St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   crooked-denominations
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المذاهب الحديثة المنحرفة - أ. حلمي القمص يعقوب

11- البوذية

 

الفصل الحادي عشر: البوذيَّة

 

موضوع البوذيَّة موضوع ضخم متفرع، ولضيق المقام نتحدث هنا بإختصار شديد عن البوذيَّة من خلال النقاط الآتية:

أولًا: تاريخ البوذيَّة.

ثانيًا: سدهارتا مؤسّس البوذيَّة.

ثالثًا: السارايوجا.

رابعًا: إنحرافات البوذيَّة.

خامسًا: معتقدات وتعاليم البوذيَّة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أولًا: تاريخ البوذيَّة

 بزغت البوذيَّة مثل الجينيَّة من الديانة الهندوسيَّة في القرن السادس قبل الميلاد على يد " سذهارتا " كنوع من الثورة السلمية على النظام الطبقي، وانضم إليها الكثيرون من أبناء الطبقات الدنيا الذين يعانون من احتقار واضطهاد طبقة البراهمة، وظلت كل من البوذيَّة والجينيَّة تدور في فلك الديانة الهندوسيَّة، فكل منهما تؤمن بنفس الاعتقادات الهندوسيَّة مثل تناسخ الأرواح، وإن الحياة شر، ولكن البوذيَّة لم تركز على الآلهة، وليس لها طائفة من الكهنة، ولذلك عبد البوذيون الآلهة الهندوسيَّة التي اعتادوا عليها منذ الأجداد. ثم اعتبروا فيما بعد بوذا " سذهارتا " هو الإله فعبدوه، ووضعوا تمثاله بين تماثيل الآلهة الهندوسيَّة.

 وبعد موت سذهاراتا انكمشت البوذيَّة وتعرضت إلى فترة ضعف، ولكنها استردت قوتها في القرن الثالث قبل الميلاد، فقد كان شمال الهند مقسَّمًا إلى ممالك صغيرة عديدة فقام " شندرا جوبتا موريا " Chandra Gupeta Mourya بطرد اليونان من البنجاب، وغزو الممالك الصغيرة في الشمال، وكوَّن الإمبراطورية الموريَّة التي شملت معظم مناطق الهند الشمالية، وامتدت إلى الجنوب، فحقق أكبر إتحاد سياسي في تاريخ الهند حينذاك، وصارت له حكومة قوية وتنظيم إداري محكم، ونظام لتسجيل المواليد والوفيات للرعايا الهنود. ثم جاء حفيده " أزوكا " Asoka (294 – 227م) للحكم فقاد حروبًا شرسة قُتل فيها نحو مائة ألف رجل، حتى اشمئز من سفك الدماء، وقرَّر عدم خوض الحروب ثانية وتكريس نفسه للدين، وتحول من الهندوكيَّة Hinduism إلى البوذيَّة Buddhism وترك مملكته ولم يأخذ منها سوى أشياء ضئيلة عبارة عن ثلاثة أردية صفراء، ونطاق يشدها به، وإبرة لرتق الأردية، وموس لحلق شعره، وغربال لتصفية الماء قبل شربه حتى لا يبتلع حشرة ضئيلة عالقة بالماء.

 واستطاع أزوكا أن ينهض بهذه الديانة من مجرد مذهب صغير إلى دين للإمبراطورية الموريَّة، وأرسل رسله ينشرون البوذيَّة في البلاد الخارجية مثل بورما والصين واليابان ومصر وسوريا وسيلان، وفي سيلان اليوم توجد أقدم شجرة معروفة على الأرض، وهي عبارة عن فسيلة مأخوذة من الشجرة المقدَّسة التي جلس تحتها بوذا عندما نال الإشراقة، فصارت روحه عظيمة ومازالت باقية للآن.

 " وفي نهاية القرن الثاني الميلادي، جاءت إمبراطورية كوشان Kushan الجديدة خلفًا لإمبراطورية المور، والكوشانيون من البوذيين المخلصين لدينهم، وفي عهدهم امتدت البوذيَّة إلى الصين، وفي تلك الفترة، كانت التجارة على درجة كبيرة من النشاط، وكان لفارس وروما والصين تأثير عميق على الثقافة الهندية. وفي القرن الخامس بدأت البوذيَّة في الهند في الاحتضار، فقد كانت إمبراطورية جوبتا Gupta وهي أعظم إمبراطوريات ذلك العصر، بل وعلى مدار تاريخ الهند القديم كانت تدين بالهندوكيَّة... " (124).

وإن كانت البوذيَّة قد قل وجودها في الهند لكنها انتشرت وقويت في الدول الأخرى، حتى إنه في القرن التاسع عشر كانت البوذيَّة منتشرة في نحو ثلاثين دولة آسيوية، واتصلت بالفكر الأوربي فكان لها أثرها على الفلسفة الغربية والأدب الأوربي والموسيقى والثقافة... إلخ، ويصل عدد البوذيين اليوم في العالم إلى نحو خمسمائة مليون نسمة معظمهم منتشرون في بورما وتايلاند والصين واليابان وأندونسيا، وفي فرنسا يوجد نحو خمسة ملايين فرنسي يعتنقون البوذيَّة، وفي اليابان تجد عدة مدارس بوذيَّة، وفي إحدى المدارس قد ترى الراهب يركع أمام معلمه، يلفظ نذوره ثلاث مرات، فيقتطع له المعلم خصلة من شعره رمزًا للتخلي والزهد (راجع مجلة النهار 4 أغسطس 2002 – من شبكة الإنترنت).

 

St-Takla.org Image: Buddha, Buddhism, meditation, Zen icon, candles, lotus flower - Religious and celebration symbols - used with license. صورة في موقع الأنبا تكلا: بوذا، البوذية، تأمل، زين، شموع، زهرة اللوتس - رموز دينية وأعياد - مُستخدمة بتصريح.

St-Takla.org Image: Buddha, Buddhism, meditation, Zen icon, candles, lotus flower - Religious and celebration symbols - used with license.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بوذا، البوذية، تأمل، زين، شموع، زهرة اللوتس - رموز دينية وأعياد - مُستخدمة بتصريح.

 أما عن الكتب المقدَّسة البوذيَّة، فإن بوذا الذي رفض النظام الكهنوتي، رفض أيضًا أن يضع كتابًا يشمل أفكاره وفلسفته، حتى لا يتسبب تفسير أقواله وتأويلها إلى نشوء الكهنوت البوذي، وهكذا ظلت التعاليم البوذيَّة تنتقل شفاهة حتى القرن الأول الميلادي حيث وضعت في ثلاث مجموعات دُعيت " بيتياكا " أي السلال الثلاث وهي:

فينايا - سوترا - ابيدارما

 

1- فينايا: أي النظام وهي خاصة بإحترام الرهبان.

2- سوترا: أي مواعظ بوذا، وتحتوي على عرض عام للمبادئ والتعاليم والعقائد.

