ماذا عن التعاليم الكتابية ونظرية الغلة المتناقصة؟
للإجابة على هذا السؤال.. دعونا نتأمل ما ذكره (الأنبا يوسف أسقف كرسى جنوب الولايات المتحدة) في تفسير هذه الآية: "اثنان خير من واحد، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة" (جا 4: 9). يقول الأنبا يوسف أن السبب لكون الاثنان خير من واحد هو الإنتاجية، حيث أن إنتاجية العاملين معًا تكون أكبر من إنتاجية العامل الواحد، ولذلك يجب أن يكافأ العاملين بأجرة صالحة لتعبهما. ويعكس الأمر السابق ارتفاع الإنتاجية الحدية للعامل الثاني عن الإنتاجية الحدية للعامل الأول، وقد يكون هذا الأمر طبيعي ونتيجة منطقية راجعة للتعاون الثنائي للعاملين وأن ما يستطيع أن يفعله عاملين لا يستطيع أن يفعله عامل واحد.. إلخ.
ويستمر الأنبا يوسف في تفسيره للآية عن الإنتاجية – ويتفق المؤلف مع هذا التفسير بالكامل – والذي يؤكده سليمان الحكيم في الآيات التالية للآية السابقة، حيث قال: "اثنان خير من واحد، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة. لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه. وويل لمن هو وحده إن وقع، إذ ليس ثان ليقيمه. أيضًا إن اضطجع اثنان يكون لهما دفء، أما الواحد فكيف يدفأ؟ وإن غلب أحد على الواحد يقف مقابله الاثنان، والخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا" (جا 4: 9 – 12).
ويرى المؤلف – استكمالًا للتفسير السابق – أن الأصل في أي عمل روحي أو دنيوي هو عمل الله، وأنه طبقًا لتفسير الآيات السابقة فأن وجود 2 من العمال معًا يخلق حالة من الود والدفء في العلاقة لا يتاح لعامل بمفرده، الأمر الذي ينتج عنه مساندة وتعضيد لبعضهما البعض، وإذا وقع إحداهما يجد من يقيمه، وأن الخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا نتيجة لحالة الترابط والتماسك التي يمكن أن يكون عليها 3 عمال في مواجهة أي مشاكل إنتاجية.
كما يرى المؤلف أن هناك مطلب ضروري يكلل نجاح الحالة السابقة من العمل والتعاون حتى تأتى بالثمار المطلوبة 30، 60، 100، يعلنه الرب يسوع في قوله: "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20).. وطالما أن الرب يسوع سيكون في وسطهم – حتى لو كان العمل دنيوي – سيكون هناك مظلة من الحب تظلل ما يفعلوه، ومن ثم فأن ثمر أو نتاج العمل الجماعي سوف يتأثر إيجابيًا بحالة الحب، التي سوف تسود بينهم والمستمدة من فيض ومظلة الحب الإلهي، والتي تجعل الجميع في العمل رجل واحد وقلب واحد، كما كان عند بناء سور أورشليم: "فبنينا السور واتصل كل السور إلى نصفه وكان للشعب قلب في العمل" (نح 4: 6).. وتسود روح الكنيسة الأولى بين جميع العاملين، حيث: "كان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة" (أع 4: 32).
وبالتطبيق على المثال الرقمي السابق يمكن القول أن الناتج الحدي للعامل الثاني هو 2 أردب قمح، والناتج الحدي للعامل الثالث هو 3 أردب قمح. ولكن هل يعنى هذا أن العامل الزراعي الثاني قد قام بمفرده بإنتاج الاثنين أردب قمح أو أن العامل الثالث قد قام بمفرده بإنتاج الثلاثة أردب قمح؟ بالطبع لا. ولكن كل ما تعنيه نتائج المثال الرقمي هو أن إنتاج العامل الأول والثاني معًا قد بلغ مجموعه 3 أردب قمح، وعليه فإن الزيادة في الناتج الحدي (أي الاثنين أردب قمح) إنما ترجع أيضًا للعاملين معًا ولكنهما لم تتحقق إلاَّ بوجود أو إضافة العامل الثاني. نفس الشيء أيضًا يمكن أن يقال على الناتج الحدي للعامل الثالث وهو (3 أردب قمح).
