كانت اللغة المصرية -المعروفة بالقبطية- هي لغة البلاد الرسمية يتعلمها الكبير والصغير من الرجال والنساء، مع الاحتفاظ باللهجات المختلفة، وكان المصريون يعلمون أولادهم في كتاتيب، والتي استمرت إلى أن تَم تعميم المدارس على النظام الحديث.
وعندما تغلب اليونان على القطر المصري ولبثوا حاكمين البلاد (عهد البطالسة)، اهتموا كثيرًا بأن تكون اللغة الرسمية هي اللغة اليونانية وترجموا إليها الكتب العديدة ولاسيما التوراة، والمعروفة بالترجمة السبعينية، وبقيت اللغة القبطية هي لغة الشعب. ثم جاءت دولة الرومان، واستمرت اللغة اليونانية سائدة.
وعندما دخلت المسيحية إلى مصر على يد مارمرقس الرسول، استمر الكلام باللغة القبطية مع اللغة اليونانية القديمة، والتي حصلت البشارة بها. وإلى القرن السابع الميلادي كانت اللغة القبطية هي لغة الشعب والدولة والكنيسة، بحسب ما يقوله عالم المصريات د. بانوب حبشي(1)، حيث قال: [وصلت اللغة القبطية إلى الذروة عندما أصبحت لغة الكنيسة والدولة والشعب معًا في أواخر العصر البيزنطي وأوائل العصر العربي].
وفى القرن الثامن، ولتخطى مشكلة اللغة، كان الحُكّام العرب يستخدمون المترجمين للتفاهم مع أهل البلاد، وفي سنة 706 م. صدر مرسوم تعريب الدواوين في عهد والي مصر عبد الله بن عبد الملك.
وفى سنة 849م. (القرن التاسع)، صدر منشور من الخليفة المتوكل (847-861 م.) يدعو فيه أن يتعلم اليهود والنصارى اللغة العربية، ولكن الشعب المصري استمر يتكلم باللغة القبطية فيما بينهم.
وفى القرن الحادي عشر الميلادي، أمر الحاكم بأمر الله (996-1020 م.) بمنع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل.
وفى القرن الثاني عشر الميلادي، كان هناك أقباط لا يعرفون سوى القبطية، وأقباط لا يعرفون غير العربية، وأقباط يعرفون القبطية والعربية. وما كان من البابا غبريال بن تريك البطريرك السبعين (1131-1146 م.) عندما وجد أن الغالبية من الشعب لم تعد تفهم اللغة القبطية، فقد أصدر أوامره بقراءة الأناجيل والعظات الكنسيّة وغيرها من القراءات باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية، حتى يتسنّى لجمهور المصلين فَهْم ما يسمعونه. وإن كان هذا ساعد الأقباط على تتبع العبادة، إلا أنه في نفس الوقت ساعد على استهانة القبط بلغتهم الأصلية إذ لم تعُد لها أي ضرورة على الإطلاق. وإن لم تكن تُسْتَخدم اللغة العربية في الكنيسة إلا لترجمة فصول القراءات الكنسية كالرسائل والأناجيل والسنكسار والمواعظ.
وفى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، تراجعت اللغة القبطية أمام اللغة العربية، وخصوصًا في الوجه البحري. كما بدأت تظهر كتب الصلوات القبطية وفيها نهرين، الأيسر للنص القبطي، والأيمن للترجمة العربية. أما في الصعيد فقد استمرت اللغة القبطية إلى القرن الخامس عشر، حيث يشهد تقي الدين المقريزي (1364-1441 م.)، أن هناك من يتكلمون بالقبطية في صعيد مصر في أيامه وإن كان على نطاق ضيق -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- حيث قال في كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار(2): [ناحية درنكة، وهي من قرى النصارى الصعايدة، ونصاراها أهل علم في دينهم وتفاسيرهم في اللسان القبطي... ودير موشة، وموشة خارج أسيوط من الناحية القبلية... والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي وهو أصل اللغة القبطية وبعدها اللغة القبطية البحيرية. ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية، ولهم أيضًا معرفة تامة باللغة الرومية].
وفى القرن السابع عشر الميلادي، شهد Johann Michael Vansleb الراهب الدومينيكاني فانسليب الألماني المولد(3)، وقد زار مصر مرتين، قال أنه تقابل مع المعلم أثناسيوس الذي يتكلم لغة البلاد الأصلية أي القبطية.
وفى القرن الثامن عشر الميلادي، بدأ الأقباط في كتابة لغتهم القبطية بحروف عربية.
ولكن في القرن التاسع عشر الميلادي، اهتم البابا كيرلس الرابع البطريرك العاشر بعد المائة (1854- 1861م.) باللغة القبطية اهتمامًا بالغًا، حتى أنه في السنة التي باشر فيها إدارة الكنيسة كلها بلقب مطران قبل ارتقائه الكرسي المرقسي، فقد كتب حينذاك منشورًا يحث فيه الأقباط على التبرع لبناء معهد علمي، موضحًا أهمية المشروع بأن ذكرهم بحالة الضعف التي وصلت إليها اللغة القبطية. وعقد مقارنة بين اهتمام الأجانب بها وإتقانهم لها، وبين عدم قدرة الأقباط على فهمها(4).
وبعد ارتقائه الكرسي المرقسي كان البابا كيرلس الرابع لا يصرف رواتب شهرية من البطريركية إلا للقسوس الذين يتقنون خدمة القداس باللغة القبطية، تشجيعًا منه لهم على دراستها(5).
كما أمر البابا كيرلس الرابع بتدريس اللغة القبطية في المدارس القبطية التي أنشأها. وكان يقاوم أي تقصير في استخدام اللغة القبطية في الصلوات الكنسية بمنتهى الحزم والشدة. وقد عين القمص تكلا لتدريس اللغة القبطية والألحان. وخلفه للغة القبطية المعلم عريان أفندي جرجس مفتاح(6).
وفى أواخر القرن التاسع عشر، بدأ بعض الكهنة، ومنهم الإيغومانس فيلوثاؤس إبراهيم المتوفى في سنة 1904م.، بتلاوة بعض صلوات القداس بالعربية بعد تلاوتها أولًا بالقبطية، دون اعتراض من الرؤساء الدينيين(7).
وفى القرن العشرون الميلادي، في سنة 1936، 1937م. اكتشفا عالما القبطيات فيرنر فيسكل ووليم وورل عددًا من الأشخاص في عائلات معينة بقرية الزينية بالقرب من الأقصر، لا يزالون يتحدثون باللغة القبطية في حياتهم اليومية. وقد نشر الباحثين أبحاثهم عن ذلك في المجلات العلمية.
_____
(1) (1906- 1984م.)
(2) الجزء الثاني، ص 506،507.
(3) (1635- 1679م.)
(4) أطلب نص المنشور كاملًا في: كامل صالح نخلة، سلسلة تاريخ الباباوات بطاركة الكرسي الإسكندري، الحلقة الخامسة، ص 202، 203.
(5) جرجس فيلوثاؤس عوض، ذكرى مصلح عظيم، ص 187.
(6) توفيق إسكاروس، نوابغ الأقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر، الجزء الثاني سنة 1913م.، ص 132، 133.
(7) رسالة مارمينا في عيد النيروز، توت 1664 ش.، ص 19.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/coptic-language/ages.html
تقصير الرابط:
tak.la/cg2br55