ج: الله أزلي بلا بداية، أبدي بلا نهاية، فهو الإله السرمدي...
سرمدي = أزلي + أبدي.
لا يوجد كائن في الوجود أزلي، ليس له بداية، غير الله وحده. قال المزمور " من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى لا بُد أنت الله" (مز 90: 2) " منذ الأزل أنت الله" (مز 93: 2) وصرخ حبقوق النبي قائلًا "ألست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي" (حب 1: 12). ولأن الله أزلي فمراحمه وإحساناته أزلية لذلك ترنَّم داود النبي قائلًا "أذكر مراحمك يا رب وإحساناتك لأنها منذ الأزل هي" (مز 25: 6) وبالتالي فلا يوجد كائن سرمدي إلاَّ الله وحده، فمهما كان هذا الكائن قديم الأيام مثل السموات والطغمات السمائية والكواكب والأفلاك... إلخ. فكل منها خُلِق في زمن معين، وقبل هذا الزمن لم يكن له وجود قط.
وأيضًا نقول إن الله بمفرده هو الأبدي أي أن له حياة في ذاته، وهذه الحياة لا نهاية لها. أما الملائكة أو البشر فقد حازوا صفة الخلود أي الأبدية كهبة ونعمة من الله الأبدي، فلو لم يشأ الله أن يكون الملائكة أو البشر أبديون ما كانوا كذلك، ولكن الله من محبته الفائقة منحني صفة الأبدية لأكون معه في لا بُد وإلى لا بُد.
ولأن السيد المسيح هو الله المتأنس فهو الإله السرمدي كما سنرى الآن:
الأنبياء يعلنون سرمدية السيد المسيح:
1- تكلم داود النبي بالروح القدس عن أزلية الابن، قبل التجسد بنحو ألف عام قائلًا "أني أخبر من جهة قضاء الرب. قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك. أسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض مُلكًا لك... قبلّوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق" (مز 2: 7، 8، 12) وعندما دخل بولس الرسول مجمع أنطاكية بيسدية، كلم اليهود عن السيد المسيح، مستشهدًا بقول داود النبي هذا فقال "إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (أع 13: 33) فمن هو الابن الذي مُلكِه إلى أقاصي الأرض، وكل من لا يقبّله يباد ويهلك..؟ لا يمكن أن يكون هو داود، ولا ابنه سليمان، ولا أي شخص آخر. وإنما الابن هو ربنا يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور منذ الأزل. ومتى كان اليوم الذي وَلَدَ فيه الآب الابن..؟ اليوم الذي وَلَدَ فيه الآب الابن هو اليوم الذي ليس قبله يوم = الأزل.
وكتب نيافة الأنبا موسى خلال مراجعته لهذا الكتاب يقول: "وفكرة الأزلية فكرة منطقية، فإن قلنا أن هذا العام هو 2003، ورجعنا إلى الوراء 2002 - 2001 - 2000 سوف نصل إلى 200 ق.م. ثم 5000 ق.م. ثم 000ر10 ق.م. - إلى أن نصل إلى ما لانهاية ق.م. أي الأزلية حيث كان إلهنا العظيم غير المحدود. ونفس الأمر في الأبدية، فنحن الآن في عام 2003 والعام القادم 2004 ثم 2005 إلى ما لانهاية، وهي الأبدية حيث إلهنا العظيم الأبدي، الذي أعطانا الخلود حينما نفخ فينا نفخة إلهية من عنده، الروح العاقلة، التي بها نحيا معه إلى لا بُد".
فالإبن مولود من الآب منذ الأزل وفي كل وقت وإلى لا بُد. ولادة النور من النار دون انفصال ودون فارق زمني... ولادة روحية غير تناسلية، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي "ولم تمر لحظة في الزمان كان فيها الآب ولم يكن الابن كائنًا معه".
2- في سفر الأمثال قال الابن أقنوم الحكمة الخالق على لسان سليمان الحكيم " الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسِحْتُ منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أُبدئت... من قبل أن تقرَّرت الجبال وقبل التلال أُبدئت... لما ثبَّت السموات كنت هناك أنا. لم رسم دائرة على وجه الغمر. لما رسم أُسُس الأرض كنت عنده صانعًا" (أم 8: 22 - 31) وهذا أمر يتمشى مع العقل والمنطق، لأنه من المستحيل أن يكون قد مرَّ وقت كان فيه الآب بدون الحكمة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى... حاشا، فالآب هو الحكيم والابن هو الحكمة المولودة منه، والروح القدس هو روح الحكمة المنبثق منه... الحكيم والحكمة وروح الحكمة إله واحد . وكلمة مُسِحًتُ أي عُينت، فالمسحة معناها التعييّن. أي منذ الأزل تخصَّص أقنوم الحكمة للتجسد وللفداء. واختلاف اختصاصات الأقانيم الثلاثة ليس بالشيء الغريب، فالإنسان الواحد فيه العقل الذي يختص بالتفكير والتدبير، وفيه الجسد الذي يختص بالغذاء والنمو، وفيه الروح التي تختص بالحياة، ومع هذا فالإنسان واحد لا أكثر، كما رأينا ذلك من قبل في دراستنا لموضوع التثليث والتوحيد... أقنوم الحكمة تخصَّص للتجسد والفداء وأقنوم الروح القدس تخصَّص في توصيل بركات الفداء لنا. ومع هذا فليس الأقنومان إلهان، ولكنهما أقنومان كائنان في الجوهر الإلهي الواحد. والعهد الجديد كشف لنا أكثر عن أقنوم الحكمة عندما قال عن ربنا يسوع المسيح " المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو 2: 3) فالله الآب هو الحكيم بأقنوم الحكمة وله روح الحكمة " الله الحكيم وحده بيسوع المسيح له المجد إلى لا بُد آمين" (رو 16: 27).
