كان العمل الأساسي للسيد المسيح هو مصالحة البشر مع الله.
ولهذا نقول له في صلاة الصلح في القداس الغريغوري "وصالحت السمائيين مع الأرضيين". لقد عمل المسيح صلحًا بدم صليبه، وصنع سلامًا مع الله. ولهذا "نقض الحائط المتوسط قائلًا العداوة" (أف14:2-16).
وقد كانت "خدمة المصالحة" هي عمل الآباء الرسل القديسين.
كما كانت عمل خلفائهم من الرعاة وكل رتب الكهنوت.
وفي هذا يقول الرسول في رسالته الثانية إلى كورنثوس: "صالحنا لنفسه بيسوع المسيح. وأعطانا نعمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة" (2كو17:5-20). ويكمل:
"إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2كو20:5).
نعم إن عمل المصالحة، أو خدمة المصالحة، أو كلمة المصالحة، هي عمل الكنيسة، التي تعطي للناس من بركات الصلح الذي صنعه المسيح بدمه.
خدمة المصالحة تظهر في جميع الأسرار الكنسية... إنه دفع دمه ثمنًا لها، ولكننا بعد أن صولحنا مع الله، رجعنا نخطئ.
إن عبارة "صالحت السمائيين مع الأرضيين" تعطينا معنى آخر:
إن الخطية ليست خصومة مع الله فقط، بل مع جميع السمائيين.
إننا في الخطية نغضب الله وكل جنده وكل أرواح القديسين. انظروا ماذا يقول الرب عن الملائكة؟ "ملائكة الرب حالة حول خائفيه وتنجيهم" وماذا عن غير خائفيه؟
إنه يقول أيضًا عنهم "أليسوا جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1). وماذا عن الذين لا يرثوا الخلاص:
إن الخطية بشعة لا يحتمل الملائكة منظرها. الملائكة يدافعون عن الإنسان حتى لا يقبل الخطية. فإذا قبلها وخان الرب وانغمس في النجاسة، لا يحتمل الملائكة المنظر، فيتركونه للشياطين أصحابة!!
فإذا تاب الإنسان، ورجع قلبه إلى الله، حينئذ يصطلح مع الله وملائكته "ويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو7:15).
إن خدمة المصالحة قام بها الرب. وكانت هامة لديه جدًا، لدرجة أنه دفع دمه ثمنًا لها.
ولكننا بعد أن صولحنا مع الله رجعنا نخطئ إليه مرة أخرى، ونرجع إلى الخصومة. فأرسل إلينا خدامه بكل درجاتهم ينادون "اصطلحوا مع الله".
خدمة المصالحة هذه هي عمل الأنبياء والرسل، والرعاة، هي عمل الأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الخدام. ليس جميعًا سوى هذه الخدمة.
إن الله يسعَى إليك لكي يصالحك. يقرع على أبواب نفسك قائلًا "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، فإن رأسي قد أمتلئ من الطل وقصصي من ندى الليل" (نش2:5). ولكننا كثيرًا ما نتراخى، ونرفض عمل النعمة فينا، ونقاوم خدمة المصالحة هذه. ثم نندم بعد ذلك ونقول "حبيبي تحول وعبر، طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني" (نش6:5). إنها مشاعر الخصومة مع الله.
إن الله يريد أن يصالحك، بكل وسائط النعمة، ولكن هناك شرطًا يطلبه الرب وهو "يا ابني أعطني قلبك".
إن الصلح ليس مجرد ممارسات وعبادات شكلية، وصلوات وأصوام، وإنما هو إعطاء القلب لله... لقد قدم اليهود هذه العبادات بدون قلب، فرفضها الله، وقال في عتابه لهم:
"هذا الشعب يعبدني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (أش13:29).
ولهذا قال لهم الرب "حين تبسطون أيديكم أستر وجهي عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (أش1). لماذا يا رب هذه الخصومة؟ لأنهم لم يعطوا القلب للرب.
وماذا إذا كان القلب مبتعدًا. يقول الرب "أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم..." (حز26:36).
لهذا نحن نصلي ونقول "قلبًا نقيًا أخلق في يا الله" (مز50).
وعبارة (اخلق) لها معنى عميق. فليس الأمر مجرد ترميم لقلب قديم، إنما هي. عملية خلق من جديد...
إن الصلح يتم داخل هذا القلب، وليس صلحًا من الظاهر...
تقول له: "أصوم لك يومين في الأسبوع، وأعشر كل أموالي، أعطيك العشور والبكور والنذور والبخور والستور، وأسلم جسدي حتى يحترق"، يقول لك "يا ابني أعطني قلبك" (أم26:23).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هل القلب إذن هو كل ما يطلبه الله في الصلح؟ كلا، إنه أيضًا يطلب الإرادة. لأن المحبة ليست بالكلام، بل بالعمل والحق (1يو18:3).
إن الله لا يرغم الناس على محبته، لا بُد أن تتحرك إرادتهم كما قال مرة: "كم مرة أردت... ولم تريدوا" (لو34:13). وكما قال القديس أغسطينوس:
"إن الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك".
هناك كلمة كان يقولها المسيح، لِمَن يتقدمون إليه للشفاء، وهي "أتريد أن تبرأ؟"، "أتريد أن تطهر"؟ إن أهمية الإرادة تظهر في قول الرب "إن فتح أحد لي، أدخل وأتعشى معه (رؤ20:3). إن فتح. أن تحركت إرادته...
لا يكفي أن تحب الله وتشتهي مصالحته، بل قدم إرادتك.
هل هناك شرط ثالث غير القلب والإرادة، نعم: الإيمان.
قد يعجز قلبك عن الحب، وقد تعجز إرادتك، حينئذ يدخل إيمانك: إيمانك بأن الله قادر أن يخلصك وأن يعمل فيك أن تشاء وأن تسعى. اسكب نفسك إذن قدام الله بكل تصميم تصارع معه وقل له:
إن كنت أنا يا رب لا أحبك، ولا أعطيك قلبي، فإنك قادر أن تسكب حبك في بالروح القدس (رو5:5).
إن كان إيماني ضعيفًا، فأنت قادر أن تقوي ضعف إيماني (مر24:9). وإن كانت إرادتي ضعيفة، فقوتي هي من عندك.
إنك في المصالحة ستعطيني طبيعة جديدة "روحًا مستقيمًا جدده في أحشائي" (مز50)، "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17:5).
إن من نتائج المصالحة هو هذا التجديد. كما من نتائجها أيضًا التقديس والتبرير، ومن نتائجها أيضًا المغفرة.
الله في المصالحة يمحو خطايانا، لا يعود يذكرها (أر34:31). يقبل الذين يصالحهم "غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو19:5).
كما يقول أحد القديسين أن "التوبة تجعل الزناة بتوليين" أي كأنهم لم يخطئوا قط ولم يتنجسوا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/reconciliation.html
تقصير الرابط:
tak.la/g4f65dc