التوبة الحقيقية هي التوبة الصادرة من القلب.
وليست الصادرة من مجرد الإرادة... لأن الإرادة قد تقوى حينًا، وتضعف في حين آخر. وقد تقوى الإرادة فتمتنع عن عمل الخطية. ولكن مع عدم ارتكابها، تبقى محبتها في القلب، ولا تكون توبة حقيقية. فالتوبة الكاملة هي كراهية الخطية. وهذا يكون عمل القلب. يقول الرب "أرجعوا إلى، أرجع إليكم" (ملا7:3) ويقول:
"ارجعوا إلى بكل قلوبكم" (يو12:2).
هذا هو الرجوع الحقيقي، لأنه ما دامت توجد في القلب خطية محبوبة، لا يكون قد تاب توبة صادقة حقيقية... وهكذا في التوبة يتحدث الكتاب عن القلب الجديد، الذي تجدد بالتوبة، ويقول الرب في ذلك:
"أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحي في داخلكم" (حز26:36).
وعبارة "أعطيكم قلبًا جديدًا" تعني قلبًا جديدًا في مشاعره وفي رغباته، وفي اتجاهه نحو الله بشهوات جديدة ونيات جديدة، ومفاهيم جديدة... هذه هي التوبة الحقيقية، التي يقول عنها المرنم في المزمور:
"من كل قلبي طلبتك" (مز119).
والتي يقول عنها الرب في سفر يوئيل "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم" (يوء13:2).
ويقول توبوا عن كل معاصيكم، وأعملوا لأنفسكم قلبًا جديدًا" (حز31:18). ويقول أيضًا "وأعطيهم قلبًا ليعرفوني" (أر7:24). وفي مزمور التوبة، يقول داود وهو شاعر بأهمية القلب في التوبة: " قلبًا نقيًا اخلق في يا الله" (مز50).
إن التوبة ترتبط ارتباطا وثيقًا بنقاوة القلب. والتوبة معناها رجوع القلب إلى الله... وإذا رجع القلب إلى الله، تصبح الإرادة قوية، قادرة على التخلص من الخطية. أما مشكلة البقاء في الخطية، على الرغم من محاولة تركها، فسببها إن الإرادة وحدها تحاول أن تصل إلى التوبة، بينما القلب لا يريد.
التوبة التي من القلب، هي التي تستمر.
أما التوبة التي هي مجرد وعود من اللسان، فلا تبقى طويلًا، ما دام القلب في الداخل لم تدخله محبة الله، ولم يكره الخطية بعد... لذلك فإن البعد عن التوبة، يعتبره الكتاب قساوة قلب. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول:
"إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب7:8، 3).
وتتكرر هذه العبارة ثلاث مرات في نفس المناسبة، كما في (عب15:3) (عب7:4)... ذلك لأن القلب القاسي الخالي من مشاعر الحب نحو الله، لا تكون فيه أية استعدادات لقبول عمل الله فيه، ولا أية استجابة لشركة الروح.
إنه قلب قاس لا يلين، كما كان قلب فرعون الذي لم تؤثر فيه كل المعجزات والعجائب والضربات...
فالذي لا يستمع إلى صوت الرب، هو إنسان قاسي القلب.
التوبة ليست كلمات نقولها بألسنتنا. إنما هي تغيير في قلوبنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لهذا يقول الرب في سفر حزقيال النبي:
التوبة الحقيقية هي تغيير في القلب، وتغيير في شهوات الإنسان الداخلية.
بحيث يشتهي الخير، بدلًا من اشتهاء الخطية... وليست التوبة الحقيقية مجرد امتناع خارجي عن الخطية، بينما القلب يشتهيها في الداخل!! لذلك يقول الرب عن التوبة:
"أرجعوا إلى بكل قلوبكم" (يوء12:2).
في حياة التوبة، ضع أمامك هذه الحقيقة.
إن انتصرت في الداخل، في القلب، انتصرت في الخارج أيضًا.
أتقول في الخارج عثرات مغريات حروب، ليكن. وليكن قلبك منتصرًا في الداخل، لا يمكن أن تؤثر عليه كل هذه يوسف الصديق المنتصر في داخله، لم تقو عليه العثرات والمغريات والحروب.
أتقول "فلان نرفزني (أغضبني)"؟! كان الأولى أن تقول إن فلانًا أظهر لي الخطأ الموجود في قلبي. لأنه لو كان قلبي قويًا، ما كنت أقع في النرفزة...