3- ابيدارما: أي العلوم النظرية للنظام.

 

وكُتبت السلال الثلاث باللغة السنسكريتية واللغة البالية، وعندما تُرجمت هذه الكتب إلى اللغات الإقليمية والأجنبية انقسم البوذيون إلى البوذيين أهل الشمال وهم الذين ينتمون إلى نيبال والتبت والصين وكوريا واليابان والهند الصينية وجاوا وسومطرة، والبوذيين أهل الجنوب وهم الذين ينتمون إلى سيلان وبورما وتايلاند (راجع عبد الرحمن حمدي – الهند... عقائدها وأساطيرها ص 127، ودكتور محمد غلاب – الفلسفة الشرقية ص 123) ومن المعروف أن البوذيَّة لم تركز على الآلهة لذلك دُعيت دين إلحاد، ولا تعترف بالكهنوت الهندوسي، فإن كان البراهمي يقوم بدور الوسيط بين الإنسان والآلهة في الديانة الهندوسيَّة، ويقدم الضحايا والقرابين، ويقبل الهدايا، فإن الراهب البوذي هو إنسان تجرد من كل شيء، فقد ترك أسرته ومجتمعه، ويقضي عمره هائمًا على وجهه من مكان إلى مكان، وإن أمكنه يكرز ويعظ ويبشر بديانته. وبينما يعيش الراهب البوذي في فقر اختياري مدقع، فإن هناك مؤسسات بوذيَّة غنية وقوية نتيجة الهدايا والتبرعات التي تقبلها، وهناك معابد فخمة جدًا، حتى إن للبوذيَّة نحو 800 معبد مُشيّد تحت مستوى الأرض.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: سذهارتا مؤسّس البوذيَّة

 وُلِد " سذهارتا " Siddharta سنة 563 ق. م. من أب هندوسي غني من طبقة الكشتريا يدعى " سدودنا " Suddhadana وأم نبيلة اسمها " مايا " Maya، وكانت الأسرة تقيم في قرية " كبيلاوافو " Kapilavathu حيث تسيطر طبقة الكشتريا على المنطقة بأرضها الخصبة وضياعها الفسيحة وقصورها الشاهقة. وفي الأسبوع الأول من ولادة سذهارتا ماتت أمه، فربته خالته " مهاياباتي " Mahayapati وشبَّ سذهارتا مثل " مهاويرا " الذي أسَّس الجينيَّة في خير عميم، وعندما بلغ سن الشباب زوجه أبوه من " ياسودهرا " ابنة أحد الأمراء، فأنجب منها ابنًا دعاه " راهولا " Rahula.

وقد تعرَّض سذهارتا إلى موقف معين جعله يستغرق في التفكير، فقال البعض أن هذا الموقف هو رؤيته لرجل عجوز قد أحدودب ظهره يسير ببطء وهو يتوكأ على عصاه ويكاد ينكفي على صدره، وقال البعض أنه رأى مريض يتألم وأهله يحيطون به ويعجزون عن فعل أي شيء لتخفيف الألم عنه، وقال آخرون أنه رأى جثة إنسان تنبعث منها رائحة نتنة، فقرر سذهارتا أن يترك صخب هذه الحياة، ويسلك في حياة الخلوة والزهد والتقشف لعله يصل إلى معرفة سر الكون. وفي إحدى الليالي بينما تجمع في القصر عدد كبير بسبب ولادة " راهولا " إبن سذهارتا، ترك هو كل شيء وامتطى جواده، وسار طوال الليل حتى الصباح فتوقف على إحدى ضفاف النهر، فترجَّل، وقطع بسيفه ذوائبه المتهدلة، وخلع الحلي، وأرسلها مع حصانه إلى بيته، وواصل سيره حتى التقى باثنين من الرهبان البراهمة فتتلمذ على أيديهما، ولكنه اكتشف أنهما يتقشفان حبًا في التقشف ذاته، بينما كان هدفه الوصول إلى أسرار الكون، واتخذ التقشف وسيلة وليست غاية، ولذلك ترك سذهارتا هذين الرجلين وسلك في طريق الرهبنة بحسب مفهومه وأطلق عليها اسم " غوتاما " Goutama.

وارتقى سذهارتا في التقشف حتى برزت عظامه، وتخلى عن ثيابه، واكتفى برقاع أو بعض أوراق الشجر ليستر عورته، وكان ينام على الحصى أو الأشواك، ومارس رياضة التأمل، وكان يزامله خمسة من النساك فاقهم جميعًا فجعلوه زعيمًا بينهم، وبينما كان سذهارتا يهيم على وجهه مال إلى شجرة في غابة " أوريلا " Urwala ليستظل بها وهو يتناول طعامه، ولكن أحس برغبة جارفة أن يطيل المكوث تحت ظلال الشجرة، وكأن تحتها سرًا يريد أن يكتشفه، فيقول سذهارتا " سمعت صوتًا في داخلي يقول بكل جلاء وقوة: نعم في الكون حق أيها الناسك، هناك حق لا ريب فيه، جاهد نفسك اليوم حتى تناله. فجلست تحت الشجرة في تلك الليلة من شهر الأزهار، وقلت لعقلي وجسدي: اسمعا، لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق، لينشف الجلد، ولتنقطع العروق، ولتُفصل العظام، وليقف الدم عن الجريان، لن أقوم من مكاني حتى أعرف الحق الذي أنشده، فينجيني " (125). وأخيرًا شعر سذهارتا أنه نال الإشراقة وحصل على نزعة سماوية، وأحس أن العقل قد تجرَّد من شوائب المادة، وتساقطت عنه كل هموم الحياة، ووصل إلى منابع الحياة واكتشف مقاليد السرور، وعَلِم أن مصدر الشر والشقاء والتعاسة والألم نابع من أنانية الإنسان وشهواته وأهوائه، وأن طريق الخلاص يتمثل في البعد عن الأنانية، والتخلي عن الأهواء، والتسامي فوق الرغبات، ورفض الشهوات، والسلوك في حياة الزهد والتقشف، فأصبح سذهارتا " بوذا " أي العارف المستيقظ والعالم المتنور، فيقول " لما أدركت هذا تحرَّرت من الهوى، تحرَّرت من شرور الكون الأرضي، تحرَّرت من شرور الخطأ، من شرور الجهل، وتيقظ فيَّ المتحرر، شعور التحرر، وشعور عدم تكرار المولد، لقد انتهى الصراط المقدَّس، وقد تمت الفريضة، فلن أرجع إلى هذه الدنيا رجعة أخرى. فقد أبصرت هذا " (126).

