الكلمة الثانية: الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس (لوقا43:23)
أول إنسان خاطبه الرب على الصليب، كان هو هذا اللص... لم يبدأ حياته بارًا، بل صحبته الخطية حتى إلى الصليب. وكان وهو مصلوب يعير الرب، مشتركًا في ذلك اللص الآخر (متى43:27).. ثم تغير فجأة ودخل الإيمان إلى قلبه، فانقلب من معير إلى مدافع... ومن مُستهزئ إلى رجل صلاة وإيمان.
كيف وصل إلى الإيمان، والى هذا التغير؟ كيف آمن بالرب، والرب في آلامه لا في مجده، في استهزاء الناس به وليس في سعيهم إليه طلبا للشفاء والبركة؟
لعل مغفرة الرب لصالبيه، أثرت في اللص القاسي القلب هذا التأثير العميق. وإذا بلطف الله يغلب قسوته... أو لعله تأثر من وجه المسيح نفسه، من ملامحه، ومن نظراته، ومن حنان وعمق صوته... ولعل الرب نظر إلية، فأذاب قلبه... لسنا ندري...
أو لعل هذا اللص كان عنده استعداد داخلي للتوبة، كان أرضًا صالحة لم تجد بعد من يفلحها، وينقيها من أشوكها، ويبذر فيها البذار الصالحة، فتنبت نباتا حسنا...
لقد استطاع هذا اللص أن يصل إلى المسيح مع أصحاب الساعة الحادية عشرة أو في الساعة الثانية عشرة. فصلى صلاة واستُجِيبَت بأسرع ما تكون الاستجابة... كثيرون كانت لهم صلوات طويلة، بابتهالات وطلبات وتضرعات وعرق ودموع... أما هذا اللص فبعبارة واحدة قصيرة، مركزة عميقة، استطاع ان يحصل على كل شيء... وأصبحت صلاته هذه مصدر تأملات لكثيرين، ترددها الكنيسة كلها معه، وقد تعلمتها من هذا اللص العجيب...
هذا اللص الوحيد الذي أجابه المسيح بسرعة، بينما غيره كثيرون لم يرد عليهم الرب بكلمة واحدة...
تصوَّروا أن السيد المسيح لم يرد على كثيرين طول مدة المحاكمة والتعذيب والصليب... "لم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح. وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (أش7:53).. لم يرد على قيافا رئيس الكهنة إلا بعد أن استحلفه بالله الحي (متى63:26، 64). وبيلاطس الوالي الذي حاكمه كان متعجبًا جدًا من صمته (متى14:28). كثيرون استهزأوا به، فلم يرد عليهم. شتموه، فلم يرد عليهم. تحدوه وقالوا له "إن كنت ابن الله أنزل من على الصليب" (متى40:27) فلم يرد عليهم كذلك. اللص اليسار نفسه المصلوب إلى جواره كان يعيره ويتحداه قائلًا "أن كنت أنت المسيح، فخلص نفسك وإيانا" (لو39:23). فلم يرد على هذا أيضًا.
أما هذا اللص اليمين فما أن قال له "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" حتى تلقى الجواب بسرعة: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو42:23، 43).
ما أعجب صحبة الرب لهذا اللص! كان زميلًا على الصليب، وزميلًا صالحًا!! وبلغت الصحبة مداها، أن الرب لم يكتف بصحبته له على الصليب، وإنما قرر أن تستمر الصحبة أيضًا في الفردوس! كان يستطيع أن يعده قائلًا "اليوم تكون في الفردوس". ولكنه قال له "تكون معي". يدخل في معيته، وحيثما يكون الرب يكون معه أيضًا... ما أسعده لصًّا..! لم يأنف الرب من هذا اللص، ولم يشمئز، بل على العكس وجد فيه قلبا مملوءا بالفضائل. فبادله الحديث على خشبة الصليب، وفرح أن يسعد قلب هذا اللص بوعد يطمئنه على مصيره قبل أن يلقى الموت...
ستكون معي في الفردوس، لان قلبك صار معي على الأرض. لأنك سلمتني قلبك على الصليب، وسلمتني مصيرك ولأنك تألمت معي، فلذلك سوف تتمجد معي أيضًا... لقد صلبت معي، وتألمت معي... وستحيا معي أيضًا.
ما أعجب هذا اللقاء... على الصليب.
