إن سمعان الشيخ، لما حمل المسيح على يده، وفرح بهذا الخلاص، صرخ من عمق قلبه قائلًا "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك".. (لو2: 28- 30).
الذين يحبون عشرة الرب حقًا، ويرون ما في العالم من عوائق المادة والجسد، يشتاقون أن ينطلقوا من هذا الجسد، لكي تكون لهم فرصة أوسع في عشرة الله، ولكي يكونوا في كل حين مع الرب (1تس4: 17). وهكذا نرى القديس بولس الرسول يقول "لي اشتهاء أن أنطلق، وأكون مع المسيح، فذاك أفضل جدًا" (في1: 23). إذن شهوة الانطلاق هنا هدفها هو الوجود مع الله، فذاك أفضل جدًا...
إن الذي يشعر بلذة الوجود مع الله، لا يهمه الموت، بل على العكس يرى أن الموت هو جسر ذهبي جميل، يوصل إلى حياة أفضل، إلى الفردوس، إلى النعيم، إلى الوجود مع الآب كل حين، إلى التخلص من الحياة في المادة وما تسببه من معوقات. لذلك يكون تفكيره في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس، تفكيرًا له أعماقه العاطفية في القلب...
إن اسطفانوس أول الشمامسة، لما اقترب من الموت، أعنى لما اقترب من الانتقال إلى عشرة الله الدائمة، كان فرحًا ومتهللًا. ويقول عنه الكتاب في تلك اللحظات إنهم شخصوا إليه "ورأوا وجهه كوجه ملاك" (أع6: 15). أما هو فشخص إلى السماء، وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله... وقال "ها أنا أنظر السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 55، 65).. وبهذا الفرح انتقل إلى الوجود الدائم مع الله، حيث لا مؤتمرات، ولا حنق أعداء، ولا رجم...
لا شك أن الذين يحزنهم الموت والانتقال إلى الرب، لم يتيقنوا من لذة الحياة مع الله، والوجود في عشرته المحببة إلى النفس. أو أن البعض يخافون الموت، لأنه يحرمهم من الحياة في الجسد وفي المادة ومع الناس...
في القرنين الثاني والثالث للميلاد، حيث كانت أشواق المؤمنين متعلقة في عمق بالملكوت، كانوا يسعون إلى الموت من أجل الله، وكانوا يحبون الاستشهاد. بل أن العلامة أوريجانوس والعلامة ترتليانوس، وضع كل منهما كتابًا عنوانه "حث على الاستشهاد". فهذا الاستشهاد سيوصلهم إلى الوجود الدائم مع الله...
تحول الاستشهاد في تلك العصور إلى شهوة، لأنه يحمل في طياته شهوة أعمق، هي الوجود الدائم مع الله، حيث يتغنون مع القديس بولس قائلين "ونكون كل حين مع الرب".
هذه الشهوة المقدسة، نزعت من قلوبهم الخوف من الموت. فكانوا ينشدون تلك الأنشودة الجميلة: "إن عشنا، فللرب نعيش. وإن متنا فللرب نموت. إن عشنا وإن متنا، فللرب نحن" (رو14: 8).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هؤلاء لا تهمهم سوى عشرة الله، سواء هنا أو هناك.
في السماء، يكونون كل حين مع الرب. وعلى الأرض أيضًا يشعرون أنهم مع الله في كل مكان. كيانهم كله معه.
هوذا داود النبي يقول "تأملت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يمين في أتزعزع" (مز16: 8). الرب أمامه، والرب عن يمينه، يحيط به كل ناحية. فما تأثير هذه عليه إذن. يقول بعد ذلك مباشرة "من أجل هذا فرح وتهلل لساني. وأيضًا جسدي يسكن على الرجاء، عرَّفتني سبل الحياة. تملأني فرحًا مع وجهك"..
إنه يشعر بوجود الله معه، هنا وفي الأبدية، لذلك أنت معي" (مز22). ما أجمل شعور المؤمن بأن الله معه، حتى في وادي ظل الموت...
لذلك يرتل هؤلاء المؤمنون ترتيلة "حيث قادني أسير". لا يهم أن يقود الله النفس، لكن المهم أن تكون معه حيثما قداها. وما دامت معه، تشعر بالسعادة والثقة والاطمئنان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/heaven.html
تقصير الرابط:
tak.la/3k457nx