الليل الهادئ الساكن، الخالي من ضوضاء النهار، ومن مشاغله ولقاءاته، تحلو فيه الصلاة... وما أصدق ذلك الأب الروحي الذي قال "إن الليل مفروز لعمل الصلاة".. وقال أيضًا "إن صلاة واحدة تصليها بالليل، أفضل من مائه صلاة تصليها بالنهار"..
يقصد الصلاة التي تصليها في ذلك السكون، وتتميز لذلك بجمع الفكر، وجمع الحواس، وعدم التشتت، وعدم الانشغال...
ولذلك ما أجمل ما قيل عن السيد المسيح إنه "كان في النهار يعلم في الهيكل، وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون" (لو21: 37). وكان جبل الزيتون مكانًا للصلاة والتأمل. أو قيل عن الرب أيضًا إنه: "خرج إلى الجبل ليصلي، وقضي الليل كله في الصلاة" (لو6: 12).
وهنا نركز على ربط الليل بالصلاة، وبالجبل... ومما يذكر عن الليل أيضًا أنه "أتى على تلاميذه في الهزيع الرابع من الليل" (مت14: 25). وقيل عن مجيء المسيح الثاني "وفي منتصف الليل صار صراخ: هوذا العريس قد اقبل".. (مت25: 6).
ومسألة الليل، تُذَكِّرنَا بفضيلة السهر...
السهر لاستقباله... كما قيل "اسهروا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء، أو نصف الليل، أم صياح الديك، أو صباحًا... لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا" (مر13: 36) وقال أيضًا "طوبى لأولئك العبيد، الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو12: 37).
وما أكثر القصص التي وردت في سير القديسين عن سهرهم الليل كله في الصلاة، مثلما كان يفعل القديس أرسانيوس الكبير. وما أجمل ما قيل عن الرعاة في قصة الميلاد إنهم كانوا "يحرسون حراسات الليل" (لو2: 8).
والليل له تأملاته وصلواته الكثيرة في مزامير داود:
إنه يقول "ذكرت في الليل اسمك يا رب" (مز119: 55).. "وفي نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز119: 62).. "بالليل بسطت يدي" (مز6: 6). فكان الليل إذن للصلاة وللشكر والبكاء على الخطايا، كما يقول أيضًا "في العشاء يحل البكاء، وفي الصباح السرور" (مز29).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
"وما أصلح الليل للتأمل، ولمحاسبة النفس أيضًا".
كما تقول عذراء النشيد "في الليل على فراشي، طلبت من تحبه نفسي" (نش3: 1).. حتمًا أن الله يطلبنا في هذا الوقت الهادئ. وإن لم نفتح له قلوبنا، يعاتبنا بقوله "لأن رأسي قد امتلأ من الطل، وقصصي من ندى الليل" (نش5: 2).
حقًا إن الذي يكسب صداقة الليل، لا يتعب من شغب النهار.
وأقصد أن الذي يقضي الليل في الصلاة والقراءة والتأمل، وفي مناجاة الله، وفي البكاء على خطاياه... هذا يكنز به رصيدًا من الروحيات، تصد عنه هجمات العدو في حروب النهار وعثراته...
الليل أيضًا حافل بقصص الرؤى والأحلام التي من الله.
يقول أليهو البار في قصة أيوب الصديق "لكن الله يتكلم... في حلم في رؤيا الليل، عند سقوط سبات على الناس، في النعاس على المضجع. حينئذ يكسف آذان الناس.." (أي 33: 14-16)..
وما أكثر الأحلام المقدسة التي أرشد فيها الرب أبراره ليلًا مثلما ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف النجار، وبشره بميلاد المسيح (مت1: 20-24). وفي حلم آخر كلمة أن يذهب إلى مصر في حلم للمجوس وأرشدهم (مت2: 12).
الملاك الذي أنقذ بطرس من السجن، جاءه ليلًا (أع12: 6) وكذلك في نصف اللي كان إنقاذ بولس وسيلا (أع16: 25، 26). وفي اللي أيضًا كان قول الرب لبولس "كما شهدت بما لي في أورشليم، ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا" (أع23: 11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/contemplations-compline/who-by-night.html
تقصير الرابط:
tak.la/j5qqm3b