كثيرون التقوا مع الرب في الكنائس والمعابد وآخرون التقوا به في مخادعهم المغلقة عليهم ساعة الصلاة... أما أن يكون مكان اللقاء على الصليب، فهذا عجيب حقًا. هل كان هذا اللص يفكر إنه إذا تاب في يوما ما، والتقى بالرب يكون لقاؤه به في مثل هذا الموضع!!
حقًا إن "ملكوت الله لا يأتي بمراقبة" (لو20:71)..
لا نستطيع أن نعرف متى تعمل النعمة في الإنسان وكيف؟
إن الروح -من قال الرب- يَهِب حيث يشاء (يو8:3).. لقد عاش هذا اللص حياته كلها في الخطية، ولصقت به الخطية حتى على الصليب عندما كان يعير الرب مع زميله... فهل معنى هذا أن النعمة كانت حجبت وجهها عنه. أو أن الرب قد نسيه إلى الانقضاء..؟! كلا، مراحم الرب كانت تنتظر الوقت المناسب لتعمل فيه... ثم جاء زمان افتقاده ونال الخلاص، وهو على بعد أشبار من الموت...
نحن لا نعرف من هم المختارون. مَنْ كان يظن أن هذا اللص سيصير واحدا منهم!! من كان يظن أنه في ساعة واحدة سينال ما ناله غيره بجهاد عشرات السنوات؟! إننا نحكم حسب الظاهر، ونحتقر البعض، ونرثى للبعض، وربما يكونون أفضل منا بمراحل... ومع ذلك نقول في صدق أن هذا اللص، قد دخل الفردوس عن جدارة واستحقاق.
لقد كان عجيبًا، وعجيبًا جدًا، في كل ما فعله...
اعترف بالمسيح ربا، فقال له "اذكرني يا رب".
واعترف به ملكًا، فقال له "متى جئت في ملكوتك".
واعترف به مخلصًا، قادرًا ينقله إلى الفردوس.
وعلى الصليب اعترف هذا اللص بخطاياه الشخصية، واعترف باستحقاقه للموت. ووبخ زميله اللص الآخر قائلًا له "أما نحن فبعدل جوزينا، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا".
وانتهر زميله بسبب تجديفه عل السيد المسيح قائلًا له "أو لا تخاف إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه... وأما هذا فلم يفعل شيئًا في محلة" (لو40:23، 41). وهكذا اعترف ببر المسيح وخلوه من الخطية، وبالتالي لا يكون قد صلب بسبب خطية له، وبالاستنتاج يكون صلبه عن خطية غيره...
عجيب هذا حقًا، أن يكون الوحيد الذي دافَع عن السيد المسيح وسط تلك الآلاف هو اللص اليمين!! لم يدافع عنه واحد من الاثني عشر. لم يدافع عنه واحد من التلاميذ السبعين. لم يدافع عنه واحد من الذين شفاهم أو أقام موتاهم أو أخرج منهم الشياطين... لم يدافع عنه أحد... اجتاز المعصرة وحده... والوحيد الذي دافع عنه، ولم يقبل كلمة إساءة توجه إليه، هو اللص اليمين!! من كان يظن في جميع التلاميذ وفي جميع المؤمنين، أن الوحيد الذي يدافع عنه هو اللص!! حقًا -كما قال الرب- "انظروا، لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار (متى10:18).
فلا تظن في نفسك يا أخي انك شيء، أو أنك أفضل من أمثال هؤلاء... لا تظن في نفسك أنك كأحد الرسل أو أحد الأحباء أو المريدين أو القريبين من الرب... فقد سكت كل هؤلاء، لم يدافع واحد منهم عن المسيح، والذي دافع عنه هو لص لم يكن يتوقعه أحد، ولم يكن يسمع به أحد...
والجميل في هذا اللص -غير دفاعه عن المسيح- انه كان مشغولا بأبديته. كان مهتما بإعداد العدة لمصيره الأبدي. هو أيضًا لم يكن يفكر في آلامه الجسدية، وإنما في مصيره بعد الموت. لذلك صرخ في استرحام وفي استغفار "اذكرني يا رب".. اذكرني في مراحمك، وليس في خطاياي. أو كما قال داود النبي "اذكر يا رب مراحمك ورأفاتك فإنها ثابتة منذ الأزل. خطايا شبابي وجهالاتي لا تذكر. كرحمتك اذكرني أنت من أجل جودك يا رب" (مز6:25، 7).
