"خامسًا: محاولات جديدة متواصلة في سبيل الاتحاد بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية بواسطة مرسلين موفدين من مجمع نشر الإيمان بروما الذي كان قد تأسَّس في 22 يونيو سنة 1622م.
وفي القرن السابع عشر أوفد البابا أوربانوس الثامن(1) مرسلين من الآباء الفرنسيسكان إلى البطريرك القبطي يوحنا الخامس عشر الذي كان قد أظهر في أواخر حياته رغبة في الاتحاد بروما، ولكن عند وصول المُرسَلين إلى مصر كان البطريرك قد رحل عن هذه الحياة.
ومن بعده تتابعت المحاولات من الرهبان الكبوشيّين والفرنسيسكان الموفودين من مجمع نشر الإيمان لدى البطريرك متى الثالث (البابا رقم 100) (1623-1642) الذي أظهر دائمًا علامات المودة والتفاهم المتبادل في معاملة المرسلين الكاثوليك، وصرح لهم بالوعظ في الكنائس القبطية لكن الاتحاد المنشود لم يتحقق في عهده.
ونعرف من التاريخ أن البطريرك مرقس السادس (البابا 101) (1646-1656) قد أظهر استعدادًا تامًا لعقد علاقات الود مع روما وصرح للمُرسَلين الكاثوليك بالوعظ وإقامة الذبيحة المقدسة في كنائس الأقباط " (173).
توضيح:
كان الأب يوحنا الخامس عشر رقم (99) أبًا قديسًا أهتم بشعبه وقاوم الشر الذي تفشى لدى بعض الأقباط الذين سقطوا في تعدُّد الزيجات، فدسَّ له أحد الأشرار السم في الطعام فنال إكليل الشهادة من أجل كلمة الإنجيل.
وفي مدة رئاسته مات الملك الحبشي الذي اعتنق الكاثوليكية وتولى ابنه باسيليوس عوضًا عنه، فقاوم الكثلكة واشترط على المُرسَلين إن كانوا يريدون الإقامة بالحبشة أن لا يتعرضوا للعقيدة فوافقوه، ولكنهم حاولوا الاستعانة بالجيش البرتغالي ضده، وحرَّضوا أحد كبار الأحباش ليقف ضد الملك، ولكن هذا الرجل الحبشي الذي اتحدوا معه غدر بهم وباعهم كعبيد لتجار أتراك وعندما علم الإمبراطور باسيليوس أعتقهم وأطلقهم ليعودوا إلى بلادهم ولكن الشعب الحبشي فتق بهم.
ومما يذكر عن البابا أوربانوس الثامن [1623-1644] إنه أرتكب عدَّة مذابح ضد البروتستانت. قال المؤرخ لاراي الانجليزي... "وقد استمر القتل مدة شهرين بتوحش لا مثيل له فالذين ذُبِحوا وماتوا بحد السيف كان عذابهم قليلًا وأما الباقون فبعض منهم قلعوا أعينهم ثم عذبوهم أيامًا كثيرة وأماتوهم موتًا أليمًا ضمن العذابات. وبعضهم خنقوهم غرقًا. وبعضهم دفعوهم إلى اللهيب وكانوا يُحمِلونهم القش الذي يحرقونهم به. وبعضهم أماتوهم بالبرد وبالجوع وبالعطش. وبعضهم دفنوهم أحياء، وقد علَّقوا الأمهات على المشنقة وعلَّقوا البنات في رقاب أمهاتهنَّ... ولم يشفقوا على الحُبَال ولا على ثمار بطونهنَّ... حتى أن واحدة ولدت تحت يد الجلاد فرموا بالطفل إلى كلب وخنزير ليأكلاه أمامها... حتى أن مائتي ألف نسمة قُتِلت في تلك المذابح في ايرلندا "ومع ذلك أرسل البابا أريانوس رسالة غفران إلى كل الذين اشتركوا في تلك المذابح الرجسة" (174)
أما البابا متى الثالث رقم (100) فلم يقبل مشورة الكاثوليك، وفي عصره ملك "فاسيلاوس" على الحبشة سنة 1632 م. وطرد الرهبان الكاثوليك الذين سعوا لجذب نفوس البسطاء، وأرسل يخبر البابا متاؤس (متى) بهذا ويطلب منه سيامة مطران قبطي فلبى البابا رغبته فسام له مطران باسم مرقس، ووقَّع الملك فاسيلاوس معاهدة مع الباب العالي بموجبها منع دخول أي مبشر إلى الحبشة، ويعلق على هذا "ودولف" قائلًا:
