مخافة الله توصل إلى التوبة وتنفيذ الوصايا.
1-إنها تمنع من فِعل الخطية قبل ارتكابها. أما إن ارتكب الإنسان الخطية، فإنها تعطيه رعبًا من نتائج الخطية ومن عقوبة الله. وهكذا تقوده إلى التوبة والرجوع إلى الله...
مخافة الله إذن تحفظنا من السقوط، وأن حدث وسقطنا، تعطينا التوبة...
2- مخافة الله هي بداية الطريق، وهي سياج للحياة الروحية حتى لا تعثر ولا تنحرف.
بها نضع الله أمامنا. ونقول مع يوسف الصديق: كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله (تك 39: 9). لذلك فالذي يخاف الله لا يخطئ، لأنه يخاف من الله العادل، الذي وضع مبدأ "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23). كذلك يخاف الله العالم بكل شيء الذي يقول "أنا عارف أعمالك (رؤ 3: 1، 15). يخاف أيضًا من إنذارات الله وعقوباته. ولذلك يمتنع عن الخطية، وينفذ الوصايا. وتكون مخافة الله في قلبه حصنًا يمنعه من السقوط.
3- الذي يخاف الله، يطيع الله، أما الذي لا يطيعه، فهو شاهد على نفسه أنه لا يخاف الله...
إنه يطيع الله، ويفعل ما يوافق مشيئته الإلهية. فقد قال الرب في سفر أرمياء النبي "ويكون لي شعبًا... وأنا أكون لهم إلهًا... أعطيهم قلبًا واحدًا، وطريقًا واحدًا، ليخافوني في كل الأيام لخيرهم... واجعل مخافتي في قلوبهم.." (أر 32: 38 - 40).
4- مخافة الله تعلم الإنسان حياة الحرص والتدقيق:
فالإنسان الذي يخاف الله يكون مدققًا في كل ما يعمله، وحريصًا في كل ما ينوي أن يفعله. لأنه يخاف لئلا يسقط ويغضب الله. بينما يحذرنا الرسول قائلًا "من يظن أنه قائم، فلينظر لئلا يسقط" (1 كو 10: 12). ويقول أيضًا "لا تستكبر بل خف" (رو 11: 20).
صدقوني، إن المخافة وإن كان البعض يتعب منها نفسيًا، إلا أنها تفيده روحيًا لكي يحترس.
ولكي يفكر كثيرًا كلما وقفت أمامه عثرة، ويبذل جهده لئلا يسقط.
أما إذا لم يوجد مخافة الله في القلب، فما أسهل أن ينطبق عليه المَثَل "إذا لم تستح، فافعل ما تشاء..!!"
5- كثيرون من الذين تركوا المخافة، تحولوا إلى الاستهتار.
وتحولوا إلى اللامبالاة... يقولون: لِنَعِش في المحبة... حسنًا وهل المحبة تمنع الحرص والتدقيق في الحياة الروحية؟! وغالبية هؤلاء - في فُقْدَان المخافة وصلوا إلى كبرياء القلب، وإلى قساوة القلب، وفقدوا أيضًا المحبة التي يدعونها...
6- الذي يتدرب على المخافة، يصل أيضًا إلى الأدب في مُخاطبة الله...
لأن الذين يدعون أنهم يحيون في محبة الله، دون أن يعبروا على مخافة الله... كثيرًا ما يعاتبون الله في صلواتهم بأسلوب خالٍ من الأدب اللائق بمخاطبة الله. وباسم الدالة يخطئون في غير مخافة!!
هوذا أبونا إبراهيم -على الرغم من الدالة الكبيرة التي بينه وبين الله- يقول أثناء تشفُّعه في سدوم: "شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ" (تك 18: 27).
هوذا الله يقول في سفر ملاخي النبي "الابن يكرم أباه، والعبد يكرم سيده، فإن كنت أنا أبًا، فأين كرامتي. وإن كنت سيدًا، فإن هيبتي؟!" (ملا 1: 6).
7- مخافة الله تقود أيضًا إلى الجدية في الحياة الروحية:
بينما هناك أشخاص باسم (المحبة) لا توجد في حياتهم ضوابط على الإطلاق. حياتهم تسيب، بلا جدية!! لا يحرصون على شيء ولا يهتمون بشيء، ولا ينفذون شيئًا. ويظنون أن الارتباط بالجدية في تنفيذ الوصية، نوعًا من الناموس!! ويقولون إننا لسنا تحت ناموس!! وبهذا يصلون إلى التسيب، وعدم الالتزام بشيء!
إما الإنسان الروحي الذي يخاف الله، فإنه يكون ملتزمًا.
ويكون أيضًا إنسانًا جادًا، وأمينًا في القليل... ذلك لأن مخافة الله على الدوام أمام عينيه.
