى الموت، وألغيت الوصايا، وألغيت اللعنة. وتحدث عن الخلاص المجاني، والبر المجاني، والمغفرة المجانية، والقداسة المجانية، والخليقة الجديدة المجانية، والحياة الأبدية المجانية...
وتكلم ضد الأعمال وهاجمها. وقال إننا نقف أمام الناموس بلا خطية، فليست له أية قضية ضدنا. وأن الله قد غفر لنا جميع الخطايا السابقة، والخطايا الآتية التي نعملها في المستقبل...
وقال إن الله لا يطلب من الإنسان إلا إيمانه فقط. وحتى هذا الإيمان هو هبة من الله، والنعمة تلغى الأعمال...
وسوف نوضح هذا الفكر بالتفصيل في النقاط الآتية، ونناقشه...
لكن قبل أن نذكر مهاجمته للناموس، نود أولًا أن نشرح:
تعني قانون أو شريعة. وتشمل ضمنًا كل أوامر الله ووصاياه nomos كلمة ناموس وما ورد بهذا الخصوص في أسفار موسى الخمسة التي يطلق عليها لقب الناموس أو الشريعة... وكذلك ما ورد من أوامر إلهية في كتب الأنبياء، وفي العهد الجديد أيضًا.
بعض من أوامر الناموس كان رمزًا حلّ محله المرموز إليه. ومن هذه الرموز الذبائح الحيوانية التي حلت محلها ذبيحة المسيح، ومنها الفصح الذي قيل عنه "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1 كو 5: 7).
هناك أيضًا أعمال الناموس، كالأعياد القديمة (لا 23) وكالأمور الخاصة بالنجاسات والتطهير. كلها كانت رموزًا. وعنها قال القديس بولس "لا يحكم أحد عليكم في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت. التي هي ظل الأمور العتيدة. وأما الجسد فللمسيح" (كو 2: 16، 17).
أما باقى الناموس، فهو وصايا إلهية تغنى بها داود النبي، فقال "ناموس الرب كامل يرد النفس. شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيمًا. وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب... أحكام الرب حق، عادلة كلها، أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد. (مز 19: 7 - 10).
وقال إن الرجل البار "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلا" (مز 1: 2) ونحن نرتل هذه الكلمات في صلاة باكر في كل يوم. كما نرتل في صلاة نصف الليل، ما ذكره داود النبي أيضًا في المزمور الكبير (مز 119) عن شهادات الرب وأحكامه وشريعته... كقوله "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" "شريعتك هي لذتي" "بكل " " قلبي أحفظ وصاياكسبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك".
بعد كل هذا نضع أمامنا هذا السؤال الخطير:
يقول لنا الرب في العظة على الجبل: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.." (مت 5: 17، 18).
أما مؤلف شرح الرسالة إلى غلاطية فيقول في (ص 240) وهكذا بمجيء الإيمان، فتح المسيح سجن الخطايا، وأبطل الخطية بذبيحة نفسه، وأوقف الناموس عن سلطانه الذي كان يأمر بالموت، وألغى قانون العقوبات، وشطب الموت..". ويقول في (ص 217) "معروف أن كل من يعمل الخطية يموت. فقوة الخطية التي جعلت لها رعبة وشأنًا ووجودًا هي عقوبة الموت باعتباره عقوبة الخطية الحتمي. لماذا ألغى الله عقوبة الموت، ألغيت الخطية حتمًا. وبالتالي ألغيت كل أحكام الناموس. وبالتالي يكون الناموس قد فقد ضرورته، وبالتالي فقد وجوده، دون أن تمس هيبة كلمة الله"
فكيف يفقد الناموس ضرورته ووجوده وأحكامه، دون أن تمس هيبة كلمة الله، بينما الناموس هو كلمة الله؟! أليس في هذا تناقض؟!
ويقول المؤلف في (ص 210) من تفسيره لرومية "صار منذ الآن لا ناموس بالمرة، بل فكاك وقطع ربط".
بعد كل هذا يمكننا أن نسأل:
الخطية لم تلغ. فالقديس بولس الرسول نفسه يقول "إني أصادق الناموس إنه حسن. فالآن لست بعد أفعل ذلك، بل الخطية الساكنة فيَّ" (رومية 7: 16، 17).
"فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة في." (رومية 7: 20). "فإننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية" (رومية 7: 14). فكيف يقال "ألغيت الخطية"؟!
والقديس يوحنا يقول في رسالته الأولى "إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8). والقديس بولس الرسول يقول أيضًا "إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1 تي 1: 15).
الخطية إذن موجودة. والموت أيضًا موجود. فكيف يقول المؤلف إن الله ألغى الخطية تمامًا وألغى عقوبة الموت؟ عقوبة الموت موجودة، كما ورد في سفر حزقيال النبي "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 4، 20).
فالله لم يلغ عقوبة الموت، لكنه تحمله نيابة عنا على الصليب. والموت الأبدي لا يزال موجودًا كعقوبة للخطاة. وليس هذا تعليم العهد القديم فقط. ولكن ذكر في العهد الجديد "إن أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23)
ومع ذلك فإن مؤلف (شرح الرسالة إلى غلاطية) يقول:
"فأصبح شعار العهد الجديد هو مغفرة الخطايا، وإعطاء الحياة الأبدية بدم المسيح مجانًا، عوض الشعار القديم بتميم كل الوصايا وكل من يخطئ يموت".
