(22)
وإذن فالخلائق قد أتت من العدم إذ لها بداية لوجودها، لأنه “في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1) وكل ما هو موجود فيها. وأما الروح القدس فقد قيل عنه أنه من الله، لأنه يقول “ليس أحد يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله” (1كو 2: 11، 12). وعلى أساس ما سبق، فأية قرابة إذن يمكن أن توجد بين الروح وبين المخلوقات؟ فالمخلوقات لم يكن لها وجود بينما أن الله هو الكائن، والروح هو منه. والذي هو من الله لا يمكن أن يكون مما هو غير كائن، ولا يمكن أن يكون مخلوقًا لئلا يُظَن -حسب تقديرهم- أن الله الذي منه الروح القدس هو أيضًا مخلوق. فمن إذن سوف يحتمل مثل هذه؟ لأنهم يقولون أيضًا في قلوبهم “ليس إله” (مز 13: 1)[س]. لأنه إن كان أحد لا يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضًا لا أحد يعرف أمور الله إلا الروح الذي فيه، أفلا يكون تجديفًا أن يُدْعَى الروح الذي في الله مخلوقًا، وهو الذي يفحص حتى أعماق الله؟ لأنه على هذا الأساس سيكون من الضروري أن يقبل المتكلم أن يقول أن روح الإنسان هو خارِج عن الإنسان نفسه، وإن الكلمة الذي في الآب هو مخلوق.
وأيضًا الروح هو روح القداسة والتجديد(27) وَيُدْعَى هكذا. لأن بولس يكتب: “وَتَحَدَّد أنه ابن بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات، يسوع المسيح ربنا” (رو 1: 4). ويقول أيضًا: “لكن تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (1كو 6: 11). وحينما يكتب إلى تيطس يقول: “لكن ظهر لُطْف مخلصنا الله ومحبته للبشر، لا بأعمال في بِر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بحميم الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه علينا بِغِنَى بيسوع المسيح مخلصنا. حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية” (تيطس 3: 4-7). وأما المخلوقات فتتقدس وتتجدد: “ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض” (مز 104: 30) ويقول بولس: “لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة” (عب 6: 4-6).
_____
(27) “روح القداسة والتجديد”: يرى القديس أثناسيوس أن القداسة هي الخاصية المميزة للروح، وهذا نجده أيضًا في تفسير القديس أثناسيوس لـ(يوحنا 17: 19) في المقالة الأولى ضد الأريوسيين حيث يقول: “كوني أنا كلمة الآب، فأنا نفسي أعطي الروح لذاتي، أنا الصائر إنسانًا، وأنا الصائر إنسانًا، فيه أقدس لكي يتقدس الجميع في، أنا الذي هو الحق” (ضد الأريوسيين 1: 46 ترجمة الأستاذ صموئيل كامل والدكتور نصحي عبد الشهيد صفحة 89 - مركز دراسات الآباء 1984 القاهرة). وكون القديس أثناسيوس عندما يتحدث عن الروح يضيف كلمة التجديد بعد كلمة القداسة فهذا يبين أنه لا يفصل بين القداسة وبين تجديد الطبيعة وإعادتها إلى عدم الفساد. وهذا ما يتحدث عنه أيضًا في كتابة تجسد الكلمة (فصول من 4-10) دون أن يشير إلى الروح القدس. والقديس أثناسيوس يستعمل عبارة نصير إلهيين في (تجسد الكلمة 54: 3) كمرادف للتجديد أو إعادة الطبيعة البشرية إلى عدم الفساد أو عدم الموت، كنتيجة لتجسد الكلمة. وكل هذه التعبيرات المستعملة في هذا الجزء من الرسالة تشير إلى نفس هذه العملية التي يصيغها بتعبيرات متنوعة في المناسبات المختلفة سواء نسبها إلى الكلمة أو إلى الروح، (مثال انظر فصل 24 من هذه الرسالة).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/holy-spirit-to-serapion/spirit-of-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/fw2fxta