النعمة إذن قد تتخلى أحيانًا عن الإنسان لأجل منفعته. فيسقط ويستفيد من سقوطه. كما يحدث مع الذين يقعون في الكبرياء أو المجد الباطل.
وذلك كما قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18) هؤلاء الذين يتكبرون بسبب مواهب لهم، أو تفوق أو نجاح، ظانين أن هذا بسبب قوتهم وليس بسبب النعمة العاملة معهم... يسمح الله أن تتخلى نعمته عنهم فيسقطون. فحينئذ يشعرون بضعفهم فيتضعون. وإن كانوا في تشامخهم قد أدانوا غيرهم أو احتقروه، فإنهم في سقطتهم لا يدينون فيما بعد، بل يعطفون على الساقطين لأنهم جربوا السقوط.
وهكذا إذ يتضعون في سقوطهم، تعود إليهم النعمة مرة أخرى.
وتكون النعمة هي التي عملت فيهم وقادتهم إلى الاتضاع.
وهكذا نرى أن تخلى النعمة هنا، كان تخليًا جزئيًّا. كالأم التي تعمل ابنها المشي. فتقوده ثم تتخلى عنه قليلًا فيقع ويجاهد ليقوم. وهكذا تشتد عظامه. ولو أن الأم حملت فلها باستمرار، لأصيب بلين العظام... فيكون التخلي بنوع من السياسة والتدبير لتعليم الطفل كيف يمشي...
وبالمِثْل الأب الذي يعلم ابنه العوم: يحمله على يديه في الماء، ثم يتركه ويرقُبه، لكي يحرك يديه وقدميه ويتعلم السباحة. فإن رآه في خطر، ويعود إليه...
ومثال مشابه: النسر حين يعلم صغاره الطيران...
النعمة إذن تتخلى جزئيًا، لفائدة وليس للإهلاك. تَتخلى بسبب الكبرياء أو بسبب التدريب. أما إن هلك إنسان: فإن ذلك يكون بسبب رفضه هو النعمة، وليس بسبب رفض النعمة له...
وقد تتخلى النعمة حينًا عن المتراخين في روحياتهم بإهمال ولا مبالاة. حتى إذا سقطوا بسبب تهاونهم، ويصرخون إلى الله ويطلبونه بكل قلوبهم... فتعود إليهم حرارتهم، وتعود إليهم النعمة. ويطلبونه بكل قلوبهم... فتعود إليهم حرارتهم، وتعود إليهم النعمة.
ومن أمثلة ذلك عذراء النشيد:
قرع الرب على بابها قائلًا "افتحي لي يا أختي، يا حبيبتي ولا كاملتي. فإن رأسي قد امتلأ بالطل، وقصص من ندى الليل"، ولكنها لم تفتح له وتكاسلت وقدمت عذرًا وتبريرًا لتكاسلها. فما الذي حدث بعد ذلك؟ قالت "حبيبي تحول وعبر طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني" (نش 5: 2-6) هنا التخلي واضح كنتيجة للتكاسل. ولكن هذا التخلي الجزئي ألهب مشاعر هذه العروس، فخرجت تطلب حبيبها وهي مريضة حبًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وقد تتخلى النعمة بسبب رفض الإنسان لها واستمراره في الخطأ أو الخطيئة أو في الفساد.
وعن مثل هؤلاء، قال القديس بولس الرسول "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 28) فما معنى كلمة "ذهن مرفوض" هنا؟
معناها ذهن مرفوض من النعمة، ترفض النعمة أن تعمل فيه. وهذه حالة أصعب بكثير جدًا من حالة التخلي... قد تكون لونًا من التخلي العام.
تتخلى النعمة أيضًا بسبب قساوة القلب.
القلب القاسي الذي لا يستجيب لصوت الله، ويصر على عدم الاشتراك مع النعمة في العمل. هذه الحالة التي حذر الرسول منها يقوله "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم.." (عب 3: 7، 15)
قال هذا عن الشعب الذي أسخط الرب في البرية. فمنعه الرب من دخول أرض الموعد، هؤلاء الذين سقطت جثثهم في القفر، ولم يدخلهم الرب إلى راحته (عب 3: 17، 18)
"قسَّى الله قلب فرعون" (خر 7: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/reasons-of-abandonment.html
تقصير الرابط:
tak.la/2aqbfbd