 

ودعى أتباع بوذا الشجرة التي جلس تحتها بالشجرة المقدَّسة أو شجرة العلم، ورأوا أن فيها سرًا معينًا لذلك يجب على الناس أن يجلسوا تحت ظلالها، وأخذ أتباع بوذا فسائل منها وزرعوها في الأقطار المختلفة ليسعى الناس ويحجون إليها، والفسيلة التي أُرسلت إلى سيلان صارت دوحة مازالت قائمة حتى الآن، وتعتبر أقدم شجرة معروفة على مستوى العالم كله.

وبعد أن حصل بوذا على الإشراقة عاد إلى رفاقه النساك الخمسة، ودعاهم إلى مذهبه فلبوا الدعوة، ثم جمع نحو ستين شابًا، وتلمذهم وأوصاهم بنشر دعوته، ولاسيما أن فلسفة بوذا لم تعتمد على خلاص الفرد فقط إنما تهتم بإنقاذ العالم كله من الشقاء والظلم وذلك بإلغاء نظام الطبقات كما في الهندوسيَّة، فالتف حول بوذا عدد كبير من الرجال والنساء والشيوخ والشابات، فأحاطهم بعنايته وصار نموذجًا لهم، واشتهرت دعوته باسم " النظم " أو " عجلة الحياة " فظل بوذا يعيش كمبشر متسول وفي نفس الوقت يرعى أتباعه لمدة أربعين عامًا حتى وصل سنه إلى الثمانين.

وأنكر بوذا وجود الله، وتصوَّر أنه لا يوجد إلاَّ روحًا عامًا يتغلغل كل شيء، ولذلك اقتصرت دعوته على الدعوة الأخلاقية، فلم يتحدث عن الإله، وتحاشى الحديث عن كل ما يتصل الآلهة، وقال " إن الذين يتكلمون عن الله، لم يروه وجهًا لوجه، فهم كالعاشق الذي يذوب كمدًا وهو لا يعرف من هي حبيبته، وكالذي يبني السلم وهو لا يدري أين يوجد القصر، وكالذي يريد أن يعبر نهرًا فينادي الشاطئ الآخر ليَقدُم له " (127).

ورأى بوذا أن خلاص الإنسان يتوقف على الإنسان نفسه، ولا يتوقف على القوة الإلهيَّة ولذلك صرف نفسه عن الحديث عن الذات الإلهية، وتكلم عن فلسفته في هذه الحياة على أنها ألم وشقاء وشهوة وهوى، فعندما سأله أحد أتباعه: هل الذات (القوة الإلهية) موجودة؟ فسكت، فسأله: هل الذات ليست موجودة؟ فظل ساكتًا، فسأله: هل هذا الكون دائم أم غير دائم؟ فقال له بوذا " هل قلت لك جئني أُعلّمك عن الذات وعن الكون؟ لا، لم أقل هذا، أيها المريدون لا تفكروا كما يفكر الناس. بل فكروا هكذا: هذا ألم. هذا مصدر الألم، هذا إعدام الألم. هذا سبيل إعدام الألم " (128).

وهكذا كان بوذا يركز على الخلاص من الألم، ففي خطابه الأول عقب نواله الإشراقة قال "أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدسة عن الألم: المولد ألم، الهرم ألم، المرض ألم، الموت ألم، الاجتماع بغير المألوف ألم، الافتراق عن المألوف ألم. عدم ظفر الرجل بما يهوى ألم.

التلذذ... وتلك الشهوة تجرُّ من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم. إذا وجدت الشهوة والهوى وُجِد التحديد والتخصيص، وإذا وُجِد التحديد والتخصيص وُجِد الجهل، وإذا وُجِد الجهل وُجِد الخطأ، وإذا وُجِد الخطأ وُجِد الحزن، فالحزن نتيجة للهوى والشهوات.

أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدَّسة عن إعدام الألم. إعدام الشهوة والظمأ والرغبة إعدامًا باتًا " (129) وكتب أتباعه على أعلى معبده بالتبت قوله " إن الحياة تعيسة وشاقة. شهوة الإنسان هي مصدر التعاسة. فاهمِل كل شيء حتى ترتقي للنيرفانا ".

واستطاع بوذا أن ينشر البوذيَّة بسهولة، ولاسيما أنها ديانة سلام، وتدعو لتحاشي الغضب والانتقام، ورفض التعصب الديني بجميع وجوهه، فعندما رأى بوذا أحد أتباعه في نقاش حاد مع براهمي كان يتهم بوذا بالإلحاد وقلة الورع، عاب عليه ذلك وقال " أيها الإخوان، إن كان هناك من يقدح في ذاتي أو في ديني أو في " النظام " فليس لكم أن تغضبوا أو تحزنوا أو تحقدوا، لأنكم بهذا تعرضون أنفسكم لخطر الخسارة الروحية أولًا، ثم لا تتمكنون في ثورة الغضب من تمحيص أقوال القادح ثانيًا " (130) كما قال بوذا " إن الحياة كلها من الولادة إلى الموت لهيب وحريق، إنها نار الشهوة، ونار البغض والعداء والهوى. ولكن هناك طريقًا لإخماد هذه النار... أما بابه فهو تطهير الذهن، ونهايته السلام والحنان لكل الخلق من الأحياء. إن الذي يسلك هذا الصراط لا يقول، أنني أنا، وذلك الإنسان غيري، ولذلك ففي نفعه خسارتي! كلا! بل هو يقول: يجب عليَّ أنا الذي فزت بالبصيرة، أن أشعر بالحب والحنان لكل الخلق الذين قُيّدوا بهذه الأغلال، أغلال العلة وتعدد الحياة، ولقد كسرتُ أنا هذه الأغلال بنفسي بقلع الشهوة من قلبي، فيجب عليَّ الآن أن أسعى للكل وأجعلهم أحرارًا " (131).

 

وعاش بوذا لم يره أحد قط ساخطًا أو غاضبًا أو نطق بكلمة جارحة أو قاسية، وكما اعتزل بوذا الحياة الأسريَّة، هكذا اعتكفت زوجته " ياسودهرا " في كوخ على مدخل مدينة " راج غاها " وكان ابنها الوحيد " راهولا " يذهب إليها مرة واحدة كل عام، وعندما كانت الجموع تجلس تستمع إلى بوذا كان ياسودهرا تجلس وسط الجموع تتلقى الإرشاد، وقبيل موتها زارها بوذا في كهفها مع إبن عمه فوجدها سيدة عجوز خط عليها التقشف الشديد خطوطًا واضحة، وشعر رأسها محلوق، وقد خارت قواها، وعندما أبصرت زوجها قالت له "قد أطاعت الأمة (العبدة) سيدها، ودخلت النظام منذ أن أُذن لها، والحمل الثقيل الذي حملته أضعه الآن على الأرض، إنه لم يبق في نفس بذر للحياة " (132) وأسلمت الروح، واستأنف بوذا سيره قائلًا لأتباعه " كل شيء يؤول إلى الانحلال، وأنا كذلك أيها التلاميذ قد شخت وأوشكت أن أموت، جدُّوا لتحرير أرواحكم بكل ما أُوتيتم من الحول، وفي خلال الشهور القادمة سأموت، إن أجلي قد حان، وإن حياتي يجب أن تنتهي وآن لروحي أن تلقي حملها، أيها الرهبان، عليكم بالتيقظ والتبصر، لتكن أفكاركم سليمة، راقبوا قلوبكم، وصونوا نفوسكم، ولا تغفلوا، لتكن إرادتكم طاهرة قوية، واجتازوا بحر الحياة غير آسفين ولا متحسرين " (133) ودخل بوذا الغابة مع بعض تلاميذه، وفي مكان بين واحتين ترتفع أمامه قمم جبال الهملايا Himalayas نام بوذا نوم الموت سنة 483 ق. م. بعد أن نهى تلاميذه عن البكاء عليه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Gautama Buddha statue صورة في موقع الأنبا تكلا: جاوتاما بودا أو تمثال بوذا

