موازنه إلهية عجيبة:
كلنا يعرف أنه منذ أن عصى أبوانا الأولان أمر الله أصبحت نفساهما ميدانًا لصراع عنيف لا هوادة فيه. صراع بين الرغبة في الاستمتاع بالملاذ الدنيويَّة وبين تنفيذ الإرادة الإلهية والاستناد إلى حنان الآب. وخلال هذا الصراع المرير يهيب بنا صوت الله أن نسير في طريق الخير دون أن يفرضه تعالى علينا ودون أن يقحمنا على السير فيه... لقد احترم الخالث حرية مخلوقه. فهو يريد أن الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون ومع ذلك فقد أعلن صراحة أنه واقف على الباب يقرع أن فتح له أحد يدخل. والحرية ككل العطايا الإلهية مسؤولية تستتبع الجزاء إلا أن عدل الله الثابت يقترن برحمته الشاملة. فهو تعالى قد عاقب آدم وحواء على عصيانهما ولكنه تعهدهما وذريتهما بأنبيائه، وفي ملء الزمان بابنه الوحيد الجنس. وبما أن حواء كانت هي البادئة بالعصيان فقد أعلن الله بأن "نسل المرأة" سيسحق رأس الحية. وهكذا جاء ابن الله مولودًا من امرأة. ولم تقتصر عناية الله على ولادة الابن الكلمة من السيدة العذراء بل أنه حين قام رب المجد من الأموات ظهر أو ما ظهر للنسوة. ومرة أخرى نجد موازنة عجيبة: فلقد أقيم صليب المسيح على الجلجثة أو الجمجمة، وتبعًا للتعاليم الروحية الخفية كان هذا هو المكان بعينه المدفونة فيه جمجمة آدم كما يقول التقليد. فكما ذاق رب الحياة الموت في نفس الموضع المدفون فيه آدم هكذا أبدَى رحمته على حواء في ظهوره لبناتها قبل أن يراه أبناؤها. ونفس القياس نراه في بداية خدمة المسيح له المجد: فكما أن الخطية الأولى كانت خطية الأكل هكذا كانت التجربة الأولى التي زعم الشيطان أن يغوى بها الكلمة المتجسد تجربة الأكل "ان كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير خبزًا".
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فالوعد بالخلاص أعلنه الله لآدم وحواء، وزاده سطوعًا بإعلانه أن نسل المرأة هو الذي سيسحق رأس الحية. فنستطيع أن نساير بولس الرسول حين قال: "كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع"، فنقول كما في حواء سقطت الإنسانية هكذا في السيدة العذراء قامت الإنسانية. فلقد أعلنت هذه الفتاة تسليمها الكامل للإرادة الإلهية وطاعتها المباشرة على الرغم مما تعرفه من أحكام الشريعة الموسوية ومن قسوة المجتمع الذي تعيش فيه. فلئن كانت عدم طاعة حواء سببًا في السقوط فطاعة العذراء هي السبب في انجاز الخلاص. لأن آباء الكنيسة قالوا لنا بأنه لولا تسليمها الكامل المباشر لما قاله لها ملاك الرب ما حل الابن الكلمة في أحشائها. ولولا حلوله في أحشاءها واتخاذه جسدًا من لحمها ودمها ما تحقق الفداء فهي إذن المجرى الذي انسابت فيه عملية التجسد فالفداء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/divine-balance-parents.html
تقصير الرابط:
tak.la/77cpyap