(17)
وهكذا يكون من الخَبَل أن ندعو الروح مخلوقًا، لأنه لو كان مخلوقًا لما كان من الممكن أن يُحْسَب مع الثالوث القدوس لأن كل الثالوث هو إله واحد. ويكفي لنا أن نعرف أن الروح ليس مخلوقًا ولا يحسب ضمن المخلوقات لأن الثالوث لا يختلِط به أي شيء غريب، وهو غير قابل للتقسيم وهو مُتماثِل مع ذاته. هذه الحقائق كافية للمؤمنين. والى هذا الحد تبلغ المعرفة البشرية. وعند هذا الحد تحجب الشاروبيم بأجنحتها. أما مَنْ يريد أن يبحث ما هو أبعد من ذلك فهو يخالف ذلك الذي قال: “لا تكن حكيمًا بزيادة حتى لا تربك نفسك” (جا 7: 16)[س].
لأن هذا الذي سُلِّم إلينا بواسطة الإيمان لا يجوز لنا أن نُقَيِّمه بمقاييس الحكمة البشرية بل بِسَمْع الإيمان، لأن أي عقل يمكنه أن يفسر بإحكام، الأمور التي تعلو على الطبيعة المخلوقة. وأي سَمْع يمكنه أن يدرك الأشياء التي لا يسوغ للبشر أن يسمعوها أو أن ينطقوا بها. لأن ما سمعه بولس فقد تكلم به. أما عن الله نفسه فيقول: “ما أبعد طرقه عن الاستقصاء، لأن مَنْ عرف فِكْر الرب أو من صار له مُشيرًا” (رو 11: 23، 24). وإبراهيم لم يقحم نفسه بفضول ولم يباحِث مَنْ تكلم معه بل “آمن فُحُسِبَ له بِرًّا” (رو 4: 3). وعلى هذا النحو أيضًا دُعِيَ موسى “خادمًا أمينًا” (عب 3: 5).
أما إن كان لهم نفس فِكْر أريوس لا يستطيعون أن يدركوا ولا أن يؤمنوا أن الثالوث القدوس غير قابل للتقسيم، لأن الحكمة لا تدخل عقولهم غير المصقولة، فعليهم أن لا يسيئوا تفسير الحق لهذا السبب، ولا أن يقولوا أن ما لا يستطيعون أن يدركوه هو غير موجود. فالأريوسيين، إذ لم يستطيعوا أن يدركوا كيف أن الثالوث القدوس غير قابل للتقسيم جعلوا الابن واحدًا من المخلوقات، أما “المُحَرِّفُون” فيحسبون الروح القدس ضمن المخلوقات. ولكنهم كان يجب عليهم إما أن يصمتوا تمامًا بسبب عدم فهمهم -فلا يضع الأريوسيون الابن ضمن المخلوقات، ولا يضع “المحرفون” الروح القدس ضمن المخلوقات- أو أن يدركوا المكتوب ويوحدوا الابن مع الآب ولا يفصلوا الروح القدس عن الابن حتى يمكنهم أن يحافظوا حقيقة على وحدة الطبيعة غير المنقسمة التي للثالوث القدوس. وحيث أن هؤلاء قد تعلموا هذه الأمور، كان يجب عليهم أن لا يتجرأوا ويسألوا بِشَك، كيف يمكن أن تحدث هذه الأمور حتى لا يبتدعوا آراء خاطئة عندما يكون الشخص الذي يسألونه عاجزًا عن الإجابة. لأنه مِن غير الممكن بالنسبة لجميع المخلوقات -وعلى الأخص بالنسبة لنا نحن البشر- أن نتكلم بجدارة عن الأمور المكتومة. والأكثر سوءًا، أننا عندما لا نستطيع أن نتكلم عن هذه الأمور، فإننا نخترع كلمات جديدة مُخَالِفة لما في الكُتُب المقدسة. وفضلًا عن ذلك فإن مثل هذه المحاولة هي غير معقولة سواء بالنسبة للسائل أو بالنسبة لِمَنْ يحاول الإجابة بطريقة ما. لأن مَنْ يسأل أسئلة على هذا النحو عن المخلوقات فلا يعتبر تفكيره سليمًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/holy-spirit-to-serapion/in-trinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/t24fy8b