St-Takla.org Image: Gautama Buddha statue - Sanskrit: सिद्धार्थ गौतम.

صورة في موقع الأنبا تكلا: جاوتاما بودا أو تمثال بوذا.

ثالثًا: السارايوجا

 مع نهاية القرن التاسع الميلادي انحسرت البوذيَّة، وبدأت تتراجع حتى سنة 1200 م، ولاسيما في الدول الأوربية والآسيوية، ومع بداية القرن العشرين سنة 1918م أعلن مجموعة من الهنود بأن الديانة البوذيَّة تحوَّلت إلى السارايوجا، ومع نهاية القرن العشرين سنة 1995م عادت للبوذيَّة جاذبيتها بعد اعتناق نجوم هوليود وسياسي أوربا لها، وصار للبوذيَّة مراكزًا بين نيويورك وسان فرانسيسكو يقصدها الأمريكيون بغية الحصول على الهدوء النفسي، وحاولت المغنية الشهيرة " مادونا " أن تصبح راهبة بوذيَّة ولكنها رُفضت بسبب انحلالها الخلقي. أما الممثلة الشهيرة " ماي لويز ماريان " فإنها تقول " لقد اعتنقت البوذيَّة لأن كل شيء فيها مسالم جدًا " (134).

 وفي ألمانيا اعتنق رجال الاقتصاد وأساتذة الجامعات الديانة البوذيَّة، حتى إن الألماني " سيجمار زولياخ " يشيد بالسلام الذي تنشره البوذيَّة فيقول " لم تُشن حرب أبدًا باسم البوذيَّة " (135) ووصل عدد البوذيين في ألمانيا نحو نصف مليون شخص، بالإضافة إلى 120 ألف بوذي من دول آسيا يعيشون على الأراضي الألمانية، ولاقت الكتب البوذيَّة انتشارًا واسعًا في ألمانيا، فكان كتاب " خمسة أشخاص من التبت " مطلوبًا بكثرة خلال عامي 96، 1997م، وصمَّمت بيوت الأزياء العالمية زي رجال التبت، وظهرت عطورًا تحمل اسم " بوذيَّة " وظهرت الأفلام العالمية التي تمجد البوذيَّة، مثل فيلم " سبع سنوات في التبت " للنجم الشهير " برادبيت " والذي شاهده أكثر من 2 مليون ألماني، وفيلم " كوندن " الذي يحكي قصة زعيم البوذيَّة الحديثة (السارايوجا) " الدلاي – لاما " وقد أخرجه المخرج المشهور " سكورسيزي " وتم تصويره في المغرب لأن السلطات الصينية رفضت تصويره في الصين.

 

ويعتبر " الدلاي لاما " هو زعيم السارايوجا، وقد اتخذ مدينة " دهرامزاي " مقرًا لحكومة التبت في المنفى، ونادى بانفصال إقليم التبت عن الصين، وتعاطف معه الكثيرون من سياسي أوربا. أما عن حياة الدلاي لاما الشخصية فإنه تُوّج سنة 1940م وهو طفل في قلعة ضخمة تشمل ألف حجرة، وفي سنة 1950م تُوّج قائدًا عامًا لشعب التبت، وفي سنة 1959م عندما شبت الثورة ضد الصين هرب إلى الهند ومعه نحو ثمانين ألف شخص من شعبه. أما الجيش الصيني الذي يتمسك بالتبت فقد سفك دم نحو 87 ألف شخص مع شعب التبت لمطالبتهم بالإنفصال، وكثيرًا ما دُعي الدلاي لاما في الدول الأوربية لإلقاء محاضراته عن التأمل وتأثيره على الجسم البشري، ويستيقظ الدلاي لاما مبكرًا، حيث يقضي أربع ساعات في التأمل، ثم يتناول طعامه من الشعير المهروس، ويشاهد نشرة الأخبار التي تبثها إذاعة الـ"B.B.C." ويمارس رياضة ركوب الدراجة، ويسافر الدلاي لاما إلى بلاد كثيرة لينشر البوذيَّة الحديثة، ويلتقي بالرئيس الأمريكي، ومندوبين من الإتحاد الأوربي، فيتلقى منهم الأوسمة، حتى إن شعبيته ازدادت جدًا بفضل أفلام هليود التي تسلط الأضواء على حياته، وفي سنة 1989م حصل الدلاي لاما. وفي سنة 1995م أخذ الدلاي لاما يبحث عن الطفل الذي يخلفه، وبعد أن اختار طفلًا يخلفه اختطفت الصين هذا الطفل وحبسته وكان له من العمر ست سنوات.

 

 وفي سنة 1967م ظهر "شوكي الاما" المسيحي الأمريكي ذو الأصل الهندي، ونادى بمعتقد جديد يعتمد على تطاير ذبذبات من جسد الخالق، وقالوا إن هذه الذبذبات ظلت هائمة في الفضاء، وحلَّت بجسد " بوذا " وجسد " زرادشت " وبعد موتهما ظلت هذه الذبذبات هائمة في الجو.

 

 وفي سنة 1972م انتهت حياة " شوكي ألاما " في ولاية " الياما " الأمريكية، فأكملت ابنة أخيه " سارايوجا " الرسالة، بعد أن دمجت بعض المعتقدات البوذيَّة مع الزرداشتية والفرعونية القديمة، وفي الثمانينات عادت " سارايوجا " إلى الهند وأسَّست كنيسة حيث أعدَّت ستة أشخاص من أتباعها، وطلبت منهم الذهاب إلى الولايات المتحدة لنشر مذهبهم، وإنها ستلحق بهم فيما بعد، وهكذا أسست " سارايوجا " في أمريكا جمعيتها المسيحية على طريقة السارايوجا " Caracrist " أو " Saracrististianty " وقالت إن الذبذبات التي تطايرت من جسد الإله، واستقرت لدى بوذا، وزرادشت، والمسيح، بعد موتهم طارت إلى الأماكن القديمة مثل المعابد الفرعونية العظيمة أو المعابد الصينية القديمة.

