"ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية، وأما التي لا ترى فأبدية" (2 كو 4: 18).
في البداية يجب أن نقول أن هناك عوائد منظورة نعرفها جميعًا وأخرى غير منظورة. ويعلمنا الكتاب المقدس أهمية الاهتمام بغير المنظور – الذي لا ترى – على مستوى الروحيات.. ويمكن الاستفادة بنفس القاعدة الكتابية على مستوى الأرضيات كأشياء منظورة وعوائد غير منظورة. والسبب في ذلك طبقًا لتفسير الآية – لاستخدام اقتصادي غير روحي – أن الأشياء التي ترى هي وقتية، وأما التي لا ترى فهي أبدية.
ولكن.. ما هي العوائد غير المنظورة؟
إن إجابة هذا السؤال تأتى على لسان إمام المرنمين داود في المزمور الرابع حيث يقول: "كثيرون يقولون من يرينا الخيرات؟ قد أضاء علينا نور وجهك يا رب. أعطيت سرورًا لقلبي أوفر من الذين كثرت حنطتهم وخمرهم وزيتهم. فبالسلام أضجع أيضًا وأنام" (مز 4: 6 – 8).
ويوضح المزمور كما جاء بالآيات أن أهم العوائد غير المنظورة هي: سرور القلب، الذي فاض داخل المرنم نتيجة للضوء الإلهي لرب القوات، هذا السرور والفرح الذي لا يمكن أن يتحقق مع أي عوائد أرضية منظورة أخرى تأخذ شكل كثرة أو زيادة في الحنطة والخمر والزيت (أهم السلع الأساسية الحياتية في ذلك الوقت).. ودائمًا ما يصاحب سرور القلب عائد غير منظور آخر هو السلام الذي يغمر المُرنم في صحوة ومنامه. من جهة أخرى فإن المدقق أو المتأمل في هذه العوائد غير المنظورة سوف يجد أنها من ثمار الروح التسعة، الذي سبق للمؤلف الحديث عنها من قبل هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وقد يتساءل البعض كيف يمكن أن يكون ثمر الروح من: سرور (فرح) وسلام ومحبة.. إلخ. (مدخلات إنتاج غير مباشرة وفي نفس الوقت عوائد غير منظورة).. ولكن المؤلف يرى أن هذا هو السبب المنطقي الذي من أجله يجب علينا الاهتمام بثمر الروح (المحبة والفرح والسلام) كمدخلات إنتاج غير مباشرة، لأنها سوف تنعكس إيجابيًا على عوائد الإنتاج الملموسة من سلع وخدمات (بالكم والكيف)، وكذلك على العوائد غير المنظورة التي تتبلور في المزيد من المحبة والسلام والفرح.. فالأمر المنطقي كما نتعلم من الكتاب أن النتائج من نوع العمل: "فإن الذي يزرعه الإنسان إيَّاه يحصد أيضًا" (غل 6:7). ولذلك فإن من يزرع حب وسلام سوف يجنى حب وسلام.
والآن. ننتقل إلى نوعية أخرى هامة من العوائد غير المنظورة، التي يجب أن تهتم بها المؤسسات المنتجة أو المُسوقة للسلع والخدمات لارتفاع أهميتها، هي: الاسم والشهرة التجارية، السمعة والصورة الذهنية.
"ليكن اهتمامك بالاسم فإنه أدوَّم لك من ألف كنز عظيم من الذهب. الحياة الصالحة أيام معدودات أما الاسم الصالح فيدوم إلى الأبد" (سى 4: 11).
يعلمنا الكتاب المقدس من خلال الآية ضرورة الاهتمام بتكوين أسم طيب للإنسان، حيث أن الاسم الطيب يستمر ويدوم طويلًا، ويتعدى دوامه ألف كنز من الذهب. وحيث أن حياة الإنسان أيام معدودات فالاسم الصالح يدوم ويدوم، وهذا ما يجعلنا نُسلم بحقيقة إن: "ذكر الصديق يدوم إلى الأبد" (مز 112: 6)، والمثال على ذلك أسماء وذكرى الآباء الأولين والقديسين والشهداء.. إلخ. "فذكر الصديق للبركة، واسم الأشرار ينخر" (أم 10: 7).
ويرى المؤلف أن الاسم الطيب أو الجيد لا يجب أن يقتصر على الإنسان الفرد فقط، بل يجب أن يمتد إلى المؤسسات أيضًا (الدينية والخيرية والاقتصادية).. فكما يعكس الاسم الشهرة الشخصية للفرد فإنه يعكس الشهرة التجارية للمؤسسة أيضًا، لذا يجب أن تهتم المؤسسات التجارية ببناء اسم جيد لها، ويحتاج بناء الاسم الجيد إلى وقت وجدية وعمل متواصل من المؤسسة.. إن الاسم التجاري الجيد غالبًا ما ينعكس على الشهرة التجارية للمؤسسات ومن ثم على مبيعاتها وأرباحها، ومن هنا تأتى ضرورة وحتمية اهتمام المؤسسات ببناء أسم تجاري قوى يميزها عن منافسيها.
"الصيت أفضل من الغنى العظيم، والنعمة الصالحة أفضل من الفضة والذهب" (أم 22: 1).
نعم إن الصيت والسمعة الطيبة التي يمكن أن يحققها الإنسان نتيجة لإيمانه وجهاده وأعماله الصالحة، أفضل من كل غنى العالم. كما أن النعمة الصالحة التي يعطيها لنا الرب يسوع أفضل من الفضة والذهب.. إن الآثار الروحية والدنيوية الناتجة عن الصيت والسمعة الطيبة، ترجع بالنفع على الإنسان نفسه وكل أهل بيته وذويه. كما أن هذه السمعة والآثار المترتبة عليها تستمر وتدوم حتى بعد انقضاء أيام الإنسان على الأرض. ولهذا فإن الحكيم يؤكد على أهمية الصيت والسمعة بالقول أن: "الصيت خير من الدهن الطيب" (جا 7: 1).
أما عن السمعة التجارية أو الصيت فهو الذي يجب على كل مؤسسة العمل جاهدة على تكوينه وبنائه يومًا بعد يوم، من خلال تكوين صورة ذهنية طيبة عن المؤسسة ومنتجاتها لدى المستهلكين.. ومن البديهي إن هذا الصيت هو الذي يؤدى إلى تحقيق الغنى العظيم والفضة والذهب. وإن كان المؤلف يؤمن بأن الأصل سيظل هو أن الصيت أفضل من الغنى العظيم والنعمة الصالحة أفضل من الفضة والذهب، حتى على مستوى الأعمال الاقتصادية والتجارية التي تسعى إلى تحقيق ربح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-economics/revenues.html
تقصير الرابط:
tak.la/w6t28d4