فهل انتهى إذن هذا الشعار القديم، وأصبحنا غير مطالبين بتميم كل الوصايا؟! وهل الموت لم يعد عقوبة الخطية؟! (رومية 6: 23).
وهل ألغى قانون العقوبات كما يقول؟!
أمامنا قائمة طويلة في (1 كو 6: 9، 10) عن عقوبة تمنع دخول ملكوت الله. وإشارة أخرى في (رومية 2: 3-6) عن عقوبة "من يذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله"..
فهل بعد ذلك يقال بكل جرأة أن الله ألغى قانون العقوبات، وشطب الموت، وألغى الموت، وأوقف الناموس (ص 240).
وهل إعطاء الحياة الأبدية مجانًا، معناه الإعفاء من التوبة والأعمال الصالحة؟!
في كل كلام المؤلف عن الخلاص المجاني والبر المجاني، لم يذكر شيئًا عن ضرورة التوبة. وهوذا السيد المسيح يقول "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3، 5).
فهل إعطاؤنا الفداء مجانًا بدم المسيح، حسب عبارة "متبررين مجانًا بالنعمة"، هل هذا يعنى إغفال التوبة، والوصايا والناموس والأعمال الصالحة؟!
يقول المؤلف في شرح غلاطية (ص 216) "فلكي ينهي الله على الناموس وعلى . الوصايا نهائيًا، ألغى الخطايا كلها، بل وألغى طبيعة الخطية وقوتها التي هي قوة الناموسففقد الناموس. وفقدت الوصايا قوتها أي عملها نهائيًا، وبالتالي وجودها".
وهل يعيش المسيحيون حاليًا بدون وصايا؟! إذ أنهى الله على الوصايا -كما يقول المؤلف- وفقدت الوصايا قوتها ووجودها!!
وبالتالي هل ألغيت العظة على الجبل وكل تعاليم المسيح؟! وهل ألغيت كل الوصايا في (رو 12) وفي (1كو 13) وفي كل تعليم الرسل القديسين. هوذا السيد المسيح يقول: من يحبني يحفظ وصاياي. ويقول "مَنْ يسمع كلامي ولا يعمل به يشبه بيتًا بنى على الرمل... فسقط وكان سقوطًا عظيمًا" (مت 7: 26، 27).
فكيف يقال إذن أن الله أنهى الوصايا وألغاها؟!
هكذا يقول المؤلف في كتابه عن القديس بولس (ص 372) إن "الناموس دفعه إلى ارتكاب أبشع الجرائم". ويقول في (ص 377) إنه "دفعه لقتل المؤمنين وتعذيبهم واضطهاد الكنيسة بجنون".
ولاشك أن عبارة "أبشع الجرائم" وعبارة "جنون" لا تليقان مطلقًا في حديثنا عن قديس عظيم كبولس الرسول.
حقًا إنه اضطهد الكنيسة، وفي ذلك يقول "ولكني رحمت لأني فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (1 تي 1: 13).
إذن ليس الناموس هو الذي دفع شاول الطرسوسي إلى اضطهاد الكنيسة، حتى يهاجم الناموس، إنما دفعه الجهل وعدم الإيمان.
أي الجهل بقضية الفداء والخلاص، وعدم الإيمان-وقتذاك-بأن يسوع الناصري هو المسيا الذي يحمل خطايا العالم ويخلصه.
في شرح لمؤلف الرسالة إلى غلاطية كلام كثير جدًا عن النعمة وعن الإيمان، مع تقليل شديد من شأن الأعمال، وكأنه يقول ’’كله بالنعمة‘‘ ’’كله بالإيمان‘‘..! حسب قوله ... (في ص 316) "المسيح لا يطلب من الإنسان إلا إيمانهوحينئذ يكون في مجال قوة المسيح الذي يتمم له كل شيء. ولا يعود له عمل إلا استيعاب عمل المسيح والفرح به".
على أنه لكي يكون فهمنا لتعليم الكتاب شاملًا، ينبغي أن نضع إلى جوار الإيمان قول القديس يعقوب الرسول "لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميت" (يع 2: 26) "هكذا الإيمان أيضًا إن لم يكن له أعمال، ميت في ذاته" (يع 2: 17).
ويقول أيضًا "ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد إن له إيمانًا، ولكن ليس له أعمال. هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟" (يع 2: 14).
ولكن المؤلف يلغى الأعمال في حديثه عن النعمة!!
إن المؤلف يقول (في ص 90) من شرحه للرسالة إلى غلاطية:
’’إن القديس بولس في رسالته إلى غلاطية يضع الأساس الراسخ لعمل النعمة، ولعمل الأعمال والتفريق بينهما. حيث تلغى الواحدة منها الأخرى. فالنعمة تلغى الأعمال، وبالتالي الرجعة إلى الأعمال تلغي النعمة. وهذا الخطر الكبير ليس على إيمان أهل غلاطية فقط، بل على إيماننا بنعمة المسيح التي لا تقبل الاستزادة بأي عمل كان، حتى ولا إلى تقطيع الجسد! وقد بلورها القديس بولس في رسالته إلى روميه هكذا:
+ متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح (رو 3: 24).
+ لأنكم بالنعمة مخّلصون، بالإيمان. وذلك ليس منكم. هو عطية الله (أف 2: 8).
لذلك فإن قول القديس بولس في رسالته إلى غلاطية قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم عن النعمة" (غل 5: 4). يعتبر أساس إنجيل القديس بولس الذي بشر به بين اليهود والأمم سواء بسواء، وبالتالي أساس كل الرسائل.
