المعرفة العقلية
وتسأل الناس، هؤلاء الذين يرفعون أيديهم قائلين "أبانا الذي في السموات"... تسألهم ما الذي يعرفونه عن هذا الآب السماوي. فأكثرهم معرفة يجيب: إنه الله الخالق. مالئ السموات والأرض، الأزلي وحده، الذي لا يحده مكان، القادر على كل شيء غير المحدود... ويكرر عبارات قراها في الكتب، دون أن يعرف صاحبها! عبارات صحيحة ولكنه لا يدرك أعماقها!
إنه يصف الله الذي تتحدث عنه الكتب، والمعاهد اللاهوتية، وعلم اللاهوت النظري، دون أية معرفة شخصية.
ولكني أقول إن الكتب وحدها لا تكفي، والمحاضرات والمعلومات لا تكفي. كل ما تعمله أنها تملأ العقل أفكارًا، وقد يبقى القلب فارغًا، لا مشاعر فيه، ولا حب، ولا عاطفة ولا أحاسيس... إنها حالة إنسان يقرأ عن الله، ولا يعرفه! وعلى رأي أحد الآباء الذي قال "ماذا يفيدك أن تعرف كل المعلومات عن القدوس، إن كان الثالوث القدوس، إن كان الثالوث القدوس الغير ثابت فيك، وأنت غير ثابت فيه؟"
إنها مجرد معرفة العقل، لا القلب...
معرفة العلماء، وليست معرفة العابدين، ولا المحبين.
وقد تتحول إلى جدل في اللاهوتيات، وصراعات حول المعرفة! وقد تحول علم اللاهوت إلى فلسفة لا يصل إلى مستواها إلا صفوة من المثقفين... وتسأل: من يعرف الله إذن...؟ وربما كما قال الكتاب "العلم ينفخ" (1كو18: 1). وكثيرون من الذين يتحدثون عن اللاهوتيات، ربما يرتفع قلبهم، ويتباهون بمعرفتهم. بينما يكون بعض البسطاء أكثر معرفة بالله منهم، وأقرب إلى قلب الله منهم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كان أبونا آدم في بساطته وبراءته يعرف الله...
ولكنه لما أكل من شجرة المعرفة، صار جاهلًا!
ولعل جهله قد ظهر في قوله للرب "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" (تك3: 10). مجرد اختبائه يدل على جهله بالله. لأنه لو كان يعرفه حقًا، لعرف أن الاختباء خلف الأشجار لا يمكن أن يخفيه عن الله، لأن الله يراه أينما كان، بل يرى أيضًا ما هو داخل قلبه وداخل فكره... كذلك آدم لم يعرف الله في محبته وفي مغفرته.
واستمر جهل الناس بالله، واستمر بعدهم عنه...
وهكذا نرى السيد المسيح يقول في مناجاته الطويلة للآب:
"أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك" (يو17: 25).
العالم لم يعرف الله، بما في ذلك اليهود الذين كانوا يعبدونه، ويقربون له الذبائح والمحرقات، ويقيمون له الأعياد، ويصلون ويصومون. ويؤمنون به إيمانًا صحيحًا. ولكنه كان مجرد إيمان عقلي، لون من المعرفة العقلية. ولم توصلهم تلك المعرفة ولا ذلك الإيمان إلى محبة الله... يقول القديس يعقوب الرسول "والشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعرون" (يع2: 20). إنه إيمان عقلي، مبني على مجرد معرفة عقلية لا تجدي، لأنها بغير حب. لذلك قال السيد المسيح عن تلاميذه، في نفس مناجاته للآب:
"عَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ" (يو17: 26).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/intellectual-knowledge-about-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/frkrh92