س87: قال السيد المسيح في صلاته الوداعية عن التلاميذ " وأنا أعطيهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدًا كما إننا نحن واحد" (يو 17: 22) فقال الأريوسيون هوذا المسيح يعترف إننا جميعًا نحن وهو واحد مع الآب، فنحن إذًا نتساوى معه في الوحدة مع الله الآب، مثلنا مثله تمامًا... فإن كان هو إلهًا فإننا سنصير نحن آلهة مثله، وإن كنا نحن بشر فهو إذًا بشر مثلنا... فما هي الحقيقية؟
ج: يجيب على هذا التساؤل باستفاضة القديس أثناسيوس مؤكدًا الحقائق الآتية:
1- الذي يفكر في التأله هو ابن لإبليس المتكبر الذي أراد أن يرفع كرسيه فوق كرسي العلي.
2- استخدم السيد المسيح الصور الإيضاحية مثلما دعى هيرودس بالثعلب، وشبَّهنا بالحملان والحمام، والخاطئ بالحصان، وبالتالي فإن في هذه الآية صورة إيضاحية يجب أن ندركها.
3- هناك فرق بين قوله " لكي يكونوا واحدًا فيك " أو " لكي يصيروا هم وأنا واحد فيك " وبين " ليكونوا واحدًا كما إننا نحن واحد " فكما الواردة هنا أداة للتشبيه وليست للتطابق والمساواة. فيقول القديس أثناسيوس عن الأريوسيين "كأنهم قد وجدوا حجة يستندون عليها يضيفون ويقولون (إن كنا نصير نحن واحدًا في الآب، هكذا أيضًا يكون الابن واحدًا مع الآب... إما أن نكون نحن أيضًا من ذات جوهر الآب، أو أن يكون هو غريب عن هذا الجوهر مثلما نحن غرباء عنه) وهكذا يثرثر هؤلاء الناس، ولكني لا أرى في كلامهم الباطل هذا سوى وقاحة غير معقولة وجنون شيطاني... لأنهم إذ سمعوا أن البشر سيصيرون أبناء الله، ظنوا أنفسهم مساويين للابن الحقيقي بالطبيعة، والآن أيضًا أن يسمعون من المخلص {لكي يكونوا واحدًا كما نحن} يخدعون أنفسهم ويتوقحون لدرجة أنهم يظنون أنهم سيصيرون مثل الابن في الآب والآب في الابن، غير معتبرين سقوط أبيهم الشيطان، الذي حدث نتيجة لمثل هذا التخيل...
لقد اعتاد الكتاب الإلهي أن يستخدم أمور الطبيعة كصور إيضاحية لأجل البشر، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى... والمخلص لكي يكشف هيرودس قال {قولوا لهذا الثعلب} (لو 13: 32) ومن الجهة الأخرى حذر تلاميذه {ها أنا أرسلكم كحملان في وسط ذئاب فكونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام} (مت 10: 16) وهو قال هذا لا لكي نصير بالطبيعة حيوانات، أو حيات، أو حمام لأنه هو نفسه لم يخلقنا هكذا، والطبيعة نفسها لا تسمح بذلك، ولكن لكي نتجنب الانفعالات الحيوانية الخاصة بأحدها من ناحية، ومن ناحية أخرى نكون واعين لمكر ذلك الحيوان الآخر لكي لا نُخدَع به، ولكي نكتسب أيضًا وداعة الحمام.
وأيضًا فإن المخلص... يقول {كونوا رحماء كما أن أباكم الذي في السموات هو رحيم}.. وهو قد قال هذا ليس بالطبع لكي نصير مثل الآب، لأنه يستحيل علينا نحن المخلوقين الذي قد خلقنا من العدم أن نصير مثل الآب، ولكن كما أنه أمرنا {لا تصيروا كالحصان} لا لئلا نكون كالحيوانات غير الناطقة، بل لكي نصير مثل الله، بل لكي لا نتمثل بها في نقص العقل، هكذا فقد قال {كونوا رحماء مثل الآب} لا لكي نصير مثل الله، بل لكي عندما نتطلع إلى أعماله الصالحة فإن ما نفعله من أعمال حسنة إنما نفعله ليس لأجل الناس بل لأجله هو، حتى نأخذ مكافأتنا منه وليس من الناس.
فرغم أنه يوجد ابن واحد حسب الطبيعة وهو الابن الحقيقي الوحيد الجنس، هكذا نصير نحن أيضًا أبناء، لكن ليس مثله هو بالطبيعة وبالحق، بل بحسب نعمة ذاك الذي دعانا.
