مخافة الله بالدقة في محاسَبة النفس وبتذكرك قول الرب أنا عارف أعمالك (رؤ3، 2) وتصل إلى المخافة أيضًا بالتوبة والاتضاع.
4- تحصل عَلى
الإنسان الذي لا يشعر بفداحة خطاياه، تزول مخافة الله من قلبه. أما المدقق في محاسبة نفسه، فإنه إذ يشعر بكثرة خطاياه وثقلها، فإن مخافة الله تكون على الدوام راسخة في قلبه...
إننا نصل إلى مخافة الله، إذا كنا نحاسب أنفسنا على كل عمل، وكل قول، وكل فكر، وكل حس، بكل تدقيق. بحيث لا نجامل أنفسنا، ولا نلتمس الأعذار لأخطائنا...
إن المخافة تجلب التدقيق. والتدقيق يجلب المخافة. وكل منها يقوى الآخر...
والعجيب في معاملاتنا للغير، أننا نحاسب غيرنا بكل دقة في أخطائه من نحونا. ولكننا لا نحاسب أنفسنا بنفس الدقة التي نحاسب
بها غيرنا!! بل قد لا نحاسبها على الإطلاق!لذلك إن أردت أن تكتسب مخافة الله التي هي بدء الطريق الروحي، لأن "بدء الحكمة مخافة الله" (أم 9: 10).. اجلس إلى نفسك كل يوم، واسأل ذاتك: ماذا فعلت؟ وماذا قلت؟ وفي أي شيء فكرت؟ فهكذا كان القديس أرسانيوس الكبير يسأل نفسه في كل يوم.
ولا تسأل نفسك فقط عن السلبيات التي سقطت فيها، وإنما أيضًا عن الإيجابيات التي قصرت فيها.
وهكذا تدخل مخافة الله في قلبك، إذ تجد أنك في الموازين إلى فوق (مز 62: 9).
إن الإنسان الروحي يحاسب نفسه حتى على توقف النمو. لأنه يعرف تمامًا أنه مطالب بحياة القداسة في قول الرب "كونوا قديسين، كما أنى أنا قدوس" (لا 20: 26). وهو أيضًا مطالب بحياة الكمال، حسب قول الرب في العظة على الجبل "كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48). وإذ يجد بينه وبين القداسة والكمال مسافات، يبكت نفسه وتدخله مخافة الله...
الإنسان المبتدئ يخاف أن يخطئ. أما البار فإن مخافة الله تلاحقه، لأنه لم يكمل بعد كل المطلوب منه في حياة البر ويتذكر قول الكتاب:
مَنْ يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فتلك خطية له (يع 4: 17).
القديس بولس يفعل (في 3: 13).
وهكذا يُبَكِّت نفسه، ليس على خطية قد فعلها، وإنما أيضًا على بِرّ لم يفعله... وهكذا يسأل نفسه باستمرار: هل بإمكانه أن يفعل أكثر من هذا أم لا؟ هل بإمكانه أن يجاهد أكثر، لكي يمتد إلى قدام، كما كانالذي فيه مخافة الله، لا يخاف فقط من ارتكاب الخطية، ولا يقف عند حد الوصية، إنما يجاهد لكي ينمو في محبة الله، بغير حدود...
لا يكون دقيقًا فقط في محاسبته لنفسه، إنما هذه المحاسبة تجعله دقيقًا أيضًا في اعترافاته...
فما أسهل أن يفقد الإنسان مخافة الله، إذا كانت اعترافاته ناقصة، أو كان يبرر نفسه في اعترافاته، أو يلقى اللوم على غيره في أخطائه هو.
أو إن كان يظن في وقت الاعتراف أنه يقف فقط أمام الأب الكاهن، وليس أمام الله!! فالواقع إنه يعترف على الله في سمع الكاهن. ويأخذ الحلّ من الروح القدس من فم الكاهن...
أقول هذا لأن كثيرين يخجلون من أب الاعتراف ولا يخجلون من الله، الذي يقول له كل منا في المزمور "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز50).