"لقد نجت خراف أثيوبيا من أولاد آوى الغربيّين بقوة عقيدة الرسولين القديسين مرقس والقديس كيرلس عامودي كنيسة الإسكندرية. رنموا. هللوا. وأفرحوا يا خراف أثيوبيا" (175)
أما عن البابا مرقس السادس رقم (101) ففي عصره اشتد الاضطهاد على الأقباط فصدرت الأوامر من الوالي بمنع الأقباط من ركوب الخيل، وأمرهم بلبس الطاقية الحمراء والحزام الأحمر. بل أقام الوالي نفسه وريثًا لمن يموت من الأقباط، لذلك كان يقتل كل يوم رجلًا غنيًا أو أثنين ليرثهم حتى بلغ ضحاياه ألفًا ومائتي رجل (ص723 الشهابي)، وفي عصره وضع يوسف أبو دقن المنوفي كتابه "التاريخ الحقيقي للقبط وليبيا والنوبة والحبشة " دافع فيه عن العقيدة الأرثوذكسية في أسلوب أدبي ولباقة، والكتاب ما زال موجودًا في مكتبة جامعة أكسفورد وتُرجِم للاتينية سنة 1675م وللإنجليزية سنة 1693م وطُبِع في هولندا سنة 1740 م.
وقد أصدر هذا البابا أمرًا يمنع فيه الرهبان من ترك الأديرة والتجول في البلاد فاشتكاه بعضهم إلى الوالي فالقاه في السجن ولم يطلقه حتى دفع غرامة كبيرة.
وفي 25 فبراير سنة 1684م أرسل البطريرك يوحنا السادس عشر (البابا 103) رسالة إلى البابا الروماني أينوقنتيوس الحادي عشر يعلن فيها رغبته الصادقة في الاتحاد بالكرسي الروماني.
ولكن بعض أعضاء الطائفة هدَّدوه فنكص على عقبه وقال لسفير البابا: "أنى لم أشك قط في استقامة الأمانة الكاثوليكية ولكنى أخاف القيود والسجون".
وبالرغم من كل ذلك ظل البطريرك يوحنا السادس عشر إلى وفاته سنة 1718م مشجعًا أعمال المرسلين الكاثوليك ينفّذ بقدر استطاعته مشاريعهم النافعة للأقباط مع الوعظ والخدمة في الكنائس وتأسَّيس المدارس في القرى والاهتمام بطبع الكتب الطقسية.
وأخذ في عهده المرسلون الفرنسيسكان يستوطنون الصعيد، أي الفيوم وصدفا وطهطا وفرشوط ونقادة والهماص والشيخ زين الدين وبنجا وبرديس وأبوتيج وغيرها" (176).
توضيح:
في عصر البابا يؤانس السادس رقم (103) (1668-1710م) أصدر الوالي المملوكي أوامره للأقباط بأن يعلق القبطي جلجلين في رقبته يُحدِثان صوتًا عند دخوله الحمام العام، وأن يلبس عمامة سوداء لتمييَّزه، ولم يسمح للقبطي بارتداء الملابس القيّمة من الجوخ أو الصوف، وفرض على المرأة القبطية التي تخرج من بيتها أن تتزر بمئزرة سوداء... لقد وصل عدد الأقباط حينئذ إلى 150 ألف بعد أن كان عددهم عند دخول العرب منذ نحو ألف عام مضى أكثر من 25 مليونًا... هذا يعكس مدى معاناة الأقباط في تلك العصور الصعبة، ومع ذلك ظلت البقية الأمينة متمسكة بعقيدتها إلى المنتهى. أما ما نُسِب لهذا البابا باعترافه بصحة العقيدة الكاثوليكية أمام سفير روما ولكنه خاف القيود والسجون فهذا لم يثبته أحد من المؤرخين، ولو كان هذا البابا اعتقد بصحة العقيدة الكاثوليكية وخطأ العقيدة الأرثوذكسية ولكنه خاف القيود والسجون فلماذا لم يعتنق الكاثوليكية ويذهب إلى روما ليحتمي بها؟! وكم كان سيفرح بابا روما به عندئذ لأنه نجح في استمالة رأس الكنيسة المنظور إليه؟!!
