س83: يقول البعض: إن السيد المسيح قد دعى نفسه "ابن الإنسان" أي أنه إنسانًا آدميًا مثلنا تمامًا، وأنه مثل حزقيال النبي الذي دعاه الله بابن آدم أكثر من تسعين مرة، فكيف تؤلّهونه وتدعونه الله؟ وقال الداعية الإسلامي أحمد ديدات " والأمر الآخر الذي يثير الدهشة هو أن عيسى يشير إلى نفسه مالا يقل عن 33 مرة في إنجيل متى وحده بأنه " ابن آدم". أنه يصف نفسه بـ"ابن آدم" 33 مرة في إنجيل واحد، وما ابن آدم (أو ابن الإنسان) إن لم يكن (آدميًا) (أو إنسانيًا)؟! إن الحيوان يلد الحيوان، والملائكة لا يلدون، والله لم يلد (ولم يولد). وإذ كان عيسى ابن آدم أو ابن إنسان فهو بشر وابن لآدم مثل أي إنسان آخر... إن مجموع عدد المرات التي ينسب فيها مؤلفوا الأناجيل الأربعة لعيسى استعمال عبارة "ابن آدم" (أو ابن الإنسان) في الإشارة إلى نفسه هي ثلاثًا وثمانين مرة. ولكن أحدًا لا يتدبر هذا الأمر ولا يلاحظه أبدًا، والرجل (عيسى) يؤكد بكل قوة ويقظة أنه بشر مثلنا وأنه لا فرق بينه وبيننا. فهو لم يدَّعِ أي إدعاء زائف لنفسه ولم يرد أن يروج أو ينشر تلك الإدعاءات الزائفة بين الناس" (141)
ج: 1- رأى دانيال النبي الله الكلمة في رؤياه " مثل ابن إنسان " فيقول " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان آتي وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأُعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) والذي يتأمل في صفات هذا الكائن العجيب الذي أطلق عليه دانيال لقب " مثل ابن إنسان " يجدها صفات لا تنطبق على إنسان مخلوق ولا على ملاك مخلوق. إنها صفات إلهيَّة تخص الله وحده، فهو الله ذاته، فلماذا قال عنه مثل ابن إنسان..؟ إنها إشارة لتجسده في ملء الزمان وظهوره في شكل إنسان دون أن يتخلى عن ربوبيته، والآن نلقي قليل من الضوء على هذه الصفات الإلهيَّة التي نسبها النبي للسيد المسيح:
أ - مع سحب السماء: لقد أرتبط ظهور الله بظهور السحاب، فعندما سار بنو إسرائيل في برية سيناء أربعين عامًا " كان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نار ليضئ لهم" (خر 13: 21) وعندما تجلى الرب يسوع على الجبل أمام التلاميذ " كانت سحابة تظللّهم" (مر 9: 7) وعندما استحلف رئيس الكهنة السيد المسيح بالله الحي أن يخبرهم إن كان هو المسيح ابن الله " قال له يسوع أنت قلت. وأيضًا أقول لكم الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء" (مت 26: 64) ورآه يوحنا في رؤياه " ثم نظرت وإذا سحابة بيضاء وعلى السحابة جالس شبه ابن الإنسان له على رأسه إكليل من ذهب وفي يده منجل حاد" (رؤ 14: 14).
ب- أُعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا: وقال الرب يسوع " كل شيء قد دُفع إليَّ من أبي" (مت 11: 27) وقال أيضًا " دُفِع إلىَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (مت 28: 18) كما قال "الآب يحب الابن وقد دُفع كلَّ شيء في يده" (يو 3: 35).
ج - لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة: والرب يسوع هو قابل العبادة كما رأيناه (راجع قبول الإكرام الإلهي بالدرس الرابع).
د- سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض: ورأينا سلطان السيد المسيح على كل شيء، ورأينا أنه ملك الملوك ورب الأرباب، وملكوته ملكوت أبدي لن ينقرض، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا قال رئيس الملائكة جبرائيل للسيدة العذراء " هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى لا بُد ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 32، 33) وكان اليهود يعرفون إن ملكوت المسيح ملكوت أبدي كما أخبرهم بهذا دانيال النبي فقالوا له " نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى لا بُد" (يو 12: 34) وقال بولس الرسول عن ملكوت السيد المسيح "لذلك ونحن قابلون ملكوتًا لا يتزعزع.." (عب 12: 28)..
