St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   fear-of-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مخافة الله - البابا شنوده الثالث

11- تصل إلى مخافة الله بمهابة الكبار

 

5- تصل إلى مخافة الله بمهابَة الكبَار:

 

إذا تعود الإنسان أن يهاب من هو أكبر منه، أعنى أن يهاب والديه، ومدرسيه، وأقاربه الكبار، وآباء الكهنة، ورؤسائه في العمل... حينئذ سيصل بالضرورة إلى مخافة الله الذي هو أعظم من الكل...

لأنه إن كان الشخص لا يهاب أباه الذي يراه، فكيف يمكنه أن يخاف الله الذي لا يراه؟!

إن أبا الآباء يعقوب يذكر هيبة أبيه اسحق (تك 31: 42). لهذا فإن الذي يشعر بهيبة أبيه وجلاله ووقاره، لا يستطيع أن يخطئ أمامه، ولا أن يخطئ إليه، من هيبة أبيه. وتقول وصايا العهد القديم "كل إنسان سبّ أباه أو أمه، فإنه يُقتل. قد سبّ أباه أو أمه، دمه عليه" (لا 20: 9). ويقول الكتاب أيضًا:

"العين المستهزئة بأبيها، والمحتقرة إطاعة أمها، تقورها غربان الوادي" (أم 30: 17).

وهكذا أمر الله بطاعة الوالدين، وعدم الاستخفاف بأوامرهما حتى إن كبر الابن، وناقش والده في أمر من الأمور، يكون ذلك باحترام يليق بمعاملة الأب. ولا يجوز له أن يتحدث معه حديث الند بالند، أو يتعامل معه على قدم المساواة... بل يضع أمامه باستمرار وقار الأبوة، ومستوى السن.

قديمًا كان الصغار لا يستطيعون أن يتكلموا في وجود الكبار، من فرط هيبتهم...

نَرَى هذا واضحًا في قصة أيوم الصديق، الذي كان له ثلاثة أصحاب تناقشوا معه مدة طويلة. بينما صمت رابع كان بينهم. وكان اسمه أليهو بن برخئيل البوزي. ولما أضطر إلى الحديث بسبب أخطائهم، قال لهم "أنا صغير في الأيام، وأنتم شيوخ. لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيًا. قلت الأيام تتكلم، وكثرة السنين تظهر حكمة" (أي 32: 7،6).

والقديس الأنبا بيجيمي السائح، يتحدث عن بدء رهبنته، فيقول إنه عاش سنوات كثيرة وسط الشيوخ لم يرفع عينيه إلى وجه واحد منهم...

أما في أيامنا هذه، فباسم الحرية والديمقراطية، قل احترام الكبار. وأصبح الصغير يمكنه أن يجادل الكبير ويستخف برأيه، بدون احترام...

وبالتالي يتدرج إلى الجرأة على كل ما هو كبير، حتى على القانون، وعلى النظام العام، ويفقد المخافة، فيتحول إلى الاستهانة بكل شيء... وما أسهل في هذا الوضع أن يفقد مخافته لله أيضًا، ويفقد احترامه لوصاياه. وبدلًا من أن يطيعها، يناقشها!!

ولكن لا يمكن أن يفعل هذا، من تعود احترام القانون والنظام. إن الشخص الذي يحترم إشارة المرور، ولا يمكن أن يكسرها مهما كانت الدوافع، هذا سيحترم بالأولى وصية الله ويهابها...

كذلك التلميذ الذي تعود احترام مدرسه، والجندي الذي تعود احترام قائده، كلاهما سيتعود مخافة الله.

قديمًا، في القرن الأول الميلادي، وقبل الميلاد، كان المعلم أو الأستاذ يجلس على كرسيه في قاعة الدرس، بينما يجلس التلاميذ على الأرض عند قدميه. كما ذكر بولس الرسول إنه تعلّم "عند قدمي غمالائيل" (أع 22: 3).