وجدير بالذكر أنه في سنة 1694م قد ترجم الراهب الفرنسيسكاني "فرانسوا ماريا دى ساليم" رئيس الإرساليات الفرنسيسكانية في الصعيد حينئذ أحداث مجمع خلقيدونية عن النص اللاتيني المحفوظ بمكتبة الفاتيكان بروما، وأهدى كتابه هذا إلى البابا يؤانس السادس عشر ليستميله إلى روما، ولكن عندما وجد المسئولون الكاثوليك أن وثائق هذا المجمع المشئوم إنما تبرئ الكنيسة القبطية إذ تعلن براءة البابا ديسقورس وتُدِين كنيسة روما إذ تدين لاون بابا روما فجمعوا ما تبقى من الكتاب واحرقوه بالنار، ولكن فلتت بعض النسخ التي مازالت تحتفظ بها كنيستنا القبطية.
ومن الأمور المؤسفة التي تعرَّضت لها الكنيسة القبطية على يد الإمبراطور نابليون الكاثوليكي أنه عندما دخل إلى الإسكندرية هدم الكنيسة المرقسية ومنارتيها الحصينتين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. خوفًا من استيلاء الإنجليز عليها وتحصنهم بها، وهذا بلا شك أذى كثيرًا من مشاعر الأقباط الذين يعانون من ضغط الأتراك والمماليك فكيف يفكرون في الاتحاد مع من يهدم كنائسهم؟!!
أما لويس الرابع عشر ملك فرنسا فقد أرسل عن طريق قنصله يطلب ثلاثة من أبناء الأقباط ليتلقوا تعليمهم في باريس على حسابه الخاص فلم يتقدم أحد من أبناء الأمناء المخلصين، فاستهزأ بهم الغربيون قائلين " أن الجهلة لا يرغبون في العلم " والحقيقة أنهم يرغبون في العلم بحيث لا يكون هذا على حساب عقيدتهم الأرثوذكسية.
وفي عصر هذا البابا يؤانس السادس عشر أرسل بابا روما إرسالية إلى مصر من الرهبان الجزويت لكيما يحولوا الأقباط عن أمهم الكنيسة الأرثوذكسية، ولكن الإرسالية باءت بالفشل بدليل شهادة مسيو "مولييه" قنصل فرنسا سنة 1696 م. إذ يقول:
"أن عدد المؤمنين (الكاثوليك) ضئيلًا لا يتعدى أولئك المولودين من والدين كاثوليك أو أولئك الذي تغذوا منذ نعومة أظافرهم بالتعاليم الكاثوليكية... وثمار الجهود المبذولة بسخاء وعن سعه من المبشرين الفرنسيسكان واليسوعيين تنتهي إلى العمل على الاحتفاظ ببضعة الكاثوليك القدامى " (177)
وقال أيضًا "أن المرسلين اللاتين مع ما كانوا عليه من المهارة والجدارة لم يستطيعوا أن يجذبوا إليهم واحدًا منهم (من الأقباط) رغما عن طول بقائهم بينهم وعمل كل ما في وسعهم لإقناعهم" (178)
"وحتى الذين كانوا يتضورون جوعًا وكنا نعطيهم طعامًا امتنعوا عن المجيء إلينا خوفا من أن نكثلكهم" (179)
وعندما فشل الكاثوليك في فرض سيطرتهم على مصر اقترح اليسوعيون على لويس الرابع عشر إرسال "دورول" الطبيب إلى ملك الحبشة ليستميله إلى الكاثوليكية ومن خلفه شعبه فأطاع لويس كلامهم ولم يتعظ من الثلاث بعثات السابقة والتي سافرت أخرها في سنة 1706م وجميعها باءت بالفشل، فسافر دورول الطبيب ومعه مترجم سوري يدعى "إلياس" وعندما وصلا إلى سنَّار بالسودان قبض عليهما السلطان ثم أطلق إلياس الذي ذهب إلى الحبشة والتقى بملكها وقصَّ عليه ما كان، فأرسل خطابًا إلى سلطان سنار ليطلق دورول ولكن السلطان حبسه ثلاثة أشهر ثم قتله.