 وفي سنة 1986م بلغ أعداد التابعين لسارايوجا في الولايات المتحدة 17 ألف شخص، وصارت تنمو هذه الجماعة شيئًا فشيئًا، ولاسيما سنة 1989م عندما أعطت " سارايوجا " أوامرها لأتباعها لنشر المذهب في كل أنحاء العالم، وجاءت إلى مصر الفتاة الألمانية " أندريا " ذو السبعة والعشرين ربيعًا إلى مصر موفدة من قبل " سارايوجا " لنشر مذهبهم، ووجدت " أندريا " ضالتها المنشودة في السودانيين فصادقتهم، ولاسيما البوابين منهم، كما أقبلت إلى مصر أيضًا السويدية " شاسا " سنة 1997م لذات الغرض وهي تحمل تمثال مصري قديم للإلهة "سخمت " Sekhmet  إلهة الشر عند قدماء المصريين، وبعد أن سقطت في عدة فضائح جنسية، وقيل أنها مريضة بالإيدز قامت السلطات المصرية بترحيلها.

 

وحاولت " سارايوجا " نشر مذهبها الجديد أيضًا في العراق، والأردن، وتونس، والمغرب، ولندن، واضطرت سلطات تلك البلدان إلى ترحيلهم، وذلك بالرغم من أن بعضهم طلب حق اللجوء السياسي ليظل في مكانه، ولكن مثل هذه الطلبات قُوبلت بالرفض، ومع هذا فإن " السارايوجا " قد انتشرت  حتى وصل عددهم في اليابان إلى أكثر من نصف مليون شخص، وفي الهند إلى ثلاثة ملايين، وبلغ عدد المعتقلين منهم في إنجلترا نحو 4700 شخص من جنسيات مختلفة.

St-Takla.org Image: Bodhisattva in meditation (a person who is on the path towards bodhi ('awakening') or Buddhahood). - Archaeological Museum (Civico Museo Archeologico di Milano), Milan (Milano) Italy. It is located in the ex-convent of the Monastero Maggiore. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 5, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: بوداسف في حالة تأمل (المستنير، بوذاسف) هو لقب في البوذية يطلق على أي شخص يشعر برغبة كبيرة لتحقيق البوذوية لصالح جميع الكائنات. - صور متحف آثار ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وهو موجود في مكان دير سابق باسم الدير الكبير (موناستيرو مادجيوري). - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 5 أكتوبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Bodhisattva in meditation (a person who is on the path towards bodhi ('awakening') or Buddhahood). - Archaeological Museum (Civico Museo Archeologico di Milano), Milan (Milano) Italy. It is located in the ex-convent of the Monastero Maggiore. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 5, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بوداسف في حالة تأمل (المستنير، بوذاسف) هو لقب في البوذية يطلق على أي شخص يشعر برغبة كبيرة لتحقيق البوذوية لصالح جميع الكائنات. - صور متحف آثار ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وهو موجود في مكان دير سابق باسم الدير الكبير (موناستيرو مادجيوري). - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 5 أكتوبر 2014 م.

وتُدعى كل شيخة هندية أو زعيمة لهم بسارايوجا، وقالوا عن السارايوجا الأولى في العالم أنها وُلدت من أب هندي فقير، وأم عمياء، ومنذ عامها السادس وهي تبحث عن حقائق الحياة، واعتقدت أن هناك إلهًا خالق آخر غير المعروف في الهندوسيَّة والبراهيمية، وتزوجت هذه السارايوجا الأولى، وهربت من زوجها إلى إحدى الغابات وهي حامل في الشهر الثاني، وعندما وضعت طفلتها في الغابة كانت تعتقد أن الغريزة الجنسية تكمن في الثدي، ولذلك قطعت ثدييها وثديي ابنتها، ثم عثرت على ولد تائه في الغابة فاهتمت به حتى صار رجلًا فتزوجته وأنجبت منه سبعة أبناء، وقد التقت هذه السارايوجا الأولى في الغابات ببوذا الذي وعدها أن تعيش في ظله، فعاشت معه على إحدى قمم الجبال الصينية، وقيل أنها تركت أبنائها من أجل خدمة بوذا، غير أنها كانت تعود لتراهم كل عام مرة واحدة.

 ومن الأعضاء البارزين للسارايوجا " روبرتو باجيو " لاعب الكرة الشهير، و" تيناتيرنر " نجمة البوب الأمريكية السمراء. أما " مانا سارايوجا " فهي أول سارايوجا في العالم قالت أن الكون كله عبارة عن مجموعة أوتار أو خيوط تتجمع كلها في يد واحدة، وهذه اليد لها ذبذبة جبارة، وإن السماء والأرض والإنسان والحيوان والنبات فكل منهم ما هو إلاَّ مجموعة ذبذبات مترابطة، وحضت مانا على الحياة الفاضلة التي تركز على الرحمة والرقة وحب الناس والأدب وطهارة اليد واللسان، واحترام الصغير للكبير ولاسيما بين السارايوجيين، لأن السارايوجي الكبير تصدر منه ذبذبة أعلى وأنقى من التي تصدر من الصغير.

ويعتبر السارايوجا خليط من البراهيمية والبوذيَّة، ويعتبرون أن بوذا وزرادشت والمسيح من أنبيائهم، ولهم كتابهم المكتوب باللغة الهندية والذي تُرجم إلى اللغتين الألمانية والإيطالية، وتعتقد السارايوجا بتعدد الآلهة، ويعتقدون أن العصر الذهبي للإنسان عندما كان هناك صلة وحديث بين الآلهة والإنسان قبل العصيان. أما بعد العصيان فقد تحول النور إلى ظلمة وإسودت الدنيا، وهاجت البحار والمحيطات، وعلى الإنسان أن يكفر عن خطاياه بالزهد والتقشف، ولهذا تحض السارايوجا على المواظبة على التأمل، فيقول الراهب السارايوجي " جوزيف جوتس " " مثلما تذهب الأبل لعيون الماء، نذهب نحن خمس مرات يوميًا لنتأمل. فالتأمل استجماع للقوى وهو عبادة أيضًا، لذلك أستيقظ في الخامسة صباحًا، وأبدأ بما يعطيني الهدوء الداخلي " (136) وعند صلواتهم يقفون أمام صورة السارايوجا، ويعتقد السارايوجا أن الإنسان ربما كان أصله حيوانًا، ثم اكتسب صفات إنسانية جديدة، لكن صفاته الحيوانية مازالت ملتصقة به، ويساوون بين الحيوان والإنسان، بحجة أن لكل منهما روح في الجسد. بل إن الحيوان قد يكون أفضل من الإنسان لأنه لا يعرف الكذب ولا الخيانة، ولذلك فهو يعاشر زوجته أمام الكل، ويعتبرون أن الحيوان مسئول عن تصرفاته مثله مثل الإنسان، فإن قتل حيوان متوحش إنسانًا، فعلي عائلة هذا الإنسان الأخذ بالثأر بقتل الحيوان القاتل أو واحدًا آخر من نفس الفصيلة.

