2- لكي نصل إلى مخافة الله علينا أن نتذكر عقوبته ودينونته الرهيبة:
الخوف من العقوبة طبيعة في الإنسان. ولولا هذا الخوف، لا تنشر الشر في كل مكان. إنه نوع من الردع، يمنع وقوع الشر.
بدأ الخوف من العقوبة منذ أيام أبينا آدم:
لقد خاف حينما أخطأ، واختبأ هو وحواء خلف الشجر. واستمر الخوف في الأنبياء والقديسين. واستمر الخوف في نسلها... حتى في الأنبياء والقديسين. واستمر الله في فرض عقوباته على المخطئين ليقودهم إلى المخافة والتوبة.
وقد سجل لنا الكتاب المقدس عقوبات كثيرة:
ولست أقصد فقط التي وردت في العهد القديم، ولا لعنات الناموس التي كانت تقال على جبل عيبال (تث 27: 13) ولا حتى الضربات والعقوبات التي وردت في سفر الرؤيا (رؤ 8) في العهد الجديد، عهد النعمة والحق. ولا العقوبات التي صدرت من فم السيد المسيح له المجد، ومن أفواه تلاميذه القديسين، إنما أقول:
حتى الوصية الإلهية الأولى، كانت مصحوبة بعقوبة.
نعني وصية الله لأبوينا الأولين في الجنة. كانت مصحوبة بعقوبة في حالة المخالفة: "موتًا تموتًا" (تك 2: 17).. بينما كانت الوصية موجهة إلى نوعية ممتازة جدًا، هي آدم وحواء في حالتهما السامية الأولى، التي كانت فائقة جدًا لحالة الطبيعة البشرية الحالية. إذ كانا في منتهي البراءة والبساطة لا يعرفان شرا، حيث كانا عريانين ولا يخجلان.
وقد نفذ الله عقوبته على هذا الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله.
الله المحب، الذي كان يتكلم في محبة مع ادم الطاهر البريء، هو نفسه الذي خافه أدم بعد الخطية، وهو الذي عاقب أدم وحواء، وطردهما من الجنة، وفرض عليهما التعب والوجع. والحية التي كانت خاضعة للإنسان، أعطاها سلطان أن تسحق عقبه (تك 3: 15-19).
وقال الله للإنسان -وهو يعاقبه- "لأنك تراب، وإلى التراب تعود" (تك 3: 19).
ولعل فكرًا دار في عقل أبينا أدم: "هل أنا يا رب تراب؟! ألست صورتك ومثالك؟! وكأن الله يرد عليه قائلا: لست أن صورتي ولست مثالي. لقد كنت صورتي، حينما كنت نقيا بسيطا ولكنك لما أخطأت فقدت هذه الصورة، وأصبحت ترابا، مجرد تراب كما كنت. وإلى التراب تعود...
إن العقوبة لأزمة للإنسان. شرعها لازمة للإنسان. شرعها الله لفائدته.
حتى الخطايا التي تبدو بسيطة، وضع الله لها عقوبات.
هي كلمة (رقا)، أبسط كلمة تبدو فيها علامة من عدم التوقير (مت 5: 22). بل كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس، يعطون عنها حسابا في يوم الدين (مت 12: 36). وما اخطر قول القديس باسيليوس الكبير:
ماذا أستفيد أن فعلت كل البر ثم قلت لأخي يا أحمق وصرت بهذا مستحقا نار جهنم حسب المكتوب (مت 5: 22)؟!
أن مجرد كلمة واحدة يخطئ بها الإنسان، تسبب له دينونة لأن الإنجيل يقول "وبكلامك تدان" (مت 12: 37). وكلمة شتيمة يمكن يسببها أن يفقد الإنسان الملكوت، لأن الكتاب يقول "لا شتامون يرثون ملكوت الله" (1كو 6: 10) ووضع هؤلاء الذين يشتمون في قائمة واحدة مع الزناة وعبدة الأوثان والفاسقين (1كو6: 9) وكلمة قسم (حلفان) يمكن أن تقعوا بها تحت الدينونة (يع 5: 12).
إذن فلتكن مخافة الله في قلوبنا. لأن خطية واحدة يمكن أن تكون سببًا في هلاك الإنسان. والكتاب يقول:
"لأن من حفظ كل الناموس، وعثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل" (يع 2: 10).
إذن يجب أن نخاف من دينونة الله لنا. ومن يوم الدينونة الرهيب، الذي يسميه الرسول أحيانًا يوم الغضب، فيقول "ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله" (رو 2: 5، 6). ويقول أيضًا عن الذين يطاوعون الإثم "سخط وغضب، شدة وضيق، على نفس إنسان يفعل الشر.." (رو 2: 8، 9).
وقد تحدث السيد المسيح نفسه عن الخوف من الدينونة.
فقال "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس المهم ما يفعلونه أكثر. بل أريكم ممن تخافون: خافوا من الذين بعد ما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنم. نعم أقول لكم من هذا خافوا" (لو 12: 4، 5).
وهكذا كرر نصيحة الخوف ثلاث مرات في عبارة واحدة.
وعلمنا أن نخاف من الدينونة، ومن جهنم، وأن نخاف الله الذي له سلطان هذه العقوبة.
وخوف الدينونة وفقد الخلاص، يتحدث عنه القديس بولس فيقول "فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْهُ!" (عب 4: 1).
إنه يخاف أن نفقد الدخول إلى الراحة الأبدية، مع وعد الله لنا بها. وهو هنا يكلم أخوة مؤمنين لهم المواعيد، يخاطبهم رسالته بقوله "أيها الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية" (عب 3: 1). إنهم قديسون حقًا. ولكن من الممكن أن يخطئوا ولذلك فهناك خوف عليهم..!