إن تبرير الإنسان لنفسه في وقت الاعتراف، وفي أي وقت مخافة الله في القلب.
دليل على عدم وجودفلا تحاول إذن أن تبرر ذاتك، أو أن تبسّط الأمور، أو أن تسمي الخطية باسم آخر يخفف من بشاعتها، أو أن تستتر وراء الظروف والملابسات وتذكر قول أب جبل نتريا للقديس ثاؤفيلس:
"لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان باللوم على نفسه، في كل شيء".. بهذا نصل إلى مخافة الله.
ولكي تصل إلى المخافة، ضع أمامك باستمرار قول الرب في سفر الرؤيا "أنا عارف أعمالك"...
إنها عبارة تكررت سبع مرات، قالها الرب لكل ملاك من ملائكة الكنائس السبع "أنا عارف أعمالك" (رؤ3، 2). فيا ليت كل إنسان منا يضع أمامه على الدوام هذه العبارة. ويثق تمامًا أنه سيقف أمام الله الذي سيقول له "أنا عارف أعمالك" ليس فقط في يوم الدينونة. إنما يقول له هذه العبارة آن وكل أوان. بهذا تدخل المخافة إلى القلب...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فكل الخطايا التي أخفيناها على الناس، حتى لا تنحدر كرامتنا أمامهم، الله يعرفها جميعًا. وهي واضحة أمامه لا تخفى. لذلك علينا أن نتذكر قول القديس آبا مقار الكبير، لخاطئ ستره هذا القديس، وقال له:
احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك...
حاسب إذن نفسك، واحكم على نفسك، فليس خفي إلا ويظهر، ولا مكتوم إلا ويستعلن. وما دام الله يقول لك "أنا عارف أعمالك" إذن اعترف بها أمامه، واطلب من القوة على التوبة...
إن الذي يخاف الله، يخاف من كل فكر خاطئ، ومن كل شهور دنس، ومن كل نية بطالة... من كل هذه الأمور التي لا يلاحظها الناس. ولكن الله يراها ويعرفها.
والذي يخاف الله، يخاف أيضًا من انكشافه وخجله أمام الملائكة الأطهار، وأمام أرواح القديسين.
يخشى من الملاك الحارس. ويخجل حتى من صور القديسين المعلقة في حجرته. وكأن كل واحد من تلك الأرواح يردد أيضًا عبارة الرب "أنا عارف أعمالك"... ويقول هذا الخاطئ في نفسه: قطعًا كل هؤلاء يرونني، وأنا أعمل ما أعمله!!
وطبعًا كل هذا سينكشف. فهناك أجهزة تسجيل مسجل عليها كل شيء، بالصوت والصورة، حتى الأفكار!! وكأن الله يقول: هات يا ميخائيل ملف فلان، افتحه واقرأ أمام جميع الناس... والذي لم نحاسب أنفسنا عليه، سنحاسب عليه أمام الكل...
كأن آلة تصوير تلتقط كل منظر خاطئ... وكأن آلة تسجيل مخافة الله؟!
تسجل كل صوت. تسجل كل ما في داخلنا، وكل ما في الخارج، حتى نوايانا!! ويقول الرب لكل منا "أنا عارف أعمالك"... ألا يقودنا كل هذا إلىنستطيع أيضًا أن نصل إلى مخافة الله عن طريق تواضع القلب.
إن الإنسان الواثق ببره، الشاعر بقوته، ربما يظن أن السقوط بعيد عنه، وأن الخطية لا تقوى عليه. أما المتواضع فيضع أمامه على الدوام قول الرسول "لا تستكبر بل خف" (رو 11: 20) وأيضًا "من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12). لذلك فهو يدقق في كل صغيرة، ولا يلقي بنفسه في مواطن العثرة، ولا يظن في نفسه أنه أكبر من الخطية. ويتذكر كيف أن الخطية "طرحت كثيرين جرحَى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26).
ولهذا تملكه المخافة فيحترس ويدقق. وهذه المخافة تمنحه الحرص وتنقي قلبه.