إن الخطية تتكرر لأن القلب متمسك بها.
والكلام الروحي عن التوبة لا يأتي بنتيجة، لأن القلب لا يريده، أو لأن القلب يرفضه بسبب تعلقه بمحبة خاطئة.
العثرات الخارجية تؤثر وتقود إلى الخطية، إن كان القلب يستجيب لها. إما إن كان يرفضها، فهذه العثرات لا تعثره هو... قد تعثر غيره، إن وجدت في قلب ذلك الغير قبولًا لها... إذن إصلاح الناس يأتي من الداخل...
إن الانتصار على الخطية يأتي من الداخل.
فتاة تقول لها: لبسك، زينتك، شكلك، مكياجك... أو شاب تقول له: شعرك الطويل بنطلونك الجينز، منظرك... وتحاول أن تضغط من الخارج، أو تؤنب وتوبخ... تاركًا القلب كما هو!! اعرف تمامًا أن هذا الأسلوب لا يجدي. المهم هو القلب من الداخل... الاقتناع القلبي والفكري. هوذا القديس بولس الرسول يقول:
"تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12).
إذن التغير الخارجي، المفروض أن يأتي بالتجديد الداخلي، بذهن يفكر بطريقة جديدة، روحانية، ينفعل بها القلب ومشاعره... إننا نريد في الوعظ أن نتفاهم مع قلوب الناس، وليس مع آذانهم فقط... إنما فقط... إنما يتغير معه القلب أيضًا...
العجيب أن غالبية الناس في اعترافاتهم يعترفون بالخطأ الظاهري فقط، وليس بحالة القلب!
إنسان يغضب ويثور ويحتد ويشتم ويدين. ثم يعترف بهذه الخطايا فقط، ويندر أن يعترف بما في داخل القلب من عدم محبة، وعدم احتمال. وبأن القلب خال من الوداعة والتواضع واللطف... وينقصه احترام الآخرين، ومراعاة مشاعرهم...
هل ننسى خطايا القلب، ونركز على خطايا اللسان؟!
بينما خطايا اللسان سببها أخطاء القلب الداخلية، لأنه من فيض القلب يتكلم الفم (لو45:6)... والعجيب أن إنسانًا يخطئ هكذا فيقول البعض عنه "حقًا إن كلامه خطأ، ولكن قلبه أبيض"!! كلا يا أخوتي فالقلب الأبيض، ألفاظه بيضاء، والعكس صحيح...
إننا في أحيان أخرى نركز على خطايا الحواس، أو خطايا العمل، وننسى خطية القلب!!
نقول باستمرار إن خطية أمنا حواء، إنها خالفت الرب، وقطفت من الشجرة، وأكلت، وأعطت رجلها فأكل معها
وننسى خطية القلب التي أدت إلى كل هذا... القلب الذي دخلته الشهوة، بعدما استمع إلى كلام الحية... ولما تغير القلب، تغيرت نظرة الحواس.ونظرت المرأة بقلب فقد بساطته ونقاوته، فإذا الشجرة"جيدة للأكل،وبهجة للعيون، وشهية للنظر" (تك6:3)... بينما الشجرة كانت أمامهم كل يوم ولم ينظروا إليها هكذا من قبل
ولكن النظرة تغيرت، لما تغير القلب...
لما دخلت الشهوة إلى القلب، بدأت الحواس تشتهي.
فخطية الحواس خطية ثانية، أما الأولى فهي خطية القلب.
استمعوا إلى الرب يقول في عظته على الجبل عن الزنى:
"مَن نظر إلى امرأة واشتهاها، فقد زنى بها في قلبه" (مت28:5).
الزنى إذن قد كان في القلب، قبل أن يصل إلى الحواس. شهوة القلب الرديئة هي التي نجست النظر... هل نعتبر هذه إذن خطية نظر، أم خطية قلب؟ إنها خطية قلب أدت إلى خطية نظر... ولو كان القلب نقيًا، ما كانت هناك شهوة تالية للنظر...
أول خطية دخلت العالم، كانت خطية قلب.
أنها خطية الشيطان التي أرتفع قلبه. قال في قلبه" أصعد إلى السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله... أصير مثل العلي" (أش13:14، 14)... نذكر بهذا أيضًا خطية نبو خذ نصر إذ "ارتفع قلبه" (دا20:5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/man/repentance.html
تقصير الرابط:
tak.la/7snmsdj