"اذكرني" ولا تدخلني في زمرة أولئك الذين قلت لهم "إني لم أعرفكم قط".. اذكر هذا الجوار... إنها ساعات خالدة في حياتي، تلك التي قضيتها إلى جوارك على الصليب. إنها أسعد ساعات حياتي، أتمتع بشركة آلامك، وأفتخر بأني "مع المسيح صُلِبت" (غل20:2). فمن أجل هذا الجوار اذكرني. لقد كان صلبي إلى جوارك عارًا لك، ولكنه فخر أبدي لي. تكفيني هذه الساعات السعيدة معك، ولكني أريد أن أعتبرها كمجرد عربون...
إن عبارة "اذكرني" التي أقولها لك، تعني وجود علاقة سابقة. تعني أنني معروف عندك، ومكتوب في سفرك، ومنقوش على كفك.
لقد أُحْصِيت مع أثمة (أش12:53)، وصلبت مع الخطاة. وان حسب هذا عارا لك، لكنه نعمة لي وبركة... ما ألذ وجودي إلى جوارك، إنه ينسيني كل آلامي فلا أشعر بها... بل أشعر بروحك تتخلل كياني كله، وتطهرني وتقدسني، وتجعلني إنسانا آخر... أنك كشعاع الشمس الذي قد يرقد إلى جوار آي جسم قذر، فلا يتسخ منه، بل يطهره... أنا مُعْتَز بصحبتك، ليتني عرفتك من قبل... فاذكرني.
ليت كل واحد فينا يصيح مع اللص قائلًا "اذكرني يا رب" اذكر أن لك ابنًا في كورة بعيدة، وعبدًا ضالًا خارج الحظيرة. اذكرني في ضعفي، وفي ذلك، وفي سبيي، اذكرني في سقوطي لكي تقيمني وترد نفسي إليك. اذكرني لأني واحد من الذين "ليس لهم أحد يذكرهم". "ليس إنسان يلقيني في البركة فأبرأ" (يو7:5).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن قصة اللص اليمين هذه تعطينا فكرة أن ساعة الموت تختلف من إنسان إلى آخر. لا نقل أنه ذكر الرب وتاب إذ كان لا بُد أن يفعل هكذا في ساعاته الأخيرة. كلا، فاللص الآخر كان مثله في ساعاته الأخيرة ومع ذلك يقول الكتاب أنه كان يجدف على المسيح، وما كان يخاف الله، وما كان يهتم بمصيره الأبدي. وإنما كان كل همه أن يتخلص من الصليب (لو39:23)، ليعود فيتمتع بهذا العالم... وهكذا استحق الانتهار من زميله. وفي ساعة الموت: بدلًا من أن يتوب عن خطاياه، كان يرتكب خطايا جديدة، بقسوة قلب..!! كان هذا اللص اليسار قريبًا من المسيح بالجسد، كان إلى جواره. أما قلبه فكان مبتعدًا عنه بعيدًا بما لا يقاس، حتى في ساعة الموت!! إن ساعة الموت لم تستطع أن تذكره بالتوبة، ولا أن تدفعه إلى الاستعداد... إطلاقًا.
إنه لم يتأثر بمغفرة المسيح لصالبيه: ولم تملكه الغيرة من أجل الوعد الذي ناله زميله بدخول الفردوس. ولم يؤمن إذ رأى السماء، والأرض ماجت مرتعدة، والصخور تشققت، والظلمة سادت على الكون... بل كان منشغلا عن أبديته، حتى في ساعة الموت. ما زال يحب العالم ومعاودة المعيشة فيه... لا يريد المسيح ولا صحبته، وإنما يحب أن يستغله كوسيلة للنزول من على الصليب...
إنه درسٌ قاسٍ لكل من يؤجل التوبة، وفي ظنه أنه سيتوب في أواخر أيامه، التي لا يعرف لها موعدًا! كثير من الناس يكونون في ساعة الموت مثل اللص الذي على الشمال، يجدفون ويتذمرون ويشتهون العالم الحاضر!! من كان عبدا لعادة من الصعب أن يبطلها بالتأجيل، حتى دقت يداه وقدماه بالمسامير، وكان بينه وبين الموت دقائق!! إذا لم يتعاون الإنسان مع النعمة في قلبه ساعة الموت، فمن الممكن أن يخطئ في تلك الساعة أيضًا.
كثيرون في ساعة الموت يبكون بدموع... ليس بكاء على خطاياهم، وإنما لأن الموت سيحرمهم من ملاذ الحياة!! يبكون لأن الموت سيفصلهم عن أحبائهم وعن شهواتهم... ما يزال العالم حلوا في قلوبهم، حتى في ساعة الموت... لا تظنوا أن الموت -بالضرورة- يجلب للإنسان خشوعًا..! ليس لكل الناس. إن اللص اليمين استفاد من ساعة الموت، واللص اليسار لم يستفد... وبينما كان اللص اليسار يجدف ويعير، كان زميله يصلي، ويتضرع قائلًا "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك".
