(11)
فما أفظع ما يظهر في أقوالهم من غباء، وللمرة الثانية أتساءل: أين وجدوا في الكتب المقدسة أن الروح القدس يُدْعَى ملاكًا؟ أن الضرورة تدفعني لأن أعيد نفس أقوالي السابقة. أن الروح القدس يدعى: المعزي، وروح التبني، وروح القداسة، وروح الله، وروح المسيح، ولكن لم يحدث في أي مكان أن دعي ملاكًا أو رئيس ملائكة أو روحًا خادِمًا كالملائكة، بل بالأحرى فإن الروح القدس نفسه يُخْدَم مع الابن، كما يبدو من أقوال جبرائيل لمريم: “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تُظَلِّلِك” (لو 1: 35). فإذا كانت الكتب لم تُسَمِ الروح القدس ملاكًا، فأي دفاع لهم إزاء هذه الجسارة التي تُخَالِف بشدة، منطق العقل؟ لأن حتى فالنتينوس الذي بَذَرَ فيهم مثل هذه العته، قد دعاه المُعَزِّي، أما الأرواح الأخرى فدعاها بالملائكة، وإن كان في شدة جهله، في نفس الوقت، يضع الروح القدس مع الملائكة على قِدَم المساواة من جهة الزمن.
ولكنهم يقولون أن في نبوة زكريا قد كُتِب: “هذه الأمور قالها الملاك الذي تكلم في داخلي” (زك 1: 9). وواضح أنه يعني أن الملاك الذي تكلم في داخله هو الروح القدس.
على أنهم ما كان يمكن لهم أن يقولوا هذا القول لو أنهم قرأوا باحتراس، لأن زكريا نفسه عندما رأى الرؤيا التي تختص بالمنارة قال: “فأجاب الملاك الذي تكلم في داخلي وقال لي: أما تعلم ما هذه؟ فقلت لا يا سيدي. فأجاب وكلمني قائلًا: هذه كلمة الرب إلى زربابل، قائلًا: لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي، قال الرب القادر على كل شيء” (زك 4: 5، 6). فواضح إذن بدرجة كافية، أن هذا الذي تكلم للنبي كملاك لم يكن هو الروح القدس، ولكنه كان هو نفسه ملاكًا. أما ذاك “الذي تكلم به” فهو روح الله القدير. وهو يُخْدَم من الملاك، وهو روح الكلمة الذي لا ينفصل عن اللاهوت.
ولكن حيث أنهم يتخذون من قول الرسول مبررًا لهم، نظرًا لأنه أشار إلى الملائكة المُختارين في وضع تال بعد المسيح، فليوضحوا لنا أي ملاك من هؤلاء الملائكة جميعهم هو الذي يحسب كواحد من الثالوث. لأنه بكل وضوح لا يمكنهم جميعًا أن يكونوا واحدًا من جهة العدد، أو مَنْ هو الذي من بينهم، ذاك الذي نزل إلى الأردن في شكل حمامة؟ لأن الملائكة الذين يخدمون هم: “ألوف ألوف وربوات وربوات” (دا 7: 10). أو عندما انفتحت السموات، لماذا لم يَقُل أنه قد نزل من السماء ملاك من الملائكة المختارين بل قيل: “الروح القدس”؟ أو عندما تكلم الرب نفسه إلى تلاميذه عن نهاية العالم، لماذا مَيَّز بينه وبين الملائكة وقال: “يرسل ابن الإنسان ملائكته” (مت 24: 41). وقبل هذا الكلام قيل: “واذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه” (مت 4: 11)، وأيضًا يقول هو نفسه: “يخرج الملائكة” (مت 13: 39). وأما عندما أعطى الروح القدس للتلاميذ فقد قال: “اقبلوا الروح القدس” (يو 20: 22). وعندما أرسلهم قال: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت 28: 19).
إنه لم يَضِف ملاكًا إلى اللاهوت. كذلك فإنه لم يُوَحِّدنا معه ومع الآب بواسطة مخلوق بل بواسطة الروح القدس. وعندما وعد بالروح القدس فلم يَقُل أنه سيرسل ملاكًا بل “روح الحق الذي من عند الآب ينبثق” (يو 15: 26) والذي يأخذ من الابن ويعطي.
← انظر مقالات وكتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/holy-spirit-to-serapion/never-called-an-angel.html
تقصير الرابط:
tak.la/j2966aw