1-المسئولية والرعاية
تجوز الإدانة حينما تصدر من مسئول أو صاحب سلطان.
هناك أشخاص أقامهم الله بسلطان على غيرهم. من حقهم أن يدينوا من هم تحت سلطانهم، ولا تنطبق عليهم الآية التي تقول "لا تدينوا لكي لا تدانوا"..
وهؤلاء ليس من حقهم فقط أن يدينوا، بل من واجبهم...
بحيث أنهم يخطئون أن لم يدينوا من هم تحت سلطانهم.
من أمثلة هؤلاء: الأب والأم. وقد ائتمن الله الآباء والأمهات على تربية أولادهم. ومن حقهم أن يوبخوا أبناءهم على أخطائهم. وأن يقولوا للابن "إن تصرفك هذا خاطئ، وينبغي أن تتركه". وإن لم يتركه قد يأخذ منهم عقوبة.
لا شك إنها إدانة، ولكنها ليست خطية إدانة.
لإنها صادرة من شخص صرح له الله أن يدين، بل أمره بذلك، كجزء من تربية لابنه. بل إن الأب الذي يقصر في تربية ابنه، ويهمل في تنشئته وتوجيهه، ولا يدينه ويوبخه على أخطائه، هذا الأب يعاقبه الله...
ومثال ذلك العقوبة التي أوقعها الله على عالي الكاهن.
كان أولاده يخطئون... وسمع عالي الكاهن بذلك، وأدانهم، ولكن ليس بحزم! قال لهم: "لماذا تعلمون مثل هذه الأمور؟ لأني أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب. لا يابني، لأنه ليس حسنًا الخبر الذي اسمع.." "ولم يسمعوا لصوت أبيهم" (1صم 2: 22-25).
وغضب الرب لأن عالي الكاهن تراخي في إدانة أولاده، فقال "هوذا أنا فاعل أمرًا في إسرائيل، كل من سمع به تطن أذناه. في ذلك اليوم أقيم على عالي كل ما تكلمت به على بيته... وقد أخبرته بأني اقضي على بيته إلى الأبد، من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا اللعنه على أنفسهم، ولم يردعهم" (1صم3:11-14)
إذن الإدانة هنا واجب ملزم، من يقصر فيه يعرض نفسه للعقوبة.
ليس فقط أن يدين الأب أولاده أن أخطاوا. بل أكثر من هذا أن "يردعهم". أي أن يمنعهم -بسلطان- من ارتكاب الخطأ، ومن الاستمرار فيه...
وما أكثر الوصايا التي أعطاها الله للآباء والأمهات لتأديب أولادهم. ومعها وصايا أخرى للأبناء أن يطيعوا آباءهم في الرب، لأن هذا حق (أف 6: 1).
وما نقوله عن الأب الجسدي، نقوله أيضًا عن الأب الروحي، وعن الراعي عمومًا...
ومن هنا أعطى الله للآباء الكهنة، وللرعاه، وللأنبياء، واجبًا هو انذار الخطاة وإدانتهم. فقال "يا ابن آدم، قد جعلتك رقيبًا... فاسمع الكلمه من فمي، وانذرهم من قبلي. إذا قلت للشرير موتًا تموت، وما أنذرته أنت، ولا تكلمت إنذارًا للشرير من طريقة الرديئة لإحيائه، فهذا الشرير يموت بإثمه، أما دمه فمن يدك اطلبه" (حز 3: 17، 18).
إذن إنذار الخطاة وتوبيخهم وردعهم وإدانتهم وإدانة طريقهم للشرير، ليست مجرد حق للآباء والرعاه، بل كل ذلك واجب عليهم، يدانون إن لم يقوموا به. ولكنهم يخلصون من الدينونه، إن هم أدانوا هؤلاء الخطاة، وانذروهم من جهه نتيجه شر أفعالهم. وهكذا يكمل الرب وصيته فيقول "وإن أنت أنذرت الشرير، ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة، فإنه يموت بإثمه. أما أنت فقد نجيت نفسك" (حز 3: 19).