والرب لم يتخل عن هذا اللص التائب. ولم يتمهل عليه، وإنما كانت استجابة صلاته أسرع مما كان يتوقع. ان اللص في آخر ساعاته لم يفقد رجاءه في مراحم الرب. والرب أيضًا قوَّى رجاءه وأكده تأكيدًا بقوله: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي..". انك الآن معي وبعد قليل ستكون معي. ولكن شتان بين الحالتين... كما كنت معي في الألم ستكون معي "في الفردوس". أنت الآن تتعذب، وهناك تتعزى...
ويقول الرب "في الفردوس" إنما صحح للص خطأ وقع فيه. وصححه له بنفس طريقة المسيح الهادئة اللطيفة... لقد قال اللص "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك". وحسنًا آمن أن للمسيح ملكوتا روحيًّا في السموات، وأن مملكته ليست من هذا العالم كما يطلب العالميون... ولكن ملكوت السموات لا يدخله الناس إلا بعد القيامة العامة، أما بعد الموت مباشرة، فيذهبون إلى مكان الانتظار. مكان انتظار الأبرار هو الفردوس. وهكذا لم يقل السيد للص "اليوم تكون معي في ملكوتي" وإنما "في الفردوس".. وبهذا باشر الرب وظيفته كمعلم صالح، حتى على الصليب، بنفس طريقته الوديعة في التعليم، شارحا للمخطئ خطأه دون أن يقوله له أنك أخطأت.
ستكون معي في الفردوس، كعربون... وستأتي معي على السحاب في مجيئي الثاني. وستقف على يميني في يوم الدينونة، كما أنت الآن عن يميني على الصليب، رمزا للأبرار... وستملك أيضًا معي في ملكوتي. وتكون معي في الأبدية التي لا تنتهي... ها أنا معك كل الأيام والى انقضاء الدهر...
لعل هذا الموعد قد جعل اللص ينتظر الموت بفرح، ليكون مع المسيح، فذاك أفضل جدًا... هنا نقول ما ألذ الموت! "أين شوكتك يا موت"!! إن الموت مرعب للأشرار لكنه مفرح للذين يرقدون على رجاء، للذين نالوا المواعيد، ونظروا الأكاليل، واطمأنوا إلى مصيرهم بعد الموت، ورن في آذانهم قول المسيح "اليوم تكون معي في الفردوس".
وبقوله "تكون معي في الفردوس"، لم يعلن للص غفران خطيئته فحسب، وإنما أعلن أيضًا فتح باب الفردوس لأول مرة بعد خطيئة آدم. وكان اللص أوّل مَنْ أُعْلِنَت له هذه الحقيقة. هذا الفردوس الذي كان مُغْلَقًا منذ ذلك الزمان، لا يستحق أحد دخوله بسبب الخطية. وهذه العبارة التي قالها الرب للص، نتذكرها كلما نودع نفسا رحلت عن عالمنا. فنقول في صلاة الجناز "افتح لها يا رب باب الفردوس كما فتحته لذلك اللص".
إن المغفرة التي نالها اللص هي عمل إلهي، وفتح باب الفردوس هو عمل إلهي أيضًا. عملان قام بهما الرب على الصليب يثبتان لاهوته. إنه لم يصل لأجل اللص للمغفرة ولدخول الفردوس، إنما قال له بسلطان "اليوم تكون معي..". وكأنه بهذا باشر عمله كديان عادل من حقه أن يصدر حكمًا في أبدية إنسان، فحكم للص بدخول الفردوس في نفس اليوم. من من البشر له سلطان أن يفعل هذا؟! إنه سلطان إلهي لا يقدر عليه إنسان... كذلك فتح الفردوس: أمر لم يقو عليه أحد من قبل، لا رئيس ولا نبيا. من استطاع أن يفتح باب الفردوس المغلق، أو من استطاع أن يدخله؟! لا أحد. كلهم انتظروا حتى يأتي المخلص فيفتح لهم. إنه عمل إلهي... وهو أيضًا إعلان عن كفاية هذا الدم المسفوك عنا لفتح باب الفردوس.
