اسم وأصل الطائفة:
الموارنة هم سلالة الفينيقيين الذين سكنوا على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط منذ نحو ألفى عام قبل الميلاد، ومن أشهر مدنهم صور وصيدا، وكانوا يعبدون إلهة الخصوبة " بعل"، وخضعوا لحكم قدماء المصريين عدة مرات، وصمدوا أمام الهجمات الأشورية في القرن التاسع قبل الميلاد، ولكنهم خضعوا للحكم الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد، وجاءت تسمية الطائفة بالموارنة نسبة إلى القديس مارون الناسك الذي عاش فوق جبل كورش وتوفى سنة 410 م. قبل انعقاد مجمع خلقيدونية، وقد تجمع في المكان تلاميذه وبنوا لهم ديرًا سنة 452م، وكان هناك شابًا غنيًا من أنطاكية يدعى "ثيودوريت" عاش في دير "النقيرة" سبع سنوات ثم عُيّن أسقفًا لمنطقة كورش الجبلية التي بها دير القديس مارون، وعندما رفضته الكنيسة الجامعة بسبب إيمانه النسطوري لجأ إلى تلاميذ مارون الذين قبلوا مجمع خلقيدونية الذي قبله ثيودوريت، وبذلك ارتبط الموارنة بفكر ثيودوريت أسقف كورش النسطوري، ومع مرور الأيام تسمى المسيحيون في هذه المنطقة بالموارنة، وفي سنة 628 زار هرقل الإمبراطور الروماني هذا الدير وأقنع رهبانه بقبول فكرة المونوثيليتية Monothelitism "المشيئة الواحدة" ومنذ ذلك الوقت انسلخت الكنيسة المارونية عن كنيسة إنطاكية السريانية الأرثوذكسية، وأيضًا عن الكنيسة البيزنطية وأصبحت كنيسة مستقلة تنتخب بطريركها وأساقفتها من دير القديس مارون، وخلال الفتح الإسلامي (634-644م) هرب كثير من المسيحيين من المدن الكبرى إلى الجبال والأرياف النائية بسبب فرض الدين الإسلامي عليهم، وتحولت المارونية من معتقد ديني إلى قومية مرتبطة بلبان كوطن لها (راجع الكنائس الشرقية وأوطانها ج3 لراهب من الكنيسة القبطية ص222-249)، وظل دير مارون عامرًا حتى منتصف القرن العاشر حيث تخرَّب على يد العرب، ويعتبر هذا الدير هو مهد الطائفة المارونية، وانتشر الموارنة في جبال لبنان الشاهقة وأوديته السحيقة هروبًا من الاضطهاد العربي، وتطوَّرت المارونية من عقيدة دينية إلى عقيدة قومية، فقال رستلهوبر " ما أن اعتصم الموارنة في جبالهم حتى الغوا أمة على نصيب كبير من الاستقلال، فقد تمكنوا في ظلال جبالهم العالية العصية، من صد الزحف العربي، حتى أصبح لبنان وكأنه قلعة مسيحية طبيعية... " (137) وقال تارو " أن الموارنة في نظامهم الإقطاعي، جعلوا جبلهم حصن المسيحية في الشرق... فاعملوا يدهم في الصخور ونحتوها فإذا هي "حفافي" متدرجة، وجنائن معلَّقة، وبساتين جوّية، وكروم من التوت واساقيل من الدوالي، وإذ هي رائعة من الروائع " (138)
تاريخ الموارنة:
كان الموارنة يتبعون البطريرك الملكي الأنطاكي التابع لمملكة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الشرقية، وفي سنة 624 م. خرج البطاركة الملكيون من أنطاكية واستقروا في القسطنطينية بعيدًا عن كنيستهم وشعبهم بسبب الفتح الإسلامي وسيطرة المسلمين على سوريا ولبنان وكافة بلاد الشام، وكان الكرسي الأنطاكي الملكي شاغرًا خلال الفترة من سنة 609 م. إلى سنة 685 م. لأن ملوك القسطنطينية كانوا يُعيّنون البطاركة الملكيين لأنطاكية ولكن أحدًا منهم لم يدخل مدينة أنطاكية، ولذلك تجرأ الموارنة سنة 686م وساموا بطريركاُ منهم وهو " يوحنا مارون " واعتبروه البطريرك الأول لهم ثم تعاقب عليه حتى اليوم 75 بطريركًا مارونيًا.
