St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   fear-of-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مخافة الله - البابا شنوده الثالث

3- الباب الثاني: أسباب الخوف

 

الخوف يرتبط بالخطية:

إن الملائكة -وهم يتكللون بالبر- لا يخافون. أما البشر وهم يسقطون في الخطايا كل يوم، فإن الخوف يلاحقهم، لأنه لاصق بالخطية. هو يسبقها، وهو أيضًا يلحقها. وهو مرتبط بها على الدوام.

أول نوع من الخوف، هو خوف السقوط:

هو خوف يسبق الخطية، وهو نافع إن دفع صاحبه إلى الحرص. الإنسان الذي يحب أن يحيا حياة طاهرة يخاف من السقوط. لأنه قيل عن الخطية إنها طرحت كثيرين جرحَى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). نعم، هذه الخطية التي أسقطت جبابرة أمثال داود وسليمان وشمشون، والتي أسقطت رسلًا مثل بطرس ومثل توما... لذلك يقول القديس بولس محذرًا...

"لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ" (رو 11: 20).

حتى الإنسان الروحي، ينبغي أيضًا أن يخاف السقوط، ليس عن رعب، إنما عن حرص. ذلك بسبب عنف الحروب الروحية وقوة الشيطان المخادع الذي قال عنه القديس بطرس الرسول "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1 بط 5: 8). وقال القديس بولس الرسول عن المحاربات الروحية "فإن محاربتنا ليست مع لحم ودم، بل مع الرؤساء مع السلاطين... مع أجناد الشر الروحية في السماويات.." (أف 6: 12). ولذلك فإنه يقول أيضًا "مَن يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط" (1 كو 10: 12) بل إنه قال عن نفسه، ليحذرنا:

"أقمع جسدي واستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1 كو 9: 27).

نعم، ما أخطر هذه العبارة، يقولها رسول عظيم قد صعد إلى السماء الثالثة، وتعب أكثر من جميع الرسل. لذلك على الإنسان الروحي أن يبذل كل جهده، ويبعد عن كل أسباب الخطية ومصادرها خوفًا من أن يسقط!!

يفعل هذا، حتى إن كان قد سار شوطًا في الحياة بالروح، لعله يحدث له كما حدث لأهل غلاطية الذين وبخهم الرسول قائلًا:

"أَبَعْد ما ابتدأتم بالروح، تكملون الآن بالجسد؟!" (غل 3: 3).

St-Takla.org Image: A man praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III. صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يصلي في حالة خشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

St-Takla.org Image: A man praying in awe - Coptic art by Tasony Sawsan, scanned from "Fear of God" - book, by Pope Shenouda III.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رجل يصلي في حالة خشوع - رسم فن قبطي حديث لتاسوني سوسن، من كتاب "مخافة الله" - البابا شنوده الثالث.

ليس المهم إذن كيف بدأنا؟ أو كيف نحن الآن؟ وإنما ماذا سنكون، وكيف ستكون نهاية سيرتنا...

هذا هو أول خوف يرتبط بالخطية وهو خوف السقوط. ويستغله الروحيون لفائدتهم، مستمعين إلى قول المرتل في المزمور "طوبَى للإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس.." (مز 1).

فإن أخطأ الإنسان يقع في خوف آخر، هو خوف الانكشاف.

يخاف أن يعرف الناس خطيئته، وأن ينكشف، فيقع في الفضيحة والعار، ويتعرض لألسنة الناس التي لا ترحم، وتصبح سمعته مضغة في أفواههم..!

لذلك يقول علماء النفس أن المجرم كثيرًا ما يحوم حول مكان جريمته، خائفًا من أن يكون قد ترك هناك أثرًا يدل عليه... وهذا العامل النفساني يستغله المحققون. فإن أشاروا إلى شيء ممن آثار الجريمة، قد يضطرب المجرم أو ينهار.

ومن أجل خوف الانكشاف نلاحظ ملاحظة هامة وهي:

إن الخطية كثيرًا ما تعمل في الظلام وفي الخفاء.

وهكذا قيل عن الخطاة أنهم "أحبوا الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3: 19) "لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور، لئلا توبخ أعماله. وأما من يعمل الحق، فيقبل إلى النور، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة" (يو 3: 20، 21).

ولهذا فإن الأبرار يلقبون بأبناء النور، والأشرار بأبناء الظلمة لأنهم يدبرون خطاياهم في الخفاء.

لذلك يخافون من اليوم الأخير الذي تنكشف فيه الأعمال، وتفتح الأسفار، وتفصح الأفكار والنيات.

أين يهربون في ذلك اليوم؟ وأين يختفون؟!

إن كانت خطاياهم لا تنكشف على الأرض، بأسباب وطرق شتَّى، فلا بُد أنها ستنكشف أمام الديان العادل وأمام الكل في يوم الحساب... يخافون من أن الذي يُقال في المخادع، يُنادَى به فوق السطوح. ويخافون من تلك العبارة الرهيبة التي قالها الرب:

"لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ" (مت 10: 26).

أين يخفون وجوههم إذن؟ حين لا تكون هناك أسرار ولا خفايا بل الكل معلن معروف.

بل هناك أمر أخر يخاف منه الإنسان الروحي، وهو أن خطاياه قد تكون مكشوفة أمام أرواح الذين انتقلوا من هذا العالم، سواء أحبائه الذين كانوا يثقون به فيندهشون! أو أمام الذين كانوا ينتقدونه فيرون أنهم كانوا على حق..!