إن القديس بولس في قوله "متبررين مجانًا بنعمته" وقوله "لأنكم بالنعمة مخّلصون" يقصد الفداء، الذي لا يحل العمل البشرى محله. ولذلك قال "متبررين مجانًا بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح".
وقوله "لأنكم بالنعمة مُخَلَّصُون، بالإيمان".. يقصد بالإيمان بالفداء بعمل المسيح على الصليب. وهذا الفداء ليس منكم، بل هو عطية الله.
ولكن مجرد الإيمان بالفداء، لا بُد أن تتبعه أعمال أخرى كالتوبة والمعمودية والأعمال الصالحة والسلوك بالروح.
فاليهود عندما عملت فيهم النعمة يوم الخمسين، ونخسوا في قلوبهم وآمنوا، لم يكتفوا بالإيمان والنعمة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وإنما قالوا للرسل" ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟" فأجابهم القديس بطرس الرسول "توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 2: 37، 38). ولم يقل لهم "المسيح لا يريد من الإنسان إلا إيمانه" كما يقول المؤلف في (ص 316).
بل إن السيد المسيح نفسه يقول في آخر إنجيل مرقس ’’من آمن واعتمد، خلص (مر 16: 16) كما يقول عن التوبة "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون".
إن الإيمان هو الخطوة الأولى، التي يجب أن تتبعها خطوات أخرى.
ولكن المؤلف يتحدث حتى عن خلاص الفاجر والمستبيح.
يقول المؤلف (في ص 89) من شرح نفس الرسالة:
’’ولكن دعوة الله بنعمة المسيح تعني مباشرة وبقوة إلى فعل خلاصي يتم أو قد تم بموت المسيح الفدائي. لكي يسرى هذا الفعل الفدائي في الفاجر وغير المستحق والمستبيح، بالإيمان ليبرره ببر الله. فيتبرر الفاجر في عين الله ويتصالح ويقبل التبني! فإن كان الله قد دعاهم بنعمة المسيح فقد دخلوا في بر الله الكامل حيث لا يمكن أن يزاد بر الله بالأعمال، وإلا فالاتكال على الأعمال يلغى بر الله".
وواضح أن الله لا يبرر الفاجر إلا إذا تاب.
وكما قال معلمنا القديس بطرس الرسول "إن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران (1 بطرس 4: 18). والقديس بولس الرسول نفسه يقول في رسالته إلى روميه "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو 1: 18).
ويقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس إن أمثال هؤلاء لا يرثون ملكوت الله (1 كو 6: 9، 10).
ولكن المؤلف -للأسف الشديد- في كل ذلك الموضوع، لا يأتي بأى ذِكْر للتوبة كشرط لقبول الفاجر، بل يزيد بتبرير المستبيح وغير المستحق. وعبارة (غير المستحق) خطيرة. لأنه بدون التوبة يكون كل خاطئ غير مستحق للتبرير، فكم بالأكثر المستبيح!
إنه يركز على كلمة (مجانًا) في عبارة ’’متبررين مجانًا بنعمته (رو 3: 24) وذلك في (ص 30) ويضيف إليها ما ورد في (أف 2: 8، 9) "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان... ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد" ومع أن بعدها "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف 2: 10) إلا أن المؤلف يركز على كلمة (مجانًا) ويقول:
"حيث كلمة (مجانًا) قادرة في حد ذاتها أن ترد كل يائس من خلاصه ليقوم ويكرز بالخلاص المجاني".
ويقول (في ص 26) نعمة المسيح وهبت لك الحياة الأبدية مجانًا، فامسك بالنعمة وتمسك بها، وراهن عليها. إنها قادرة بحد ذاتها أن تورثك الحياة الأبدية. النعمة تسجلت في السماء لحسابك يوم آمنت بالمسيح. فلا تظن أنك تحتاج لشيء أو لأحد ليحدرها لك من السماء... هكذا تعلن رسالة غلاطية عن صراخ النعمة في وجه الإنسان المسيحي: اقبل الحرية التي حررك بها المسيح لتحيا لله"
المسيح قدم الفداء بدمه (مجانًا) ولكن بشروط:
الشرط الأول هو الإيمان. كما يقول الإنجيل "لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). ويقول أيضًا: "’’الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 26)
فما معنى قول المؤلف (ص 26) إن نعمة المسيح وهبت لك الحياة الأبدية مجانًا. ومن جهة الإيمان يقول في (ص 55):
"هكذا لا يوجد عمل في الوجود يمكن أن يؤهلنا لعطية الإيمان، أو يجعلنا مستحقين لنعمة المسيح. فالإيمان عطية، والنعمة هي استحقاق لكل من يؤمن."
فإن كان الإيمان عطية، فما ميزة المؤمن على غير المؤمن، إن كان لا يوجد عمل في الوجود يؤهله لعطية الإيمان؟
والشرطان الثاني والثالث هما التوبة والمعمودية، كما قال القديس بطرس الرسول يوم الخمسين "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا" (أع 2: 38).
والشرط الرابع هو الأعمال الصالحة والسلوك بالروح. حسب قول القديس بولس الرسول "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رومية 8: 1) وحسب قول يعقوب الرسول "إن الإيمان بدون أعمال ميت" (يع 2: 17، 20).
ولا شك أن هذه الشروط الأربعة كلها أعمال...