حقًا إنه صاحب السلطان. "يفتح ولا أحد يغلق. ويغلق ولا أحد يفتح" (رؤ 1: 18). بل بيده مفاتيح السماء والأرض، وبسلطانه يهبها لتلاميذه، وكلائه على الأرض. هو الذي فتح للعذارى والحكيمات. وإليه تضرعت الجاهلات قائلًات "يا ربنا يا ربنا، افتح لنا" (متى 25: 11) ولكنه لا يفتح فردوسه، إلا للذين فتحوا له قلوبهم، كاللص اليمين الذي استحق أن يقول له "اليوم تكون معي في الفردوس"..
وعبارة "اليوم تكون معي" دليل أكيد على عدم وجود مَطْهَر، كما يظن البعض. فاللص دخل الفردوس في نفس يوم وفاته، دون أن يقضي في هذا المسمى بالمطهر ساعة واحدة..!! كما أن عبارة "اليوم" تكون معي، تنفي الفكرة التي بها يظن البعض أن روح الميت تظل باقية تتردد على أماكن سُكناها حتى اليوم الثالث إلى أن تصلي الكنيسة صلاة في اليوم الثالث لصرف تلك الروح...!! هل بقيت روح اللص اليمين إلى اليوم الثالث أم في نفس اليوم كانت في الفردوس..؟!
وبعبارة الفردوس شرح الرب مصير الإنسان بعد الموت، وكيف أن الفردوس هو مكان الانتظار للأبرار وكيف أنهم سيكونون هناك مع المسيح يتمتعون به.
اليوم تكون "معي". إنها متعه جميلة أن نكون مع الرب". إن الوجود مع الرب هو أجمل من الفردوس أو هو أجمل ما في الفردوس أو هو الفردوس ذاته، بل هو النعيم الحقيقي، أن نوجد معه. هذا هو ما قاله الرب، وما وعد به... "آتي وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو 14: 3). ما أجمل هذا الوعد. إنه أملنا الذي نسعى إليه، وتتشهاه...
إن الحياة الروحية كلها هي "مَعِيَّة مع الرب"..
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
بهذا الوعد، أفرح الرب قلب اللص، ولم تشغله ألام الصلب عن التحدث مع هذا الإنسان وطمأنته وإسعاده... ونسى السيد الرب آلامه المبرحة، نسى الشوك والمسامير وألم الجروح وجسده المنهك، وشغل وقته بالإصغاء إلى هذا اللص والتحدث معه وطمأنة قلبه... حقًا إن "المحبة لا تطلب ما لنفسها" (1كو5:13). بل ما هو للآخرين (1كو24:10). ما أكثر ما يأتي إلينا إنسان في وقت تعبنا أو مشغوليتنا، فنتبرم به، ونتضايق، ونقول له: "طيب يا أخي بعدين، أنا مش فاضي لك دلوقتي، استنى شوية". أما السيد المسيح فحتى على الصليب، لم يقل مثل هذه العبارات. وإنما على الرغم من آلامه أعطى اللص الاهتمام الذي يحتاج إليه، واستجاب طلبته وأسعد قلبه. وأرانا أنه حتى على الصليب يمكن القيام بخدمة للآخرين...
وفي الاهتمام باللص يظهر لنا الرب أهمية العمل الفردي إلى جوار العمل الجماعي. فبالإضافة إلى عمل الفداء العظيم المقدم للعالم أجمع، لكل من يؤمن به، وبالإضافة إلى غفرانه لصالبيه، كان له أيضًا عمل فردي مع اللص. لأن الفرد -عند المسيح- لا يتوه وسط الجماعة... ما تزال له قيمته، وله اهتمامه...
وهكذا كان السيد المسيح في كل كرازته على الأرض يعمل في الميدانين معًا: العمل الجماعي، والعمل الفردي: العمل الجماعي وسط الجماهير الكثيرة، وسط الجموع المزدحمة حواليه في عظته على الجبل، ووسط الخمسة الآلاف الذي أشبعهم بخمس خبزات وسمكتين... وله العمل الفردي وسط الاثني عشر، أو وسط ثلاثة منهم هم بطرس ويعقوب ويوحنا، أو مع نيقوديموس، أو في بيت مريم ومرثا، أو المرأة السامرية عند البئر...
إن الله لا ينسى الفرد وسط الجماعة. ولا يضيع فرد في زحمة الناس. لا يضيع الخروف الضال في زحمة الاهتمام بالتسعة والتسعين الباقين... لا يضيع اللص اليمين وسط الاهتمام بخلاص العالم كله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/7-words-on-the-cross/with-me--in-paradise.html
تقصير الرابط:
tak.la/rt3r53b