النعمة تعمل على ثلاثة مستويات: المستوى المادي، والمستوى القيادي، والحالات الخاصة...
فمن جهة المستوى المادي: كل إنسان ينال نعمة تساعده على الخلاص.
فما دام الرب قد قال "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5) إذن لا بُد أن نعمته تعمل فينا لكي نعمل... تعمل في الكل بلا استثناء. كل إنسان تزوره النعمة، وتعينه النعمة. ولكن لا ترغمه.
ما دام الله "يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي 2: 4) إذن لا بُد أن يعطي الجميع ما يساعدهم على الخلاص وعلى المعرفة، بمبدأ تكافؤ الفرص. وإلا فما ذنب الذين لا ينالون معونة من النعمة؟!
 |
أما الذين في المستوى القيادي، فإنهم ينالون قوة مضاعفة من النعمة.
نعمة لأجل نفوسهم، ونعمة لأجل عملهم القيادي. ويزداد قدر هذه النعمة بقدر ثقل المسئولية الملقاة على عاتقهم.
فالنعمة المعطاة لموسى النبي في رعاية مئات الآلاف من الناس، وفي التعامل مع شعب معاند مقاوم (رو 10: 21)، هي طبعًا غير النعمة المعطاة لأحد الكهنة في قرية هادئة.
والنعمة التي أُعطيت ليونان النبي ليقود بها إلى التوبة إثنتى عشرة ربوة من الناس في نينوى (يون 4: 11) أي 120 ألفًا، غير النعمة التي تُعْطَى لواعظ عادى.
وبازياد النعمة، لا يكون هناك مجال للافتخار بالجهد الشخصي. لكي يكون فضل القوة لله وليس لنا (2كو 4: 7).
وكلما كانت تزداد صعوبة العمل القيادي أو خطورته، كان الله ينعم الله على القادة بالمواهب والمعجزات.
كما كان يحدث في العصر الرسولي مثلًا، حيث كان إنتشار المسيحية في أرجاء الإمبراطورية الرومانية الوثنية، ووسط عداوة اليهود... كل ذلك كان يلزمه آيات وقوات وعجائب، كما كان يلزمه التكلم بألسنة وترجمتها، وبخاصة في تبشير شعوب تتكلم بلغات غريبة.
هكذا عملت النعمة بقوة عظيمة في العصر الرسولي. ولولا ذلك ما انتشرت المسيحية إنتشارًا واسعًا جدًا في مدى زمني قصير!
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أما عن الحالات الخاصة: فهناك حالات يزداد فيها عمل النعمة، وحالات تتخلى فيها النعمة تخليًا جزئيًا أو كليًا.
يزداد عمل النعمة في حالين: أحدهما إنتشار كلمة الله وحاجة الخدمة إلى قوة، سواء بالنسبة إلى بعض الخدام أو الكارزين أو الرعاة كما كان يحدث مع القديس بولس الرسول مثلًا الذي قال: "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التي تعمل معي" (1كو 15: 10).
أو قد يزداد عمل النعمة بالنسبة إلى الكنيسة كلها أو فرع من فروع أنشطتها. أما بالنسبة إلى الكنيسة، فكلما حدث في عصر الآباء الرسل. كما قيل عنهم "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33).
أما عن عمل النعمة بقوة في فرع من فروع الكنيسة أو أنشطتها، فمثاله عمل النعمة مع الرهبنة في القرن الرابع وفي القرن الخامس أيضًا من جهة انتشار الرهبنة وقوتها، وعدد المتوحدين والسواح والعموديين، والتاب القلوب بحب الوحدة والنسك. وكثرة الذين انتفعوا من قدوة الرهبان، ومن زاروهم وكتبوا عنهم...
كذلك عمل النعمة قبل ذلك مع مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. وكيف صار إزدهار عظيم فيها وفي علمانها العظام الذين تركوا للمسيحية تراثًا تفتخر به الأجيال، حتى أن الكنيسة القبطية درجت خلال فترة طويلة على اختيار بطاركتها من أساتذة ومديري مدرسة الإسكندرية...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/three-levels.html
تقصير الرابط:
tak.la/r4q4s2h