ونفس الكلام نقوله عن المدرس مع تلاميذه، ورئيس العمال مع مرؤوسيه وأيضًا عن القاضي بالنسبه إلى المتهمين.
كل هؤلاء لهم الحق أن يدينوا من هم تحت سلطانهم، في نطاق اختصاصاتهم لا يتعدونها، وفي حدود الواجب المناط بهم، وفي مجال عملهم ومسئوليتهم. وفي الالتزام بالحق والعدل.
فإن قال المدرس لتلميذه إنه مهمل في أداء واجباته الدراسية، وإن قال رئيس العمل لأحد عماله إنه غير أمين في عمله. وإن قال القاضي إن هذا المتهم مذنب، ولا يكون أحد من هؤلاء قد خالف وصية "لا تدينوا لكي لا تدانوا".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وإن سمع قول الرسول "من أنت يا من تدين غيرك" (يع 4: 12)، يجيب "أنا المسئول عنه وعن عمله".
إنه يدين، وبسلطان. وفي عمله إدانة، ولكنها ليست خطية إدانة. لأن الإدانة هنا من حقه، بل هي من واجبه.
وإن قصر واحد من كل هذه الفئات في أدانة من هم تحت سلطانه، يرتبك العمل، ويفسد المجتمع، وتسود اللامبالاة.
لذلك إن اجتمع كونسولتو أطباء consulto لفحص مريض، وتشاوروا في تشخيص مرضه. فقال أحدهم إنه يشكو من كذا، وقال أخر إنه مريض بكذا وقال ثالث إنه مصاب بكذا... فهنا القصد التوصل إلى شفاء المريض، وليس القصد هو إساءه سمعته أو التشنيع به... ولعل مما يشبه هذا تمامًا ما ورد في نسكيات باسيليوس):
سَئِلَ القديس باسيليوس الكبير عن الإدانة، فقال:
إذا كان المقامون على الأخوة يبحثون حالة أخ في المجمع، وتعرضوا لأخطائه وماذا يعمل لأجل تقويمه، ولأجل سلامه المجمع من نتائج هذه الأخطاء، فلا تكون هذه خطية إدانة... بشرط أن يفحصوا أخطاءه "في خوف الله".
وهذا الحق في الإدانة، أعطاه الرب للكنيسة:
فكما أعطاها سلطانًا أن تحل، أعطاها أيضًا سلطانًا أن تربط (متى 18: 18). وأعطاها أن تفصل في الخصومات. ومن لم يسمع لها فيما تحكم به، يكون كالوثني والعشار (متى 18: 17). فإن قالت الكنيسة لشخص إنه مخطئ، لا تكون قد وقعت في خطية إدانة، بل تكون قد أدانته بحق وبسلطان.
يوحنا المعمدان أدان الخطاه ووبخهم (مت 3: 7). وبولس وبخ كثيرين منهم "الغلاطيون الأغبياء" (غل 3: 1). وأمر تلميذه تيموثاوس الأسقف ان يوبخ وينتهر ويعظ (2تي 4: 2). وقال له أيضًا "الذين يخطئون، وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5: 20).
بولس الرسول أدان خاطئ كورنثوس (1كو 5: 5)، ووبخ أهل كورنثوس على أنهم لم يعزلوا الخبيث من بينهم (1 كو 5:13). وبطرس الرسول أدان حنانيا وسفيرة وحكم عليهما، بعد أن وصفهما بالكذب، وبالاتفاق على تجربة روح الرب (أع 5: 3-9).
ولعلك تقول "أنا لست رسولًا ولا نبيًا"... لك حق. إذن اعمل في حدود السلطان الذي وهب لك من الله، إن كنت صاحب سلطان.
اعمل في حدود مسئوليتك، مهما كانت ضيقة... على أن يكون ذلك بأسلوب روحي، كما سنشرح فيما سيأتي...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/judge-not-others/responsibility-and-care.html
تقصير الرابط:
tak.la/yjg3p7z