ولكن المؤلف يقول (في ص 47) في شرحه لرسالة غلاطية:
"فهل يحتاج إنجيل المسيح إلى تكميل من أي نوع، سواء بأعمال الناموس أو غيرها؟ بكل الصدق واليقين فإن عمل المسيح هو إلهي فائق لا يزاد عليه، ولا يحتاج إلى تكميل بشرى من أي نوع. وإلا يحسب بأن عمل ابن الله ناقص يحتاج إلى التكميل بأعمال الإنسان، سواء بأمر الناموس القديم، أو بوازع الضمير الناقص المتشكك. وهذا يعتبر أنه خروج عن الإنجيل الحقيقي أو حق الإنجيل أو يعتبر كأنه إنجيل آخر!!".
"فإذا ارتد الإنسان المفدى والقابل للخلاص عن إنجيل خلاصه نحو أعمال الناموس أو أعمال الفكر أو الضمير أو الجسد كأنها ضرورة لتكميل خلاصه، فإنه يكون قد خرج عن حدود حق الإنجيل، وبالتالي قد سقط من نعمة الإيمان بالمسيح كما يقول القديس بولس في نفس الرسالة".
"فإن تحول نحو أعمال الناموس أو أي أعمال أخرى كأنها ضرورية للخلاص، يعتبرها بولس الرسول سقوطًا من النعمة، وبالتالي من الإيمان بالمسيح وبأعمال المسيح الفدائية (غل 5: 4).
"لا يوجد على الذين آمنوا بالمسيح وبأعماله الفدائية من آلام وموت، أن يعملوا أي عمل كبير أو صغير ليضيفوا على إيمانهم بالمسيح وبأعماله استحقاقًا لغفران خطايا أو لخلاص"..
عمل الفداء قام به السيد المسيح وحده. هذا أمر لا مزايدة فيه. ولكن هل كل الناس انتفعوا بهذا الفداء العظيم؟! هوذا القديس بولس الرسول يقول: "كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟!" (عب 2: 3).
ماذا عن الذين آمنوا وسلكوا في الخطية ولم يتوبوا؟! وماذا عن الذين آمنوا بالفداء وتناولوا جسد الرب ودمه بغير استحقاق، فتناولوا بذلك دينونة لأنفسهم؟! (1 كو 11: 29).
وماذا عن الذين آمنوا، وكان يذكرهم القديس بولس في رسائله، ثم عاد يقول: "لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات (في 3: 18، 19).
وماذا عن الذين آمنوا، وصاروا من رعاة الكنيسة وقادتها، وأخطأوا في العقيدة، وحرمتهم المجامع المقدسة؟! هل استحق أولئك دم الفادي؟!
كيف بعد كل ذلك لا نتكلم عن أهمية الأعمال، بينما الله سوف يأتي في مجده، ليجازى كل واحد حسب عمله (مت 16: 27) خيرًا كان أم شرًا (2 كو 5: 10).
ونلاحظ فيما ذكره المؤلف (ص 47) إنه لم يهاجم أعمال الناموس فقط كالختان والسبت والفرائض اليهودية (كو 2: 16، 17) إنما كل عمل صغيرًا كان أو كبيرًا سواء من أعمال الفكر أو الضمير أو الجسد!! وقال إنها إنجيل آخر، أو خروج عن حق الإنجيل. وكأنها تكميل لعمل المسيح الفدائي وليس استحقاقًا.
ليتنا نتذكر-إلى جوار الإيمان-ما قيل عن يوم الدينونة الرهيب إن الرب سيطرد أولئك الذين لم يطعموا الجائع، ولم يسقوا العطشان، ولم يزوروا المريض، مع أنهم قالوا له "يا رب" (مت 25: 37). ولكنهم ذهبوا إلى عذاب أبدى (مت 25: 46)
وليتنا نذكر العذارى الجاهلات اللائي أغلق أمامهن باب الرب فلم يدخلن مع إنهن كن مؤمنات، وكن ينتظرن العريس، وقلن له "يا ربنا يا ربنا، افتح لنا" (مت 25: 11). ومشكلتهن أنهن لم يأخذن معهن زيتًا.
أما الاتهام بأن الأعمال هي تكميل لعمل المسيح في الخلاص. فمع أن الأعمال هي لمجرد الاستحقاق... فإننا نضع إلى جوارها قول الرسول بولس نفسه:
"تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في 2: 12).
إن الخلاص الذي قدمه الرب على الصليب، نحتاج أن نتممه في حياتنا العملية حسب تعليم هذا الرسول الذي نادى بالخلاص المجاني!
ليس بالشركة في آلام المسيح الفادية! كما ذكر المؤلف في بعض كتاباته الأخرى، إنما بمداومة التوبة، والحرص، والاجتهاد، ومقاومة الخطية وعدو الخير، والاستمرار في السهر الروحي... وكلها أعمال.
نتممه بأعمال التوبة، حسب تحذير الرب في قوله مرتين "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون (لو 13: 5) وحسب قول سفر الأعمال إن الله أعطى الأمم التوبة للحياة (أع 11: 18) والتوبة تحتاج إلى جهاد وسهر روحي ومقاومة للشيطان. كما يقول القديس بطرس الرسول "فاصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو.
فقاوموه راسخين في الإيمان، عالمين أن نفس هذه الآلام تجرى على أخوتكم الذين في العالم" (1 بط 5: 8، 9).
ومثلما وبخ القديس بولس الرسول العبرانيين قائلًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية (عب 12: 4).
وعن السهر قال الرب "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو 12: 37) "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، وسرجكم موقدة"، "كونوا مستعدين، لأنكم لا تعرفون في أية ساعة يأتي ابن الإنسان" (لو 12: 35، 40).