وعندما فشل الكاثوليك في الحبشة كما فشلوا في مصر تقدم سفير الملك لويس الرابع عشر في الأستانة للسلطان التركي يطلب منه بعض الكنائس الخاصة باليونان الأرثوذكس في بيت المقدس فرفض السلطان طلبه. كما أصدر شيخ الإسلام في فلسطين فتواه قائلًا "أنه ليس حقًا مشروعًا ولا مبادئ السلاطين الشريفة أن يداس فرامانات السلاطين العظام فتعطى مزارات الأرثوذكسية للغربيّين " (180)
لقد كان الغرب يحاول فرض سيطرته على الكنيسة الأرثوذكسية من خلال مصر والحبشة والقدس. وعندما حضر في عهد هذا البابا بعض التجار السوريون واللبنانيون الكاثوليك وتعاونوا مع الأوربيّين الكاثوليك في بناء دير وكنيسة بالموسكي ومدرسة لينفذوا بتعاليمهم إلى عقول البسطاء، واستطاعوا اجتذاب القليل منهم، برز لهم الأنبا أثناسيوس أسقف كرسي البهنسا والأشمونين وأخذ يبصر الشعب بعقيدته الأرثوذكسية.
وفي عهد البابا يوحنا السابع عشر (البابا 105) (1727-1745) أرسل البابا إكلمينضس الثاني عشر (1730-1740) أحد الآباء اليسوعيين ومعه رسائل وهدايا دينية إلى البطريرك، وبعد أن ناقش البطريرك أراخنة الأقباط أرسل جوابه بتاريخ أول شباط (فبراير) سنة 1735م شاكرًا البابا على هداياه داعيًا إياه "رئيس الشعوب المسيحية والإنجيلي الخامس، خليفة المسيح والقديس بطرس" وكان يسمح للأٌقباط بقبول الأسرار من الكاثوليك وهكذا توالت اللقاءات على مرَّ العصور والأجيال دون الوصول إلى تحقيق الاتحاد بين الكنيستين الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية حتى انعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965 م.)" (181)
توضيح:
في عصر البابا يؤانس السابع عشر زادت الجزية المفروضة على الأقباط، وفُرِضت على الرهبان والكهنة والأساقفة والأطفال الذين كانوا معفيّين منها، ومع هذا فإن الأنبا يؤانس كان يؤازر شعبه كما كان يجاهد في الدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية فوضع عدَّة كتب في هذا الشأن، وأيضًا ظهر في هذا العصر الأنبا ميخائيل مطران البهنسا والأشمويين الذي لُقّب بالعلامة لأنه فنَّد التعاليم الكاثوليكية وردَّ عليها مع شرح وافي للعقيدة الأرثوذكسية.
أما بعض الأقباط الذين كانوا يعملون في دواوين الأمراء فقد اشتكوا لهم محاولات اللاتين للسيطرة على الكنيسة القبطية وخطف أبناءها، فعُقدت جلسة بالمحكمة الشرعية العليا حضرها البابا يؤانس السابع عشر مع قسوس اللاتين وصدرت حجة شرعية في غرة محرم سنة 1151 هـ. جاء فيها:
".. أن المخالفين المرقومين (يقصد الأقباط الذين يعتنقون الكاثوليكية) يريدون الذهاب إلى الأفرنج الغير القبطيين (الكاثوليك) ليدخلوا في ملتهم لعدم دفع الجزية، وأن المعلم (البابا) يوحنا بطريرك النصارى اليعاقبة القبطية ينهى الجماعة القبطيّين المرقومين عن ذلك مرارًا فلم ينتبهوا ولم يسمعوا له، وأن القانون المتعارف عليه بينهم أن كل من خالف كلام بطريركهم يكون مغضوبًا عليه ويلزم الأدب اللائق بحاله.." (182)
فكيف يتفق هذا يا صديقي مع دعوى الكاثوليك بأن هذا البابا تساهل مع الكاثوليك وسمح لأولاده بالتناول في كنائسهم؟!!
