(19)
وإذن فحيث أن مثل هذه المحاولة هي جنون خطير -بل أكثر من جنون- فليس لأحد أن يسأل بعد مثل هذه الأسئلة، بل عليه أن يَتَعَلَّم فقط ما هو في الكتب المقدسة. لأن الأمثلة التي تتضمنها النصوص عن هذا الأمر هي كافِية وشديدة الوضوح. وهكذا فالآب يدعى ينبوعًا ونورًا لأنه يقول: “تركوني أنا ينبوع المياه الحية” (أر 2: 13). وأيضًا في باروخ: “لماذا أنت يا إسرائيل في أرض أعدائك؟ لقد تركت ينبوع الحكمة” (باروخ 3: 10-12)، وأيضًا حسب يوحنا “إلهنا نور” (1يو 1: 5).
وأما الابن فمن جهة علاقته بالينبوع يُدْعَى نهرًا: “نهر الله ملآن ماء” (مز 64: 9)، ومن جهة علاقته بالنور يُدْعَى إشعاعًا(19) - إذ يقول بولس: “الذي هو شعاع مجده ورسم جوهره” (عب 1: 3). ومن ثم حيث أن الآب نور والابن هو شعاعه، فلا ينبغي أن نَتَحَاشَى تِكرار نفس الأشياء عنهما مرات كثيرة. ويمكننا أن نرى في الابن، “الروح” الذي بواسطته نستنير(20): “لكي يعطيكم روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون قلوبكم” (أفسس 1: 17، 18). ولكن حينما نستنير بالروح، فالمسيح هو الذي ينير فيه (أي في الروح) لأنه يقول: “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان، آتيًا إلى العالم” (يو 1: 9) وأيضًا، حيث أن الآب ينبوع، والابن يُسَمَّى نهرًا، لذلك نقول أننا نشرب الرب. لأنه مكتوب: “جميعنا سُقِينا روحًا واحدًا” (1كو 12: 13) ولكن حينما نشرب الروح، فإننا نشرب المسيح. “لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح” (1كو 10: 4). وبالإضافة إلى ذلك، كما أن المسيح ابن حقيقي، فإننا عندما نأخذ الروح، “نصير أبناء”(21). لأن الكتاب يقول: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبني” (رو 8: 15). وإن كنا بالروح قد صرنا أبناء فواضِح أننا في المسيح ندعى أولاد الله لأن: “كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله” (يو 1: 12). وعلى ذلك، فكما أن الآب هو “الحكيم الوحيد”، كما قال الرسول بولس، فإن الابن هو “حكمته”،: “المسيح قوة الله وحكمة الله” (1كو 1: 24). وحيث أن ابن الله هو الحكمة وابن الحكمة، فإننا إذ نأخذ روح الحكمة، نملك الابن، وبه نصير حُكَمَاء. لأنه هكذا هو مكتوب في المزمور المئة والخامس والأربعون: “الرب يحل المأسورين، الرب يفتح أعين العميان”. (مز 145: 7، 8)[س]. وحينما يُعْطَى لنا الروح القدس (قال المخلص: “اقبلوا الروح القدس”)، يقيم الله فينا، لأنه هكذا كتب يوحنا: “ان أحب بعضنا بعضًا فالله يقيم فينا، بهذا نعرف أننا نقيم فيه وهو فينا، لأنه قد أعطانا من روحه”. (1يو 4: 12، 13). وحيث أن الله يوجد فينا، يكون الابن أيضًا فينا. لأن الابن نفسه قال: “الآب وأنا نأتي ونصنع عنده منزلًا” (يو 14: 23). وأيضًا، حيث أن الابن هو الحياة - لأنه يقول: “أنا هو الحياة” (يو 14: 6). فإننا نحن أيضًا سنحيا بالروح، لأنه يقول: “الذي أقام المسيح من بين الأموات سيحيي أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم” (رو 8: 11). وحيث أننا محيون بالروح، فالمسيح نفسه يحيا فينا، لأنه يقول: “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غلا 2: 20). وأيضًا، قال الابن أن الأعمال التي عملها هو، عملها الآب - لأنه يقول: “الآب الحال فيَّ هو يعمل أعماله. صدقوني أني في الآب والآب فيَّ، وإلا فصدقوني بسبب أعماله” (يو 14: 10-12). وهكذا أيضًا قال بولس أن الأعمال التي عملها بقوة الروح هي أعمال المسيح: “لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي لإطاعة الأمم بالقول والفعل بقوة آيات وعجائب، بقوة الروح القدس” (رو 15: 18، 19).
← انظر مقالات وكتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(19) “يدعى (الابن) إشعاعًا”، أي نور يشع نورًا، أي أن الابن نور مشع من الآب، وهكذا نفهم نص قانون الإيمان “نور من نور”. بعكس فهم “اشعاع” بمعنى نور مقتبس من نور آخر مثلما يأخذ السراج نوره من سراج آخر فيكون تعبيرًا عن الانقسام والتجزئة في عالم المخلوقات، والتي لا وجود لها في طبيعة الله الثالوث.
(20) “نرى في الابن، الروح الذي به نستنير”: يوضح القديس أثناسيوس هنا أننا يمكن أن نرى الروح في الابن، وهذا ما يذكره صراحة في الرسالة الأولى عندما يقول: “وكما أن الابن، الكلمة الحي، هو واحد، هكذا فإن القوة الحيوية والعطية التي بها يقدس ويضيء ينبغي أن تكون واحدة كاملة وتامة” (رسالة 1: 20). ويقول أيضًا: “لأنه حيث يكون النور فهناك الشعاع أيضًا، وحيث يكون الشعاع فهناك أيضًا فاعليته ونعمته المضيئة” (رسالة 1: 30). ومع تأكيد القديس أثناسيوس على وحدة الروح والابن، فإنه يهتم أن يؤكد أيضًا تميز الأقانيم كما يبدو في كلماته في الفصل 28 من هذه الرسالة إذ يقول: “الآب بالكلمة في الروح القدس يعمل كل الأشياء... وهكذا يكرز باله واحد في الكنيسة “الذي على الكل وبالكل وفي الكل” (أف 4: 6). “على الكل” كآب وكبدء وكينبوع، و”بالكل” أي بالكلمة، “وفي الكل” أي في الروح القدس. هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة الكلام بل بالحق والوجود الفعلي. لأنه كما أن الآب هو الكائن الذي يكون، هكذا أيضًا الكلمة هو الكائن والإله على الكل. والروح القدس ليس بدون وجود حقيقي بل هو يوجد وله كيان فعلي. وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة تعتقد الكنيسة الجامعة لئلا تنزلق إلى أفكار اليهود المعاصرين الرديئة والى أفكار سابيليوس، كما أنها لا تعتقد بأكثر من ثلاثة لئلا تتدحرج إلى تعدد الآلهة عند اليونانيين”. (رسالة 1: 28).
(21) “نصير أبناء” انظر Contr. Ar. III 19 المقالة الثالثة ضد الأريوسيين للقديس أثناسيوس، وديديموس على الثالوث Didymus de Trin II 748 c.، حيث “نصير أبناء”، “نصير آلهة” يقال انهما عمل الروح. وهذا التعبيران يعبران عن فكرة واحدة، والقديس أثناسيوس عمومًا يفضل تعبير “نصير آلهة”.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/holy-spirit-to-serapion/trinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/w42tknn