وعندما اشتد الاضطهاد الإسلامي للمسيحيين في بلاد الشام طلب أباطرة القسطنطينية النجدة من روما، فدعى باباوات روما الملوك المسيحيين إلى تنظيم حملات عسكرية لنجدة مسيحي الشام واستعادة الأماكن المقدسة في فلسطين، ودُعيت هذه الحملات فيما بعد بالحملات الصليبية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وخلال هذه الحملات تعاطف الموارنة مع الفرنجة نظرًا لما عانوه من الاضطهاد العربي. أما موقف الفرنجة منهم فكان متناقضًا بين التعاطف معهم وبين معاملتهم بجفاء، وعندما انتهت الحملات الصليبية على يد المماليك جاء وقت تصفية الحساب مع الموارنة فأذاقهم المماليك العذاب أشكالًا وألوانًا حتى قتلوا بطريركهم "دانيال الحدشيتي" الذي تصدى لهم سنة 1282م، وفي سنة 1365م عندما أغار فرنجة قبرص على الإسكندرية فنهبوها وقتلوا أبناءها أعلن المماليك الاضطهاد على كافة المسيحيين في مصر والشام وقبضوا على البطريرك الماروني "جبرائيل هجولا " وأحرقوه حيًا.
تحصَّن الموارنة بجبال لبنان وسعوا للحصول على استقلالهم، ففي سنة 1527م أرسل البطريرك الماروني رسالة إلى "شارلكان" إمبراطور الغرب يقول له "منذ أربع سنوات ونحن نترجَّي جلالتكم كي تهتموا بمساعدتنا على نيل استقلالنا، وعندنا خمسون ألف مقاتل من الرماة مدرَّبون أحسن تدريب وعلى أتم استعداد لخدمتكم في الحرب الاستقلالية " (139) ولكن لم يجد البطريرك الماروني استجابة من شارلكان إمبراطور الغرب، فلم ييأس إنما أوفد نائبه لمقابلة السلطان سليم العثماني يلتمس منه رفع الظلم عن الموارنة فنجح في مهمته وحصل الموارنة على بعض حقوقهم ورُفع الظلم عنهم.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر أخذت فرنسا على عاتقها حماية الموارنة في لبنان والشرق، فارتفع شأن الموارنة ولا سيما عندما تنصَّر عدد ليس بقليل من الأمراء الشهابيين وشعبهم وانضموا إلى الموارنة. ولكن هذا أثار مخاوف الدولة العثمانية فلجأت إلى الحيلة والدسيسة إذ حرَّضت الدروز على الموارنة فحدثت تصادمات دامية بين الاثنين فقسَّمت الدولة العثمانية لبنان بينهما، وفي سنة 1860م صنع الدروز مذبحة عظيمة للموارنة ما زال التاريخ الماروني يذكرها بأحداث سنة 1860م مما جعل الدول الأوربية تتدخل وتتفق مع الدولة العثمانية على إلغاء تقسيم لبنان بين الموارنة والدورز.
وخلال الحرب العالمية الأولى احتلت تركيا لبنان وشكَّلت حكومة جديدة برئاسة جمال باشا السفاح قائد الجيش العثماني الرابع الذي أعلن الأحكام العرفية.
وحُكِم بالإعدام على عدد كبير من الموارنة. بالإضافة إلى المجاعة التي تعرضوا لها فمات الآلاف منهم حتى امتلأت المقابر وصاروا يدفنون ذويهم بالقرب من بيوتهم.
وفي 1 سبتمبر سنة 1920م أُعلن استقلال لبنان ووُضِع تحت الانتداب الفرنسي من سنة 1923م إلى سنة 1943م. ثم أُعلنت الجمهورية اللبنانية في يناير سنة 1944م فعاش الجميع في سلام مسلمون ومسيحيون إلى أن جاءت أحداث سنة 1975م حيث المأساة الفلسطينية، والأحزاب الشيوعية والاشتراكية، والقومية المتطرفة، والحركات الدينية الخمينية والتوحدية المتعصبة فعاشت لبنان الحرب الأهلية حتى سنة 1990م.
ويبلغ عدد الموارنة اليوم في لبنان نحو مليون وربع مُوزَعون على تسع إيبارشيات داخل لبنان. بالإضافة إلى إيبارشية حلب والقاهرة واللاذقية خارج لبنان وأيضًا 4 إيبارشيات في المهجر حيث وصل عددهم إلى نحو عشرة ملايين.
