س 10: ما هو مفهوم الأقنوم؟
ج: 1ـ كلمة أقنوم كلمة سريانية أطلقها السريان على كل ما يتميز عن سواه بدون استقلال أي ما يتميز عن غيره بدون انفصال مثل: الجسد والروح في الإنسان الواحد فكل منهما غير الآخر، وفي نفس الوقت غير منفصل عنه، وأيضًا مثل الضوء والحرارة الصادران من الشمس، كل منهما غير الآخر، وفي نفس الوقت غير منفصل عنه.
2ـ كلمة أقنوم تشير إلى: كائن... حي... قدير... مستقل بذاته بدون انفصال... ينسب أفعاله لنفسه... له مقوّمات الذات والشخصية... يصدر عن شخصه أقوال وأفعال تنُم عن الكينونة... هو شخص يريد ويفعل وينسب أفعاله إلى نفسه ويعبر عن ذاته قائلًا: أنا أريد... أنا أفعل... أنا أحب... أنا أقول، فالابن قال عن نفسه:
"لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي" (يو 10: 18).
"الَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي" (يو 14: 21).
"وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي" (يو 17: 19).
"لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ"(يو 5: 26).
وفي القداس الباسيلي: "وسلم ذاته عنا".. وفي القداس الغوريغوري: "وفي الليلة التي أسلمت فيها ذاتك".
ففي المعمودية وفي التجلِّي سمعنا الآب يتكلم "هذا هُو ابنِي الحبيبُ"(مت 3: 17، لو 9: 35) فالذي تكلم هنا هو الآب وليس الابن ولا الروح القدس، لأن في المعمودية كان الابن واقفًا في نهر الأردن والروح القدس ظاهرًا على شكل حمامة، وعلى جبل التجلي كان الابن متجليًا وجاء صوت الآب، وفي موقف ثالث رأينا الابن يخاطب الآب: "أيها الآبُ مجِّد اسمَك "وعلى الفور سمعنا استجابة الآب قائلًا: "مجَّدت وامجد أيضًا"(يو12: 28)، وتارة نسمع الابن يتكلم فبعد عودة إرسالية السبعين رأينا الابن يخاطب الآب: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض... " وفي بستان جثماني سمعنا أيضًا الابن يخاطـب الآب: "يا أبتاهُ، إن شئت أن تُجيز عنِّي هذهِ الكأس" (لو 22: 42) وعلى جبل الجلجثة صرخ الابن بصوت عظيم وقال: "يا أبتاهُ، في يديكَ أستودعُ روحي"(لو 23: 46). وتارة نسمع الروح القدس يتكلم ففي سفر الأعمال تكلم الروح القدس وليس الآب ولا الابن: "قال الرُّوح القدُس: افرزُوا لي برنابا وشاول للعمَل الذِي دعوتُهما إليهِ"(أع 13: 2).. "وقال له الروح": هُوذا ثلاثةُ رجالٍ يطلبونك. لكن قُم وانزِل وأذهب معهُم غير مُرتابٍ في شيءٍ، لأني أنا قد أرسلتُهم" (أع 10: 19-20)، والروح القدس منع بولس من الذهاب إلى ييثينية (أع 16: 6-7).
3ـ كلمة أقنوم باللغة السريانية يقابلها باليونانية ύπόστασiς Hypostasis هيبوستاسيس، وهيَ تتكون من مقطعين هيبو = تحت، وستاسيس = قائم أو كيان، ومعناها الحرفي "القائم تحت" أي ما يقوم تحت كأساس (القمص تادرس يعقوب - طبيعة وأقنوم ص 47) أي ما يقوم عليه الكيان الإلهي، وبدونه لا يقوم الكيان... إذًا الأقنوم هو خاصية ذاتية بدونها لا يقوم الجوهر الإلهي، فمثلًا:
أ- خاصية الوجود ضرورية لقيام الجوهر الإلهي، ولا يمكن تصوُّر الله بدون وجود... أنه واجب الوجود.
ب- خاصية العقل الناطق ضرورية لقيام الجوهر الإلهي، ولا يمكن تصوُّر الله بدون العقل... أنه العقل الأكبر... أقنوم الحكمة.
جـ- خاصية الحياة ضرورية لقيام الجوهر الإلهي، ولا يمكن تصوُّر الله بدون حياة... أنه الحي وواهب الحياة لكل كائن حي.
ويقول " نيافة المتنيح الأنبا يوأنس مطران الغربية": "الأقنوم كلمة سريانية يقابلها باليونانية كلمة Hypostasis ومعناها: خاصية... أي خاصية تقوم بها الذات الإلهية، وبدونها ينعدم قيام الذات الإلهية... وعلى ذلك في الجوهر الإلهي ثلاث خواص" (17).