ويخاف من الفكر الطارئ، لئلا يتأصل ويتطور إلى ما هو أخطر. يخاف من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش 2: 15). يخاف من العثرات ويبعد عنها، ولا يدعى لنفسه القوة التي تنتصر على كل عثرة. ويقول لنفسه: أنا لست أقوَى من أولئك القديسين الذين سقطوا. لست أقوى من داود (2 صم11).
ولست أقوى ولا
أحكَم من سليمان الذي سقط (1مل11).والإنسان المتواضع تصحبه المخافة مهما كبر...
مهما كبر في السن، ومهما نما في الروحيات، ومهما كان في بيئة مقدسة. فإن آدم قد سقط وهو في الفردوس، وفي حالة من البراءة فوق الطبيعة الحالية! في حالة البساطة التي لا تعرف خطية، ولم تجرب خطية. وداود سقط وهو مسيح الرب، رجل الصلاة والمزمار. وكان روح الرب عليه (1صم 16: 13). وكان يضرب بالعود، فيذهب الروح الرديء عن شاول الملك (1 صم 16: 23).
سليمان قد سقط، وهو أحكم أهل الأرض كلها، بحكمة ليست بشرية، وإنما هبة من الله نفسه (1 مل 3: 12).
فما دام الشيطان يطارد حتى أعاظم القديسين ولا ييأس منهم. فعلينا إذن إن نضع مخافة الله في قلوبنا.
إن بطرس الرسول لم يضع المخافة في قلبه، وقال للرب "لو أنكرك الجميع، أنا لا أنكرك" "ولو اضطرت أن أموت معك، لا أنكرك" (مت 26: 35، 33). "أنا مستعد أن أمضى معك، حتى إلى السجن" (لو 22: 33). يا ليت بطرس وضع المخافة في فكره. وقال أنا أضعف يا رب من التجربة، ومن غربلة الشيطان لنا (لو 22: 31). اسندن فأخلص. كن معي في ساعة التجربة لئلا أضيع.
الإنسان المتواضع الذي تسكن المخافة في قلبه، يلجأ دائمًا إلى الصلاة طلبًا للمعونة.
في محاسبته لنفسه، يدرك عمق خطاياه، فتملكه المخافة، فيصلي طالبًا المغفرة. وأيضًا في إدراكه لضعفه، تملكه المخافة فيصلي لكي يحارب الله عنه، فلا يقوى عليه العدو...
وفى مخافته أيضًا يسعى إلى التوبة.
حياة التوبة توصل إلى مخافة الله.
ومخافة الله توصل أيضًا إلى التوبة.
والاثنان يعملان معًا، كل منهما يكون سببًا للآخر، ونتيجة له...
الإنسان التائب، خطيته دائمًا أمام عينيه، تذكره بضعفه السابق وهزيمته استسلامه للعدو، فيبكي على خطاياه في مخافة الله. ويقول مع داود النبي في مزمور التوبة "خطيتي أمامي في كل حين" (مز50).
والإنسان التائب كثير الدموع، كداود أيضًا، الذي بلل فراشه بدموعه (مز6). وكل ذلك يثبته في مخافة الله.
والإنسان التائب لم يصل بعد إلى الدالة التي تخفف المخافة.
إنه لا يزال يردد بعد عبارة "لست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا.." (لو 15: 19).
والإنسان التائب يكون دائمًا كثير الحرص، يخشى أن تصيبه نكسة فترجعه مرة أخرى إلى السقوط، لذلك تجده يحيا باستمرار في مخافة الله. إنه بالجهد قد وصل إلى مصالحة. وبجهد أكثر يحرص على استمرار المصالحة معه. وهكذا يبقى في مخافة الله.
ليتكم يا أخوتي تبقون في حياة التوبة، التي تجلب لكم الحرص والمخافة.
حتى أن نقلكم الله إلى حياة الحب الإلهي، تستمر مخافة الله في قلوبكم، كلون من المهابة له ولوصاياه ومقدساته.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/repentance.html
تقصير الرابط:
tak.la/z9n6t9h