 

وتحض عقيدة السارايوجا على العنف واستخدام السلاح، فالسارايوجي الذي لا يحب أخيه فهو كافر يجب قتله أو على الأقل تجنبه. أما الحاكم الذي لا يمثل قدوة لشعبه فيجب قتله، والسلاح الذي أُستخدم في القتل يجب إعدامه فإن كان رمحًا مثلًا فإنه يُكسر ويُحرق، وإلاَّ يظل هذا السلاح يطيح بأرواح الأبرياء، ويحث كهنة السارايوجا أتباعهم على تتبع الذبذبات الصادرة من الآلهة، ومتى اهتدى إليها الإنسان فإنه يجب أن ينتحر هو وأسرته في ذاك المكان، وتترك جثته فلا تُحرق ولا تُدفن إنما تترك للجوارح لتنهشها، وبذلك تتشتت الروح. ولا يحب السارايوجيون الماء، فالسارايوجي لا يغتسل ولا يستحم، ولو إستحمت زوجته فإنه يبتعد عنها ولا يقربها.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا: انحرافات البوذيَّة

انحرفت البوذيَّة عن المبادئ التي وضعها بوذا، وأنحرف الرهبان البوذيون نحو ممارسة السحر والشعوذة وتحضير الأرواح والتنجيم والعرافة وتطوير القدرات الخارقة، ويقول أحد الرهبان البوذيين " إن تحضير الأرواح حقيقي هو علم رائع... فمن الممكن من خلال تحضير الأرواح الاتصال بأحبائنا الذين رحلوا " (137).

 ويشترط في تلاميذ الراهب البوذي الطاعة العمياء، والاقتناع بإمكانية الاتصال بالأرواح عن طريق آلهتهم الهندوسيَّة أو عن طريق الراهب البوذي سواء في حياته أو بعد مماته، قال " موكتانندا " لتلاميذه أنهم سوف يلتقون بدون توقع مع كثير من الآلهة الهندوسيَّة وأرواح الموتى... سلك الرهبان البوذيون في السحر حتى أن بعضهم مثل " راجنييش " و"موكتانندا" و" ساي بابا " و" دافري جون " استطاعوا أن ينقلوا قوة السحر إلى تلاميذهم عن طريق اللمس أو النظر أو الفكر، وفي إحدى المرات ظهرت إحدى الأرواح الشريرة في شكل راهب بوذي، وكانت تشجع تلاميذه على الانتحار، كما تعرّض بعض قادة البوذيَّة للجنون خلال فترة من حياتهم مثلما حدث مع مهيربابا، وراماكريشنا، وموكتانندا، ورود رانذا، ودافري جون.

 

 ويحكي " تاك بروك " عن مغامراته مع البوذيَّة، فبعد تخرجه من جامعة فيريجينيا قرأ كثيرًا عن العبادات الهندوسيَّة ثم سافر إلى الهند سنة 1969م، وتتلمذ على يد راهب الهند الأول " ساثيا ساي بابا " الذي كان يصنع المعجزات (طبعًا بقوة الشيطان) فشعر تاك بروك براحة عظيمة حتى أنه قال " كانت هذه الفترة تبدو بالنسبة لي وكأنني أعيش في جنة عدن ولكن بدون الحيَّة ".. وبعد مرور سنتين أكتشف أن كل هذه الأمور شيطانية فأعترف قائلًا: " لقد أدركت أن " ساي بابا " الذي أصبحت أراه الآن، من خلال المعجزات التي يقوم بها إنما هو ضد المسيح الذي تنبأ عنه المسيح في إنجيل متى 24: 24. لذلك هربت من الهند وفي داخلي إدراك بأن هناك شر في الديانات الشرقية... شر أغواني وجذبني لحافة الدمار، ولو لم أُسلّم حياتي إلى المسيح... لكنت الآن ميتًا روحيًا وكان مصيري الهلاك الأبدي " (138).

 وقد وُضع 54 راهب بوذي تحت الفحص، وكانت النتيجة أن 90 % (حتى المتزوجين) قد أنحرفوا في علاقات جنسية مع واحدة أو أكثر من تلميذاتهم، والبعض فيهم شواذ جنسيًا... وفي تقرير أذاعته وكالة الأسوشيتدبرس في 2/6/1986م أعلنت فيه أن الراهب البوذي " برم بارا ماهنا " البالغ من العمر 38 عامًا أدين بارتكاب ثمانية جرائم جنسية غير شرعية في تورانس بولاية كاليفورنيا، وقد مارس الجنس مع فتاة عمرها ثماني سنوات لمدة سبعة عشر شهرًا... وفي جريدة سان فرانسيسكوا نُشر مقال عن الراهب البوذي " دافري جون " Da Free John الذي أغتصب إحدى تلميذاته وسجنها، فرفعت عليه قضية تعويض بمبلغ 45 مليون دولار... وقالت عضوة أخرى أن المكرسات كن يُؤمرن بأن تصوَّر لهن أفلام إباحية داعرة. لقد حللوا الشر، حتى أنهم يقولون على لسان إلههم الهندوسي " إندرا " أن الإنسان الذي يعرفني كما أنا لا يفقد شيئًا مهما عمل، حتى ولو قتل أمه أو أباه، حتى لو سرق أو جلب النساء بغرض الزنا، فمهما عمل من شرور فإنه لا يخاف لأنه يعرفني كما أنا " (139).

 وللأسف فإن الذين يؤمنون بالبوذيَّة في العالم وصل عددهم منذ عدة سنوات إلى 470 مليون شخص (السيد محروس – عبادة الشيطان إبليس المتمرد ص 84).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خامسًا: معتقدات وتعاليم البوذيَّة

 هناك فرق كبير وشاسع بين معتقدات وتعاليم البوذيَّة قبل انحرافها وبعد انحرافها، فقبل انحراف البوذيَّة نذكر أمثلة لهذه التعاليم:

 

1- بينما اهتمت الهندوسيَّة بعقائد الآلهة والطقوس والشعائر الدينية، فإن البوذيَّة قد أغفلت كل هذا وركزت على السلوك الشخصي للإنسان.

 

2- اعتقدت البوذيَّة أن الكون أزلي ليس له بداية، وأبدي ليس له نهاية، وأن الروح تمر في عدة تجسدات مختلفة، حتى تخلص تمامًا من الشهوات والأهواء، فتصل إلى مرحلة النجاة ولا تتجسد بعد، وركزت البوذيَّة على مفهوم أن الحياة رحلة قصيرة مؤلمة، يعقبها الموت، ثم تعود الروح لتتجسد في جسد آخر، ولذلك على الإنسان أن يتحدى كل رغباته وشهواته حتى يصل إلى مرحلة النجاة أو النيرفانا.

