قد ترجمت أسفار العهد القديم إلى القبطية نقلًا عن الترجمة السبعينية اليونانية (والتي قد تم ترجمتها من العبرية حوالي القرن الثالث قبل الميلاد). أما ترجمات العهد الجديد القبطية فإنها منقولة من الأصول اليونانية. وكثير من المجلدات القبطية للأسفار من كلا العهدين يرجع تاريخها إلى القرن الرابع، وأجزاء قليلة ترجع إلى القرن الثالث الميلادي.
وعند ترجمة الكتاب المقدس من اللغة اليونانية إلى اللغة القبطية، رؤى أنه من المستحسن المحافظة على كل الكلمات اليونانية التي لها دخل بالعقيدة الحديثة أو التي تعبر عن أفكار مسيحية محضة. وقد حصل ذلك أيضًا في ترجمة الكتب المقدسة إلى سائر اللغات. وقد تسرب في آن واحد مع هذه الكلمات عدة ألفاظ يونانية أخرى إلى اللغة القبطية التي -ولو أنه كان يوجد ما يماثلها في المعنى في اللغة القبطية- إلا أن استعمالها كان على سبيل الظهور بالعِلم ولإعطاء طلاء مخصوص للتعبير، حيث كانت العادة أن كل شيء يشتم منه رائحة اليونانية معناه التقدم والتمدين، وزاد من هذه العادة انتشارًا، النفور من كل شيء له علاقة بالقديم الوثني.
وفى الحقيقة لا يعرف بالتحديد تاريخ أول ترجمة للكتاب المقدس إلى اللغة القبطية، سواء كان ذلك بالنسبة للعهد القديم أو الجديد. فالمسيحية عندما دخلت إلى مصر بدأت أولًا في الإسكندرية حيث لم تكن هناك حاجة إلى ترجمة قبطية، لأن الغالبية العظمى من سكان الإسكندرية سواء كانوا مصريين أو يونانيين أو يهودًا أو من جنسيات أخرى، كانوا جميعًا يفهمون اللغة اليونانية ويتقنون الحديث بها. ولذلك فإن الكنيسة المسيحية الناشئة في الإسكندرية قد اكتفت بالعهد الجديد الذي تسلمته مكتوبًا باليونانية، وبالعهد القديم الذي تسلمته مترجمًا إلى اليونانية في الترجمة السبعينية اليونانية الموجودة قبل ظهور المسيحية.
ولكن سرعان ما انتشرت المسيحية خارج حدود الإسكندرية، فاعتنقها من لا يعرفون اليونانية من أهالي بلدان وقرى الديار المصرية. وهكذا أصبحت الحاجة ماسة إلى وجود ترجمة قبطية للأسفار الإلهية، والتي بدأت على أقصى تقدير خلال القرن الثاني الميلادي. والقرن الثاني الميلادي قريب جدًا من أيام آبائنا الرسل، أي عصر الآباء الرسوليين، وهؤلاء الآباء هم الذين تسلموا الإيمان من الآباء الرسل مباشرة، وكانوا فاهمين للكتاب المقدس جيدًا، ولذلك ترجموه بطريقة كانوا معايشين لها ومدركين الترجمة المضبوطة لها. وبذلك أصبح النص القبطي الذي بين أيدينا ليس مجرد ترجمة، وإنما هو في حكم النص.
وربما كانت الأسفار الإلهية تقرأ في البداية باللغة اليونانية ثم تترجم ترجمة شفوية فورية إلى اللغة القبطية. وتعتبر بردية شستر بيتي السابعة (رقم 965) المحفوظة في دبلن أقدم ما نملكه من وثائق، ويرجع تاريخها إلى أوائل القرن الثالث الميلادي، وهي تشتمل على أجزاء من مجلد لسفر إشعياء باللغة اليونانية -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- وعليها نحو خمسين تفسيرًا بالقبطية لمعاني الكلمات اليونانية. وهي تفاسير مكتوبة بلهجة فيومية قديمة بالحروف اليونانية وحدها، أي بدون استخدام الحروف السبعة الإضافية من الديموطيقية.