وإن تساءل أحد كيف يكون الابن أزليًا ويقول " الرب قناني " ويقول " أُبدئت "..؟ نقول له ليس معنى كلمة قناني أي أوجدني من العدم مثل سائر المخلوقات. إنما معناها ولدني، ومثلها كلمة أُبدئت أي ولدت. ولادة النور من النار، دون فارق زمني، ودون انفصال.
وإن كان سفر الأمثال قد تساءل عن إسم ابن الله عندما قال "من صعد إلى السموات ونزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صرَّ المياه في ثوبٍ. من ثبت جميع أطراف الأرض. ما اسمه وما إسم ابنه إن عرفت" (أم 30: 4) فإننا نجد العهد الجديد يعلن لنا بوضوح عن إسم ابن الله ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الأزلي بأزلية الآب الإله السرمدي، لأن هذا كان سرًّا تم إعلانه بالتجسد.
3- أخبر ميخا النبي عن أزلية الرب يسوع فقال "أما أنت يا بيت لحم أفراته... فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مي 5: 2) مخارجه أي أحواله منذ القديم قبل الأزمنة الأزلية أي قبل العصور السحيقة، وكلمة " منذ " لا تعني أنه بدأ في زمن معين، ولكن " منذ " هي تعني الأزل كقول الكتاب المقدَّس عن الله " منذ الأزل إلى لا بُد أنت الله" (مز 90: 2) " ألست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي" (حب 1: 12).
4- كان ملكي صادق رمزًا للسيد المسيح من جهة سرمديته، فلم يذكر الكتاب لملكي صادق بداية ولا نهاية أيام، كما قال عنه معلمنا بولس الرسول " بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبَّه بإبن الله. هذا يبقى كاهنًا إلى لا بُد" (عب 7: 3).
5- إن كان يوحنا المعمدان وُلِد قبل السيد المسيح بستة أشهر، فمن جهة الناسوت يوحنا أكبر من السيد المسيح بستة أشهر، أما من جهة اللاهوت فالسيد المسيح هو الذي جبل يوحنا المعمدان، وشهد يوحنا بأن المسيح كان كائنًا قبله "يوحنا شهد له ونادى قائلًا هذا هو الذي قلت عنه إن الذي سيأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي" (يو 1: 15).. " هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي" (يو 1: 30) فالسيد المسيح كائن قبل خلقة يوحنا وإبراهيم وآدم والملائكة، وفي ملء الزمان أتخذ جسدًا من العذراء مريم، وبذلك نستطيع أن نقول إن السيد المسيح له ميلادان:
أ - ميلاد أزلي: من الآب منذ الأزل قبل كل الدهور وقبل الزمن وفي كل لحظة وإلى لا بُد، فالابن أزلي بأزلية الآب... ولادة النور من النار.
ب- ميلاد زمني: في زمن معين حينما وُلِد من العذراء مريم بالجسد منذ نحو عشرين قرنًا من الزمان، ومن تاريخ هذا الميلاد الزمني بدأ التاريخ الميلادي الذي يأخذ به العالم كله اليوم.
6- في رؤيا دانيال النبي نرى الإشارة واضحة إلى أبدية السيد المسيح ومُلكه الذي لا نهاية له، فيقول " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام (الآب) فقرَبوه قدامه. فأُعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) من هو ابن الإنسان إلاَّ ربنا يسوع الذي دعى نفسه كثيرًا بابن الإنسان، والنبي دعاه بمثل أو شبه ابن الإنسان لعظم مجده وبهاء لاهوته، فهو ليس إنسانًا عاديًا لكنه إنسان وإله في آن واحد... هكذا رآه يوحنا الرائي في أبو غلمسيس " وفي وسط السبع المنائر شبه ابن إنسان" (رؤ 1: 13).. و" أُعطى " التي ذكرها دانيال ليس المقصود منها إن الابن أخذ سلطانًا لم يكن له، ولكن بمعنى إن سلطانه بدأ يظهر للبشرية بالتجسد والفداء، فالنبوءة تُظهر تجسد الله الكلمة صاحب السلطان الأبدي الذي لا يزول والملكوت الذي لا ينقرض... ملكوتك يا إلهي ملكوت أبدي وسلطانك إلى كل الأجيال " وفي أيام هؤلاء يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا ومُلكها لا يُترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى لا بُد" (دا 2: 44).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/perpetual.html
تقصير الرابط:
tak.la/vw77w9x