الموارنة في مصر:
في بداية الحكم العثماني جاء إلى مصر بعض التجار الموارنة وأقاموا فيها، وفي سنة 1639 جاء إلى مصر البطريرك الماروني جرجس عميرة في زيارة رعوية لأبنائه الموارنة وكان يوجد بعض الكهنة الموارنة المقيمين في مصر، و" يؤكد العلامة " وادينجتون " كاتب تاريخ الأراضي المقدسة أن الكرسي الرسولي قد طلب في ذلك الوقت إلى الآباء الفرنسيسكان المُرسلين بالقطر المصري أن يتخذوا لهم كاهنين من الكهنة الموارنة القاطنين بمصر كمستشارين لهم، حيث أن أولئك الكهنة أجدر من غيرهم لمعرفة حالة البلاد ومعقولية الأقباط " (140)
وفي عام 1745م جاء إلى مصر بعض الكهنة الرهبان الحلبيين (الآن يُدعَون بالرهبان المريميين) لرعاية أبناء الجالية فاستقروا أولًا في دمياط ثم جاءوا إلى الزقازيق ومصر القديمة حيث أسَّسوا ديرًا لهم سنة 1833م. ثم كنيسة باسم القديس إيليا سنة 1837م، وكنيسة في درب الجينية، وأستقروا في حي شبرا ومنه توجهوا إلى المنصورة ومصر الجديدة والزيتون وبورسعيد، وسافروا إلى الخرطوم، وقام الموارنة ببناء كنيسة لهم في الإسكندرية بمساهمة الدكتور كلوت بك (يوجد شارع متفرع من ميدان رمسيس بالقاهرة باسمه) مؤسّس كلية طب القاهرة في عهد محمد على الكبير.
وفي سنة 1906م أقام البطريرك الحويك نيابة له في مصر وهو المنسنيور يوسف دريان الذي توفى سنة 1920م وفي سنة 1928 أقام المنسنيور عمانوئيل فارس الذي توفى سنة 1943م وبوفاته انتهت النيابة البطريركية للموارنة في مصر، وفي سنة 1946م أنشئت مطرانية مارونية بالقاهرة ونصب عليها المطران بطرس ديب الذي توفى سنة 1965 ثم عُيّن المطران يوسف مرعى سنة 1972م، ثم الأب يوسف ضرغام سنة 1989م وهو من مواليد سنة 1930م، ودرس اللاهوت في جمعية القديس يوسف وتخصص في الأدب الفرنسي في جامعة السوربون بفرنسا The Sorbonne ونال الليسانس في الآداب الفرنسية وسيم كاهنًا سنة 1959م.
ويتبع الموارنة الكاثوليك في مصر سبعة كنائس هي:
(1) كاتدرائية القديس يوسف-24ش حمدي بالظاهر القاهرة.
(2) كنيسة مارجرجس ميدان أحمد حلمي القاهرة.
(3) القديس مارون ومعبد القديسة ريتا-50ش بيروت مصر الجديدة.
(4) انتقال العذراء والقديسة تريزا -8ش مسجد مصطفى كامل إسكندرية.
(5) مارإلياس بالمنصورة.
(6) القديسة تريزا ببورسعيد.
(7) القديسة تريزا بالإسماعيلية.
ويبلغ عدد الموارنة في مصر خمسة آلاف نفس.
الطقس الماروني:
يستخدم الموارنة اللغة السريانية في الطقوس وهي فصحى اللغة الأرامية، وتبدأ السنة الطقسية من الأحد الأول من شهر نوفمبر وتدور حول حياة السيد المسيح على الأرض فتمر بالميلاد، والدنح (الظهور الإلهي)، والصوم، والآلام والصليب، والقيامة، والصعود، وحلول الروح القدس، وارتفاع الصليب، وتسبق الأعياد فترات من الصوم بالإضافة إلى صوم يومي الأربعاء والجمعة، ولكن هناك تعديلات كثيرة دخلت على الطقس والأصوام بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، ويتبع الطائفة المارونية الرهبانية اللبنانية والرهبانية الحلبية اللتان نشأتا في أواخر القرن السابع عشر سنة 1695م، وكذلك الرهبنة الأنطونية سنة 1700م.
_____
(137) من كتاب رستلهوبر - تقاليد فرنسا في الشرق ص15-17 - أورده ضحى المسيحية في الشرق الأدنى ح3 ص89.
(138) من كتاب تارو - طريق دمشق ص41، 42 - أورده ضحى المسيحية في الشرق الأدنى ح3 ص90.
(139) رسالتان إلى الإمبراطور شارلكان - تعريب الأستاذ كميل افرام السرياني - مجلة الفصول 12 سنة 1984م ص86-92 - أورده دليل قراءة تاريخ الكنيسة ح2 ص313.
(140) الدليل العام للكنيسة الكاثوليكية في مصر سنة 1998م ص51.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/mawarna.html
تقصير الرابط:
tak.la/2vmkhm7