2- ورد لقب "ابن الإنسان" في العهد الجديد أكثر من ثمانين مرة، وفعلًا السيد المسيح إنسان كامل لأنه أخذ طبيعتنا البشرية بكل صفاتها دون أن يتخلى عن طبيعته الإلهيَّة، فهو الإنسان يسوع المسيح الذي وُلِد بعد الحبل به لمدة تسعة أشهر " ولما وُلِد يسوع في بيت لحم" (مت 2: 1) ونما قليلًا قليلًا بشبه البشر (لو 2: 52) وكان يأكل ويشرب ويجوع (مت 4: 2) ويعطش (يو 4: 17، 19: 28) وكان ينام (مر 4: 38) ويتعب من السفر (يو 4: 6) ويفرح (يو 5: 11) وكان يحب (مر 10: 21) ويتحنن (مت 9: 36) ويغضب (مر 3: 5) ويبكي (يو 11: 35) وكان يصلي (مت 14: 23) ويحزن ويكتئب (مت 26: 37) ويتألم (لو 24: 46) ومات وأسلم الروح البشرية في يد الآب (مت 27: 50).. إلخ. كل هذا وهو ليس مجرد إنسانًا فقط بل إله وإنسان في آن واحد، وفي إتحاد طبيعي أقنومي كامل، بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير كما رأينا ذلك بالتفصيل في موضوع التجسد، فدعوة السيد المسيح نفسه بابن الإنسان لا يلغي ألوهيته قط.
3- كما دعى السيد المسيح نفسه بإبن الإنسان فإنه دعى نفسه بابن الله، فعندما إلتقى بالمولود أعمى بعد أن خلق له عينين جديدتين " قال له أتؤمن بإبن الله. أجاب ذاك وقال من هو يا سيد لأؤمن به. فقال يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو. فقال أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35 - 38) ودعى نفسه بالابن في أسلوب يدل على لاهوته مثل قوله "ليس أحد يعرف من هو الابن إلاَّ الآب. ومن هو الآب إلاَّ الابن. ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو 10: 22) وطوَّب سمعان بطرس عندما أعترف به قائلًا "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت 16: 16) (راجع لقب "ابن الله" بالدرس الثالث).
4- كان لقب حزقيال في العهد القديم "ابن آدم" يعبر عن ضعفه أما عندما أستخدم رب المجد ابن الإنسان فإنه كان يقصد أن يعلن عن نفسه أنه الإله المتأنس... الإله الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته، ولذلك نلاحظ أن السيد المسيح ربط بين "ابن الإنسان" التي تعبر عنه كإنسان وبين الأعمال الإلهيَّة التي تعلن لاهوته، فإن كانت الدينونة هي عمل إلهي فقد قال الرب يسوع " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27) فهو ابن الإنسان وهو رب الملائكة وهو الديان العادل. أنه يعلن للجميع أنه هو الله فهل نستحي بكلامه؟! " لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" (مر 8: 38) وإن كان الوجود في كل مكان وزمان هي صفة الله الغير محدود فإن السيد المسيح قال لنيقوديموس " وليس أحد صعد إلى السماء إلاَّ الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) وإن كان الله وحده هو الذي يغفر الخطايا فإن السيد المسيح قال عن نفسه " ولكن لكي تعلموا إن لإبن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا. قال للمفلوج لك أقول قم وأحمل سريرك وأذهب إلى بيتك" (مر 2: 10) وإن كان الله هو رب الشريعة فقد قال السيد المسيح عن نفسه " فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا" (مت 12: 8).. إلخ...
5- رآه يوحنا "شبه ابن الإنسان" ومع ذلك فقد وصفه بصفات إلهيَّة لا يمكن أن تنطبق على إنسان أو ملاك فقال "شبه ابن إنسان... عيناه كلهيب نار... صوته كصوت مياه كثيرة... ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها... قائلًا لي لا تخف أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا وها أنا حيُّ إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 13 - 18) فهوذا ابن الإنسان يعلن عن ذاته أنه هو هو ابن الله... هو الإله المتأنس.
_____
(141) عيسى الله أم بشر أم أسطورة ص 73 - 75.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/son-of-man.html
تقصير الرابط:
tak.la/v66rhpv