أروع مثل هو الله نفسه، وتبارك اسمه.
ليتنا نتأمل في الهدوء الذي خلق الله به الكون. والهدوء الذي روى به الكتاب قصة هذا الخلق... وكمثال يقول الكتاب: "ثم قال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة" (تك 1: 3). كل هذا الحدث العظيم يروى في عبارة بسيطة " فكان نور "..
بل ما أعجب هدوء الله في مقابلة الوثنية والإلحاد!
هؤلاء ينكرون وجود الله، أو يعبدون الأحجار والمعادن بدلًا منه... فلا تقوم ثورة في السماء ضدهم. ولا ينزل الله نارًا من السماء فتحرقهم وتبيدهم..!
ويجدف أناس على الله، والله هادئ. وهؤلاء المجدفون ما زالوا على قيد الحياة، يعيشون، ويتمتعون كأن شيئًا لم يحدث.
حقًا إن البشر ينتقمون لله، ولا ينتقم الله لنفسه!
الله تارك هؤلاء جميعًا إلى يوم الدين... أما الآن فإنه ما زال يقدم لهم فرصًا للتوبة وللرجوع. بل أكثر من هذا يقول الكتاب عن الله إنه: "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 5: 45).. أي أن الأشرار والظالمين يتمتعون أيضًا بنعمه العامة... وكأنهم لم يكسروا وصاياه!!
بل ما أعظم هدوء الله في معاملته للشيطان!!
هذا الكائن الشرير الذي يتحدى ملكوت الله بكل عنف وبلا مبالاة، ويحاول بكل الحيل أن يبعد الناس عن الله، وينشر في الأرض الفساد... ومع ذلك كله لايزال الشيطان موجودًا. وكان بإمكان الله أن يبيده ويفنيه... ولكن الله لم يفعل، وقابل كل عصيان الشيطان في هدوء، وتركه بمبدأ تكافؤ الفرص، ليجرب المؤمنين، إلى أن ينال جزاءه في اليوم الأخير.
وأحيانًا يتمادى الشيطان، فيوقفه الله عند حده في هدوء. وكثيرًا ما يبعد عنا شروره وتجاربه في هدوء دون أن نشعر...
أنظروا أيضًا الهدوء الذي تمت به معجزة التجسد.
جاء الرب عالمنا في هدوء شديد، لا في مركبة من الكاروبيم، ولا وسط أناشيد وتسابيح الملائكة، وإنما هدوء شديد، حتى أن هيرودس لم يشعر به، ولم يعلم ابن يوجد..! بينما كثير من الناس إن دخلوا مكانهم، يسبقهم ضجيجهم إليه، ويرفعون صوتهم ليدل على قدومتهم، أو ينادى البعض من هنا وهناك.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
انظروا هدوء الله أيضًا في صنع المعجزات.
كثيرًا ما تحدث المعجزات في الخفاء، دون أن يراها أحد، ودون أن يعلن الله عنها، ثم يخبر عنها بعض الناس. وما أكثر المعجزات التي حدثت ولم تكتب في الكتاب، ولو كتبت واحدة فواحدة، ما كان العالم يسع الكتب المكتوبة (يو 21: 25).
وكمثال لذلك المعجزات التي حدثت أثناء زيارة العائلة المقدسة لمصر... تمت في هدوء، ولم تكتب في الإنجيل. وكل ما نعرفه أن التاريخ روى بعضها...
انظروا أيضًا إلى السماء في هدوئها، وكذلك الملائكة وأرواح القديسين.
‘نها مثال عجيب للهدوء. وكل الملائكة الذين فيها ينفذون أوامر الله بسرعة عجيبة وفي هدوء عجيب. وقد وضعوا أمامهم عبارة " لتكن مشيئتك ". وأيضًا يعمل الملائكة على الأرض معنا ومن حولنا، بهدوء عجيب حتى أننا قد لا نشعر بهم وبعملهم. ومع ذلك " أليسوا جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1 ك 14). وبنفس الهدوء تعمل معنا أرواح القديسين. لقد تعلموا الهدوء من السيد الرب.
تأملوا أيضًا هدوء السيد المسيح في فترة تجسده على الأرض.
هدوء في الرد على معارضيه من الكتبة والفريسيين والصدوقيين والكهنة وشيوخ الشعب... الهدوء العجيب الذي كان يقابل به تحدياتهم وشتائمهم وإتهاماتهم الباطلة له... وكيف كان يرد عليهم بموضوعية وبإقناع، دون أن يثور على ألفاظهم الجارحة، وهم يقولون له: "ألسنا حسنًا نقول إنك سامرى وبك شيطان" (يو 8: 48)0 أو حينما قالوا عنه إنه: "أكون وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (مت 11: 19).