بهذا الوضع تعود التلاميذ احترام معلميهم. ولكن الوضع تغير الآن... وأصبح على الأقل، إذا تحدث التلميذ مع أستاذه، يجب أن يقف ليكلمه. ولا يتكلم التلميذ وهو جالس مع أستاذه، بينما الأستاذ واقف!!

بنفس وضع احترام المعلمين. قيل عن مريم أخت مرثا إنها "جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه" (لو 10: 39).

هذه الهيبة تقدم أيضًا لرجال الدين. لأن الذي يهاب خادم الرب، سيهاب بالأكثر رب هذا الخادم...

والذي يهاب وكيل الله (تي 1: 7)، لا بُد أن يهاب الله نفسه... وهكذا رأينا كيف كانت مهابة داود النبي لشاول الملك باعتباره مسيح الرب، على الرغم من أخطاء شاول، ومحاولته قتل داود!! إلا أنه لما وقع شاول في يده، رفض أن يوقع به، وقال لرجاله "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب، فأمد يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو" (1 صم 24: 6).

St-Takla.org Image: Hannah (mother of Samuel) praying in the temple, while Eli looking at her - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: حنة أم صموئيل النبي تصلي في الهيكل، ويراها عالي الكاهن - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

St-Takla.org Image: Hannah (mother of Samuel) praying in the temple, while Eli looking at her - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: حنة أم صموئيل النبي تصلي في الهيكل، ويراها عالي الكاهن - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

ومن مهابته كمسيح الرب، كان داود يناديه يا سيدي، وكان يسجد أمامه (1 صم 24: 8).

وكمثال من هيبة رجال الله، هيبة المعترف لأب اعترافه، كوكيل لله في سماع خطاياه.

فتكون جلسة الاعتراف لها هيبتها ولها وقارها. يشعر فيها المعترف أنه أمام الله، يعترف عليه في سمع الأب الكاهن. وإنه إلى الله وحده قد أخطأ (مز50) وأنه يأخذ الحل من الله، من فم الكاهن.

والذي يهاب أب اعترافه، بالتالي يهاب الله... ولكن حذار من أن تعتقد أن العلاقة في الاعتراف هي بينك وبين أب الاعتراف، وليست بينك وبين الله! وتخجل من أب الاعتراف بسبب خطاياك، دون أن تخجل من الله!!

إن المهابة لا نقدمها للآباء الكهنة فقط، وإنما أيضًا للقديسين الذين انتقلوا.

فالرسل مثلاُ ينبغي أن نتحدث عنهم في مهابة... وإذا اقتبسنا من رسائلهم، لا نقول: يقول بطرس ويقول بولس... إنما نقول معلمنا القديس بطرس الرسول، ومعلمنا القديس بولس الرسول... في مهابة لهم.

ونفس الوضع بالنسبة إلى آباء البيعة. فكثيرًا ما يتحدث البعض للأسف قائلين: هذا هو تعليم أثناسيوس وكيرلس. أما الذين لهم في قلوبهم هيبة واحترام آبائنا القديسين، فيقولون: حسب تعليم أبينا القديس العظيم البابا أثناسيوس الرسولي...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

والكنيسة كمثال لاحترام القديسين تضع في صلوات البسخة المقدسة لحنًا يسبق عظة القديس التي تقرأ، ولحنًا آخر في ختامها، بكل إجلال...

لحن في منتهى الجمال نبدأ به العظة، ويقدمها المرتل للسامعين. وفي نهايتها يقول "فلنختم عظة أبينا القديس الأنبا فلان، الذي أنار عقولنا وقلوبنا بتعاليمه النافعة".. حقًا هذا هو احترام القديسين وهيبتهم في الكنيسة.

ولا ننسى الذكصولوجيات العديدة، وكل ما نقوله من تماجيد للقديسين، تجعل هيبتهم مثل محبتهم في قلوب المؤمنين. والزفة بالألحان والموسيقى لرفاتهم في أعيادهم...

وكذلك الاحترام الكبير لأيقونات القديسين.