أما الذي لا يخاف الله، فإنه لا يكون ملتزمًا ولا جادًا. وللأسف نجد هذا أحيانًا في محيط الخادم، فربما يُدعَى أحدهم إلى اجتماع هام للشباب، ويعد ولا يحضر. ويقدم اعتذار بعد فوات الفرصة. أما الذي يخاف الله، فإنه يكون ملتزمًا في مواعيده. ويقول في قلبه إن الله سيحاسبني عن كل نفس أهملتها في الاجتماع.
وتجده مدققًا وملتزمًا في خدمته وأمينًا، ذلك لأن مخافة الله أمام عينيه...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
8- مخافة الله تقود أيضًا إلى الاتضاع وانسحاق القلب.
وبالاتضاع يقول: مَن أنا التراب حتى أتحدَّى الله وأكسر وصاياه؟! وحتى إن وقف يصلي، يقول: من أنا حتى أقف أمام الله؟! ومن أنا حتى أتكلم مع الله؟! وأمامنا في هذا المجال قصة الفريسي والعشار:
إن العشار -في مخافته لله- عندما دخل إلى الهيكل، "وقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء. بل قرع على صدره قائلًا: اللهم ارحمني أنا الخاطئ ". ذلك لأنه كان واقفًا في مخافة الله. وأوصلته المخافة إلى انسحاق القلب. لذلك خرج مبررًا دون ذلك الفريسي الذي -في غير مخافة- وقف أمام الله مفتخرًا بصومه، وعشوره، بل وقف يدين العشار، ويقول إنه أفضل من سائر الناس الخاطفين الظالمين الزناة (لو 18: 10 - 14).
9- المخافة تلد الخشوع. والخشوع يلد الدموع.
الإنسان الذي يخاف الله، يكون خاشعًا في صلاته، وفي كل عبادته. إنه يأخذ حرارة في قلبه من مخافته لله. وقد تمتلئ صلاته بالدموع، نابعة من انسحاق قلبه... وهكذا كان آباؤنا القديسون على الرغم من القمم الروحية العالية التي وصلوا إليها، لم تفارقهم مخافة الله، ولا انسحاق القلب، ولا الخشوع ولا الدموع.
والأمثلة على ذلك كثيرة في سير القديسين.
القديس العظيم الأنبا أرسانيوس، لما وافته ساعة الوفاة، ارتعب وخاف. فقال له تلاميذه "أحتَى أنت يا أبانا تخاف من هذه الساعة؟!" فأجابهم القديس العظيم وقال لهم "إن رعب هذه الساعة ملازم لي منذ دخلت إلى الرهبنة".. هكذا كانت مخافة الله ملازمة له حتى ساعة الموت...
** وكذلك القديس الأنبا سيصوي (الأنبا شيشوي): لما أتته ساعة الموت، خاف. فقال له تلاميذه "وأنت أيضًا يا أبانا تخاف؟!" فقال لهم "على قدر طاقتي أطَّلَعت وصايا الله. ولكن حكم الناس شيء وحكم الله شيء آخر".. وقيل عنه إنه في ساعة وفاته، كان يطلب فرصة لكي يتوب!!.. هذا القديس المتكامل في الفضيلة، السامي والعالي في مستواه، كان يطلب فرصة لكي يتوب!! فماذا ترانا نفعل نحن؟!..
أما الإنسان الذي يدعي أنه وصل إلى المحبة، ويسلك بالدالة مع الله على طول الخط:
فمن الجائز أن يصل إلى اللامبالاة، ويفقد كذلك روح الانسحاق. وما أسهل أن هذا التدلل يوصله إلى عدم الاهتمام بكل ما يوصله إلى الله..!
وبعد ذلك يشرب الخطية كالماء... ويغطي على سقوطه بقوله: إن الله يعرف ضعف البشرية، وهو حنون غفور!!
أما الذي يسلك في مخافة، فإذ يضع خطاياه أمام عينيه كل حين، تمتلئ عيناه بالدموع، وقلبه بالخشوع.
10 - الذي يعيش في مخافة الله، دائمًا يحاسب نفسه:
ولا يُحاسب نفسه فقط عن أعماله، وإنما حتى على الأفكار والنيات، ويحاسب نفسه على عدم النمو... يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة. ويشعر كما لو أنه واقف أمام جهاز تسجيل يسجل عليه كل شيء. يسجل مشاعره وعواطفه، وأفكاره ونياته، وأخطاء اللسان، وأخطاء الحواس... وفي الواقع أن هذا صحيح فكل تفاصيل حياتنا مسجل علينا.
وهذا المسجل علينا، سيذاع في اليوم الأخير.
أمام الملائكة، وأمام البشر، جميعًا... ولكن ثقوا أنكم إن خفتم من هذا، وتبتم عن جميع خطاياكم، فكل ما تتوبون عنه، يمحوه الله من جهاز التسجيل، ولا يعود يُحْسَب عليكم. كما قال الكتاب "طوبى للذين غفرت آثامهم وسُتِرَت خطاياهم. طوبى للإنسان الذي لا يحسب له الرب خطية" (رو 4: 7، 8) (مز 32: 1، 2).
11- وهكذا فإن مخافة الله، ليست فقط تقود إلى مُحاسبة النفس، وإنما أيضًا إلى لوم النفس، والندم والتوبة...
