مشاعر تحفظ في سرية
أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه، ومع ذلك لم يسجل الكتاب ما دار في هذه الأيام من مشاعر ومن أحاديث، إنما جملها سفر أعمال الرسل في عبارة بسيطة. أما الأناجيل فأشارت بالأكثر إلى شكوك التلاميذ وضعافتهم وكيف عالجها الرب. ولم تُذَكِّرنَا حتى تفاصيل يوم واحد من الأربعين يومًا...
 |
هنا وأتعجب من الذين يقفون أمام الناس ليحكوا اختبارهم!!
أين اختباراتكم هذه من اختبارات آبائنا الرسل، الذين لم يسجلوا منها شيئًا، ولم كروا سوى ضعفاتهم وشكوكهم...
إن حياة الحب والعشرة مع الله، هي قدس أقدس، يليق بها الصمت. والحديث عنها تعليم غير كتابي...
مريم أخت لعازر، اختارت النصيب الأفضل، وجلست عند قدمي المسيح، تتأمله، وتستمع إليه، ولكنها لم تذكر شيئًا من كل هذا، ولا سجل الكتاب شيئًا منه... إنه قدس أقداس.
وموسى النبي قضى مع الرب أربعين يومًا على الجبل، دون أن يحكى ماذا قال له الرب فيها، وما أعماق تلك العِشرة...
وأخنوخ الذي لم يمت، سجلت حياته كلها في عبارة واحدة تقر يباهى "وسار أخنوخ مع الرب"، ولا اخنوخ تحدث عن هذا إنه قدس أقداس.
وبولس الرسول صعد إلى السماء الثالثة، ولكنه لما نزل ما قص علينا شيئًا مما رآه قال إنه "سمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ إنسان أن يتكلم بها" (2كو12: 4).
لماذا يا معلم بولس العظيم لا تحكى لنا اختباراتك، كما يحكى أبناء اليوم؟! مبارك هو صمتك. إنه أيضًا قد أقداس.
بل أكثر من هذا مريم العذراء، في كل عشرتها مع المسيح قبل خدمته الجارية، تلك التي ختم عليها بالصمت... لقد صمتت العذراء. وكانت تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها (لو2: 51).
إن الصمت وليس الكلام، هو الذي يليق بالروحيات والحب الإلهي والعشرة مع الله، مثلها صمت التاريخ عن تأملات القديس الأنبا بولا السائح خلال ثمانين عامًا في الوحدة.
هكذا صمت التلاميذ عن الأربعين يومًا. وما حدثهم المسيح عنه من الأمور المختصة بملكوت الله، ظهر في حياتهم وممارستهم، ووصل إلينا بالتقليد، أكثر مما وصل بالكلام.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولعلك تقول: لماذا لم يتكلم هؤلاء جميعًا، لنتعلم من حياتهم؟ أقول لك: عش مثلهم، وأنت تعرف حينئذ ما أخفوه.
اجلس عند قدمي المسيح، مثلما جلست مريم، وحينئذ سيقول لك ما قاله لها، أو ما يناسبك من أحاديث أخرى...
وإن أحببت المسيح، كما أحبه الرسل، وتركوا كل شيء وتبعوه، فحينئذ سيحدثك مثلهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، ليس فقط على مدى أربعين يومًا، وإنما طول الحياة.
افتح قلبك لله، وهو يملوه حبًا. وافتح ذهنك له، وهو يضع فيه أجمل الأحاديث. عش معه بكلياتك، يفض عليك من مواهبه ونعمه وقوته، وحينئذ تقول مع داود في المزمور:
"إني اسمع ما يتكلم به الرب الإله".
أما إن أردت أن يحدثك الرب وأن يعطيك، لكي تشرح للآخرين وتحكى، فإنك تكون قد خرجت من سرية الحب، وبدلًا من المخداع المغلق صرت تبوق قدامك بالبوق.
أما إن احتفظت بقدسية العلاقة وسريتها، فإن الرب يقول عنك "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12).
_________
أُلْقِيَت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبرى بالقاهرة يوم الجمعة 1/5/1970 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/secrecy.html
تقصير الرابط:
tak.la/a4dtpk6
