الفصل السابع والعشرين: مدرسة الوحدة المسيحية
وسط خضم المذاهب الحديثة المنحرفة يتوق الإنسان للوحدة المسيحية، وللأسف فإن هذا المذهب الفاسد قصد أن يختار اسم " الوحدة المسيحية " كواجهة براقة يجتذب بها الناس من كل مكان، وفي هذا الموضوع نتناول نقطتين هامتين وهما:
1- تأسيس المذهب.
2- مبادئ مذهب مدرسة الوحدة المسيحية.
قام بتأسيس هذا المذهب " ميرتل فيللمور " Myrtle Fillmore وزوجته " مريت " عام 1880م وكان فيلمور مصابًا بالسل في عظامه، وزوجته مريت مصابة بالسل في رئتيها، ولم تكن حالتهما المالية ميسرة، ومن خلال الاستماع لمحاضرات الشفاء العقلي تشبثت الزوجة بهذه الوسيلة للشفاء وقالت لله " أنا طفل لك، لذلك فلن أرث أي مرض " (202) وهكذا فعل زوجها فليمور، فكرسا حياتهما لنشر هذا الاكتشاف المثير، واعتقد فليمور في تناسخ الأرواح، وأعلن أن روحه قد تناسخت من روح بولس الرسول، وفي سنة 1931م ماتت ميريت، وفي سنة 1948م مات فليمور، فتولى رئاسة المذهب أبنهما لوويل Lowell في مسوري بالولايات المتحدة.
ويعتبر مذهب الوحدة المسيحية قديم من جهة أفكاره، وحديثًا من جهة أسلوبه، وهو يشترك مع بعض المذاهب الأخرى مثل البوذيَّة والعلم المسيحي والثيؤصوفية، في الإيمان بتناسخ الأرواح، وعدم أكل اللحوم لأن باللحوم أرواح، وإن الإنسان ليس من حقه أن يقتل الحيوان لأن الحيوان يمثل دورة ثانية للحياة، ولهذا المذهب رموزه مثل الدائرة المجنحة وعليها كلمة واحدة، أو الأبراج التي تعلوها نافذة دائمًا مضيئة ومكتوب عليها " النور الذي يشع من أجلك " (203).
ولمدرسة الوحدة المسيحية برنامجها الإعلامي القوي الذي يُقدَم من خلال البرامج الإذاعية والمطبوعات الغزيرة، والمجلات المختلفة، فهناك مجلة " العمل الجيد " لرجال الأعمال، ومجلة " تقدم الشباب " للشباب، ومجلة " الحكمة المبكرة " للأولاد والبنات، ومجلة " الوحدة " للمرضى... وعبر برامجهم الإذاعية يدعون المستمعين للاتصال بهم تليفونيًا في أي وقت يشاء خلال الأربعة والعشرين ساعة ليجدوا إجابات على تساؤلاتهم، أو يجدوا مجموعة من مدرسة الوحدة المسيحية يصلون معهم ولأجلهم، فيقولون " اتصل بالتليفون من أي جزء من العالم، في أي لحظة من النهار أو الليل وأطلب (رقم تليفون) ومن حجرة تشع بالإضاءة يطرق قلبك صوت لتسمع الوحدة الصامتة والنور الذي يلمع من هذه النوافذ يشرق من أجلك " (204).
ومن خلال الإعلام يشجعون المستمعين والقارئين للاندماج تحت لواءهم، فمذهبهم قادر على منح المرضى الشفاء والفقراء الغنى، وحل كل مشاكل الإنسان وإزاحة الأتعاب عنه... إنها واجهة براقة تخفي وراءها السم الزعاف... جاء في أحد مطبوعاتهم " أن مدرسة الوحدة تتعهد لك بالراحة والشبع في كل شيء يحيط بالإنسان، الاكتفاء في كل شيء، يوجد طريق واحد لنوال هذه الأشياء، التحرر من الخوف والصحة والانسجام والملء والإشباع. إذا ما كنت مخلصًا في طلب تغير نموذج حياتك، إن أردت أن تعيش سعيدًا متحررًا وكاملًا في كل شيء، يوجد طريق واحد لنوال هذه الأشياء وأكثر منها، مدرسة الوحدة، مدرسة غير كنسية. إننا نريد مساعدتك مع الجميع بصرف النظر عن انتمائك الكنسي لتجد الصحة والسلام والبهجة. يومًا بعد يوم وعلى أسس مسيحية " (205). ويصل هذا الكم الغزير من مطبوعات مدرسة الوحدة المسيحية إلى أكثر من 2 مليون عضو، بالإضافة إلى أكثر من أربعة ملايين مستفيد، وكثير من هؤلاء على قناعة تامة بصدق هذا المذهب المنحرف، وعندما أجرى البروفسور مرقس باك Marcus Back إستيفاءًا للقراء عن هذا المذهب، وما أعجبهم فيه، جاءت الإجابات " الأمانة من جهة إيضاح الدين... الشفاء الطبيعي... الدين يمكن أن يُمارس ونعيشه كتعليم عملي، مدرسة أحد رائعة لأولادي، لا نسمع كلمة عن الخطية أو العقاب أو الدينونة، ولذلك فالدين من خلالهم مبهج، إله محب... نجاح وتقدم، لا خوف من الله، وضوح المعنى الحقيقي للمسيح " (206) هكذا يظن المخدوعين في هذا المذهب المنحرف.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من هذا المبادئ ما يلي:
أ - الله ليس له كينونة مميزة، إنما هو الحياة، هو القاعدة الصلبة غير المتغيرة في مصدر الوجود... إنهم يعتقدون بوحدة الوجود، أي إن الله والكون والمخلوقات جميعها شيء واحد، أي إن هناك وحدة لكل الحياة، ويقولون أن السيد المسيح قد أدرك وحدة الوجود هذه لذلك قال " أنا والآب واحد " وكل شخص مستنير يستطيع أن يقول عن نفسه أنه المسيح إبن الله.