4ـ الأقانيم الثلاثة ليسوا ثلاث كيانات مستقلة إنما هم كيان إلهي واحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... قائمين في الجوهر الإلهي الواحد بدون اختلاط ولا امتزاج... كل أقنوم يتمايز عن الأقنومين الآخرين... الأقانيم الثلاثة متحدة بانفصال، ومنفصلة باتحاد، فلا يمكن أن نرى أقنومًا منفصلًا عن الأقنومين الآخرين... كل أقنوم لا يتلاشى ولا يضمحل في الآخر... كل أقنوم حال في الآخر دون أن يطغى عليه أو يؤثر في كينونته أو يمحو كيانه.
ويقول "الأنبا يوساب الأبح" في مقالته الأولى: "وهكذا نعتقد نحن في الإله أنه ذو ثلاث خواص. ذاتًا ثم نطقًا ثم حياة... فقد تبيّن لنا الآن أن الإله الذي كوَّن العالم وأحدث كل المخلوقات أنه جوهر واحد حاوي... ثلاث خواص، وإن أردت ثلاثة أقانيم، أعني الأبوة والبنوة والانبعاث، أعني الآب والابن المولود منه، والروح القدس المنبعث منه" (18).
ويقول "الشماس الإكليريكي د. سامح حلمي": "نؤمن أن الله واحد لا شريك له، ولكنه مثلث... الخاصيات الذاتية، فالله واحد في جوهره، ولكن هذا الجوهر الواحد ثلاث خاصيات ذاتية وهيَ الوجود والعقل والحياة، وهذه... أطلق عليها آباء الكنيسة الأوائل كلمة {أقانيم}.. فكلمة أقنوم تعني خاصية... ذاتية في الله تقوم عليها الذات الإلهية وبدونها ينعدم قيامها" (19).
فالآب هو الجوهر الإلهي من حيث الوجود، والابن هو ذات الجوهر من حيث النطق والحياة والحكمة، والروح القدس هو ذات الجوهر من حيث الحياة... إذًا الأقنوم الإلهي هو الجوهر الإلهي بالإضافة إلى خاصيته.
5ـ الآب هو الجوهر الإلهي بالإضافة إلى خاصية الأبوة: "إلهٌ وآب واحدٌ للكُلِّ"(أف 4: 6).. الآب له خاصية الأبوة بكل ما تحمله من محبة وحنان وبذل.
والابن هو الجوهر الإلهي بالإضافة إلى خاصية البنوة: "ونحنُ في الحقِّ في ابنهِ يسوع المسيح. هذا هُو الإلهُ الحقُّ والحياةُ الأبديَّةُ"(1يو 5: 20).. الابن له خاصية البنوة بكل ما تحمله من طاعة وبذل وخضوع.
والروح القدس هو الجوهر الإلهي بالإضافة إلى خاصية الانبثاق: "رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (يو 15: 26).. "وأمَّا الربُّ فهُو الرُّوح، وحيثُ روحُ الرب هناكَ حرِّيةٌ"(2 كو 3: 17).. الروح له خاصية الحياة بكل ما تحمل من قوة وفاعلية.
ويقول الأب المحبوب "القمص تادرس يعقوب": " لكي ندرك هذا السرّ يمكننا القول بأن الله هو الكائن الوحيد {الواجب الوجود بذاته} هذا الوجود الذاتي الذي يُدعى الجوهر الإلهي والذي يتميز بمجموعتين من الخصائص والسمات: خصائص ذاتية تخص كيانه، وخصائص تخص علاقته بالخليقة".
الخصائص الذاتية ثلاث: "الكينونة ولوغسه (كلمته أو حكمته) وحياته. هذه الخصائص ليست شيئًا إضافيًا إلى جوهره، كما لو كانت صادرة من الخارج، إنما هيَ منذ الأزل لا تنفصل عن جوهره الإلهي نفسه. إذ لا يوجد زمن كان فيه الجوهر الإلهي دون "الكينونة" وإلاَّ ما كان موجودًا. حاشا لله! ولم يوجد قط الجوهر الإلهي دون الكلمة أو الحكمة، وأيضًا هو حي أزليًا. يوجد تمايز بين "الكينونة" و"الكلمة" و"الحياة" لكن دون انفصال، إذ يوجد جوهر إلهي واحد، وطبيعة واحدة. الآب هو الجوهر الإلهـي مع خاصية الكينونة، والابن هو ذات الجوهر مع خاصية الكلمة (اللوغوس)، والروح القدس هو ذات الجوهر مع خاصية الحياة. ولما كان الحكمة أو اللوغوس مولودًا من "الكينونة" لذلك دُعي الأقنومان الأول والثاني "الآب" و"الابن" ودُعى الأقنوم الثالث الروح القدس بكونه الحياة الإلهية" (20).