فإننا نصير واحدًا مع بعضنا مع بعض بالنية الصالحة، واضعين أمامنا مثال الوحدة الطبيعية للابن مع الآب، ولأنه كما علمنا الوداعة بنفسه قائلًا {تعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب} (مت 11: 29) لا لكي نصير مساويين له، لأن هذا غير ممكن. بل بنظرنا إليه نظل دائمًا ودعاء. هكذا هنا أيضًا، فهو إذ يريد أن تكون لنا نية صالحة بعضنا نحو بعض وتكون ألفتنا حقيقية وثابتة وغير مضمحلة، فإنه يجعل لنا في نفسه مثالًا ويقول {لكي يكونوا واحدًا كما نحن} تلك الوحدة التي لا انفصال فيها...
وإني أكرّر القول، أنه لو كان قد قال ببساطة وبصورة مطلقة (لكي يكونوا واحدًا فيك) أو (لكي يصيروا هم وأنا واحدًا فيك) لكان أعداء الله قد وجدوا بعض العذر رغم أنه عذر قبيح، ولكن حقيقة الأمر أنه لم يتكلم هكذا بالمرة بل قال {كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا} (يو 17: 21).
وبالإضافة إلى ذلك فإنه باستعماله لفظة "كما" فهو يشير إلى أولئك الذين يصيرون مثله كما هو في الآب ولكن عن بعد، عن بعد ليس من جهة المكان ولكن من جهة الطبيعة لأنه من جهة المكان ليس هناك شيئًا بعيدًا عن الله، لكن من جهة الطبيعة وحدها فإن كل الأشياء هي بعيدة عن الله. وكما قلت سابقًا فإن استعمال الأداة " كما " لا يعني التطابق، ولا المساواة ولكن يعني التشبه بمثال ينظر إليه من جهة معينة.
وهذا ما يمكننا أن نتعلمه أيضًا من المخلص نفسه، حينما يقول {لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض} (مت 12: 40) فإن يونان طبعًا لم يكن مثل المخلص، ويونان لم ينزل إلى الجحيم، ولا الحوت هو الجحيم، كما إن يونان حينما أبتلعه الحوت لم يُخرِج أولئك الذين كان الحوت قد سبق وأبتلعهم قبله، بل هو وحده الذي خرج من الحوت حينما قذفه. لذلك فليس في لفظة "كما" هنا أي تطابق أو مساواة، بل شيئان مختلفان، فهي توضح نوعًا من التشابه في حالة يونان من جهة الأيام الثلاثة، وبنفس الطريقة فحينما يقول الرب "كما" فإننا نحن أيضًا لا نصير كالابن في الآب، ولا كالآب في الابن، لأننا جميعًا نصير واحدًا في الفكر وإتفاق الروح مثلما أن الآب والابن واحد" (146).
كما يقول القديس أثناسيوس أيضًا "يوحنا لم يقل أنه كما الابن في الآب هكذا ينبغي أن نكون نحن، لأنه كيف يكون لنا ذلك، فالابن بالطبيعة والجوهر هو كلمة الله وحكمته. أما نحن فمخلوقون من التراب، وهو بالطبيعة والجوهر كلمة الله وإله حق كما يقول يوحنا {ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية} (1 يو 5: 20).
أما نحن فجعلنا أبناء فيه بالتبني والنعمة باعتبارنا شركاء في روحه كقول الكتاب {لأن كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله الذين يؤمنون باسمه} (يو 1: 12).
فحينما يقول رب المجد {أن يكونوا واحدًا كما إننا نحن واحد} يقصد أن نأخذ من وحدة الابن الجوهرية بالآب مثالًا ونموذجًا لأن وحدتهما غير منحلة ولا منقسمة أي ليتعلموا منا هذه الطبيعة غير المنقسمة فيدوموا هم أيضًا في وفاق مع بعضهم وذلك بالفكر الواحد واتفاق الروح.
كذلك قوله {ليكونوا واحدًا فينا} لا أن تكون وحدانيتنا مثل وحدانية الابن في الآب، وإلاَّ كان قد قال (ليكونوا واحدًا فيك) مثله، فقوله {ليكونوا واحدًا فينا} أوضح الفارق والاختلاف كونه هو وحده من الآب كحالة فريدة باعتباره كلمته الوحيد وحكمته الوحيد ولكننا نحن نكون في الابن ثم من خلال الابن نصير في الآب" (147).
_____
(146) المقالة الثالثة ضد الأريوسيين ص 38 - 39.
(147) أورده مكرم عزيز فهمي في كتابه ألوهية المسيح والرد على الأريوسية ص 137، 138.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/like-us.html
تقصير الرابط:
tak.la/3k4thkn