كما أنه في سنة 1794م ضجَّ الأقباط وعلى رأسهم البابا من محاولات المُرسَلين الكاثوليك لجذب الأقباط إليهم، فعقدت معاهدة بين البابا يؤانس السابع عشر والمعلم إبراهيم الجوهري والمعلم جرجس أخيه من جانب، وبين كيرلس رئيس عام رهبان المُرسَلين الكاثوليك والخواجة " كركور ومشتى " قنصل النمسا والأب اكلمينضس رئيس عام سابق من جانب آخر، وجاء في الاتفاق الآتي:
1- الأسر التي بها أطراف أرثوذكسية وأخرى كاثوليكية لها حق الصلاة في أي من الكنيستين.
2- لا يتزوج الكاثوليك من الأقباط ولا الأقباط من الكاثوليك.
3- لا يدخل قسوس الكاثوليك بيوت الأرثوذكس لتبشيرهم، ولا يدخل الأرثوذكس بيوت الكاثوليك.
4- لا يرغم أحد على الصلاة في كنيسة معينة.
5- إذ حدث خلاف لا يرفع إلى رجال الحكومة بل إلى رؤساء الكنيستين اللذان لهما الحق في عقاب المخطئ.
أما عن خطاب البابا يؤانس السابع عشر إلى بابا روما إكلمينضس الثاني عشر ودعوته بأنه رئيس الشعوب المسيحية والإنجيلي الخامس وخليفة المسيح والقديس بطرس فإن هذا نوع من الإطراء الذي كان سائدًا حينذاك، وهو تعبير عن محبة وبساطة الأنبا يؤانس للجميع بما فيهم بابا روما، وليس معنى هذا أنه خضع له وصار من اتباعه... دعنا نورد هنا قول يوحنا قيصر القسطنطينية لللاتين " إذ كان أحد من الآباء في رسائله إلى البابا وصفه ببعض أوصاف إكراميَّة أفيجوز أن تعتبر تلك الأوصاف امتيازات وحقوقًا للكرسي الروماني؟ " (183)
كما أن هناك بعض العبارات التي تلقى الضوء على طبيعة العلاقة بين بابا الإسكندرية وبابا روما لم يذكرها جناب القس بيشوي فوزي... دعنا يا صديقي نذكرها هنا حسب ترجمة الإخوة الكاثوليك بالفرنسية والعربية:
1- " من أخيكم يوحنا المدعو بنعمته وأحكامه الغير مدَّركة بطريركًا على الكرسي المرقصي بمدينة الإسكندرية " فقد دعى الأنبا يؤانس اكلمينضس بابا روما أخًا وليس معلمًا وسيدًا، ولم يدع نفسه تلميذًا له أو خاضعًا له.
2- " جعل الله العفة لك لباسًا كما جعلك للكرسي البطرسي رأسًا وذلك بطلبات وسؤال سيدتنا كلنا وفخر جنسنا والدة الإله العذراء الطاهرة البكر البتول المصطفية... ومارمرقص الإنجيلي كاروز الديار المصرية، وكافة الآباء والأنبياء وكافة من أرضاه ويرضيه الآن وكل أوان " فإن بابا الإسكندرية لم يلتمس من بابا روما البركات بل دعا له بالعفة، وأيضًا قال أنه رأس للكرسي البطرسي ولم يقل أنه رأسًا لجميع الكراسي الرسولية، وعندما ذكر مرقس الرسول دعاه بالإنجيلي ولم يذكر أنه تلميذ بطرس أو كاتب مذكرات بطرس أو الكاتب الخصوصي لبطرس الرسول.