والأقانيم الثلاثة لهم اللاهوت الواحد فيقول "البابا أثناسيوس الرسولي": "أن الأزلية والألوهة مشاعتان بين الآب والابن والروح القدس" (21).
6ـ نحن نعبد إله واحد مثلث الأقانيم، ولا نعبد ثلاثة آلهة:
أـ يقول "القديس كيرلس الكبير" (377-444م): "نحن نؤمن بإله واحد ضابط الكل، الذي لا ابتداء ولا انتهاء له، آب واحد، وابن واحد، والروح القدس منبثق من الآب وحده، وهؤلاء هم جوهر واحد، ورب واحد، وسلطان واحد وإرادة واحدة" (22).
ب- يقول "القديس ساويرس الأنطاكي" (تنيّح سنة 538 م): "الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، ولكن ليس ثلاثة آلهة بل إله واحد (23).
جـ- قال "القديس أُغسطينوس": "الآب والابن والروح القدس جوهر واحد، ولكن ليس كل أقنوم منهم هو عين الآخر" (24).
د- يقول "الأب بولس البوشي": " إذا قلنا الله إنما نقول الآب والابن والروح القدس، لأن الخواص لا تزيد على ذلك ولا تضم أقل من هذا. ولا نكون في قولنا نعبد ثلاثة آلهة، لئلا نكون كالوثنيين الذين يقولون بكثرة الآلهة، ولا نكون أيضًا كمثل الجاحدين كلمة الله وروحه، لأن الرداءة في هاتين المقالتين متساوية وإن كان قولهما مختلفًا (25).
ه- يقول "البابا أثناسيوس الرسولي": "ليست الأقانيم ثلاثة آلهة بل هم إله واحد مثلث بقوام عقله (الآب) وكلمته (الابن) وروحه الذين هم الآب والابن والروح القدس... ولا يستقيم أن يُقال أن جوهر الله أصم أخرس عديم عقل ولا كلمة ولا روح... فالعقل والكلمة والروح في ذات الله ثلاث خواص ذات طبيعة واحدة وجوهر واحد ليس فيه شيء غريب، فطبيعة العقل الإلهي هيَ طبيعة الكلمة هيَ طبيعة الروح القدس... العقل الإلهي وكلمته وروحه ثالوث بلا فرقة وواحد بلا تخليط... الثالوث جوهر واحد. قدرة واحدة. خالق واحد، وأمر واحد، وإرادة واحدة، وقوة واحدة بلا فرقة بينهم في شيء. ليس يريد الكلمة ولا الروح إلاَّ ما يريد العقل (الآب) فكل ما في العقل (الآب) من القوة فهو في الكلمة وفي الروح أيضًا. العقل الإلهي خالق والكلمة خالق والروح خالق، ومع ذلك فهم خالق واحد وليسوا بثلاثة، لأن العقل الخالق لا يخلق دون كلمته الخالقة وروحه الخالق، وهكذا الحال بالنسبة لكل من الكلمة والروح القدس فإن أيًا منهما لا يخلق من دون الأقنومين الآخرين" (26).
7ـ كلمة أقنوم باللاتينية "برسونا" Persona وباليونانية "بروسوبون" Prosopon وهيَ في أصل اللغة تعني أحد المعاني الآتية:
أ- قناع: فهيَ مشتقة من الكلمة Pherusa وهيَ كلمة إترسكانية مرتبطة بالطقس التعبدي الخاص بالإلهة Persephone.
ب- وجه: وغالبًا ما تعني كلمة برسوبون وجهًا في العهد القديم: "فسقَطَ أبرام على وجهه"(تك 17: 3) وأيضًا في العهد الجديد: "فمتى صُمتَ فادهُن رأسكَ واغسِل وجهَكَ" (مت 6: 17) وتستخدم أيضًا بمعنى المظهر الشخصي، والشكل، والمنظر.
جـ- شخص: إما اجتماعيًا أو نحويًا أو قانونيًا، وأيضًا تعني الشخص بكامله: "وحضرتُك سائرٌ في الوسطِ" (2 صم 17: 11).
د- الجانب الأمامي: حينما تستخدم معها حروف الجر (راجع طبيعة وأقنوم - القمص تادرس يعقوب ص 45).
_____
(19) إيماننا المسيحي صادق وأكيد - مراجعة وتقديم نيافة الأنبا متاؤس ونيافة الأنبا يوسف ص 45.
(20) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والعقائد 1ـ الله ص 29.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/trinity-and-unity/hypostasis.html
تقصير الرابط:
tak.la/nc2ng3b