ومع كل ذلك فإن المؤلف يقول في (ص 179) من شرحه للرسالة إلى غلاطية:
"يتحتم على الإنسان أن يخلع ما ترسب في ذهنه هذه السنين بل هذه الأجيال من حاجته الملحة لاسترضاء الله بالأعمال". ويقول أيضًا: "أفلا يحسب الإنسان المسيحي، الذي آمن بالمسيح، ونال البر والغفران المجاني، ودخل مع الله في مصالحة وشركة حياة أبدية، ألا يحسب أنه يجدف على الصليب والغفران المسيحي المجاني، بل ويستهزئ بالإيمان المسيحي، إن هو ظن أن بالأعمال التي يعملها مثل الصوم أو الصدقة، والسهر وقرع الصدر، والسجود والتواضع، والتذلل حتى التراب، يتبرر أمام الله أو يتزكى بها لدى الله ويتقرب؟! لأن الإنسان لا يتبرر بأعماله قط، بل يتبرر بالإيمان بالمسيح. والإيمان بالمسيح يتزكى فقط أمام الله "الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أنى من عند الله خرجت (يو 16: 27).
عجيب أن كل هذا الجهاد رخيص أمام المؤلف!! ماذا إذن عن الجهاد الرهباني، والمطانيات، وسهر الليالي، وما نقرأه في قصص آباء البرية وجهادهم؟! وماذا عن صومنا ومطانياتنا في هذا الصوم الكبير؟! وماذا عن نسك وجهاد أهل نينوى الذي أرضوا به الله، فرفع غضبه عنهم!!
لاحظوا أنه في الفقرات السابقة لم يكن يتكلم عن أعمال الناموس والفرائض اليهودية، إنما حتى عن عبادتنا الحالية...
عجيب أن يقول المؤلف تلك العبارة في شرحه رسالة للقديس بولس الرسول الذي قال "أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1 كو 9: 27) كيف أيها القديس العظيم المتواضع تقمع جسدك وتستعبده؟! ألم تنل الخلاص المجاني والبر المجاني بإيمانك بالمسيح؟! ما معنى عبارة حتى لا أصير أنا نفسي مرفوضًا.
وعن الجهاد يقول القديس بولس الرسول في آخر أيامه ’’جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل (2 تي 4: 7، 8) لم يقل نلت بر الله وبر المسيح يوم آمنت، إنما قيل إن إكليل البر يوهب له في ذلك اليوم، في اليوم الأخير.
أما من خلال حياته وجهاده فيقول "أسعى لعلى أدرك الذي لأجله أدركني المسيح" "أنا لست أحسب نفسي أنى قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء، . وأمتد إلى ما هو قدام أسعى نحو الغرض"(في 3: 12-14).
اقتبس كلماته هذه، لأذكر بها الذين يقولون إنهم صعدوا إلى السماويات مع المسيح وجلسوا عن يمين العظمة في الأعالي"!!
وأذكر بها أيضًا الذين ينادون بتأليه الإنسان!!
فالقديس بولس بعد كلماته التي ذكرناها، يقول ’’فليفتكر هذا جميع الكاملين منا. (في 3: 15) وليس فقط يدعو المؤمنين إلى السعي، بل يقول "أركضوا لكي تنالوا" "وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء" (1 كو 9: 24، 25).
هل نقول له: عفوًا أيها القديس العظيم، ما لزوم أن نركض وأن نجاهد، وأن نضبط أنفسنا؟! ألم ننل البر المجاني كعطية من الله حسب شرح رسالتك إلى غلاطية؟! ومن له أذنان للسمع فليسمع.
هنا ويواجهنا سؤال عن أبينا إبراهيم:
ربما تكون الدعوة قد أتته مجانًا (تك 12: 1-3) هذا إذا لم نتكلم بالتفصيل عن استعداده القلبي السابق، الذي جعله يترك أهله وعشيرته وبيت أبيه وبمجرد أن دعي أطاع فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب 11: 8).
ولكن المؤلف يقول (في ص 223) "وهكذا كان إيمان إبراهيم بالله بدون أعمال أيًا كانت" "لذلك بدأ الله العهد مع إبراهيم بدون سابق وصايا أو شروط، وكأنها مع البشرية.
كلها فيه مجانًا" ويستنتج المؤلف من هذا فيقول:
"وهنا تكمن الخطية أن يثق الإنسان بنشاطه، وعمل يديه في تكميل وصايا جسدية فوق هبة الله الممنوحة بالإيمان مجانًا بدون عمل أو نشاط جسدي من جهة الإنسان" ويستطرد المؤلف فيقول (في ص 223، ص 224):
"وكرر الله العهد مع إبراهيم مجانًا، دون أي عمل مسبق"!
كيف هذا؟! إن الكتاب يحدثنا كيف أن أبانا إبراهيم منذ بدء دعوته، لم يفارقه المذبح في كل موضع ينتقل إليه (تك 12) دليلًا لعبادته، ولم تفارقه الخيمة كدليل لحياة الغربة التي عاشها. ولم يفارقه النسك الذي به ترك للوط أكثر الأراضي عشبًا وغنى، وأخذ هو ما فضل عن لوط (تك 13) كذلك لم تفارقه إطلاقًا حياة الطاعة التي أخذ بها ابنه وحيده ليقدمه محرقة لله (تك 22):
هل ننكر كل هذه الفضائل، ونجرد إبراهيم أبا الآباء من كل أعماله؟! أما الدعوة التي أتته مجانًا، فنضع أمامها قول القديس بولس الرسول عن الرب والمدعوين حسب قصده: "لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم... والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضًا" (رو 8: 29، 30).
