س74: قال الأريوسيون: عندما قال السيد المسيح " ليعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك".. أليس بهذا يحصر الألوهية في الآب وحده؟ وقال الداعية الإسلامي أحمد ديدات " وقد أخبرنا عيسى عن صفة ذلك الإله قائلًا {وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته} يعني إن أردتم الخلود في نعيم الدار الآخرة، وإذا أردتم الفلاح، وإذا أردتم أن تنالوا الخلاص فذلكم السبيل. تلك كلمات المسيح عيسى " أن يعرفوك أنت (يعني الله سبحانه وتعالى) الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح (إشارة إلى نفسه) الذي أرسلته، وإذا كانت هذه هي الحياة الأبدية فقد حصلنا نحن المسلمون عليها! ألسنا نؤمن بالإله الواحد الذي أرسل عيسى؟ بل أننا نؤمن بذلك حقًا. ألسنا نؤمن بأن عيسى رسول بعثه الله؟ نعم! فنحن نؤمن بذلك فعلًا. إذًا فلو أن الحياة الأبدية تستوجب هذين الأمرين (يعني الإيمان بالله والإيمان برسوله) فنحن نزعم أننا قد نلناها!" (126)
ج: وقف السيد المسيح يناجي الآب قائلًا "أيها الآب قد أتت الساعة مجّد ابنك ليمجّدك ابنك أيضًا. إذ أعطيته سلطانًا على كل جسدٍ ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17: 1 - 3).
والذي يقرأ النص السابق بتدقيق يجد لاهوت السيد المسيح واضحًا جليًا، وأن السيد المسيح مساوٍ للآب، وواحد مع الآب في الجوهر بدليل:
1- قال السيد المسيح للآب " مجّد ابنك ليمجّدك أبنك " أي المساواة في المجد الإلهي للآب والابن، وليس أحدهما أعظم من الآخر.
2- جعل السيد المسيح شرط نوال الحياة الأبدية معرفة الله الآب الذي أرسل الابن، وأيضًا معرفة الابن المتجسد من أجل خلاصنا، ومعرفة الابن مساوية تمامًا لمعرفة الآب في الحصول على الحياة الأبدية، وهذا برهان كافٍ لألوهية المسيح، لأنه لو كان يسوع المسيح مخلوقًا وليس خالقًا فلا يصح أبدًا وضع معرفة المخلوق بجوار معرفة الخالق. بل وتشترط معرفة هذا المخلوق والإيمان به للحصول على الحياة الأبدية " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة. بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36).
والحقيقة أنه يستحيل على أي إنسان أن يعرف الآب إلاَّ عن طريق الابن لأن " الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبرَّ" (يو 1: 18) وكلمة " خبرَّ " أي أُظهر أو أُعلن، والابن هو الطريق الوحيد والباب الوحيد للدخول لله الآب، ولهذا قال السيد المسيح لليهود "لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا" (يو 8: 19) وقال للتلاميذ " أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 6 - 9) فلا ينبغي أن نغفل أن الآب هو الإله الحقيقي والابن هو الحق (يو 8: 32، 14: 6، رؤ 3: 7) والروح القدس هو روح الحق (يو 14: 17، 15: 26، 16: 17، 1 يو 4: 6) فالابن في الآب والآب في الابن والروح القدس هو روح الآب والابن، والأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الإلهي الواحد... ذات الطبيعة الإلهية الواحدة... ذات الكيان الإلهي الواحد.
3- في نفس الموقف يقول السيد المسيح " والآن مجّدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم... كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي" (يو 17: 5، 10) وهذا يؤكد المساواة بين الآب والابن، ويجب أن نلاحظ أن الحديث عن ألوهية أحد الأقانيم لا يعني إلغاء ألوهية الأقنومان الآخران، فعندما يقول السيد المسيح عن الله الآب أنه هو الإله الحقيقي وحده فليس معنى هذا أن السيد المسيح والروح القدس قد تجردا من الألوهية، وعندما يقول الإنجيل عن السيد المسيح " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور آمين" (يه 25) فليس معنى هذا تجريد الآب والروح القدس من الألوهية.