وأقدم شهادة غير مباشرة لوجود الترجمة القبطية للكتاب المقدس أو بعض أسفاره، هي سيرة الأنبا أنطونيوس (251-356م.) والتي كتبها البابا أثناسيوس الرسولي، حيث تقول السيرة أن الأنبا أنطونيوس سمع الآية المكتوبة في (مت 19: 21) وتأثر بها وترك كل شيء وذهب إلى البرية. ومن المعروف أن الأنبا أنطونيوس كان لا يتكلم إلا اللغة القبطية ولم يكن يعرف اليونانية(1). وعلى ذلك فلابد أن الأناجيل كانت مترجمة إلى القبطية ومتوفرة للقراءة منها في كنائس القرى قبل سنة 270م. وليس هناك ما يوحى بأن ما سمعه أنطونيوس في ذلك الوقت كان مجرد ترجمة شفوية لفصل الإنجيل.
وتوجد بردية تسمى بردية بودمر (رقم 6) وهي أقدم مجلد كبير محفوظ لدينا لنصوص كتابية باللغة القبطية، ويرجع تاريخ هذه البردية إلى أواخر القرن الثالث الميلادي، وهي تتضمن ترجمة لسفر الأمثال باللهجة الصعيدية القديمة، وهي عبارة عن مجموعة رقوق في هيئة مجلد، وهذه البردية ضمن مخطوطات بودمر المحفوظة في جنيف بسويسرا.
وفى سنة 1934م. نشر كرم Crum ورقة بردية تحتوى على المزمور السادس والأربعين باللهجة الأخميمية قال إنها ترجع إلى النصف الثاني من القرن الثالث، وتعتبر أقدم جميع النصوص المسيحية المعروفة بتلك اللهجة.
وقد شهدت الترجمات القبطية للكتاب المقدس ازدهارًا في القرن الرابع باللهجة الصعيدية، ويمكننا القول أن الكتاب المقدس قد ترجم بعهديه إلى القبطية الصعيدية في القرن الرابع الميلادي.
والذي يدل على انتشار أسفار الكتاب المقدس بعهديه باللغة القبطية، الاقتباسات الكتابية الكثيرة الموجودة في الأدب المكتوب أصلًا بالقبطية، وبخاصة كتابات القديس باخوميوس وتلميذه، والقديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين. فهذه الاقتباسات تشمل من الناحية العملية جميع أسفار الكتاب المقدس.
وقد ارتبط نشاط حركة ترجمة ونساخة الأسفار الإلهية بالقبطية ارتباطًا وثيقًا بنمو الحركة الرهبانية، إذ كانت قوانين الرهبنة الباخومية (نحو سنة 321م.) تلزم القادم للرهبنة أن يبقى خارج الدير (نحو عشرة أيام) يتعلم خلالها بعض الصلوات والمزامير والقوانين قبل أن يسمح له بحضور الصلوات مع الرهبان. ثم يقضى ثلاث سنوات تحت الاختبار داخل الدير يشترط أن يحفظ خلالها عشرين مزمورًا ورسالتين من العهد الجديد عن ظهر القلب، وأن يكون قادرًا على القراءة بالقبطية، أو أن يتعلمها خلال تلك الفترة، ويفترض أنه يتعلم الكتابة أيضًا(2).
ويذكر بلاديوس(3) أن الرهبان الباخوميين في دير طبانيسي كانوا يحفظون الأسفار المقدسة عن ظهر القلب. وبالتالي فإن الوثائق الخاصة بطبانيسي تستلزم بالتأكيد وجود نسخة كاملة من الكتاب المقدس مترجمًا إلى القبطية الصعيدية مع بداية القرن الرابع الميلادي.
_____
(1) التاريخ اللوزياكى 21: 15.
(2) قوانين باخوميوس أرقام 49، 130، 139، 140.
(3) التاريخ اللوزياكى 32: 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/coptic-language/bible.html
تقصير الرابط:
tak.la/vp7gj86