إن الله كان يعرف قلب إبراهيم قبل أن يختاره ويدعوه... فلا داعي إذن لأن يقول عن العهد بين الله وإبراهيم "هذا هو العهد المجاني القائم على الإيمان بالله دون أعمال أو وصايا" (ص 224):
يقول المؤلف أيضًا (في ص 216) من شرحه الرسالة إلى غلاطية:
"إبراهيم كان يحيا بالإيمان مع الله. فلما دخل الناموس على أولاده، توقف الإيمان وبركاته. وبدأت أعمال الناموس للتعليم مع لعناته"..
إن الناموس أُعطى بواسطة موسى النبي (وهو من أولاد إبراهيم). فهل توقف الإيمان أيام موسى، مع كل المعجزات التي أجراها الله على يديه؟! أم كان هناك عمق الإيمان الذي شق البحر الأحمر، واجتاز الشعب في داخله؟! وكذلك الإيمان الذي عاش به الشعب على المن والسلوى مدى أربعين سنة "لكي يعلمهم الرب أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فم الرب (تث 8: 3) وخلال تلك الأربعين سنة ثيابهم لم تبلَ عليهم، وأرجلهم لم تتورم (تث 8: 4) فهل توقف الإيمان أيام ناموس موسى؟! وهل توقف في أيام يشوع والسلسلة الطويلة من الأنبياء؟! وهل حّلت اللعنات مع أعمال الناموس كما يقول المؤلف. أم مع اللعنات كانت تقال البركات أيضًا. هما معًا، من على جبل جرزيم للبركة، ومن على جبل عيبال للعنة (تث 27: 12، 13). وما أكثر البركات التي ذكرت في (تث 28: 1-14).
ومعروف أن اللعنات بدأت قبل الناموس بآلاف السنين، كما في لعنة قايين (تك 4: 11) ولعنة الطوفان التي أصابت الشعب بالإفناء (تك 6).
إن الناموس ليس مرتبطًا دائمًا باللعنة كما يرى المؤلف. ولكن الخطية هي المرتبطة . باللعنةوالخطية كانت معروفة -بعقوباتها- قبل ناموس موسى، حينما كان الضمير يحل محل الناموس، بأحكامه. ونسميه الشريعة الطبيعية أو الشريعة الأدبية غير المكتوبة.
بعد كل ما قلناه، نسأل سؤالا هامًا من جهة الأعمال، وهو:
أولًا هي ثمرة الإيمان التي تدل على أنه إيمان حي.
والكتاب يقول "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تقطع وُتلقى في النار ”(مت 3: 10؛ 7: 19). والثمر هو الأعمال. ويقول الرب في ذلك "من ثمارهم تعرفونهم" (مت 7: 20) وهكذا يقول معلمنا القديس يعقوب الرسول "..وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع 2: 18).
* أيضًا الأعمال هي دليل الاستجابة لعمل النعمة، والشركة مع الروح القدس:
فالنعمة تعمل في الإنسان، ولكن لا ترغمه على عمل الخير، بل لا بُد أن يعمل الخير بإرادته. فالأعمال إذن دليل على الاستجابة لعمل النعمة. ودليل على أن روح الله حينما عمل فينا، اشتركنا معه. لم نطفئ الروح، ولم نقاوم الروح، ولم نحزن الروح. إنما بأعمالنا دخلنا في شركة الروح القدس حسب تعليم الكتاب (2 كو 13: 14) وحسب بركة الكنيسة:
* والأعمال برهان على طاعتنا لوصايا الله.
ويقول السيد الرب: من يسمع كلامي ويعمل به "أشبهه برجل عاقل بَنَى بيته على الصخر (مت 7: 24، 25). ويقول أيضًا "وأما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات (مت 5: 19).
مشكلة المؤلف أنه بدلًا من أن يعتقد أن السيد المسيح قد تجسد في جسد بشرى، فإنه يرى أنه تجسد في جسد بشريتنا، أي بمعنى جسد كل البشر!!
لذلك يرى أنه عندما مات على الصليب، مات بنا، أو مات فينا، أو ماتت كل البشرية . معهوهكذا عندما قام من الأموات قام بنا، وقمنا نحن معه-وهكذا-في رأيه-أننا موتنا بموت السيد المسيح، وقمنا بقيامته... ويتطور إلى القول بأننا هبطنا معه إلى الهاوية، وأننا صعدنا معه إلى السموات، ودخلنا إلى الأقداس العليا، وجلسنا عن يمين العظيمة!!!
هذا الكلام واضح في كتابه عن بولس الرسول، وفي تفسيره الرسالة إلى روميه، وفي تفسيره الرسالة إلى غلاطية، التي نتحدث عنها الآن...
إنه يقول (في ص 59) من شرح الرسالة إلى غلاطية:
"لأننا متنا مع المسيح، وقمنا معه. لأنه مات بنا، وقام بنا. بقوة الموت نزلنا إلى الهاوية، وأكملنا أقصى عقوبة وحكم فرض علينا كخطاة ومتعدين. وبقوة القيامة صعدنا وارتفعنا من الجحيم والهاوية، بل ومن الأرض نفسها إلى مجال الله لنحيا معه في المسيح".
وهنا نذكر تعليقين على كلامه:
1- هل متنا مع المسيح على الصليب، وقمنا معه من الهاوية؟! أم موتنا وقيامتنا معه.