والإنسان الذي يخاف الله يستمع إلى قول القديس مقاريوس الكبير "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". وبالتالي يُبَكِّت نفسه على كل ما فعلته، وما تنوي أن تفعله، ويبعد عن كل فكر رديء. وكما قال القديس باخوميوس الكبير "إن خوف الله يحرق الأفكار الردية، ويطرد كل رذيلة من الإنسان"..
لذلك فإن مخافة الله توصل إلى نقاوة القلب. وكيف؟
12- مخافة الله تدفع الإنسان إلى الجهاد والتعب من أجل الله، ومن أجل الوصول إلى مرضاته...
مثال ذلك طالب في الجامعة، وأمامه مُقَرَّر طويل... ألف صفحة مثلًا، لم يذاكر منها سوى عشرين صفحة فقط! لذلك يملكه الخوف الذي يدفعه إلى مضاعفة جهده لكي يصل مهما تعب في سبيل ذلك.
ونحن مقررنا الروحي هو القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب الذي قال "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (1 بط 1: 16).. بل مقررنا الروحي هو الكمال، حسب قول الرب "كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48).
ألا نخاف إذن، والطريق طويل بيننا وبين القداسة والكمال؟
أو لا يدفعنا الخوف إلى الجهاد والتعب، وإلى السهر على خلاص أنفسنا [لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدْنَا نِيَامًا!] (مر 13: 36). وكلما سِرْنا في الطريق، ووجدنا الكمال لا يزال بعيدًا، نصغي بكل اهتمام إلى نصيحة القديس بولس الرسول "اركضوا لكي تنالوا"، و"مَنْ يجاهد يضبط نفسه في كل شيء" (1 كو 9: 24، 25) وهكذا فإن الذي يخاف الله، تجده في الطريق الروحي، دائم الجهاد والركض لا يتوقف. وماذا أيضًا:
13- مخافة الله تقود إلى النمو الروحي:
وفي كل يوم يَتَقَدَّم، لأنه يرى طريق الكمال طويلًا، ويخاف أن يدركه الموت قبل أن يصل.
أحد الرهبان كان يقرأ كتاب الدرجي. ووجد فيه ثلاثين درجة في سلم الفضائل، وأولها الغربة والموت عن العالم. فوضع أمامه لافته كتب فيها (لسه بدري عليك).. وجاهد لكي ينمو صاعدًا في هذا السلم الروحاني.
إن الذي يخاف الله، يجاهد باستمرار لينمو صاعدًا، بينما الذي ليست فيه مخافة الله، قد ينحدر إلى أسفل وأسوأ.
14 - الذي في قلبه مخافة الله، لا يخاف فقط على نفسه بل على غيره أيضًا، فيسعى لنشر الملكوت.
يهمه أيضًا مصير كل من يعرفهم، وأبديتهم. يخاف عليهم كما كان أيوب الصديق يخاف على أولاده ويقدم عنهم محرقات (أي 1: 5). وهكذا يخاف على خلاص الآخرين، فيجاهد في الخدمة لأجلهم، وينمو في الخدمة ومحبة الملكوت. كما قال القديس بولس الرسول "كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح، لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 3).
15- كل هذا يجعل مخافة الله تقود إلى الصلاة.
فالإنسان يجاهد، ولكنه يرى جهاده ليس كافيًا. فيلجأ إلى الصلاة المستمرة، طالبًا من الرب معونة ونعمة، له ولغيره. إن الخوف على خلاص النفس، لا يكفيه مجرد الجهاد البشري. فالرب يقول "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5). وهكذا فإن المخافة تقود إلى الالتجاء إلى الله. مثلما خاف بطرس من الغرق وهو يمشي على الماء، فصرخ إلى الرب الذي أمسك بيده (مت 14: 30، 31).. المخافة تدعوك أن تحترس وتدقق. وفي نفس الوقت تقول للرب "اسندني فأخلص".
16- مخافة الله أيضًا تدعوك إلى المعرفة، حتى لا تسقط عن جهل. هذا يدعوك إلى القراءة وإلى المشورة...
وهكذا تلهج في كلام الله نهارًا وليلًا، لكي تستفيد نفسك بوصاياه. وإن وجدت ما يحتاج إلى استرشاد، تلجأ إلى الآباء الروحيين لكي يشرحوا لك الطريق، متذكرًا قول الكتاب "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5).
17- ومخافة الله تدعوك إلى حُسْن التعامل مع الآخرين.
إذ تخاف من قول الرب "ومَن قال (لأخيه) يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم" (مت 5: 22). وهكذا فإن الذي يخاف الله لا يجرح شعور أحد، ولا يدين أحدًا، خوفًا من أنه بالدينونة التي بها يدين، يدان (مت 7: 2). بل يرحم الكل، لكي يستحق الرحمة، كقول الرب "طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون" (مت 5: 7).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/benefits.html
تقصير الرابط:
tak.la/wshs3f8