وبعد أن عزل مجمع خلقيدونية البابا ديسقورس رقم (25) أراد الإمبراطور مركيان قتله ثم اكتفى بنفيه، وكان مع البابا سبعة عشر أسقفًا تمسكوا بالإيمان القويم باستثناء أربعة منهم ضعفوا أمام سطوة الإمبراطور، فأرسلهم مركيان بقرارات المجمع المشئوم وأوصاهم بأن أول من يوقّع على هذه القرارات في الإسكندرية يقيمونه بطريركًا عليها، وكان هناك مُقدِمًا للكهنة يُدعىَ " بروتيروس " كان البابا ديسقورس يثق فيه حتى أنه كان يعهد له بإدارة شئون الكنيسة أثناء غيابه... هذا الرجل أغراه المنصب فخان الأمانة ووقَّع على قرارات خلقيدونية رغم تحذير الأنبا مكاريوس أسقف إدكو الذي حضر المجمع، فأقامه الأساقفة الأربعة الذين خانوا الأمانة بطريركًا دخيلًا على الإسكندرية.
أما الأنبا مكاريوس فقد ركله سرجيوس بقدمه فسقط ميتًا وكان أول من نال إكليل الشهادة من أجل عقيدة خلقيدونية، ورفض الأقباط بروتيروس الخائن الدخيل أما هو فقد احتمى بجنود الرومان، وأغلق بروتيروس معظم الكنائس وسلَّم بعضها إلى أتباعه من أصحاب عقيدة الطبيعتين، وسلب ممتلكات أموال الكنائس، وقابل رفض الشعب له بالقوة المسلحة حتى أنه صنع مذبحة عظيمة في ليلة عيد القيامة عندما دخل كنيسة البطريركية وترك الشعب له الكنيسة فأمر جنوده بذبحهم فسالت الدماء في المكان المقدس وجرت من الباب تصرخ لربها من مظالم خلقيدونية وما نجم عن مجمعها المشئوم.
أما بروتيروس فقد أغلق الحمامات العامة، وطرد الكهنة والرهبان من الإسكندرية والأديرة المجاورة لها، وطغى وتجبر كلص وليس كراع أمين لخراف المسيح، وعلى مدار خمس سنوات أذاق أقباط مصر العذاب أشكالًا وألوانًا، ومن خلفه أسقف روما ينفث سمومه ويشجعه، فعندما اقترب عيد القيامة طلب منه أسقف روما تحديد ميعاد العيد كما هو متبع مع أباء الإسكندرية.
وفي 26 يناير سنة 457 مات الإمبراطور مركيان، وتولى بعده ليون الأول (457-474) فوجد الأقباط فرصتهم لرسامة خليفة للبابا ديسقورس بطل الأرثوذكسية الذي انتقل إلى دار النعيم وهو في منفاه بعيدًا عن أولاده، فأقاموا البابا تيموثاوس الثاني البطريرك رقم (26) في 16 مارس سنة 457 م. فعقد مجمعًا في الإسكندرية حرم فيه مجمع خلقيدونية وبروتيروس والأساقفة والقسوس الذين خالفوا العقيدة الأرثوذكسية.
ثم قام برحلة رعوية، وفي خلالها وصل إلى الإسكندرية الكونت ديونيسيوس أمير الجيوش حاملًا معه أوامر مشددة لإخضاع المصريين لبروتيروس، ولا سيما أنه الملك مركيان أرسل من قبل رسالة جاء فيها " أما المخالفون الساكنون في هذه المدينة في الإسكندرية وفي أقاليم مصر فإن لم يرجعوا عن كفرهم ويؤمنوا بما آمن الآباء القديسون السالفون وإن لم يشتركوا مع المكرَّم بروتيروس أسقف الإسكندرية المعترف بالإيمان الأرثوذكسي فإننا نأمر بأن يعودوا تحت عذاب الملوك... ثم نأمر بأن لا يستطيعوا أن يكتبوا وصية في آخر حياتهم، ولا يرثوا ميراث غيرهم، ولا يقبلوا هدية معطاة لهم، ولا يهبوا لأحد شيئًا من أملاكهم. ثم نأمر أيضًا بأن لا يُرسم لهم أساقفة ولا قسوس ولا شمامسة، ثم نأمر بأن لا يُعمَّر لهم كنائس ولا أديرة، ولا يجادلوا في بدعتهم البتة.."(23).
وعندما عاد الأنبا تيموثاوس من رحلته الرعوية وجد أن ديونيسيوس قد أغلق في وجهه جميع أبواب الإسكندرية ليمنعه من الدخول... أما بروتيروس الشقي الذي كنز أموال الكنائس في قصره فقد سطا عليه بعض اللصوص وذبحوه يوم 28/3/457م ثم جرَّه الغوغاء واحرقوا جثته وذروا الرماد في الهواء، وقال بعض المؤرخون أن الشعب الذي ثقلت عليه يد الحكام وعانى كثيرًا من الظلم المدني والديني استغل فرصة موت مركيان وانشغال والي الإسكندرية في محاربة الوندال بشمال أفريقيا من ناحية وقبائل البلميس Blemyes من ناحية وانقضَّ على الدخيل الخائن فحدث ما حدث.
_____
(23) ورد نص الرسالة في كتاب " مضمون المجمع الخلقيدوني " ونقله من الأصل اللاتينى الراهب فرنسيس ماريا - طبع في رومية سنة 1694 م ص 217، 218- أورده رشدى واصف بهنام في كتابة تاريخ الكنيسة القبطية فيما بعد خلقيدونية سنة 451م إلى الفتح العربى لمصر سنة 642م ص6.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/proterous.html
تقصير الرابط:
tak.la/pws6wq9