كان في المعمودية، حسب تعليم بولس الرسول نفسه: كما ورد في الرسالة إلى رومية "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت... لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته (رو 6: 3-5). كما ورد أيضًا في الرسالة إلى كولوسي "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضًا معه (كو 2: 12).
فهل متنا معه مرتين: مرة على الصليب، ومرة في المعمودية؟!
وما لزوم الموت معه في المعمودية، إن كنا قد متنا معه على الصليب؟!
أما النزول معه إلى الهاوية، فلم يقل به أحد من قبل، وليس له أي هدف لاهوتي! لقد نزل المسيح إلى الهاوية ليأخذ منها الراقدين على رجاء وينقلهم إلى الفردوس. فما لزوم أن ننزل معه نحن إلى الهاوية؟!
2- أما عبارة "نزلنا إلى الهاوية، وأكملنا أقصى عقوبة وحكم فرض علينا كخطاة ومتعدين"، فهي ضد عقيدة الفداء تمامًا.
نحن لم نوفِ حكم الموت المفروض، بل وفاه المسيح عنا.
نحن لم نمت عن خطايانا. وإلا لا يكون هناك فداء.
الفداء معناه أن المسيح قد مات عنا، بدلًا منا، وأنقذنا من الموت وفي ذلك يقول الكتاب "ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" "ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو 5: 8 - 10).
فإن كنا نحن الذين متنا، ونزلنا إلى الهاوية، وأكملنا أقصى عقوبة وحكم فرض علينا كما يقول الكاتب - إذن فليس هناك فداء!!
وما دمنا قد متنا، وأكملنا أقصى عقوبة وحكم علينا كخطاة ومعتدين، إذن لماذا مات المسيح؟! وما معنى "مات لأجلنا"؟!
وما هو مفهوم الفداء إذن عند الكاتب؟ وما معنى قول الكتاب عن السيد المسيح مجروح لأجل معاصينا. مسحوق لأجل آثامنا (إش 53: 5)؟
يقول الكاتب في شرحه الرسالة إلى غلاطية (ص 60).
"الذي مات قد تبرأ من الخطية. لماذا؟ لأنه أوفى حكم الله على الخاطئ بالموت الأبدي. ونحن متنا لا بالموت الجسدي العادي بل بالموت الأبدي. وهذا يستحيل أن يحصل عليه إنسان إلا بموت المسيح. فالمسيح مات من أجل خطايانا. ونحن متنا معه من أجل خطايانا... فموتنا مع المسيح أنشأ لنا تكميل حكم الموت الأبدي. وبذلك قد تبرأنا من الحكم، وبالتالي قد تبرأنا من خطايانا... وهكذا تبرأنا نهائيًا من الخطية كفعل قاتل. فأصبح لا سلطان للخطية، ولا لمن له سلطان الإيقاع في الخطية أي سلطان علينا".
الموت الأبدي ليس موعده في هذا العالم، إنما موعده بعد الدينونة العامة. كما يقول الكتاب عن يوم الدينونة "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46)
التعبير السليم هو: نحن لم نمت الموت الأبدي، إنما نجونا من الموت الأبدي، بموت المسيح عنا...
وبالمثل نقول عن عبارة "تبرأنا من الخطية" وعبارة "نلنا البراءة" التي تكررت كثيرًا في كتابات المؤلف.
نحن لم نتبرأ من الخطية، إنما نلنا عفوًا من عقوبة الخطية.
البريء هو الذي لم يقترف خطية. ونلنا البراءة معناها صرنا أبرياء... ونحن لسنا أبرياء، بل خطاة، ومحكوم علينا. ولكننا نلنا عفوًا أو إعفاء من الحكم الصادر علينا، إذ حمله المسيح نيابة عنا...
ننتقل إلى النقطة التالية الخاصة بسلطان الخطية:
يقول المؤلف (في ص 60) من شرحه الرسالة إلى غلاطية:
"لأن قوة موتنا، قد صارت فينا عاملة روحيًّا بصورة دائمة وأبدية. لذلك صرنا بها غالبين كل القوى الشريرة في العالم. لأن قوة موت المسيح التي اشتركنا فيها أحلتنا من كل خطية وكل لوم. فلم يعد للشيطان أو أي قوة شريرة مدخلا لها فينا. لأن قوة قيامتنا قد صارت فينا عاملة روحيًّا بصورة دائمة وأبدية. لذلك جعلتنا أعظم من منتصرين. لأنها أخرجتنا نهائيًا من مجال الصراع مع العدو. إذ وضعتنا في مجال الله في المسيح..".
هل هذا الكلام هو الواقع في حياتنا العملية؟!
ألسنا نخطئ كل يوم؟! ويقول القديس يوحنا الرسول: "إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8).
وفي الصلاة على المنتقلين نقول للرب "لأنه ليس أحد بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض".. ما معنى أن قوة القيامة "أخرجتنا نهائيًا من مجال الصراع مع العدو" -كما يقول المؤلف- بينما يقول القديس بطرس الرسول "أصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد يزأر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان.." (1 بط 5: 8، 9) والقديس بولس الرسول يوبخ العبرانيين قائلًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية (عب 12: 4) فكيف يقول المؤلف إن قوة القيامة "أخرجتنا نهائيًا " من مجال الصراع مع العدو؟!