ب - لا يعترفون بألوهية السيد المسيح، كما ينكرون ألوهية الروح القدس، فيسوع في نظرهم ليس هو المسيح، لأن يسوع مجرد رجل يمثل أساس المسيح الخالد، يمثل فكرة الله. أما المسيح فهو الفكرة المطلقة السماوية، وهو الروح الكونية والألوهية.
ج - ينكرون فاعلية الكفارة بدم المسيح، فيقولون أن الكفارة تتم بمعرفة وإدراك الفرد لكيانه السماوي، وتتم بإتحاد الإنسان مع الله الآب في المسيح، وذلك بمصالحة عقل الإنسان مع العقل الإلهي من خلال شعور فوقي لعقل المسيح، أما صلب المسيح فكان مثالًا لقوة الذهن وسموها فوق المادة، وليس المهم أن يكتشف الإنسان ما عمله يسوع المسيح لأجله، بل ما يفعله الخاطئ من أجل نفسه.
د - قيامة المسيح ليست معجزة لكنها برهان لرقابة الفكر، فالمسيح رفع جسده إلى البعد الرابع Fourth Dimension ومن خلال الفكر نقيم نحن أنفسنا من الموت، وبذلك ينكرون قيامة الله للأجساد.
هـ- الكتاب المقدَّس غير معصوم من الخطأ، فهو شهادة بشرية للإعلان السماوي، وهو غير كافٍ للفهم الروحي، فكثيرًا ما يثير الكتاب بعض الآراء والرؤى غير المفهومة، وبالرغم من أن الفريسيين كانوا متخصصين في دراسة الأسفار لكن يسوع قال لهم " تضلون إذ لا تفهمون الكتب " فالإنجيل بالنسبة للذين لم تنشط أذهانهم يعتبر طلاسم، ولذلك تختار مدرسة الوحدة بعض عبارات الإنجيل فقط لإحلال معنى روحي بدلًا من المعنى الظاهري.
و - هذا المذهب المنحرف مثل كثير من المذاهب المنحرفة التي تؤله الإنسان، فيقولون كما قال الرب لموسى عن نفسه " أهية الذي أهية " هكذا الإنسان يستطيع أن يعلن عن ألوهيته الخاصة، وكل إنسان يتمتع بنفس سماوية مثل المسيح، بل إن الإنسان في حالته الصادقة هو المسيح، وكما فعل يسوع هكذا يستطيع أن يفعل، ويمكنه أن يقول " أنا هو أنا I am that I am أنا الحب اللانهائي، أنا القوة غير المحدودة، أنا الصلاح المطلق، أنا أنكر كل الشرور وكل ما يتسبب للفقر والمرض أو كل ما هو شرير بغيض " (207). وجاء في صيغة إقرار الإيمان الخاص بهم " أنا هو، أنا روح، أنا الحياة، أنا المسيح، أنا لا أعرف أي فساد أو شر، أنا أنكر كل خطية ومرض، أنا عندي كل القدرات، أنا الله متجسد وممثَّل في جسمي وكياني " (208) ويستطيع الإنسان أيضًا أن يقول " أنا إبن الله، أنا الابن الوحيد الذي في حضن الآب، أنا مسيح الله، أنا الابن المحبوب الذي سرَّ به الآب ".
ز- لا يعترفون بأي وجود للخطية ولا للمرض ولا للموت، فالخطية في نظرهم هي الجهل، ومشكلة الإنسان ليست في الخطية بل في طريقة التفكير، والمغفرة من الخطية ليست إلاَّ محو الأفكار المميتة من شعور أو وعي الإنسان، ولا وجود للشيطان، فالشيطان هو مجرد حالة تنمو في شعور الإنسان. أما الإنسان المريض يستطيع أن ينال الشفاء عن طريق الألوهية التي تخصه، فيستطيع أن يتحرَّر من كل الأمراض والأسقام، بل يستطيع أن يتغلب على الفقر ويصير غنيًا إذا تمسك بألوهيته الخاصة.
ح - يعتقد أصحاب مدرسة الوحدة المسيحية بتناسخ الأرواح، فالروح لها فرصة لكيما تتغلب على ضعفاتها، وتتعالى وتسمو وترقى إلى قياس قامة المسيح، فتصل إلى الراحة الأبدية، وإن لم يتحقق هذا الهدف في هذه الحياة فيمكن أن يتقدم في التجسد القادم، وبسبب إيمانهم بتناسخ الأرواح وسمو الأرواح أو انحدارها لذلك يمنعون ذبح الحيوانات وأكل لحومها لأنها تعتبر صورة من صور التجسد للروح.
ط - يتبع أرباب هذا المذهب الغش والخداع والتلون، فيطلبون من أتباعهم عدم إنشاء كنائس مستقلة بهم، إنما يتسللون ويتغلغلون في كنائسهم وسط صفوف المؤمنين، مع العمل على خلخلة عقائدهم، فيقولون " لا تشجعوا على إنشاء كنائس مستقلة، ولكن اندسوا والتحقوا بالكنائس القائمة، وبهدوء تخللوا صفوف العابدين وخلخلوا عقيدة العابدين " (209).
_____
(202) رأفت زكي – دليل الشباب في مواجهة المذاهب المنحرفة ص 112.
(203) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 105.
(204) المرجع السابق ص 108.
(205) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 106.
(206) المرجع السابق ص 107.
(207) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 110، 111.
(208) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 111.
(209) المرجع السابق ص 117.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/christian-unity.html
تقصير الرابط:
tak.la/2thk4g6