ج: من خلال الإجابة على هذا السؤال نعرض الآتي:
مفهوم الفداء هو تقديم نفس عوضًا عن نفس، فمثلًا كان محكومًا على ابن إبراهيم بالذبح ولكن اللَّه فداه بكبش عظيم، واختلف أئمة الإسلام أيهما الذبيح إسحق أم إسماعيل؟ ولا سيما أن القرآن لم يحدّد اسم الذبيح، ولكن من الطبيعي أن إسحق ابن إبراهيم من زوجته سارة كان أعز وأغلى عليه من إسماعيل الذي ولدته له هاجر الجارية، ويقول الإمام "النسفي": "الذبيح إسماعيل وهو قول أبو بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضي اللَّه عنهم. وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضي اللَّه عنهم، أنه إسحق، ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف عليهما السلام: "من يعقوب إسرائيل اللَّه ابن إسحق ذبيح اللَّه ابن إبراهيم خليل اللَّه" (تفسير النسفي جـ 4 ص 20)(293).
وجاءت هذه القصة في القرآن "رب هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم. فلمّا بلغ منه السعي (أي قادر على السعي مع أبيه في عمله) قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى (أي ما هو رأيك؟) قال يا أبتِ افعل ما تُؤمَر ستجدني إن شاء اللَّه من الصابرين. فلمَّا أسلما (أي انقادا للرؤية) وتلَّه للجبين (أي جعله على جبينه ووضع السكين على رقبته) وناديناه إن يا إبراهيم قد صدَّقت الرؤيا، إنَّا كذلك نجزي المحسنين. وإن هذا لهو البلاء المبين (أي الاختبار البيّن) وفديناه بذبح عظيم" (الصافات 101 ـ 107).
وهنا نلاحظ أن القرآن يقرُّ مبدأ الفداء "وفديناه" فاللَّه فدى إسحق بالكبش، ويوضح القرآن طريقة الفداء بسفك الدماء "بذبح عظيم" وأن الذي يقوم بالفداء حتى ولو كـان كبشًا فهو عظيم لأنه يشير للفادي الحقيقي العظيم، والعظمة للَّه وحده.
وتساءل الإمام "النسفي" إذا كان تمرير إبراهيم السكين على رقبة الذبيح يُعتَبر في حكم الذبح أم أنه كان لا بد من فدية تُذبَح فعلًا بدلًا من المفدي، فقال: "ههنا إشكال وهو أنه لا يخلو ما أن يكون ما أتى به إبراهيم من بطحه (بطح ابنه للذبح) على شقة وإمراره الشفرة (السكين) على حلقه، في حكم الذبح أم لا؟ فإن كان في حكم الذبح فما معنى الفداء (وفديناه بذبح عظيم)؟ والفداء هو التخليص من الذبح ببدل... وقد وهب اللَّه لإبراهيم الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة في نفس إسماعيل بدلًا منه... وليس هذا بنسخ منه للحكم، بل ذلك الحكم كان ثابتًا عن طريق الفداء. على أن المبتغى منه في حق الولد أن يصير قربانًا بنسبة الحكم عليه" (تفسير النسفي جـ 4 ص 21)(294).
إذًا مفهوم الفداء هو بذل نفس بدلًا من نفس أو بلغة "النسفي": "الفداء هو التخليص من الذبح ببدل" وعلى أن يحدث ذبح فعلًا وسفك دم، وحتى في أيام الجاهلية عرف العرب مفهوم الفداء، فعندما حفر عبد المطلب جد الرسول بئر زمزم لم يكن له من الأبناء ليعينوه على هذا الأمر، ولذلك نذر لإلهه نذرًا غريبًا، إذ قال لئن رزقت بعشرة أولاد وكبروا حتى يحمونني من قريش لأنحرن أحدهم للَّه عند الكعبة، وعندما رُزق بعشرة أولاد وكبروا أخبرهم بنذره فأطاعوه، فدخل بهم على "هبل" في جوف الكعبة وضرب بالقداح فوقعت القرعة على عبد اللَّه أصغر أولاده وأحبهم إليه، فأخذه أبوه وأخذ الشفرة إلى أساف ونائلة ليذبحه، فمنعته قريش من هـذا، وذهبوا إلى عرَّافة الحجاز لتفتيهم، فسألتهم: كم الدية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل، فقالت: ارجعوا إلى بلادكم، ثم قرّبوا صاحبكم، وقرّبوا عشرًا من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقدح، فإن خرجت على صاحبكم. فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فقد رضى ربكم، ونجا صاحبكم، ففعلوا هكذا فوقعت القدح على عبد اللَّه فأخذوا يزيدون من عدد الإبل إلى عشرين ثلاثين حتى بلغوا المائة فوقعت عليها القدح فنحروهـا فدية عـن عبـد اللَّه (راجع السيـرة النبويـة لابـن هشام ج 1 ص 108 ـ 111).