هوذا المؤلف يقول (في ص 133) من شرحه الرسالة إلى غلاطية:
"مات ابن الله حاملا خطايا الإنسان. وهكذا انتهى سلطان الناموس إلى الأبد، ليحيا الإنسان بلا خطية، بإيمان المسيح".
ويقول (في ص 324) من شرحه الرسالة إلى رومية:
"فالمسيحي يقف مقابل الناموس بدون خطية. إذ ليس عليه خطية. وهنا أيضًا ينتهي سلطان الناموس وإلى الأبد".
ويقول أيضًا "انقطعت صلة المسيحيين بالناموس. ولم تعد له قضايا مرفوعة على أي إنسان".
بل أصعب من هذا كله يقول (في ص 189) من شرحه الرسالة إلى غلاطية:
"هل يمكن لإنسان مسيحي بعد ذلك أن يقول أنا خاطئ؟"
"أما أنا فأستعير مقولة القديس بولس وأقول: لست أبطل نعمة المسيح. فإن كانت الخطية أقوى من موت المسيح فاحكموا"!
"لقد مت مع المسيح ثمنًا لخطيتي. فما أحياه الآن أحياه في بر المسيح!! كلا، فلا يوجد إنسان في الوجود مات ثمنًا لخطاياه. إنما قد مات المسيح عن خطايانا جميعًا.
أما عن سؤال المؤلف: هل يمكن لإنسان مسيحي أن يقول أنا خاطئ. فالإجابة عليه هي أن السيد المسيح عّلمنا أن نقول كل يوم في الصلاة الربية "اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن أيضًا".
وتعلمنا الكنيسة المقدسة أن نقول في قطع صلاة النوم "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعد من كثرة ذنوبي..". والأب الكاهن قبل بداية القداس يعمل مطانية أمام الشعب ويقول "أخطأت سامحوني".. والرهبان في اجتماعهم للصلاة يقول كل منهم للآخر "أخطأت سامحني" أو "أخطأت حاللني".. هنا ونعيد سؤال المؤلف "هل يمكن لإنسان مسيحي أن يقول أنا خاطئ؟!"
إن السيد المسيح برر العشار الذي قال "ارحمني يا رب فإني خاطئ (لو 18: 13) ولم يبرر الفريسي الذي تحدث عن بره أمام الله (لو 18: 11، 12).
ومع قول المؤلف أنه لا سلطان للخطية على الإنسان المسيحي، يعود فيذكر تمرد الجسد وشهواته فيقول (في ص 345) من شرحه الرسالة إلى غلاطية: "ولكن يظل الإنسان حتى بمعونة الروح القدس والنعمة، تحت ضغط وإلحاح الجسد وشهواته. ولكنه يحس بالرغم من تمرد الجسد إنه منتصر بالنعمة!!. وعثرات الجسد لا تلغى عمل النعمة في كل مجالات الروح".
ويقول (في ص 60) "نعم قد يؤذى الجسد، ولكن الروح والنفس لا يمسان. فإننا بالجسد وفي الجسد قد نوجد مغلوبين، لأن الجسد واقع تحت قوى العالم والزمن. أما بالروح فنحن أعظم من منتصرين!!"
ونحن نقف متعجبين أمام هذا التناقض: كيف نكون مغلوبين بالجسد، أما بالروح فنحن أعظم من منتصرين!! وبين تمرد الجسد وانتصار الروح!
على أنه يقول (في ص 342) من شرحه الرسالة إلى غلاطية:
"يا قارئى المتألم من الجسد وشهواته، لا خلاص إلا بالنعمة. واعلم تمام العلم أن خطاياك السابقة والآتية حملها المسيح في جسده على الخشبة. فلا وجود لها عند الله، ولكن في ضميرك أنت الذي يعذبه الشيطان بالأوهام ليضغط عليك باليأس. فأنت ليس عليك خطية عند المسيح، بل لك عند المسيح نعمة"!!
نلاحظ هنا أنه يقول "لا خلاص إلا بالنعمة" بينما يقول بولس الرسول "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية". ويقول بطرس "قاوموه راسخين في الإيمان".
ويقول لهذا الإنسان المتألم بشهوات الجسد "ليس عليك خطية عند المسيح، بل لك نعمة!" على أن هذا الموضوع يحتاج إلى تكملة في مناقشة كتابه (الإنسان والجسد).
: يقول المؤلف في كتابه عن (عيدي الصعود والعنصرة) (ص 37) "يكدس القديس بولس المبررات التي تلزمنا أن يكون لنا الجرأة والثقة بصعودنا مع المسيح، ودخولنا مع المسيح إلى أقداس الله العليا نفسها. فهو يضع في أيدينا نفس المؤهل الذي كان في يدي المسيح والذي أهله للدخول إلى الأقداس!!"
ويقول (في ص 40) "هذا يعتبره القديس بولس مؤهلًا شخصيًا يلزمنا لكي نشترك في صعود الرب ودخوله، كحق من صميم حقوقنا!!"
ويقول (في ص 45) حيث المسيح يوجد الآن، يكون لنا حق الوجود".
حقًا إن هذه جرأة عجيبة، أن يتساوى البشر بالمسيح!!
ويقول "في أيدينا نفس المؤهل الذي كان في يد المسيح"!!
وحق من حقوقنا، أن نوجد حيث يوجد المسيح!!
لا أريد أن أعّلق الآن على هذا الكلام. أخشى أن أقول...
مُبَرِّئ المذنب وَمُذَنِّب البريء، كلاهما مكرهة الرب (أم 17: 15).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/anti-law.html
تقصير الرابط:
tak.la/npj4ahq