بل ما أعجب هدوء الرب، أثناء القبض عليه...
انتظر تلك الساعة في هدوء، واستقبلها في هدوء... في هدوء داخلي، وفي هدوء خارجى. وقف في هدوء يقول لهم: "مَنْ تطلبون؟"، "أنا هو". ومن فرط هدوئه، رجع الجند إلى الوراء وسقطوا على الأرض (يو 17: 5- 8). في هدوء استقبل قَبَّلَهُ يهوذا الخائن دون أن يجرح شعوره، بل قال له: "يا صاحب لماذا جئت" (مت 26: 50).
كانت كل تصرفاته في تلك الساعة الحرجة في منتهى الهدوء...
إهتم بسلامة تلاميذ، فقال للجند: "إن كنتم تطلبوننى، فدعوا هؤلاء يذهبون" (يو 18: 8). ولما أراد القديس بطرس أن يستخدم العنف واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، أمره الرب بالتزام الهدوء، قائلًا له: "رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون" (مت 26: 51، 25)
وأثناء محاكمته، كان هادئًا جدًا...
"كشاة تساق إلى الذبح... صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (إش 53: 7) في مجلس السنهدريم واجهوه بتهم " أما هو فكان ساكتًا ولم يجب بشيء" (مر 14: 61). وأمامه شهود زور، لم تتفق شهاداتهم... وأمام بيلاطس كان هادئًا جدًا.
وقف صامتًا. وحينما كان يتكلم، كانت إجاباته تذهل الوالى، حتى قال: "لست أجد علة في هذا البار... ".
ولما دفن، قام من الموت في هدوء عجيب...
في ساعة لم يعرفها أحد، وبدون ضجيج، وبدون إعلان أمام الناس، وبدون مظاهر عظمة وقوة... حتى شك اليهود في قيامته. وأشاعوا أن تلاميذ أتوا ليلًا وسرقوه (مت 28: 13، 15). ما هذا العجب؟! يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل هدوئه، ولن نستطيع...
ومن قدوة الرب، كان هدوء الشهداء اثناء إستشهادهم...
هدوء عجيب أثناء القبض عليهم، وأثناء محاكمتهم، وأثناء تعذيبهم. وفي فترات سجنهم، وفي ساعة الموت... بل كانوا يرتلون ويسبحون الله وهم في أعماق السجون، كما فعل بولس وسيلا، وهما في السجن الداخلي وأرجلهم مضبوطه في المقطرة (أع 16: 24، 24).
كيف إستقبلوا الموت، بكل هدوء، وبكل فرح.
إنها قصص طويلة متعددة الجوانب، تعطى صورة مشرقة للنفوس الهادئة، الت غستمدت هدوءها من الإيمان العميق بالحياة الأفضل بعد الموت... أو قد إستمدت هدوئها من رؤى وإعلانات كانت تطمئن النفس على مصيرها الأبدى.
أما قصص هدوء القديسين في حياتهم فهي عجيبة وطويلة...
ولكن لعلنا نقدم هنا مجرد إشارات:
منها الهدوء الذي عاشه الآباء في البرية.
هدوء الطبيعة العجيب، وهدوء النفس من الداخل، وهدوء الفكر في تأملاته... بل أيضًا الهدوء الذي قابلوا به حروب الشياطين، بدون خوف ولا إنزعاج...
والهدوء الذي سلكوا به في معاملاتهم.
حتى قيل إنهم: [ملائكة أرضيون أو بشر سمائيون].. وذلك بفضل حياة الوداعة التي إتصفوا بها، وهدوء الطبع الذي لا يثور ولا بغضب مهما كانت العوامل الخارجية ضاغطه عليه، ومهما تعرض لإهانات أو إتهامات باطلة.
ما أعجب هدوء القديسة مارينا، كمثال.
حيث اتهمت بأنها زنت -كرجل- وأنجبت ابنًا من فتاة مثلها! كيف تقبلت التهمة في هدوء، دون أن تدافع عن نفسها! وكيف قضت فترة توبة عن خطية لم ترتكبها. كل ذلك دون أدنى شكوى أو تذمر..!
وبالمثل القديسة التي كانوا يسمونها [الهبيلة].
في أيام القديس الأنبا دانيال... كيف إحتملت الإهانات المستمرة بكل هدوء، بفرح، كأكاليل مجد على رأسها...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/examples.html
تقصير الرابط:
tak.la/kk23v4k