معرفة العشرة والحب
هذه هي المعرفة الحقيقية التي تقود إلى محبة الله... ولهذا فإن الرب يضع أمامنا حقيقية واضحة، وهي أن كل معرفة لا تقود إلى محبة الله، هي معرفة باطلة...
لأن الدين ليس مجرد معلومات وعقائد، تكون غذاء للذهن، إنما الدين في جوهره هو أن تعرف الله وتحبه.
الدين بدون الله ليس شيئًا... فالله هو مركز الدين كله. هو هدفه ووسيلته. ولو وصلنا إلى كل البر وكل الفضيلة، ولم نصل إلى الله فلسنا شيئًا، بل لا يكون برنا برًا بالحقيقة، ولا فضيلتنا فضيلة، ولا تكون تلك الفضائل سوى ممارسات، أو عمل من أعمال الناموس، أما الفضيلة الوحيدة التي تتفرغ منها كل الفضائل، فهي معرفة الله ومحبته.
لأنك إن عرفت الله، لا بُد ستحبه...
وإن أحببت الله، ستزداد معرفة له...
نعم إن عرفت الله، وعرفت صفاته الجميلة... إن عرفت محبته وحكمته وصلاحه، وعرفت وداعته وطيبة قلبه ومغفرته... وإن عرفت كيف أنه "أبرع جمالًا من بني البشر" (مز45: 2). حينئذ لا بُد ستحبه. وإن أحببته، سيكشف الله لك ذاته، فتعرفه أكثر وأكثر، معرفة ليست عن طريق البشر ولا الكتب...
وحينما أقول إن عرفت الله وصفاته، إنما أقصد المعرفة الاختبارية في حياتك... أي تعرف محبته لك بالخبرة. وتعرف حكمته بما تراه في تدبير حياتك. وتعرف مغفرته بما يسكبه من سلام في قلبك حينما تتوب. وهكذا في باقي صفاته الجميلة.
إذن هناك ثلاثة أنواع من معرفتنا لله:
أ- المعرفة العقلية... وقلنا إنها وحدها لا تكفي.
ب- المعرفة الاختبارية في عشرتك لله وحياتك معه.
ج- معرفة الكشف والإعلان: وهي أن الله يظهر ذاته لمحبيه بأنواع وطرق شتي. وقد وعد السيد الرب بهذا في قوله "الذي يحبني، يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي" (يو14: 21).
والعبارة الأخيرة "أنا أحبه وأظهر له ذاتي"، هي بلا شك قدس أقداس، تحتاج إلى أن تخلع حذاءك من قدميك وأنت تقترب إليها... وتسجد شاكرًا وتقول للرب: أعطيتني علم معرفتك.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
على أني أريد أن أسجل حقيقية هامة وهي:
إن معرفتنا لله تبدأ هنا على الأرض، ولكنها لا تنتهي، بل تستمر في الأبدية ولا تصل إلى كمالها.
معرفة الله ليست بالأمر الهين أو السهل. وكما يقول بولس الرسول "إننا الآن نعرف بعض المعرفة"، "ننظر كما في مرآة، في لغز" (1كو13: 12). عجيب هذا الأمر جدًا: بولس الرسول الذي تمتع بقسط كبير "من فرط الإعلانات" (2كو12: 7، 1). والذي اختطف إلى السماء الثالثة، "وسمع كلمات لا ينطبق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو12: 4). بولس القديس العظيم هذا، يقول إنه يعرف بعض المعرفة.
بل إنه يجاهد ويسعى ويبذل كل شيء، لكي يعرف. ويقول "لكن ما كان لي ربحًا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي... لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه..." (في3: 7، 8، 10).
إذن حتى الرسل لم يصلوا إلى المعرفة الكاملة.
كما نرى في مثال القديس بولس الرسول الذي ذكرناه، وأيضًا كما يظهر من قول السيد المسيح عنهم "عرفتهم اسمك وسأعرفهم" (يو17: 26). ما الذي ستعرفهم إياه يا رب هؤلاء الذين ائتمنتهم على تعليم المسكونة كلها؟ هل هناك معرفة أخرى ستمنحها لهم؟ هي كثيرة جدًا بلا شك. معرفة لا يمكن أن يكفي لها هذا العمر الأرضي. لذلك يقول الرب للآب:
"هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك" (يو17: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/fellowship-love.html
تقصير الرابط:
tak.la/4p9kv3n