إن زيادة الإنتاجية لأي مرحلة (أولى أو ثانية أو ثالثة) وعلى أي مستوى (كلى أو متوسط أو حدى).. لا يمكن تفسير حدوثها بسبب إضافة العنصر المادي فقط – الذي يتمثل في إضافة العامل أو الفلاح الثاني أو الثالث.. إلخ. – بشكل آلي أو ميكانيكي كما يوضح المثال الرقمي.. ولكن هناك أيضًا أسباب روحية سلوكية ترجع لعناصر الإنتاج غير الملموسة السابق الإشارة إليها هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت (المحبة والسلام والفرح) التي يظهر عملها مع إضافة العامل الثاني أو الثالث.. والتي يظهر تأثيرها الإيجابي أو يُترجم إلى الزيادة الأولية لنتائج عنصر الإنتاج المادي الملموس (عنصر العمل أو العنصر البشرى) خلال المرحلة الأولى من المثال الرقمي.
ويعتقد المؤلف أنه على الرغم من أن نظرية تناقص الغلة تشترط ثبات وعدم زيادة عوامل الإنتاج الملموسة الأخرى فيما عدا عنصر العمل (محل الدراسة).. إلاَّ أن عناصر الإنتاج غير الملموسة (المحبة والسلام والفرح) ستظل تعمل – كمدخلات إنتاج مجهولة أو غير معترف بها لكونها غير ملموسة – وتتفاعل إيجابيًا، كما توضح نتائج الحالة الأولى من المثال الرقمي على مستوى كل من: الناتج الكلى والمتوسط والحدي.. هذا وقد سبق للمؤلف التعرض بالشرح والتفصيل لكيفية عمل كل عنصر من عناصر الإنتاج غير الملموسة في زيادة الإنتاج والإنتاجية، وذلك في الفصل الثالث المرتبط بعناصر الإنتاج الملموسة وغير الملموسة.
أما في حالة زيادة العمالة مع عدم زيادة عوامل الإنتاج الأخرى، كما في الحالة الثالثة من المثال الرقمي السابق، حيث زيادة عدد العاملين إلى (9 أو 10 عمال) مع ثبات مساحة الأرض.. فإنه يمكن ملاحظة أن مشاكل العنصر المادي تؤثر دون أدنى شك على العنصر الروحي والسلوكي للأفراد، والذي بدوره يؤثر بالسالب على كل من الإنتاجية الحدية والمتوسطة والكلية لعنصر العمل.. وقد أشار الكتاب المقدس إلى مثل هذا الأمر في قصة اعتزال لوط عن أَبرام بسبب عدم احتمال الأرض (المراعى) التوسع المتزايد في عدد المواشي والرعاة (تك 13: 6، 7).
إن المشكلة في هذه الحالة لا تتمثل فقط في زيادة عنصر العمل إلى (10 عمال) بشكل يفوق الطاقة الإستيعابية للأرض والتي لا تزيد عن (4 أو 5 عمال)، وما يترتب على ذلك من تكدس عمالي وتعطيل العاملين لبعضهم البعض ومن ثم توافر طاقة إنتاجية معطلة (بطالة مقنعة).. ولكن المشكلة الأكبر ربما تتمثل في سلوك الزحام: من غيرة وحسد وتصارع وتغليب المصلحة الشخصية والرغبة في الرئاسة أو البحث عن دور. الأمر الذي يجعل: "اليدان إلى الشر مجتهدتان. الرئيس طالب والقاضى بالهدية، والكبير متكلم بهوى نفسه فيعكشونها" (مي 7: 3).. وقد تزداد حدة المشكلة أكثر فأكثر بما قد يعكس التحذير الكتابي: "إذا ساد الأشرار كثرت المعاصي. أما الصديقون فينظرون سقوطهم" (أم 29: 16) أو "لمعصية أرض تكثر رؤساؤها" (أم 28: 2).
وأخيرًا. كما هو معروف فإن العوائد الإنتاجية إما أن تكون عوائد مادية ملموسة مثل: (السلع الاستهلاكية والصناعية بأنواعها)، أو عوائد غير ملموسة (كالخدمات بأنواعها). وإن كان البعض يرى أنه قلما تجد سلعة مادية خالصة لا تحتوى على جزء خدمي، أو خدمة غير مادية خالصة لا تحتوى على جزء سلعي.. ولكن بعيدًا عن تفاصيل التقسيمات السابقة – التي قد تبعد عن مجال هذا الكتاب – فإن كل ما يهمنا طرحه هو: هل هناك عوائد أخرى لا تدخل ضمن المجموعتين السابقتين يجب الاهتمام بها لارتفاع أهميتها لكل من المؤسسة المنتجة والمستهلك أيضًا؟.. هذا ما سوف نحاول التعرف عليه خلال الصفحات القليلة القادمة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-economics/return-decrease.html
تقصير الرابط:
tak.la/32nafs4