يقع الإنسان في يد مرشد قاس، فيحطم طاقاته، ويحطم معها نفسيته. بينما تتناوله يد مرشد حكيم، فيحول طاقاته إلى الخير.
ويمكن أن نطبق هذه القاعدة على العناد مثلًا...
هل العناد خطية أم طاقة؟
أم هو طاقه في الأصل، انحرفت فصارت خطية؟
نسمي العناد خطية، إن كان عنادًا في خطأ.
ومع ذلك يمكن استخدامه في الخير.
وحينئذ يُسَمَّى إصرارًا وصمودًا وثباتًا في الخير.
*خذوا مثالًا لذلك أبطال الإيمان...
لا شك أن القديس أثناسيوس الرسولي كان خصمًا عنيدًا جدًا للأريوسية، لو صح هذا التعبير... فقد وقف في صلابة نادرة، وبإرادة حديدية، يدافع عن الإيمان السليم ضد أريوس، وضد الأريوسيين في عنفوان قوتهم وسلطتهم... حكم عليه أكثر من مرة. ونفى عن كرسيه أربع مرات. وقيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس" فقال "وأنا ضد العالم".
يتحول الأمر إذن إلى تصميم وصمود وثبات،لا تراخى فيه ولا تساهل... ما دام على حق.
* نفس الوضع نقوله عن الشهداء والمعترفين...
رسوخ عجيب في الإيمان... على الرغم من كل الإغراءات، ومن كل التهديدات، ومن السجن والنفي وألوان التعذيب المرعبة. ولكن القلب كان راسخًا لا يتزعزع. ربما مضطهد وهم وصفوهم بالعناد، وبصلابة الرأي. ولكنه كان (عنادًا) مقدسًا، هو ثبات على الإيمان...
* نفس الصلابة نجدها في الإقدام على الرهبنة.
يعاند الإنسان نفسه التي قد يحاول العالم إغراءها بكل السبل، ويعاند كل أفكار العدو ولا يأبه بها. بل ربما يقف ضده والده وأهله، ويؤثرون عليه بعواطف متعددة وضغوط شديدة، تصل إلى البعض إلى حد العنف...! ومع ذلك يبقى طالب الرهبنة راسخًا في فكره، لا يتحول عنه...
* ونفس الوضع قد يحدث في التكريس على متنوع صوره.
محاربات عديدة قد تقوم لتمنع التكريس، ويقابلها قلب صلب، وفكر راسخ، وإرادة ثابتة، لإنسان لا يتحول ولا يتزعزع...
قد يُسمي البعض هذا عنادًا، ولكنه تصميم...
* أيضًا العناد مع النفس في الجهاد الروحي.
في الصوم وحفظ العفة، وحفظ الفكر والحواس، وضبط اللسان، وضبط الأعصاب... وفي التدريبات الروحية وفي ما يسمونها التغصب... بل في كل الحروب الروحية ومقاومة الإنسان للخطية، حسبما وبخ القديس بولس الرسول المتراخين بقوله "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 4).
كل ذلك يحتاج إلى عناد ضد الشيطان والخطية والجسد...
فيجد الشيطان نفسه أمام إنسان قوي، ليس سهلًا. يعجم عوده، فيجده صلبًا... يحاول الدخول إلى قلبه وإلى فكره، فإذا هو "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يقف أمامه رجل الله بكل عناد وتصميم، كصخرة جامدة لا تلين...
لماذا أذن أخذ العناد صورة سيئة أمام الناس؟
* هذا العناد السيئ هو التصميم على الخطأ.
بحيث يسلك الإنسان في طريق خاطئ ويصمم عليه، ويرفض كل تفاهم وكل نصيحة مخلصة، بعقل مغلق عن كل إصلاح لمساره، حتى لو صدرت النصيحة عن صديق وفى، أو أب روحي، أو مرشد موثوق به... ومهما كان الحق واضحًا...
هنا يكون العناد تصلبًا في الفكر والإرادة، وليس ثباتًا على حق.
وعلينا في إفراز وحكمة، أن نفرق بين الأمرين، ولا نخلط بينهما في حكم واحد...!
ونلاحظ هذا الآمر جيدًا في تربية النشء، في تربية الأطفال وتوجيه الشباب.
* إن وجدنا عناد، صادرًا عن إرادة قوية، نحاول توجيه هذه الإرادة إلى الخير.
تبقى الإرادة في قوتها وصلابتها وتصميمها، ولا نحطمها. ولكن نغير مسارها، بحيث تتجه نحو الخير، بنفس القوة. فنستفيد منها، وينتفع صاحبها أيضًا. ولا يخطئ...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/man/stubbornness.html
تقصير الرابط:
tak.la/98rchbx