(3)
وعندما نكون قد بَرهنَّا على هذه الأمور هكذا، فالذي يقول أن الابن مخلوق يكون كافِرًا، وسوف يكون مضطرًا لأن يدعو الينبوع الذي يدفق الحكمة، الكلمة، والذي فيه كل ما يخص الآب، يدعو هذا الينبوع، مخلوقًا. وبتعبير آخر، فمما يلي يمكن للمرء أن يلاحظ مدى ضلال هرطقة الأريوسيين المجانين. فأولئك الذين نشابههم ولنا هويتهم، لنا معهم نفس الجوهر(49).
فنحن البشر إذن، متشابهون، ولنا نفس الهوية(50)، ولنا أحدنا مع الآخر نفس الجوهر. فنفس الوضع يكون للجميع: الموت، الفساد، التغير، والوجود من العدم. وأيضًا الملائكة فيما بينهم، وكذلك الكائنات الأخرى، لها فيما بينها طبيعة واحدة. فدع هؤلاء الفضوليين أن يبحثوا فيما إذا كان هناك من بين المخلوقات مَنْ يشبه الابن، أو إذا كان من الممكن أن يتجاسروا ويقولوا أن كلمة الله مخلوق. ولكن هؤلاء المتهورين والضالين عن التقوى، لن يجدوا أي تشابه. فليس بين المخلوقات مَنْ هو قادر على كل شيء، وليس بينها مَنْ هو تحت سيادة الآخر(51)، لأن كل منها ملك لله نفسه: “السموات تُحَدِّث بِمَجْد الله” (مز 18: 1)[س]، و”للرب الأرض وملؤها” (مز 23: 1)[س]. “البحر رآه فهرب” (مز 113: 1)[س]. فالكل عبيد لذلك الذي هو خالقهم، صانعين كلمته ومطيعين أوامره. ولكن الابن هو ضابط الكل كالآب.
وهذا هو ما كتب وتبين. وأيضًا، فليس بين المخلوقات ما هو غير متغير بالطبيعة. فبعضًا من الملائكة “لم يحفظوا رتبتهم” (يه 6).
“والنجوم ليست ظاهرة أمامه” (أي 25: 5). والشيطان سَقَطَ من السماء، وأما آدم فعصى. وكل الأشياء متغيرة. وأما الابن فهو غير متغير ولا مُتَحَوِّل. وهكذا فإن بولس يذكرنا من المزمور المئة والواحد: “وأنت يا رب أسست الأرض والسماء هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير، ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى” (عب 1: 10-12).
وأيضًا يقول “يسوع المسيح هو هو أمس واليوم والى الأبد”.
_____
(49) “لنا معهم نفس الجوهر.. ولنا نفس الهوية” يرفض أثناسيوس أن يعتبر كلمة (Homios) (هوميوس) -التي تعني شبه- معادلة لكلمة هومواوسيوس (Homoousios) التي تعني: من نفس الجوهر حتى لو أضفنا إلى كلمة “هوميوس” كلمات مقوية مثل Aparaliaktos (= مطابق أو مماثل) أو كلمة Katousian (= حسب الجوهر). وينبغي أن نلاحظ أن أثناسيوس هنا يشرح كلمة (Taftotis) بمعنى نفس الهوية، أي أن أي إنسان هو مثل أي إنسان آخر من حيث أن كليهما بشر. وفي كتابه de. Dec. يرفض أثناسيوس أن يرى في علاقة الأب البشري بابنه إيضاحًا كافيًا لعبارة هومواوسيوس (من نفس الجوهر). ويقول: “لأن الأجساد التي يماثل أحدها الآخر يمكن أن تنفصل متباعدة على مسافة أحدها من الآخر”. ويمكن أن نرى اعتراضًا مماثلًا بالنسبة للتشبيه بالتضامن بين الجنس البشري المذكور هنا، لأنه على الرغم من أننا نحن البشر لنا نفس الهوية ولنا نفس الوضع في: الموت والفساد..، إلا أن هذا التضامن لا يصلح أن يكون توضيحًا كافيًا للمساواة في الجوهر (أومواوسيوس Omoousios). لقد سبق للقديس أثناسيوس أنه أكد على وحدة الآب والابن وعدم انفصالهما، وهو هنا يهمه أن يؤكد على أن الآب والابن متساويان جوهريًّا ومتماثلان تمامًا، وهو يعرف أن هذا التساوي يتضمن في داخله وحدة الجوهر التي سبق ودافع عنها في الفصل السابق من هذه الرسالة، والتي عبر عنها في كتابه De Dec. 20 وفي ذلك الكتاب يستعمل كلمة هومواوسيوس لكي يوضح أن: “الابن لكي يكون من الآب ينبغي أن يكون في الآب. ولكنه هنا يختار نقطة انطلاق يهاجم بها الأونوميين (أتباع أريوس) الذين أكدوا ليس فقط انفصال الآب عن الابن بل أيضًا عدم تماثل الآب والابن.
(51) أن ما يقوله أثناسيوس هنا - على عكس ما كان يقول أرسطو يبرز الفكر المسيحي عن الإنسان، أنه لا يوجد من البشر من هو عبد بالطبيعة للآخر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/holy-spirit-to-serapion/father-son-almighty.html
تقصير الرابط:
tak.la/8pxj5q4