3- في خطاب آخر لبابا روما يستهل الخطاب بقوله " يؤانس برحمة الله تعالى رئيس أساقفة الإسكندرية والكرازة المرقسية والديار المصرية سلام ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي يفوق العقل كقول المعلم بولس الرسول. سلام لأحبائه وخواصه وصفوته الأطهار. القائل سلامي خاصة أعطيكم. لست أعطيكم كما أمنح العالم. سلامه الذي أستودعه للرسل الأبرار وخلفائهم بقوله السلام أستودعكم وقوله هانذا أنا معكم إلى انقضاء العالم. يحل هذا السلام الروحاني ويهدى لدى حضرة الأب المكرم الجليل المعظَّم المستوجب زيادات الكرامة. العظيم في القديسين. المغبوط من الرؤساء والمرؤوسين. الجالس باستحقاق في استقامة قلبه وبإتقان من جميع شعبه. وبانتخاب من حكمة ربه على الكرسي البطرسي. الفاضل في السيرة الرسولية على من تقدمه من في السيرة من الآباء الفاضلين المدعو المختار. المحب للإله. ذوى الأفكار المحروسة والحواس المصونة. المُكمِل الوصايا الإنجيلية. أفضل المعلمين العالمين العلماء الفاضلين. فله الطوبى في ملكوت السموات. الأب الطوباوي. والملاك النوراني. الحبر الأقدس. البابا العظيم اكلمينضس حفظه الله وداوم رئاسته. عظم الله قدره في الدارين. وأشرق نوره في العالمين إشراق النيرين. ويملأه من روح قدسه كما ملأ أبائه السالفين، ومنحه الله نعمة وحكمة وقوة، يرعى به شعبه رعيًا صالحًا. ولازال في وكالته أمينًا حكيمًا، وفي وزنات تجارته رابحًا، ويجلسه في فرح سيده ويقيمه على الكثير ومعه كثير من البنين فإنه الوكيل الحكيم الأمين..".
فهذا مجرد مقدمة الخطاب والتحية وتلاحظ فيه الآتي:
أ- أن البابا يؤانس نسب لنفسه رئيس أساقفة والكرازة المرقسية والديار المصرية ولم ينسب لنفسه أنه تلميذ لاكلمينضس أو خاضع له.
ب- لم يلتمس فيه صالح الدعوات وعظيم البركات وجزيل الهبات بل أهداه سلام ربنا يسوع ودعا له الله ليتحلى بالفضائل.
ج- قال له أنه رئيس الكرسي البطرسي ولم يقل له أنه المترأس على الكراسي الرسولية.
د- قال له " البابا العظيم " ولم يقل له البابا الأعظم.
ه- يظهر في الخطاب المدح والإطراء الذي كان سائدًا عصرئذ حتى أنه يصفه بأنه ملاك.
4- في هذا الخطاب يعلن البابا يؤانس إيمانه الأرثوذكسي بطبيعة المسيح الواحد من طبيعتين، ولم يذكر مطلقًا أن هناك طبيعتين ومشيئتين فيقول "لاهوت وناسوت متحدين في أقنوم واحد... بغير اختلاط بغير افتراق بغير امتزاج بغير استحالة. لاهوت وناسوت متحدين لم يفترق اللاهوت من الناسوت بعد الاتحاد طرفة عين ولا في أحشاء العذراء مريم ولا في ظهوره في العالم مدة الثلاثة وثلاثين سنة، ولا على عود الصليب ولا في القبر ولا بعد القيامة. بل اتحدا معا الاتحاد الأقنومي الإلهي على الدوام... واتحد لاهوته بناسوته في أقنوم واحد. وهو شخص واحد. مسيح واحد. رب واحد. ابن واحد... ومن ذكر عنه كلام بخلاف هذا الاعتقاد الذي عليه الاعتماد وبه الخلاص فهو يكون كاذبًا علينا بغواية الشيطان عدو المسيحيّين ويريد بسوء رأيه أن يزرع الزوان كما زرعه الشيطان".
كل ما سبق يعتبر محاولات من روما لاستقطاب كنيسة الإسكندرية، ومثلها محاولة البابا بيوس السادس (1775-1799) الذي أرسل إلى البابا يؤانس الثامن عشر 107 (1769-1796) القس برثلماوس يدعوه للاتحاد مع روما، فقابله البابا يؤانس بكل وداعة، وكلف الأنبا يوساب الأبح أسقف أخميم وجرجا بالرد على هذه الدعوة، فكتب الأنبا يوساب تفنيد للدعاوى الكاثوليكية بالأدلة والبراهين وأرسله البابا يؤانس إلى البابا بيوس السادس، فلما اطَّلع عليها كفت روما عن هذه المحاولات، ولكنها أنشأت في روما " مجمع الدعاية " وأوصت رهبانية الفرنسيسكان وكذلك الجزويت باختيار الصبية الأقباط الأذكياء وإلحاقهم بالمدارس الكاثوليكية ثم إرسالهم إلى روما للدراسة في مجمع الدعاية، وهكذا نشأت الطائفة الكاثوليكية في مصر (القديس العظيم مارمرقس الرسول بين كرسي الإسكندرية وكرسي روما - أمير نصر ص67).