ويقول القديس باسيليوس "الابن أيضًا إله حقيقي، يوحنا نفسه يعلن في الرسالة {.. ونحن في الحق وفي أبنه الحقيقي يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية}.. يجب أن لا نفهم أن الابن أعظم من الآب، ولا أن نفترض أن الآب هو الإله الحقيقي وحده... عندما قال الرسول عن الله المخلص (الابن) أنه فوق الكل، فهل يصفه بأنه أعظم من الآب؟ هذا عبث... وعندما قال الرسول عن الابن {منتظرين الرجاء المبارك والظهور المجيد للإله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح} فهل يُعتقد أنه أعظم من الآب؟ ... هذه النصوص استُخْدِمَت بدون تمييز بين الآب والابن، ولم نلاحظ تمييز في استخدامها، لكون الابن في صورة متساوية مع الآب" (In Jhon 17: 3) (127).
4- عندما قال السيد المسيح " أنت الإله الحقيقي وحدك " فالمقصود بالإله الوحيد هنا هو الإله الذي يعرفه اليهود، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويؤكد القديس أثناسيوس الرسولي أن السيد المسيح عندما قال "أن يعرفوك. أنت الإله الحقيقي وحدك " قصد بهذا الفصل بين الإله الحقيقي والآلهة الكاذبة التي لا شبه بينها وبين الآب والكلمة، وقد أضاف على الفور " ويسوع المسيح الذي أرسلته " فلو كان الابن مخلوقًا ما كان قد أضاف هذه العبارة، فيقول القديس أثناسيوس عن السيد المسيح " فهو يقول هكذا لكي يجعل الناس يتركون الآلهة الكاذبة ولكي يعرفوا بالحري أنه هو الإله الحقيقي، وحينما قال الله هذا فبلا شك أنه قاله بواسطة كلمته الذاتي... لذلك يا محاربي الله (أيها الأريوسيون) إن هذه الآيات ليست موجهة ضد الابن، بل ضد الأشياء الغريبة عن الله والتي ليست منه... لذلك فمثل تلك الآيات ليست لأجل إنكار الابن ولا هي قيلت عنه، بل هي قيلت لطرح الضلال بعيدًا... إذًا فإن كان الآب قد دُعي الإله الحقيقي الوحيد فهو لا يعني إنكار هذا الذي قال {أنا هو الحق} (يو 14: 6) بل يعني إنكار أولئك الذين ليسوا بطبيعتهم (آلهة) حقيقيين، مثل الآب وكلمته، ولهذا فقد أضاف الرب مباشرة {ويسوع المسيح الذي أرسلته} (يو 17: 3) وعلى هذا فلو أنه كان مخلوقًا لما أضاف هذه الكلمة وأحصى نفسه مع الخالق، فأية شركة توجد بين الحقيقي وغير الحقيقي؟
ولكن الابن إذ أحصى نفسه مع الآب، فقد أظهر أنه من طبيعة الآب نفسها، وأعطانا أن نعرف أنه المولود الحقيقي من الآب الحقيقي، وهكذا أيضًا تعلَّم يوحنا وعلَّم هذا كاتبًا في رسالته {ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحقُّ والحياة الأبديَّة} (1 يو 5: 20) وحينما يقول الله {أنا وحدي باسط السماء} (أش 44: 24) يصير واضحًا للجميع أن لفظة (وحده) تشير أيضًا إلى (الكلمة الخاصة بالوحيد) الذي به خُلقت كل الأشياء وبغيره لم يخلق شيء، لذلك إن كانت كل الأشياء قد خُلقت بالكلمة، وعلى ذلك يقول {أنا وحدي} فأنه يعني أن الابن الذي به خُلقت السموات، هو مع ذلك الوحيد.
هكذا إن قيل {إله واحد}، {أنا وحدي}، {أنا الأول} فهذا يعني أن الكلمة موجود في نفس الوقت في ذلك الواحد والوحيد والأول مثل وجود الشعاع في النور. وهذا لا يمكن أن يُفهم عن أي كائن آخر سوى الكلمة وحده. لأن كل الأشياء الأخرى خُلقت من العدم بواسطة الابن، وهي تختلف اختلافًا كبيرًا جدًا فيما بينها من جهة الطبيعة، أما الابن نفسه فهو مولود حقيقي وطبيعي من الآب" (128).
_____
(126) عيسى الله أم بشر أم أسطورة ص 63، 64.
(127) أورده القس عبد المسيح بسيط في كتابه المسيح هو الإله القدير ص 54.
(128) المقالة الثالثة ضد الأريوسيين ص 22 - 24 .
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/only-you.html
تقصير الرابط:
tak.la/5rtwyy7