 

3- أوصى بوذا أتباعه بعدم مقابلة الإساءة بالإساءة فقال " فلينتصر الإنسان على الغضب بالحب... وعلى الشر بالخير... وعلى الشح بالكرم... وعلى الكذب بالصدق، ومن السهل أن يدرك الإنسان خطأ غيره، ولكن من الصعب أن يدرك خطأ نفسه " (140) وعندما أراد " بورنا " أحد أتباع بوذا تبشير قبيلة " سرونا بارانتا " المعروفة بالطباع الخشنة " فسأله بوذا: إن رجال هذه القبيلة قساة سريعوا الغضب، فإذا وجهوا لك ألفاظًا بذيئة خشنة، ثم غضبوا عليك وسبوك فماذا كنت فاعل؟

فأجاب بورنا: أقول، لاشك أن هؤلاء قوم طيبون، لينو العريكة، لأنهم لم يضربوني بأيديهم، ولم يرجموني بالحجارة.

بوذا: فإذا ضربوك بأيديهم ورجموك بالحجارة. فماذا كنت قائلًا؟

بورنا: أقول أنهم طيبون لينون إذ لم يضربوني بالعصي ولا بالسيوف.

بوذا: فإذا ضربوك بالعصي والسيوف؟

بورنا: أقول أنهم طيبون لينون إذ لم يحرموني الحياة نهائيًا.

بوذا: فإذا حرموك الحياة؟

 بورنا: أقول أنهم طيبون لينون إذ خلَّصوا روحي من سجن هذا الجسد السيئ بلا كبير ألم.

بوذا: أحسنت يابورنا. إنك تستطيع بما أوتيته من الصبر والثبات أن تسكن في بلاد قبيلة " سرونا بارنتا " فإذهب إليهم، وكما تخلَّصت فخلّصهم، وكما وصلت إلى الساحل فأوصلهم معك، وكما تعزيت فعزهم، وكما وصلت إلى مقام النيرفانا الكاملة فأوصلهم، فذهب بورنا إليهم، وكانت النتيجة أن آمنوا كلهم بالبوذيَّة واتبعوها " (141).

 

4- رفضت البوذيَّة النظام الطبقي الهندوسي، وكان بوذا يأكل مع المنبوذين، فجذب الكثيرين منهم إلى ديانته الجديدة.

 

5- وضع بوذا عشر وصايا للوصول إلى مرحلة " النجاة " وهي:

أ - الحذر من قتل أي كائن حي.

ب- يجب أن لا تأخذ ما يُعطى لك.

ج- الالتزام بالصدق.

د- عدم شرب الخمور.

هـ- عدم ممارسة العلاقة الجنسية المحرَّمة.

و- لا تأكل في الليل طعامًا طُبخ في غير أوانه.

ز- لا تكلّل رأسك بالزهر ولا تستعمل العطور.

ح- عدم اقتناء المقاعد والمساند الفخمة.

ط- عدم حضور حفلات الرقص أو الغناء.

ى- عدم اقتناء ذهب أو فضة.

 

6- تحرّم البوذيَّة بعض الحرف مثل تجارة الأسلحة، وتجارة الرقيق، وتجارة القوافل، والفلاحة.

 

7- المرأة في البوذيَّة لا تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها الرجل، فبوذا كان مترددًا في قبول النساء في جماعته حتى ألحَّ عليه إبن عمه " آنندا " الذي سأله:

كيف تعامل النساء أيها السيد؟

أجاب: لا تنظر إليهن.

- ولكن إن اضطررنا للنظر إليهن؟

- لا تخاطبهن.

- ولكن إذا خاطبننا؟

- إذًا كن على حذر تام منهن.

 

أما بعد انحراف البوذيَّة، فقد ساءت تعاليمها جدًا، ونذكر أمثلة على ذلك:

1- يرى الرهبان البوذيين أن الالتزام بالمبادئ الأخلاقية أمر دنيء وخسيس، وخرافة تحط من قدر الإنسان، وتَعوق تقدمه الروحي، لأن كل شيء في العالم هو مقدَّس سواء كانت فضيلة أو خطية، خير أو شر، فالخير والشر هما نفس الشيء، وليس المهم هو المبادئ الأخلاقية ولا الضمير، ولكن المهم هو المشاعر الإنسانية، فالإنسان يجب أن يفعل كل ما يريد حتى أن " راجنيش " Rajneeh يرى أن القتل شيئًا صالحًا ومقدَّسًا.

2- تبيح البوذيَّة الكذب، فالمهم أن يكون لدى الإنسان حنو وشفقة، ولا يهم إذا كان كلامه صدقًا أو كذبًا، فكل المعلمين الروحيين كاذبين، ولكن من خلال الكذب يصلون بك إلى النور أو الاستنارة.

3- يبيحون ممارسة الجنس بطريقة غير شرعية، ويرون أن الطاقة التي تصاحب العملية الجنسية تصل بهم إلى التنوير والاستنارة، حتى أن بهاجوان شري وراجنيش يحللان اغتصاب الفتيات، وضرب الإناث أثناء الممارسة الجنسية.

4- يُعلّمون بأن الله يعلم الأفكار ويرى تصرفات الإنسان، ولكنه لا يهتم ولا يكترث بها، وإن طاعة الله تعتبر خطية عظيمة.

5- لا فرق بين الله والشيطان، والذي يعرف أن يستخدم قوة الشيطان بطريقة إلهية فإن ذلك سيكون مفيدًا جدًا.

6- الشيطان هو خلاصة الحكمة، فالكتاب المقدَّس يقول عنه " خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال " (حز 28: 12) فتصرفاته تعبر عن الضمير المستنير.

7- يسعون نحو الاستنارة الروحية وهي ما يسمونه بالصحوة الكندالينية، وهي في الحقيقة تسلط شيطاني رهيب على الإنسان، ويصف " موكتاتندا " حالة الاستنارة التي خاض غمارها فيقول " لقد هوجمت بعنف بكل أنواع الانفعالات والأحاسيس الشريرة والدنسة. ثم ابتدأ جسدي ينشط بطريقة مربكة. فبعد فترة تغيَّر تنفسي وأصبح مضطربًا. وفي بعض الأحيان كانت بطني تمتلئ بالهواء، وكنت أفرغ هذا الهواء بمجهود كبير. وكان النفَس الذي أستنشقه يبقى في داخلي، فانزعجت جدًا... وتوقف ذهني عن التفكير بسبب الخوف.

