من ذلك الزمان...
إن قصة "الله معنا" هي قصة قديمة، ودائمة... ما أكثر ما ترددت في الكتاب، وسمعها واختبرها آباؤنا القديسون...
بدأت منذ كان الله مع آدم في الفردوس...
وهناك كان يكلمه، ويباركه، ويمنحنا أيضًا سلطانًا (تك1). وبالخطية زال الإحساس بالوجود في الحضرة الإلهية، وشعر الخاطئ بانفصاله عن الله. وظهر هذا الانفصال في عمقه، حينما صرخ قايين قائلًا للرب "ذنبي أعظم من أن يحتمل. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك أختفي" (تك14: 13، 14).
نعم، إن الخطية تسبب انفصالًا عن الله...
فيما يصرخ الخاطئ ويقول "لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني" (مز50) "لا تصرف وجهك عني"، "حتى متى تحجب وجهك عني" (مز12).
حينما يبتعد الإنسان عن الله، يحس الله مبتعدًا عنه...
وأحيانًا يحس ذلك وقت الخوف. والخوف ليس من الإيمان.
وهكذا يقول المرتل في خوفه من مؤتمرات الأشرار "لماذا يا رب تقف بعيدًا. لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟" (مز10: 1).
 |
لذلك يحرص الله أن يعزى أولاده، ويشعرهم بوجوده معهم في كل ضيقاتهم. وهكذا قال لعبده يشوع موت موسى:
"كما كنت مع موسى، أكون معك. لا أهملك ولا أتركك".
"تَشَدَّد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب. لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب... لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش1: 5، 9).
نفس التشجيع، كان أيضًا من الله لأرميا الصغير:
"لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ"، "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب، لأنقذك"، "هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس على كل الأرض" (أر1: 8، 19،18).
نفس التشجيع الذي كان ليشوع وأرمياء، كان أيضًا لبولس:
قال الرب لبولس لما قاومه اليهود جدًا في كورنثوس:
"لا تخف، بل تكلم ولا تسكت. لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع18: 9، 10).
إن الشعور بوجود الله مع الإنسان، يعطيه قوة وثقة.
لهذا فإن مراحم الله وتعزياته تشعر إنسان بوجود الله معه، لكي يتعزى ويتقوى، وتكون له جسارة قلب، من النعمة، لمواجهة كل ضيق، فلا يخاف من أعدائه مهما اعتزوا جدًا...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وفي قصة الثلاثة فتية، لم يكن الأمر مجرد وعود إلهية. إنما كان الرب معهم فعلًا، وهم في أَتُّونِ النَّارِ، فلم تقو على إيذائهم، وسبحوا الله داخل الأتون...
إن قصة الثلاثة فتية مثال قوي للوجود مع الله.
وقد كانت هذه القصة عزاء للأجيال، ونحن نَتَغَنَّى بها في التسبحة كل يوم حينما نرتل الابصلمودية...
وكما أن الثلاثة فتية لم يخافوا النار لشعورهم بأن الله معهم، كذلك لم يخف دانيال من إلقائه في جب الأسود... وكذلك كان المرتل مطمئنًا، حينما قال:
"إن سِرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز23: 4).
وبنفس الروح قال "الرب نورى وخلاصي ممن أخاف..؟! إن يحاربني جيش فلن يخاف قلب. وإن قام على قتال، ففي ذلك أنا مطمئن" (مز27: 1، 2).
طالما السحابة فوق رأسك، فأنت لا تخاف حتى إن دخلت في قلب البحر الأحمر، أو تهت سنوات في برية سيناء...
إن الشعور بالوجود في حضرة الله، لا يجعل الإنسان يخاف، مهما كانت الأخطاء محدقة. أيضًا هناك فائدة أخرى:
شعورك بالوجود في حضرة الله، يمنحك استحياء فلا تخطئ.
هكذا كان يوسف الصديق... كان يشعر أنه واقف قدام الله، والله يراه. فكيف يخطئ، ويفعل ذلك الشر العظيم قدام الله!! وهكذا شعوره بأنه يتعامل مع الله، أعطاه استحياء في قلبه، وارتفاعًا عن مستوى الخطية.
حقًا، إن الإنسان ارتكابه للخطية لا يكون في حالة شعور بالوجود في الحضرة الإلهية... لا يكون الله أمام عينيه، ولا في فكره، ولا في قلبه... بل يكون في حالة انفصال عنه، لأنه لا شركة للنور مع الظلمة.
على أنه كثيرًا ما يحيط بنا الله وقت الخطية، لكي ينقذنا منها، كما يحيط بنا وقت الخطر أو الخوف لينقذنا منها... ولكننا للأسف قد لا نشعر بيد الله التي تلمسنا لنسقط، أو تلمسنا لنتقوى. ما أعمق قول القديس أوغسطينوس:
كنت يا رب معي، لكنني من فرط شقوتي، لم أكن معك.
إن وجود الله شيء، والإحساس بوجوده شيء آخر...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/story.html
تقصير الرابط:
tak.la/nvvrxp3