مفهوم الكفّارة في الإسلام يطابق مفهومه في المسيحية، وهو ستر وتغطية الإثم والخطية، فيقول الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات ألفاظ القرآن" عن الكفّارة "الكفّارة هي ما يغطي الإثم، والتكفير سترة وتغطيـة حتى يصيـر بمنزلة ما لم يُعمَل، ويُقال كفّرت الشمس النجوم أي سترتها"(295).
ولكن الاختلاف بين المسيحية والإسلام في طرق الكفارة، ففي المسيحية هو طريق واحد لا غير، إذ لا كفارة إلاَّ بدم المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولا يمكن للإنسان أن يحصل على مغفرة خطاياه بأي طريق آخَر، فالتوبة مثلًا تُصلِح المستقبل، ولكن لا تمسح خطايا الماضي بدون دم المسيح، والأعمال الصالحة هي واجب على الإنسان وليس تفضّل منه، فإن صام الإنسان وصلّى وقدَّم صدقات كثيرة وفعل كل البر، ولكنه أخطأ في واحدة فصدم صبيًا بسيارته مثلًا... فمن يبرره؟!.. هل تقدر كل أعمال البر التي يعملها أن تعفيه من عقوبة خطأه هذا؟.. وهلم جرَّا. أما في الإسلام فالتكفير عن الخطية له طرق عديدة، فالتوبة تُكفّر عن السيئات "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحًا عسى ربكم أن يُكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار" (التحريم 8) والإيمان يُكفّر عن الخطية "ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا. ربنا فاغفر لنا ذنبنا وكفّر عن سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار" (آل عمران 193)، والأعمال الصالحة تُكفّر عن السيئات "ومَن يؤمن باللَّه ويعمل صالحًا يُكفّر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" (التغابن 9) وكذلك إقامة الصلاة ودفع الزكاة "لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم اللَّه قرضًا حسنًا. لأكفّرنَّ عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار" (المائدة 12) وأيضًا التقوى "يا أيها الذين آمنوا. إن تتقوا اللَّه يجعل لكم فرقانًا ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم" (الأنفال 29) واجتناب الكبائر مثل القتل والزنى "إن تجتنبوا كبائر ما تُنهوَون عنه نُكفّر عنكم سيئاتكم ونُدخلكم مُدخلًا كريمًا" (النساء 31) والقتال في سبيل اللَّه "فالذين هاجروا وأُخرجوا من ديارهم وأُوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لأكفرنَّ عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار" (آل عمران 195) وكذلك الصوم والحج "عن أبا هريرة رضي اللَّه عنه قال سمعت النبـي (صلعم) يقول: من حج للَّه فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"(296)..
ذَكَر القرآن بعض الذبائح التي قدَّمها رجال العهد القديم، وكان الهدف منها التقرُّب للَّه، ومن أمثلة ذلك:
1ـ قبول ذبيحة هابيل ورفض تقدمة قايين "واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرَّبا قربانًا فتقبَّل من أحدهما ولم يتقبَّل من الآخَر، قال لأقتلنك، قال أما يتقبَّل اللَّه من المتقين" (المائدة 27).
2ـ قبول ذبيحة إبراهيم عوضًا عن ذبـح إسحـق "وفدينـاه بذبـح عظيم" (الصافات 107) وفي تفسير البيضاوي قال: "فديناه بذبح: ما يذبح بدله فيتم به الفعل... و"عظيـم" عظيـم الجنة... عظيم القدر لأنه يفدي بها اللَّه نبيًا ابن نبي".
3ـ قبول ذبيحة موسى حيث أوصاه اللَّه أن يقدّم بقرة حمراء ذبيحة خطية تُحرَق خارج المحلة مع أرز وزوفا وقرمز، ويُحفظ الرماد ويُضاف إليه ماء، ويستعمل لتطهير كل إنسان يمس ميت (عد 19: 1 ـ 22) وقد أشار القرآن لهذه الذبيحة، وسميت السورة التي ذُكرت فيها هذه القصة بسورة البقرة نسبة للبقرة التي قدّمها موسى ذبيحة خطية، فيقول: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ. قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ... قالوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ" (البقرة 67 ـ 71).