ويحلو لنا أن نذكر هنا موقفين لباباوات الإسكندرية الأول للبابا بطرس الجاولي (1810-1854) مع سفير روسيا الأرثوذكسي، والثاني للبابا كيرلس الرابع (1854-1862) مع القاصد الرسولي الكاثوليكي:
البابا بطرس الجاولي: عندما ذهب سفير روسيا مع ترجمان له، وهو يودُّ لقاء بابا الإسكندرية، ودخلا إلى البطريركية فوجدا رجلًا جالسًا على دكة من الخشب تحيط به كتب كثيرة فطلب السفير منه أن يوصلهما إلى البابا المرقسي، وذهلوا عندما علموا أنه هو بابا الأقباط الجالس على كرسي مارمرقس ودار الحديث الآتي:
* السفير: لماذا تهمل مظهرك الخارجي وملبسك؟
** البابا: "ليس العبد أفضل من سيده " وسيدي كان بسيطًا في ملبسه شظفًا في عيشه.
* السفير: ما هو حال الكنيسة؟
** البابا: بخير والحمد لله، ومادامت كنيسته فهو وحده الذي يرعاها ولن يتخلى عنها أبدًا.
* السفير: ألم تفكروا قط في الحماية؟
** البابا: ما المقصود بالحماية؟
* السفير: حماية قيصر روسيا الذي له الصوله والجولة، وأقام نفسه حاميًا للإيمان الأرثوذكسي أينما كان.
** البابا: ألاَّ يموت القيصر الذي تصفه هذا الوصف؟
* السفير: نعم مثل أي إنسان يموت.
** البابا: أننا في حمى ملك لا يموت.
فانصرف السفير وهو يقول " حقًا لم أقابل من يستحق أن يكون خليفة للسيد المسيح على هذه الأرض غير هذا الرجل الذي لم يخدعه زخرف العالم "
هذا البابا القديس سجل عدَّة مقالات منها مقالين يظهر فيهما حزنه على من ترك كنيسته القبطية طمعًا في أي مكاسب كانت.
البابا كيرلس الرابع: زاره القاصد الرسولي مع الخواجا يوحنا مسرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وطلب منه أن ينضم إلى بابا روما لتكون الكنيسة واحدة وينعم بالحماية من ملوك الفرنجة، فأمسك البابا كيرلس بالكتاب المقدس وانشغل به طويلًا فسأله الخواجا يوحنا علّام يفتش؟ فقال له أنني أبنى الكنيسة واحتاج إلى المال لأعمال المباني، وعرض على أحدهم أن أبيع الغفرانات لكيما أحصل على المال. لذلك فإنني أفحص الكتاب المقدس لعلي أجد ما يبرّر هذا العمل، ولكن تعبي ضاع عبثًا، فإن كان حضرة القاصد الرسولي يعرفني بشاهد من الكتاب المقدس يؤيد بيع الغفرانات فليتفضل، ففهم القاصد قصد البابا وانصرف في خجل.
تم بمعونة الله في
25 نوفمبر سنة 1999 م.
15 هاتور سنة 1916 ش.
شهادة القديس مارمينا العجائبي
_____
(1) كان مكتوبًا في الكتاب "البابا أريانوس الثامن"، وتم التصحيح من قبل الموقع إلى "البابا أوربانوس الثامن".
(173) دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة ج2 ص174-175.
(174) تاريخ الانشقاق ج3 ص364.
(175) قصة الكنيسة القبطية ج4 ص47.
(176) دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة ج2 ص175.
(177) تاريخ الكنيسة لجورج مقار بالفرنسية ص336.
(178) تاريخ الكنيسة القبطية للقمص منسي يوحنا ص470 .
(179) المرجع السابق ص 471.
(180) القدس عبر التاريخ ميخائيل مكس ص74.
(181) دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة ص175.
(182) تاريخ الكنيسة القبطية للقمص منسي يوحنا صيفة الحجة كاملة تجدها في ص477.
(183) تاريخ الانشقاق ج3 ص 29.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/union-1622.html
تقصير الرابط:
tak.la/n9aw2m4