كان قلب فرعون قاسيًا من ذاته، مقاومًا لكل عمل النعمة...
كان قاسيًا في تعامله مع الناس وفي تعامله مع الله.
كان قاسيًا بطبعه، وليس الله الذي قساه.
كان قاسيًا على الشعب في أعمال السخرة. ولما طلبوا منه الرفيق بهم، أزاد نيره عليهم ثقلًا، وقال لهم "متكاسلون أنتم متكاسلون" (خر 5: 17)
وقسَّى قلبه فلم يسمع لصوت الرب، ولم يستفِد من كل العجائب التي أجراها الرب على يد موسى النبي. ومع ذلك لم يتركه الرب...
كانت النعمة تعمل في قلبه، فيعرف بخطئه. ويطلب المغفرة، ويعد بأن يسلك حسنًا. ثم يرجع قلبه إلى قسوته فلا يفي بما وعد به...
في ضربة الضفادع، دعا فرعون موسى وهارون وقال: صليا إلى الرب ليرفع الضفادع عني وعن شعبي، فالق الشعب ليذبحوا للرب" (خز 8: 8) إن طلبه للصلاة هو من عمل النعمة فيه. ولإيمانه بأن الرب قادر على رفع ضربة الضفادع عنه، هو أيضًا من عمل النعمة. واستجابة الرب لطلبه هو أيضًا من عمل النعمة فيه. وإيمانه بأن الرب قادر على رفع ضربة الضفادع عنه، هو أيضًا من عمل النعمة. واستجابة الرب لطلبه هو أيضًا من عمل النعمة وبعد ذلك يقول الكتاب "فلما فرعون أنه قد حصد على الفرج، أغلظ قلبه ولم يسمع لهما" (خر 8: 15)
وبعد ضربة الذبان قال فرعون "أنا أطلقكم... صليا لأجلي" ولما رفع الرب الضربة "أغلظ فرعون قلبه هذه المرة أيضًا فلم يطلق الشعب" (خر 8: 28، 32) فلماذا حدث كل هذا؟ هل لأن الرب قسَّى قلبه؟ كلا.
بل كانت هناك شهوة في قلب فرعون، في الاحتفاظ بهذه العشرات من آلاف العبيد لتخدمه بالسخرة في أعمال ملكه. وهذه الشهوة قست قلبه.
فكلما كانت يفكر في طاعة الرب، وفي الخوف من ضربات الرب وإنذارته، كانت شهوته في الاحتفاظ بالعبيد تقف حائلًا بينه وبين التوبة، وَتَقَسَّى قلبه... إذ كيف يمكنه التخلِّي عن كل هؤلاء؟ لذلك لم يَسْتَجِبْ للرب على صوت موسى وهارون. وتكررت القصة مرارًا: يعترف بخطئه، ويعد ولا يفي...
ففي ضربة البرد "دعا موسى وهارون وقال لهما "أخطأت هذه المرة. الرب هو البار، وأنا وشعبي الأشرار. صليا إلى الرب. وكفى حدوث رعود الله والبرد"، "ولكن فرعون لما رأى لأن المطر والبرد والرعود انقطعت، عاد يخطئ، وأغلظ قلبه هو وعبيده واشتد قلب فرعون" (خر 9: 27 -35).
نلاحظ في كل النصوص السابقة، أن فرعون هو الذي أغلظ قلبه فما معنى أن الرب قسَّى قلب فرعون؟ معناه كالآتي:
لما رأى الله عدم استجابة فرعون إلى كل أعمال نعمته، تركه الرب إلى قساوة قلبه، أي تخلت عنه النعمة، فتصرف بقساوة قلبه، وأغلظ قلبه.
يُذَكِّرني هذا بقول الرب المزمور عن بني إسرائيل أيضًا "فلم يسمع شعبي لصوتي. وإسرائيل لم يرض به. فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم، ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم" (مز 81: 11، 12).
ويُذَكِّرني هذا أيضًا بقول الكتاب عن الفسقة الشواذ: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض، ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 28) أي أنه أسلمهم إلى ذلك الذهن المرفوض من النعمة، الذي رفضت النعمة أن تعمل فيه، لإصراره على فساده، وإصراره على عدم الشركة مع النعمة في العمل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذن تقسية قلب فرعون، معناها تخلى النعمة عنه.
ولما تخلت النعمة عنه. انكشف ما في قلبه من قساوة.
فقول الرب "أقسي قلب فرعون" (خر 7: 3) معناه: تَتَخَلَّى نعمتي عنه، فتظهر القسوة التي في قلبه...
وسبب تخلى النعمة عنه، هو أنه رفض النعمة التي عملت لأجله في كثير من العجائب، وفي استجابة الصلوات ورفع الضربات.
فلم تكن قسوة القلب شيئًا جديدًا عليه، ولم تأت إليه من خارجه. ولا تؤخذ عبارة "أقسى قلب فرعون" بالمعنى الحرفي، وإنما بالمعنى الروحي، كما شرحنا...
بل هو كان قاسيًا، وتركه الرب إلى قسوته.
وقد صبر الرب عليه طويلًا. ولكنه اتخذ طول أناة الرب مجالًا للاستهتار بوعوده... حتى في آخر لحظة، بعد أن أطلق الشعب فعلًا، سعىَ وراءهم حتى البحر الأحمر.
هذا القلب القاسي. أسلمه الرب إلى طبعه القاسي.
أخيرًا يا أخوتي، أود أن أقف معكم قليلًا هنا في موضوع النعمة هذا. وهناك باب عن [الجهاد والنعمة] نشرته لكم في كتابي [الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي] يمكن أن تضيفوه إلى معلوماتكم عن النعمة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/hardening-of-pharaoh-s-heart.html
تقصير الرابط:
tak.la/r6frgwb