4ـ قَبِل اللَّه ذبيحة إيليا النبي "فَسَقَطَت نار الرب وأكَلَت المُحرقة والحَطَب والحِجَارة والتُّراب، ولَحَست المياه التي في القناة" (1مل 18: 38) وأشار لهذه الذبيحة القرآن بقوله: "الَّذِينَ قَالُواْ (أي اليهود) إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إلينا ألاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ (مثل ذبيحة إيليا) قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بالبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (آل عمراه 183).
وتقديم الذبائح مبدأ مستقر في الإسلام للتقرُّب من اللَّه ونيل رضاه ولمغفرة الخطايا، وهو أيضًا يدخل ضمن مناسك الحج، ومن أمثلة ذلك:
1ـ مناسك الحج: ذبح الذبائح: "وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فإذا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة 196) والهدي هو الذبيحة، وجاء في كتاب إحياء علوم الدين: "وأمّا ذبح الهدي فاعلم أنه تُقرُّب إلى اللَّه تعالى بحكم الامتثال. فأكمل الهدي وأرج أن يعتق اللَّه بكل جزء منه جزءًا منك من النار. فكلّما كان الهدي أكبر وأجزاءه، أوفر كان فداؤك من النار أعمّ" (إحياء علوم الدين جـ 1 ص 243)(297). وفي سورة الحج يذكر نظام الذبائح (بهيمة الأنعام) فيقول: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ معْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" (الحج 28) كما يقول: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ" (الحج 34)، وقال البيضاوي في التفسير: "إن لكل أهل دين جعلنا قربانًا يتقرَّبون به إلى اللَّه. وقوله ليذكروا اسم اللَّه كثيرًا على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ـ أي عند ذبحها ـ وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعمًا، وقوله بشّر المخبتين أي المتواضعين"(298). وجاء في نفس السورة أيضًا: "وَالْبُدْنَ (البهيمة) جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا... فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (الحج 36، 37).. أي إن هذه الذبائح هي من شعائر اللَّه يذبحونها بعد ذكر اسم اللَّه عليها، ويأكلون لحمها ويشكرون اللَّه على ذلك.
2ـ جاء في سورة الكوثر: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" (الكوثر 1، 2)، وفي تفسير الإمام البيضاوي "إن النحر هو الذبح".
3ـ يُعرف عيد الأضحى بعيد التضحية والفـداء (جريـدة أخبـار اليـوم25 / 4 / 1964م) ويُعرَف في بلاد فارس بِاسم "عيد القربان" وتُذبَح الذبيحة أثناء الوضوء في العيد ويقول الذي ذُبِحَت عنه "اللهمَّ اجعل هذه الذبيحة كفّارة عن ذنبي، وانزع الشر مني" (دين الإسلام ص 367)(299).
وعن أنس رضي اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه (صلعم) ونحن معه بالمدينة... ثم ركب حتى استوت به على البيداء حَمِد اللَّه وسبَّح وكبَّر ثم أهلَّ بحج وعمرة... ونحر النبي (صلعم) بدنات (بهائم) بيده قيامًا وذبـح رسول اللَّه (صلعم) بالمدينة كبشين أملحين"(300) وقال الرسول: "اللهم هذا عني وعمن لم يضحِ من أمّتى" (مشكاة المصابيح ص 42)(301).
وكان الرسول يُعلّم بأن اللَّه يغفر الخطايا عن طريق هذه الذبائح، كما قال لابنته فاطمة: عن أبي سعدة قال: قال رسول اللَّه: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فأشهديها فإن لك بأول قطرة من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك" (كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ص 243)(302).
وكان الرسول يقدم الذبائح عن نسائه، فعن عائشة في حجة الوداع: ".. كان يوم النحر أُوتيت بلحم بقر كثير. فطُرح في بيتي. فقلت ما هذا؟ فقالوا ذبح رسول اللَّه عن نسائه البقر"(303) وصرّح بأن أحبّ شيء إلى اللَّه هـو إهراق دم الذبيحة، فروى ابن ماجه والترمزي والحاكم عن عائشة أن رسول اللَّه (صلعم) قال: "ما عمل أدعىَ من عمل يوم النحر أحب إلى اللَّه من هرق الدم، وأنه يوم القيامة (تأتي الضحية) بقرونها وأشعارها وأظلافها، فتوضع في ميزان الحسنات سبعين ضعفًا"(304) وفي حديث روي عن على بن أبي طالب قال: "وإن الدم ليقع من اللَّه بمكان أن يشمل اللَّه المضحى به برحمته ورضاه قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا، أي ضحّوا بها ونفوسكم راضية غير ضنينة بالثمن ولا مستكرهة دفعة مخلصة غير مرائية"(305).