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لعل إنسان يسأل: وماذا تراني أفعل إذن؟

أقول لك إن التوبة تمحو خطاياك، وكأنك لم تفعلها، تغسلك فتبيض أكثر من الثلج... ولا تعود لك خطايا تخاف من أن تنكشف... فإن كنت تخاف الانكشاف، تُبْ. وحينئذ يفرح بك ملائكة الله وأرواح القديسين. لأنه "يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ" (لو 15: 7).

نوع آخر من الخوف يرتبط بالخطية، وهو خوف العقوبة، أو الخوف من نتائج الخطية.

أبونا آدم لما أخطأ، خاف واختبأ خلف الشجر. تحولت علاقته مع الله من حب إلى خوف. وقايين القاتل، وقع ليس في الخوف فقط بل في الرعب. وهكذا قال لله "ذنبي أعظم من أن يُحتمل. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك أختفي وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض" (تك 4: 13، 14). وداود النبي أيضًا لما أخطأ خاف. وقال "يا رب لا تبكتني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك. ارحمني يا رب فإني ضعيف. اشفني فإن عظامي قد اضطربت" (مز 6).

والخاطئ يخاف من عقوبتين: أرضية وسماوية:

أما العقوبة السماوية، فهي رهيبة وأبدية. وأرجو أن أتحدث عنها بالتفصيل فيما بعد.

وأما العقوبة الأرضية فهي كذلك على أنواع: إما عقوبة من المجتمع: فضحية واحتقار، أو نبذ هذا الإنسان من المجتمع، أو عدم الثقة به في المستقبل... أو عقوبة من القانون مثل السجون، أو ما هو أشد... أو عقوبة يوقعها الله عليه من مرض أو عاهة أو اللعنات التي وردت في (تث 28)، أو عقوبة تصيبه في أولاده وأحفاده.

هناك خوف روحي أيضًا يتابع الخاطئ، أو يخافه الإنسان المحترس من السقوط.

إنه يخاف من غضب الله عليه، أو رفض الله له، مثلما رفض شاول الملك من قبل (1 صم 16).

يخاف أن يحزن الروح أو يطفئ الروح، بل يخاف أن يفارقه روح الله (1 صم 16: 14) أو أن تتخلى عنه النعمة، ويسلمه الله إلى ذهن مرفوض، أو يسلمه إلى شهوات قلبه (رو 1: 28،24)، يخاف أن يفقد صورته الإلهية التي خلقه الله بها في البدء. ويخاف لئلا يأخذ أحد إكليله وتتزحزح منارته من مكانها (رؤ 2: 5) يخاف أن يأخذ العدو سلطانًا عليه، ويأتي وقت عليه يفقد فيه إرادته، ويفقد حرية أولاد الله. والشر الذي ليس يريده، إياه يفعل (رو 7: 19).

وهكذا يخاف أيضًا أن يتطور إلى أسفل وإلى أسوأ.

يخاف من قول الرب له: أن عارف أعمالك، أن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت (رؤ 3: 1).

يخاف أن يأتيه الموت فجأة، وهو في حالة غفلة، وغير متسع لملاقاة الله...

أحد القديسين قال إني أخاف من ثلاثة أمور:

أخاف من لحظة مفارقة روحي لجسدي. وأخاف من ساعة الوقوف أمام الديان العادل، كذلك أخاف من لحظة صدور الحكم عليَّ...

فإن كان القديسون، يخافون مع ارتفاعهم العجيب في حياة الفضيلة، فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟!

الذي يخاف الله لا يخطئ. والذي يخطئ هو إنسان لا يخاف الله.

الذي يخاف الله لا يظلم، لأنه يخاف الله الذي يحكم المظلومين. والذي يخاف الله لا يتدنس، لأنه يعرف أن الله قدوس.

والذي يخاف الله لا يعمل الشر حتى في الخفاء، لأنه يعرف أن الله يرى كل شيء، ويسمع كل شيء، ويفحص حتى أعماق القلوب.

ولعل البعض يسأل: ما رأيك إذن فيمن يفعل الشر ولا يخاف؟

نقول إنه وصل إلى حالة الاستهتار أو اللامبالاة. أو أن ضميره مريض أو متعطل عن العمل. أو أن دوامة العالم تجرفه ولا تعطيه فرصة لمراجعة نفسه ولا للتفكير في أعماله. فهو في غيبوبة روحية: إن استيقظ منها لا بُد سيخاف. وبعض من مثل هؤلاء الناس، نراهم في ساعة الموت، أو إذا اقتربوا من الموت، لا بد أن الخوف يرعبهم. لأنهم لم يعملوا لأجل تلك الساعة ولم يستعدوا لها... ويشعرون أنهم أضاعوا حياتهم.

تقول: أريد أن أحيا حياة الحب وليس الخوف.

أقول لك: إذن لا تخطئ فالخطية مرتبطة بالخوف.

يقينًا أن الشخص الذي يخطئ، كان في وقت خطيئته لا يخاف الله. أو يقول المزمور عن أمثال هذا الإنسان "لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم". لو كنتم بلا خطية، لا تخافوا.

ولو أخطأتم وعدتم فاصطلحتم مع الله، وندمتم ووبختم أنفسكم وعاقبتموها، وعشتم في حياة التوبة، حينئذ سوف لا تخافون...

أما ونحن خطاة، فقد وهبنا الله المخافة لكي نصلح مسارنا.

استمع إلى قول الرسول "فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته، يرى أحد منكم أنه قد خاب منه" (عب 4: 1).

وإن كنت تريد ألا تخاف في ذلك اليوم، فلتخف الآن. والخوف يمنعك من الخطية، ويمنع عنك الخوف في اليوم الأخير.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/reasons.html

تقصير الرابط:
tak.la/jp98xxb