من حيث تدشينها بالميرون المقدس، لتكون بركة للناس. وأيضًا إيقاد الشموع أمامها لإظهار أن القديس كان نورًا للناس. يضاف إلى هذا تبخير الكاهن أمام أيقونة القديس بكل توقير. وزفة الأيقونة في عيد القديس بالتهليل والألحان.

فإن كنا على هذا القدر نحترم القديسين وسيرتهم وأيقوناتهم وأعيادهم وعظاتهم، فكم بالأولى يكون شعورنا نحو الله خالق كل هؤلاء، وما ينبغي أن نظهره نحوه من مهابة ومخافة.

وكما يتدرب المؤمن على احترام القديسين ومهابتهم، يتدرب أيضًا على مهابة الملاك الحارس له...

فلتكن لك إذن مهابة للملاك الحارس لك، مهابة لقدسيته ورسالته. فتستحي من هذا الملاك أن تفعل خطية أمامه، أو تلفظ لفظة غير لائقة. قل لنفسك: كيف أفعل خطية، ويراني هذا الملاك القديس الطاهر الذي إلى جواري؟! فيشمئز منها ولا يحتمل، فيتركني ويذهب عني، وهو يردد المزمور القائل: في طريق الخطاة، وفي مجلس المستهزئين لا تجلس (مز1).

طبعًا يمكن أن يأتي الملائكة إلى مجالس المستهزئين، لكي يوبخوهم، أو يقودوهم إلى التوبة. أما المستهترون المستمرون في لا مبالاتهم، فإن الملائكة ينفرون منهم، ويتركونهم في لهوهم مع أصحابهم الشياطين. لأنه لا شركة للنور مع الظلمة، ولا خلطة للبر مع الإثم (2 كو 6: 14).

إن خوفك من أن يتركك الملاك الحارس، هو جزء من مخافتك لله.

فاحرص على هذه المخافة، وأحذر من أن تبعد عنك الملاك الحارس بسبب خطية أو نجاسة. وأذكر قول الكتاب "ملاك الرب حال حول خائفي الرب، وليس حول المستهترين والمستبيحين... وكأنك حينما تخطئ، إنما تطرد ملائكة الرب من حولك!!

هل تظن أن ملاك الرب يقف ليتفرج على منظر نجس شرير. كلا. إن الملاك قديس لا يقبل ذلك، بل يبتعد ويمضى. أو على الأقل يقول: نبعد الآن إلى أن يرجع صاحبنا هذا إلى عقله، أو نعمل على هدايته من بعيد، بأن نشفع فيه...

وما نقوله عن الملائكة، نقوله أيضًا عن أرواح القديسين، وأرواح أحبائك الذين انتقلوا.

إن كنت تخاف أن يروك وأنت في حالة خطية، وتخجل من ذلك جدًا، ابتعد عن الخطية ونجاستها، ويقودك هذا الشعور إلى مخافة الله...

على أن مهابتك لا تقتصر على كل تلك الدرجات العليا، من ملائكة وقديسين وآباء...

بل ينبغي أن تشمل مهابتك كل القيم والتقاليد.

لأن الذي يستهتر بالتقاليد والأنظمة والمبادئ والعادات المرعبة، سيأتي وقت عليه يستهين فيه بوصايا الله..!

والجيل الذي يتمرد على السلطة، كل سلطة، سلطة الأب والمدرس ورئيس العمل، وسلطة الحكام أيضًا، سيأتي وقت عليه يتمرد فيه على الله نفسه...

والذي لا يحترم من هو أكبر منه سنًا، سيأتي وقت عليه لا يحترم فيه من هو أكبر منه مقامًا. وقد يتطور إلى أن يتذمر على الله نفسه، ويفقد مخافته لله...

فلنتدرب إذن على احترام الكبار ومهابتهم، فنصل بذلك إلى مخافة الله ومهابته.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/elders.html

تقصير الرابط:
tak.la/f9fw74n