4ـ ذبيحة العقيقة: تُذبَح للمولود في اليوم السابع من ميلاده وجاء في مختار الصحاح ص 446 تفسير كلمة العقيقة: "العقة أي الشعر الذي يُولد عليه كل مولود من الناس والبهائم ومنه سُميت الشاه التي تُذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة"، وجاء في صحيح البخاري جـ 3 ص 304 "عن سلمان بن عامر الضبيُّ قال: سمعت رسول اللَّه (صلعم) يقول: مع الغلام عقيقة فأهرقوا عنه دمًا وأميطوا (ابعدوا) عنه الأذى"، وفي كتاب "تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب" ص 247 يقول: "وأمَّا العقيقة للمولود فهي سُنّة مؤكدة تذبح وقت طلوع الشمس في اليوم السابع"، ويقولون عن ذبح العقيقة: "اللهم هذه عقيقة ابني... دمها بدمه ولحمها بلحمه وعظمها بعظمه وجلدها بجلده وشعرها بشعره. اللهم أجعلها فداءً لابني من النار. إني وليت وجهي للذي نظر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحيايَّ ومماتي للَّه رب العالمين. اللهم منك ولك. بِاسم اللَّه واللَّه أكبر"(306).
رأينا القصد من الذبائح في الإسلام هو التقرُّب للَّه ونيل رضاه والحصول على مغفرة الخطايا والآثام... ولكن تُرى هل دم الذبائح الحيوانية يفدي الإنسان ويكفّر عن خطيته؟!.. كلاَّ. لماذا؟.. لأن الحيوان لا يصلح أن يكون وسيطًا يُصلح الإنسان مع اللَّه، فهو ليس من طبيعة الإنسان، ولا من طبيعة اللَّه، وأيضًا لأن الحيوان يُذبَح قسرًا وليس اختيارًا فهو لا يُقدَّم نفسه بإرادته، ولأن الحيوان المحدود لا يمكن أن يفي عقاب خطية غير محدودة موجهة للَّه الغير محدود، كما أن الحيوان متى ذُبِح ومات لا قيامة له... فإن كانت الذبائح لا تغفر الخطايا ولا تفدي الإنسان... فلماذا تقبَّلها اللَّه من رجال العهد القديم، بل أنه أوصى موسى بتقديم ذبائح عديدة؟.. لأن جميع هذه الذبائح كانت رمزًا وإشارة لذبيحة السيد المسيح على الصليب، فهو الوحيد القادر على رفع عقاب خطايا العالم كله منذ آدم وحتى المجيء الثاني بشرط الإيمان به.
وما زلنا نرى الإسلام يقـرُّ الذبائح ضمن مناسك الحج، وللمولود، وما أكثر الذبائح التي يُهرق دمها في عيد الأضحى... فعلام تدل هذه الذبائح، أنها تدل على أمر خطير وهو أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" والخلاف هنا فقط هو على نوعية هذا الدم المسفوك القادر على الكفّارة وفداء الإنسان من خطاياه؟ هل هو دم تيوس وعجول وحملان؟.. كلاَّ. بل هو دم المسيح القادر على فدائنا وخلاصنا.
_____
(293) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الإكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 22.
(294) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الإكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 22.
(295) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الاكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 27.
(296) صحيح البخاري جـ 1 ص 265.
(297) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الإكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 26.
(298) أورده الشماس يسى منصور في كتابه الصليب في جميع الأديان طبعة 1976 ص 93.
(299) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الإكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 25.
(300) صحيح البخاري جـ 1 ص 270.
(301) مذكرة دراسات خاصة لطلبة الإكليريكيات اللاهوتية عن الصليب والفداء ص 25.
(302) أورده الشماس يسى منصور في كتابه الصليب في جميع الأديان طبعة 1976 ص 97.
(303) السيرة النبوية لابن هشام جـ 4 ص 140.
(304) أورده ثروت سعيد في كتابه حقيقة التجسد ص 64.
(305) المرجع السابق ص 64.
(306) أورده الشماس يسى منصور في كتابه الصليب في جميع الأديان ص 98.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/sacrifice-in-islam.html
تقصير الرابط:
tak.la/gmfh9qf