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ومع أن الرسول يقول لهؤلاء الأخوة القديسين "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع.." الثقة من جهة كمال الكفارة إلى قدمها الرب عنا... ولكن ماذا من جهتنا نحن؟! يتابع الرسول حديثة فيقول:
"فإن أخطأنا باختيارنا، بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقَى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين" (عب 10: 26، 27).
وإذ يذكر خوف الدينونة، يشرح خطورة السبب (الخطية) فيقول: من خالف ناموس موسى، فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بغير رأفة. فكم عقابًا أشر، تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا، وازدري بروح النعمة" (عب 10: 28، 29).
حقًا إنه كلام خطير، يجعل الذي لا يخاف الله، يفيق من غفلته... ويكمل الرسول حديثة قائلًا:
مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي (عب 10: 31).
والوقوع المخيف في يد الله، هو في يوم الدينونة. يقول القديس يوحنا في سفر الرؤيا "ثم رأيت ملاكًا طائرًا في وسط السماء، معه بشارة أبدية ليبشر الساكنين على الأرض وكل أمه وقبيلة ولسان وشعب، قائلًا بصوت عظيم: "خافوا الله وأعطوه مجدًا" (رؤ 14: 7).. لماذا هذا الخوف؟ أو ما مناسبته؟
يقول الملاك "لأنه قد جاءت ساعة الدينونة"...
رهيبة هي ساعة الدينونة... كل حياتنا نعدها لذلك اليوم وتلك الساعة...
أنظروا ماذا يقول الكتاب عن ذلك اليوم:
يقول عنه سفر ملاخي النبي يوم الرب العظيم المخوف" (ملا 4: 5). ونقول عنه في القداس الإلهي "وظهوره الثاني من السموات المخوف والمملوء مجدًا". هذا المجيء الذي يقول عنه الكتاب "يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 13: 42، 41).
ويقول سفر يوئيل النبي "لأن يوم الرب عظيم ومخوف جدًا من يطيقه؟!" (يوئيل 2: 11). ويقول أيضًا "تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم، قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف. يكون كل من يدعو باسم الرب يخلص" (يوئيل 2: 31). وقد تكرر هذا الوصف في كلام القديس بطرس الرسول في يوم الخمسين (أع 2: 21،20).
ويقول القديس بطرس أيضًا في رسالته الثانية: "ولكنه يأتي كلص في الليل يوم الرب، الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها... وتنحلّ السموات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب" (2 بط 3: 12،10).
أما عن مشاعر الناس في ذلك اليوم الرهيب:
فيقول سفر إشعياء النبي "هوذا يوم الرب قادم، قاسيًا بسخط وحمو غضب... لذلك ترخى الأيادي، ويذوب كل قلب إنسان" (أش 13: 9)... ويشبه هذا ما ورد في (صف 1: 14 - 16).
ويقول هوشع النبي عن خوف الناس وقتذاك:
"ويقولون للجبال غطينا، وللتلال اسقطي علينا" (هو 10: 8).
ويتكرر هذا الكلام أيضًا في سفر الرؤيا عند فتح الختم السادس "وإذا زلزلة عظيمة حدثت، والشمس صارت سوداء كمسح من شعر، والقمر صار كالدم، ونجوم السماء سقطت على الأرض، كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة... وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكل عبد وكل حر، أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال، وهم يقولون للجبال وللصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف. لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم، ومَنْ يستطيع الوقوف؟!" (رؤ 6: 12 - 17).
لأجل كل هذا، ينصحنا الرب ويقول:
"اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت 24: 42).
ويقول عن حالة ذلك العبد الرديء غير المستعد "يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره، وفي ساعة لا يعرفها، فيشقه من وسطه، ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 24: 51،50) (لو 12: 46). ولهذا يقول "فكونوا أنتم إذن ابن الإنسان" (لو 12: 40).
مستعدين، لأنه في ساعة لا تظنون يأتياسهروا إذن على خلاص أنفسكم "وسيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17) "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، وسرجكم موقدة" (لو 12: 35)، واضعين أمامكم هذا الإنذار:
"لئلا يأتي بغتة، فيجدكم نيامًا" (مر 13: 36).
وعن سهركم واستعدادكم لهذا اليوم، لقد وضعت لكم كتابًا اسمه (السهر الروحي) يمكن أن تضيفوه إلى موضوعنا هذا. ومن مخافة هذا اليوم، استعدوا له بالتوبة. وكما يقول الرسول "لا تشاكلوا أهل هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 2). وتذكروا حالة غني لعازر، الذي كان يشتهي مجرد قطرة ماء يبردَ بها لسانه، لأنه معذب في ذلك اللهيب (لو 16: 24).
ولكن لعل البعض يقول "ما شأننا بذلك اليوم، وهو بعيد؟!" أقول لك: حتى إن كان اليوم الأخير بعيدًا، فإن يومك أنت بالذات لا تدري موعده... فينبغي أن تكمل خلاصك بخوف ورعدة (في 2: 12).
وخير لك أن تخاف الآن خوفًا فيه رجاء، إذ يدفعك إلى التوبة، من أن تخاف في ذلك اليوم بلا أمل.
وهذا هو تعليم الكنيسة الذي تُعَلِّمهُ لنا في كل يوم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/fear-of-god/punishment.html
تقصير الرابط:
tak.la/z7b842g