 

أصبحت أفكاري مرتبكة ولا معنى لها. وابتدأ جسمي وأطرافي يسخن أكثر فأكثر. وأصبح رأسي ثقيلًا، وابتدأت كل مسام جسدي تؤلمني. وعندما كنت أخرج هواء الزفير، كان الهواء يبقى في الخارج. وعندما أُدخل هواء الشهيق كان الهواء يبقى في الداخل. لقد كان هذا مؤلمًا جدًا، وفقدت شجاعتي. وشعرت بأن هناك من يقول لي أنني سأموت في أي لحظة. ولم أستطع أن أفهم هذا الذي كان يحدث لي، ولا كيف كان يحدث، ولا من الذي كان هو السبب في حدوثه.

وبعد الساعة التاسعة، كان هناك شخصًا أجلس نفسه في عيناي، وجعلني أرى أشياءًا غريبة. وبدا لي وكأن قوة امتلكتني هي التي جعلتني أفعل هذه الأشياء. وأصبحت أفكاري غير ثابتة تمامًا... وسمعت حشدًا من الناس يصرخون بصورة مرعبة... ورأيت مخلوقات غريبة طولها يصل إلى خمسين قدمًا، لا هي شياطين، ولا هي أنصاف آلهة، ولكنها كانت آدمية في شكلها، وكانوا يرقصون وهم عرايا، وأفواههم مفتوحة على آخرها. وكانوا يصرخون صراخًا به ذعر وألم، وكان هذا الصراخ مرعبًا وغامضًا... وأحاط بي جيش من الأشباح والشياطين. وظللت ثابتًا في مكاني طول الوقت في وضع من الاسترخاء، وكانت عيناي مغلقتين، وذقني يضغط على حلقي حتى لا يخرج أي هواء من داخلي.

بعد ذلك شعرت بألم شديد. أردت أن أهرب، ولكن قدماي تثبتتا بإحكام في وضع الاسترخاء. شعرت وكأن ساقاي قد تسمرتا باستمرار في هذا الوضع. وكانت ذراعاي مشلولتين تمامًا.

بعد ذلك أتى إليَّ طافيًا على الماء جسم كروي يشبه القمر يبلغ قطره أربعة أقدام. توقف هذا الجسم الكروي أمامي. ثم ارتطمت هذه الكرة البيضاء المشعة بعيناي، ثم دخلت فيَّ. إني أكتب هذا بمجرد أن رأيته. لم يكن هذا حلمًا أو أمورًا حدثت لي بطريقة مجازية، ولكنه كان مشهدًا حدث لي بالفعل. لقد أتت هذه الكرة فعلًا من السماء ودخلت فيَّ. وألتصق لساني بسقف حلقي، وأُغلقت عيناي. ورأيت نورًا مبهرًا داخل جبيني فأنزعجت، وبعد ذلك أجبرت رأسي أن تنحني وتثبت على الأرض.

بدأت أخرج صوتا مثل الجمل، ثم كان هذا الصوت يتناوب مع زئير نمر. ولابد أن زئيري كان عاليًا، لأن الناس المحيطون بي اعتقدوا أن نمرًا قد جاء إلى حقل قصب السكر المجاور.

لقد كنت في حالة رعب، لدرجة أنني أصبحت مجنونًا تمامًا. إنك لا تستطيع أن ترى أنني مجنون من الخارج، ولكني كنت أشعر بذلك في داخلي... ابتدأ جسدي يتلوى... فالآن لست أنا الذي كنت أستغرق في التأمل، فإن التأمل هو الذي فرض نفسه عليَّ. لقد آتى التأمل إليَّ بطريقة تلقائية، كان في كل مفاصل جسمي، بعد ذلك أتى أمامي فجأة نور أحمر، لقد أتى هذا النور بقوة لدرجة أنه بدأ لي وكأنه أتى من داخلي. وكان طوله قدمان وكان يلمع بشدة... كان كل جزء في جسدي يخرج منه أصوات طقطقة وفرقعة... وفي ذلك الوقت لم أستطع أن أفهم أي شيء مما كان يحدث لي...

وقد عرفت فيما بعد أن هذا الذي حدث لي كان جزءًا من عملية تختص بالتنوير الروحي... إن الناس الذين اختبروا هذا الذي حدث لي يسمونه " اليقظة أو النهضة الكندالينية ". فكل الاختبارات التي حدثت لي وأنا تحت أشجار المانجو، إنما حدثت لي بسبب النعمة التي أُعطيت لي من الجورو (راهب بوذي) نيفيانندال، لقد كانت هذه هي كل بركاته التي منحها لي...

في بعض الأحيان كنت أقفز مثل الضفدعة، وفي أحيان أخرى كانت أطرافي ترتعش بعنف كأن إلهًا كان يهزها. هذا هو بالضبط ما كان يحدث لي: إن إلهًا عظيمًا على هيئة الجورو الذي كنت أتتلمذ على يديه كان يهزني بقوة من داخلي...

لقد دخلت قوة الجورو في جسد تلميذه بطريقة بارعة وعملت أمورًا عظيمة... لقد كنت أختبر تأملات مثل هذه كل يوم. وفي بعض الأحيان كان جسدي يتلوى مثل الثعبان، ويخرج من داخلي صوت مثل فحيح الأفعى...

وفي بعض الأحيان كانت رقبتي تتحرك بعنف محدثة أصوات طرقعة، فكنت أنزعج لهذا... وكنت أفعل كثيرًا من الحركات الغريبة. وفي بعض الأحيان كانت رقبتي تلف مع رأسي لدرجة أنني كنت أستطيع أن أرى ظهري. وعندما كان حدة الاختبار تقل، كنت أعود لحالتي الطبيعية مرة أخرى. ولكن لأنني لم أكن أفهم هذه الحركات العفوية الخاصة باليوجا، فإنني كنت دائمًا منزعجًا وخائفًا ". (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 144 – 146، 182 – 183).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(124) مجلة المعرفة – المجلد الخامس عشر سنة 1974م ص 2690.

(125) موسوعة الأديان في العالم ص 178.

(126) موسوعة الأديان في العالم ص 178.

(127) موسوعة الأديان في العالم ص 194.

(128) المرجع السابق ص 193.

(129) المرجع السابق ص 189.

(130) موسوعة الأديان في العالم ص 182.

(131) المرجع السابق ص 186.

(132) موسوعة الأديان في العالم ص 183.

(133) المرجع السابق ص 183.

(134) وليد طوغان – الكنائس الكاذبة ص 96.

(135) وليد طوغان – الكنائس الكاذبة ص 96.

(136) وليد طوغان – الكنائس الكاذبة ص 114.

(137) جون أنكربرج وجون ولدون – الظلمة الآتية على العالم ص 142.

(138) جون أنكر برج وجون ولدون – الظلمة الآتية على العالم ص 20.

(139) المرجع السابق ص 185.

(140) عبد الرحمن حمدي – الهند... عقائدها وأساطيرها ص 14.

(141) موسوعة الأديان في العالم ص 180، 181.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/buddhism.html

تقصير الرابط:
tak.la/bqy4p8x